شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
شاهدتُ مسلسل

شاهدتُ مسلسل "بيروت 6:07"... وظننت أنني سأكرهه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 7 نوفمبر 202012:22 م

سواء كنت لبنانياً أو غير لبناني، فإن يوم الرابع من آب/ أغسطس الماضي لم يكن كغيره من الأيام. هول الحادثة، ومشاهد الدمار، وقصص القتلى والضحايا والمفقودين، وشكل المدينة التي بدت بائسة من خلف شاشاتنا، هذه كلها مطبوعة في ذاكرتنا ولن ننساها. لكن يبدو أن هناك من قرر أن يوثقها بطريقة مختلفة.

بعد نحو شهرين من انفجار بيروت، نشر موقع "شاهد" إعلاناً ترويجياً عن مسلسل جديد يحمل اسم "بيروت 6:07". الإعلان تحدث عن 15 حلقة تقدم حكايات واقعية مستوحاة من قصص الضحايا. أُعلن أيضاً أن المسلسل سيعرض يوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر، أي الذكرى الأولى للثورة في لبنان.

شخصياً، أؤيد جميع المحاولات والجهود لتوثيق المآسي، والأحداث، والقصص التي تدور من حولنا، فبذلك نضمن أن قصتنا باقية، وقادرة على أن تعيش أطول فترة ممكنة، ليقرأها ويشاهدها جيل آت في المستقبل. غير أن فكرة إنتاج مسلسل عن مثل هذه المأساة خلال أقل من شهرين على وقوعها كان مصدر توجس بالنسبة لي، فكيف يمكن لأي كان أن يقوم بكتابة فكرة، وجمع طاقمها، وتصويرها، وتحريرها، وتجهيزها خلال هذه الفترة الوجيزة؟ 

الجدل انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وكان واضحاً أن الجمهور يقف ضد هذا النوع من الأعمال الدرامية. كثيرون قالوا إن المسلسل هدفه ربحي بحت، لجمع المشاهدات، والعيش على أشلاء القتلى والأمل بالعثور على المفقودين. لم يكن من الصواب تأييد هذا التوجه، فلا يمكن أن نحكم على مثل هذا العمل إلا إذا شاهدناه.

الإعلان تحدث عن 15 حلقة تقدم حكايات واقعية مستوحاة من قصص الضحايا. أُعلن أيضاً أن المسلسل سيعرض يوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر، أي الذكرى الأولى للثورة في لبنان

ليل السبت نشر موقع "شاهد" الحلقات الستة الأولى من المسلسل. الحلقات عبارة عن لوحات قصيرة لا يتجاوز طول الواحدة الـ10 دقائق، فكانت النتيجة كالتالي: 

** ملاحظة: السطور أدناه تحتوي على حرق للأحداث، فلا تكمل إن لم تحضر المسلسل بعد، وكانت لديك النية لذلك.

175... فوج الإطفاء البطل

قصة سحر فارس ورفاقها في فوج الإطفاء تكاد تكون واحدة من أكثر القصص التي أبكتنا بعد التفجير. في الحلقة الأولى من المسلسل، قدمت المخرجة كارولين لبكي قصة الفوج وأفراده قبل وقت قصير من الانفجار. عرضت لبكي القصة بشكل بدا فيه أن الفريق تمكن من إطفاء الحريق، وعاد سالما إلى مقره، بل تم الاحتفاء به على شاشات التلفاز، وعلى الأكتاف… التي في الحقيقة حملت توابيتهم بدلاً من ضحكاتهم. الحلقة كانت مصورة كأنها تعرض على جهاز موبايل، وانتهت بكلام بدا شاعرياً من مخرجة العمل. 

بالنسبة لهذه الحلقة، لم أشعر أن هذه هي الطريقة المناسبة في عرض القصة، لأن تعاطفي كان مع التوابيت التي ظهرت في النهاية أكثر من الشخصيات في القصة الدرامية، وهو أمر طبيعي، فبالتالي، لا يمكننا أن نحكم على نجاح الحلقة من عدمه، لأن التعاطف ارتبط بالشخصيات الحقيقية. كان يجب أن أشعر بالشخصيات، وأن أعيش هذه اللحظات الأخيرة معها، لكن للأسف كان هناك انفصال شديد بين القصة الحقيقية والقصة المبنية عليها.

عماد

هذه الحلقة هي حلقتي المفضلة. لقطة واحدة استمرت أكثر من 5 دقائق أخذتنا بها المخرجة سندرين زينون في اللحظات الأخيرة من حياة عماد، وهو يعد زوجته بحياة جديدة بعيداً عن الوطن. رأينا تفاصيل بيروت في هذا المنزل الصغير: انقطاع الكهرباء، التجمع العائلي لتحضير الغداء، حلاوة الجبن التي أحضرها الزوج لزوجته الحامل. في تلك اللقطة، نقلتنا المخرجة من فترة ما قبل التفجير إلى ما بعده، فرأينا الزوجة التي وقفت على سطح المنزل، تراقب الانفجار من بعيد، وتودع زوجها الذي يسير تابوته في الشارع.  

ميرا

بين التمثيل والواقع، قد يكون هناك شعرة. هذا ما جسدته ميرا قبل الانفجار في هذه الحلقة. فهذه الشابة التي تعمل في أحد المقاهي في بيروت، حصلت على فرصة المشاركة في مسرحية، فذهبت للعب دور أمام لجنة الحكم علها تفوز بالدور. الحوار تركز على الهجرة، والذهاب بعيداً عن هذا الوطن. لم تدر ميرا أنها ستكون بعيدة بعد دقائق ليس فقط عن هذا الوطن وإنما عن الحياة كلها. الحلقة من إخراج لوسيان بورجيلي، الذي قدم لوحة قريبة من أسلوبه المعتاد: المقاربة بين الواقع والخيال.

طيف

كانت هذه هي الحلقة الوحيدة المختلفة عن باقي الحلقات. لوحة فيديو سريالية تتخالط فيها أصوات المفقودين من الانفجار في بيروت وما قبله، فهذه المدينة لم يكن الانفجار أول "انفجار" فيها. نرى قاع البحر، والنيران، والدمار هنا وهناك، ونسمع أصوات أشخاص يبدو أنهم لا يعرفون إن كانوا أشباحاً أو حقيقيين. مشكلتي الوحيدة مع هذه اللوحة هو أنها لا تتماشى مع باقي الحلقات، ولا أعتقد أن الجمهور الموجود على منصة كـ"شاهد" هو الجمهور المناسب لهذا النوع من أفلام الفيديو القصيرة، فجزء من مشاهدة هذه الأفلام هو التجربة التي يعيشها المشاهد. شخصياً لا أعتقد أن هذه التجربة كانت ناجحة في هذه السلسلة عبر هذه المنصة.

الجدل انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وكان واضحاً أن الجمهور يقف ضد هذا النوع من الأعمال الدرامية. كثيرون قالوا إن المسلسل هدفه ربحي بحت، لجمع المشاهدات، والعيش على أشلاء القتلى والأمل بالعثور على المفقودين

طروبيل

أتعرفون ما هو "الطروبيل"؟ هذه المعلومة الوحيدة التي لن أشرحها لكم، وسأترك لكم معرفة معناها من خلال هذه الحلقة، التي كانت حلقة مميزة جداً في هذه السلسلة. أتذكرون السيارة التي تم انتشالها من البحر وكان صاحبها بداخلها؟ هذه كانت قصته في المسلسل. لا أدري هل هي قصته الحقيقية أم أنها متخيلة. أعود هنا إلى اللحظات الأخيرة التي قدمها المخرج كريم الرحباني عن حياة هؤلاء الناس، هذه اللحظات التي قدمت لنا بيروت بصورتها التي نهواها: العائلة، الخضراوات التي ينقصها الثوم، البندورة التي لم يخترها الزوج بعناية من "الخضرجي"، الأم التي تنادي أبناءها للاستحمام "لأن المي السخنة أجت"، الجار الذي سيحضر كأس العرق حتى يعود له جاره بعشاء من السمك. كل هذه التفاصيل الجميلة، تفاصيل بيروت، تجعلنا نتعاطف مع هذه الشخصيات، ونشعر بأننا عشنا معها وأصبحنا جزءاً من حياتها. فعند ساعة الموت، نشعر وكأننا فقدنا فرداً من العائلة. وهذا كان السر في بعض هذه الحلقات.

المحظوظون

حلقة كانت مختلفة، ولكنها جيدة أيضاً. فهي تحكي عن فترة ما بعد الانفجار. سيدة تهرع برفقة ابنتها المريضة إلى المستشفى، لأن الفتاة الصغيرة بحاجة إلى زراعة قلب، فيتصل بها المستشفى بعدما تمكنوا من العثور على القلب المطلوب. في تلك الأثناء، تدخل سيدة إلى المستشفى تبحث عن ابنها المفقود الجريح، يخبرونها أنه هنا، فتنتظر. تلك اللحظة التي يتم فيها إبلاغ الأم الأولى أن ابنتها الآن في طريقها إلى غرفة العمليات لزراعة قلبها الجديد، تختلط في اللحظة نفسها التي يتم فيها إبلاغ الأم الثانية أن ابنها مات. لكم أن تتخيلوا الباقي.

الربط ما بين اللحظتين مهم جداً في هذه المدينة، التي ودعت الكثير من أبنائها، ولكن الأمل لا يزال كبيراً في من هم على قيد الحياة. نهاية تفيد بأن هذه المدينة ورغم الدمار والمؤامرات ستعيش وستستمر.

بانتظار أن ينشر موقع "شاهد" الحلقات المتبقية، أستطيع أن أقول إنني راضية عن هذا العمل، فمن صنعه هم لبنانيون كتبوا قصصاً من حولهم، قدموها بطريقتهم، سواء اتفقنا أو اختلفنا معهم، تبقى هذه القصص للزمن شاهدة على ما جرى.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard