على عكس معظم الحيوانات، فإن البشر "يكشرون" عن أسنانهم، ليس من باب الشراسة والعدوانية وتوجيه إنذار للآخرين، إنما كبادرة لطيفة لإظهار سعادتهم وسرورهم من موقف معيّن، الأمر الذي يزيدهم جاذبية ويضيف لإطلالتهم سحراً خاصاً.
ولعلّ من أول الأشياء التي نلاحظها عند مقابلة أشخاص جدد، هي ابتساماتهم التي بوسعها "كسر" الجليد وتسهيل عملية التواصل بيننا وبينهم.
ما هي قوّة الابتسامة وكيف تجعل صاحبها أكثر جاذبية في عيون الآخرين؟
سلوك بشري بامتياز
تعتبر الابتسامة سلوكاً متأصلاً في طبيعة البشر، يعكس العديد من المشاعر، كالسعادة والفرح والإثارة... ومن المعروف علمياً أن رسم الابتسامة على الوجه قد يغيّر مزاج الشخص نفسه ويزيد من شعوره الداخلي بالرضا والسعادة.
الابتسامة هي تعبير فطري يتميّز به الإنسان، ولطالما تم ربطها بمفهوم الجاذبية
والواقع، إن النظر في موضوع الابتسامة كتعبير في الوجه يعزز المشاعر المذكورة أعلاه، هي نظرية تبناها كل من تشارلز داروين، والفيلسوف ويليام جيمس، منذ أكثر من قرن، فمنذ إصدار أعمال داروين عن تعابير الوجه والمشاعر في العام 1872، تم إجراء الكثير من الأبحاث حول تأثير الابتسامة على المشاعر الإنسانية.
في حديثه مع مجلة Scientific American، وصف فرانك ماك أندرو، أستاذ علم النفس في كلية نوكس في غاليسبرغ- إلينوي، والذي قضى وقتاً طويلاً في دراسة تعابير الوجه، الابتسامة بأنها "سلوك مبرمج مسبقاً"، مشيراً إلى أن الإنسان ليس مضطراً لتعلّم الابتسامة لكونها تأتي بالفطرة، فالأطفال الذين يولدون مكفوفين لا يرون أحداً يبتسم، لكنهم يبتسمون بنفس الطريقة التي يبتسم فيها الأشخاص المبصرون.
وبالرغم من أن فرانك نوّه بأن الابتسامات ليست كلها حقيقية وصادقة: "الكثير من الابتسامات البشرية لا تعكس المشاعر الودية الحقيقية، فكروا في السياسيين الذين يبتسمون للمصورين"، إلا أنه ليس سراً بأننا كبشر تجذبنا الابتسامة اللطيفة، بخاصة إذا كانت نابعة من القلب.
العلاقة بين الابتسامة والجاذبية
هناك الكثير من الأمور والمواقف التي تحصل معنا وتجعلنا نرسم ابتسامة على وجهنا، سواء كان ذلك بمشاهدة أفلام كوميدية أو لقاء صديق/ة، أو حتى عند محاولة التقرب من شخص معيّن، فتكون "بوابة" التعارف في مثل هذه الحالة هي الابتسامة الخجولة والبريئة.
واللافت أن مثل هذه التجارب ترسل إشارات إيجابية معيّنة للقشرة الدماغية: بمجرد أن نبتسم، فإن التحفيز العضلي يرسل الإشارات إلى الدماغ لتوضيح مشاعرنا بالسعادة، وهكذا تعمل الابتسامة بطريقة مشابهة لكيفية تفاعل أجسامنا مع الإندورفين بعد التمرين، من هنا يمكن القول بأن الابتسامة تحمل فوائد كثيرة لصحتنا ورفاهيتنا.
"الكثير من الابتسامات البشرية لا تعكس المشاعر الودية الحقيقية، فكروا في السياسيين الذين يبتسمون للمصورين"
والحقيقة أن الابتسامة هي تعبير فطري يتميّز به الإنسان، ولطالما تم ربطها بمفهوم الجاذبية.
ففي إحدى الدراسات التي أجريت في العام 2013، عرض الباحثون مجموعة من الصور التي تظهر وجوهاً متفاوتة في مقدار الجاذبية والسعادة، وطلبوا من المشتركين/ات اختيار الوجوه الأكثر جاذبية بينها.
لاحظ الباحثون أن جاذبية الشخص تتأثر بشكل مباشر وبقوة بـ "شدة الابتسامة على الوجه"، بالإضافة إلى ذلك، خلصت نتائج الدراسة إلى أن الوجه السعيد يمكن أن يعوض "عدم الجاذبية"، وهي نتائج مماثلة لدراسات قديمة تعود إلى العام 1982، أظهرت أن الوجوه المبتسمة أكثر جاذبية من الوجوه غير المبتسمة.
بالإضافة إلى إضفاء صفة الجاذبية، يبدو أن الابتسامات مجزية أيضاً، فقد اكتشفت دراسة أجريت في العام 2003 مدى تأثير الابتسامة على الدماغ، إذ وجد الباحثون أن مجرد النظر إلى وجه جذاب ينشط القشرة الأمامية للدماغ، والتي تساعد على معالجة المكافآت الحسية، ما يعني بأن مجرد رؤية شخص يبتسم قد تكون مكافأة من نوع ما.
وفي هذا السياق، كتب رونالد ريجيو، أستاذ القيادة وعلم النفس التنظيمي في كلية كليرمونت ماكينا في كاليفورنيا، في سيكولوجي توداي، عن السحر الذي تخلفه الابتسامة: "في كل مرة تبتسمون فيها لشخص ما، فإن دماغه يقنعه برد الجميل"، وأضاف: "إنكما تنشئان علاقة تكافلية تسمح لكل واحد منكما بإطلاق مواد كيميائية جيدة في الدماغ، تنشط مراكز المكافآت، تجعلكما أكثر جاذبية وتزيد من فرصكما في العيش حياة أطول وأكثر صحة".
التواصل مع الآخرين
هناك مقولة تقول: "ابتسم والعالم يبتسم معك"، بحيث يعتبر البعض أننا كبشر نرتبط ببعضنا البعض بطرق لا نعرفها ولكنها ضرورية للغاية للتواصل، ومن بينها الابتسامة.
أثناء إجراء بحث لكتابها Lip Service: Smiles in Life, Death, Trust, Lies, Work, Memory, Sex, and Politics، اكتشفت عالمة النفس في جامعة ييل، ماريان لافرانس، شيئاً مثيراً للاهتمام: "عند نعي الميت، يذكر الناس في الكثير من الأحيان ابتسامة أحبائهم أكثر من أي سمة أخرى".
قد يبدو من الغريب التحدث عن ابتسامة شخص ما عند وفاته، إلا أن لافرانس اعتبرت أن هذا الأمر يثبت أن "الابتسامة هي طريقة نتواصل بها مع الآخرين"، مشيرة إلى أن "الناس يبلغون من خلال وجوههم حقيقة أنهم يعترفون بنا، وأننا على قيد الحياة، وأننا مهمون، وأننا لسنا مجرد أشياء يمكن الاستغناء عنها".
وعلى الرغم من أننا قد لا نفكر كثيراً في الابتسامة "كنعمة"، إلا أن بعض الحالات العصبية والطبية تجعل الناس غير قادرين على التحكم بتعبيرات الوجه، الأمر الذي يمكن أن يكون "مؤلماً"، بحسب ماريان: "الابتسامة أمر محوري للغاية لشعورنا بالراحة في العالم، لدرجة أننا عندما نكون غير قادرين على الابتسامة فإننا نشعر بعدم الارتياح بسبب ذلك".
وفي هذا الصدد، روت لافرانس لموقع Wired تجربة امرأة خضعت لعملية زرع وجه بعد أن هاجمها شمبانزي، وكان من اللافت أن تتمكن السيدة من استعادة قدرتها على الشم والابتسام بعد العملية الجراحية.
وتعليقاً على هذه الحادثة، قالت لافرانس: "هذه المرأة ستكون عمياء لبقية حياتها لكن المثير للاهتمام أنها قادرة على الابتسام"، وأضافت: "بقدر ما تساعد الابتسامة الناس على التواصل، فإنه يمكن أن تكون أيضاً مفيدة في العلاقات".
بالنسبة للأخصائي في علم النفس، هاني رستم، فإن الابتسامة هي أداة مهمة يمتلكها الإنسان دون سائر المخلوقات وتساعده على التواصل مع الآخرين.
وتحدث رستم لموقع رصيف22 عن أهمية الابتسامة في حياتنا، انطلاقاً من مفهوم social engagement (الارتباط الاجتماعي) وهي نظرية جديدة في علم النفس الاجتماعي، تعتبر أن الإنسان بطبعه يحتاج إلى التواصل مع الآخر لكي يشعر بأنه موجود، وبأن هناك شخصاً آخر يهتم به، الأمر الذي يجعله يتعايش ويتأقلم مع ظروف الحياة الصعبة.
"الابتسامة الحقيقية والصادقة تعني بالنسبة للشخص أن هناك من ينظر إليه، من يهتم به، من يشعره بالأمان ومن يعترف بوجوده"
وأوضح هاني أن الدراسات التي أجريت مؤخراً، لاحظت أنه عند وقوع صدمة اجتماعية معيّنة، وقبل استجابة الكر والفر أو الجمود، فإن ردة الفعل الأولية التي يقوم بها المرء هي طلب المساعدة من الآخرين، وهو أمر يجعله يشعر بالأمان وبأن هناك شخصاً آخر مستعد للوقوف إلى جانبه، فكيف إذا كان هذا الأخير يبادره فوراً بابتسامة صادقة ونابعة من القلب؟
من هنا شدد رستم على أن الابتسامة هي واحدة من الخصائص التي تدخل في نظرية الـ social engagement، شارحاً ذلك بالقول: "نحن بحاجة لكي نكون على تواصل اجتماعي مع بعضنا البعض، والابتسامة الحقيقية والصادقة تعني بالنسبة للشخص أن هناك من ينظر إليه، من يهتم به، من يشعره بالأمان ومن يعترف بوجوده".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع