شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"عندنا اسمها معاكسة وتحرّش"... لمَ الخوف من ابتسامة الغريب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 8 أكتوبر 201904:54 م

- "الغرباء الذين يبتسمون في وجهك عند التقاء العيون هامون جداً".

- عندنا اسمها معاكسة وتحرّش!

مقولة كُتبت على أحد الجدران بالإنجليزية، علقت عليها فتاة مصرية تدعى داليا على تويتر بالسخرية معتبرةً أن الابتسامة "معاكسة وتحرّش" في مصر وفي العديد من البلدان العربية.



وأثنى على ردّها شاب يدعى جمال ساخراً: "لو ضحكت (ابتسمت) لبنت هتفكرني بعاكسها ولو ضحكت لراجل هيشتمني ويقولّي بتضحك على إيه".

مواقع علمية عدة شرحت التحرّش جملةً وتفصيلاً موضحةً عناصره ولم تكن الابتسامة في أيٍ منها.

عدا التحرش الجنسي، اللفظي والكتابي، يقدّم موقع الحب ثقافة المعلوماتي أشكال التحرش الجسدي، مختصراً إياها بـ8 هي اللمس، والشدّ، والحكّ، واعتراض الطريق، والملاحقة والتتبع، والتحديق، وممارسة العادة السريّة، والكشف عن الأعضاء الجنسية علناً، وهو ما يُثبت أن الموضوع اجتماعي بحت.


"يعتمد على الجنسية"

الخوف من ابتسامة الغريب دبّ في شابة تدعى سارة خلف (22 عاماً).

إذا كانت في سيارتها وابتسم لها رجل، تُقفل الشبابيك، وتُسرع لتتخلص منه، بينما يرافقها هوسٌ بأنه يلاحقها. وإن كانت في مقهى وابتسم لها رجل أيضاً، تتوارى كي تتخلص من هذا الموقف الذي يربكها.

في محاولة لشرح الخوف، تروي خلف لرصيف22 موقفاً تعرضت له في آب/أغسطس الماضي في أحد مقاهي جبل عمّان في العاصمة الأردنية عمّان، قائلةً إن رجلاً يبدو أنه أربعيني ابتسم لها أثناء جلوسها مع صديقتها. أشاحت بوجهها لتفادي الموقف، وبعد نصف ساعة، التقت عينها بعينه وابتسم مرّة أخرى.

تقول: "خفت كثيراً خاصةً أن الغالبية العظمى من المجتمع الأردني ليست من النوع البشوش الذي يبتسم في وجه من يصادفه. أجبرت صديقتي على مغادرة المكان، ولم أدفع الحساب في مكاني بل ذهبت إلى الكاشير (صندوق المحاسبة) مباشرةً لأغادر في أسرع وقت". 

أشارت خلف إلى أنها "لم تشعر ببراءة نظرته"، كاشفةً عن أنها سألت صديقتها عن رقم الشرطة "في حال لحق بنا".

من ناحية أُخرى، تقول خلف إنها لم تكن لتتصرف بالطريقة نفسها إذا ابتسم لها أحد في دبي، حيث تُقيم، مع تنوّع الجنسيات، مضيفةً "يعتمد الموضوع على الجنسية"، وهو ما يشير إلى خوفها من العرب على وجه الخصوص.

وتضيف أنها لا تمانع "فتح مواضيع" مع الرجال غير العرب في المصعد على سبيل المثال، وتتفادى أي حوار أو نظرات مع العرب. أما مع الفتيات فلا مشكلة لديها على الإطلاق.

"لا أبتسم للرجل العربي لأنه غالباً سيظن أن ابتسامتي دعوة جنسية"... لمَ الخوف من ابتسامة الغريب؟
"نظرةٌ، فابتسامةٌ، فسلامٌ، فكلامٌ، فموعدٌ، فلقاءُ"... هل يلخص بيت شعر أحمد شوقي الخوف من ابتسامة الغريب في مجتمعاتنا العربية؟

نظرة، فابتسامة، فسلام

"مجتمعاتنا تمنع الاختلاط، وإن حصل، فهناك قوانين أشبه بقيود حديدية على طريقة التعامل". هذا ما تقوله الطبيبة المصرية المُتخصصة في التعليم الصحي، علياء جاد، لرصيف22 مقدمة بيت شعر لأحمد شوقي لتلخيص نظرة المجتمع لابتسامة الغريب: "نظرةٌ، فابتسامةٌ، فسلامٌ، فكلامٌ، فموعدٌ، فلقاءُ"، وموضحةً أن "الخطيئة" في العديد من المجتمعات العربية "تبدأ بنظرة، تليها ابتسامة، فلقاء".

وأضافت: "الابتسامة 'ممنوعة' لدى البعض لأنها تدعو للتحرش، حسب العرف غير المكتوب". وأشارت إلى أن التحرش منتشر لأسباب عدّة، أهمها الكبت، ولذلك حين يرى الرجل أنثى في الشارع يعتبرها فرصة ذهبية.

ومختصرةً أفكارها، قالت جاد: "الابتسامة تصنف في مجتمعاتنا نوعاً من الدعوة للمزيد من التفاعل الإنساني بين رجل وسيدة".

ولفتت إلى أنها تبتسم للغرباء. غالباً للسيدات، وبالأخص الكبيرات في السن، أما الرجال، فحسب الجنسية أيضاً، مؤكدةً: "لا أبتسم للرجل العربي. للأوروبي، ابتسم نصف ابتسامة لأُحيّيه". 

وتوضح سبب ذلك قائلةً: "العربي غالباً سيظن أن ابتسامتي دعوة جنسية، بينما الغربي يعرف أن الابتسامة هي طريقة مهذبة للتفاعل بين الناس في العموم".

وأشارت جاد إلى بحث يكشف عن أن أفكار الشخص تختلف بحسب اللغة التي يفكر فيها، لافتةً إلى أن الأفكار تكون أكثر تحرراً حينما يتحدث الشخص بالإنجليزية مقارنةً بالعربية، وأن لغة الجسد ينطبق عليها الشيء ذاته، إذ يختلف تفسيرها بحسب المكان الذي يكون فيه الشخص. 

وقالت جاد، المقيمة في سويسرا، إنها في زيارتها الأخيرة إلى مصر بعد غياب نحو 13 عاماً، كانت "أكثر ثقة" بأنه يمكنها الابتسام في وجه رجال متأكدة أنهم لن يتحرشوا بها، خاصةً أنها باتت شخصية عامة، يعرفها من يتابعها على قناتها على يوتيوب التي تهدف من خلالها رفع الوعي الصحي والتعليمي.

لا تتحدثي مع الغرباء

اللافت تجنّب خلف وجاد ابتسامة الرجل العربي بالتحديد، أو حتى الابتسام في وجهه. ومن الأسباب الممكنة تحذير الأهل وخاصةً الأمهات: "لا تتحدثي مع الغرباء"، وما يندرج تحت هذا التفاعل بشتّى أنواعه، فكيف لابتسامة لا نجهل غايتها؟
ومن الأسباب الممكنة الأخرى كثرة حالات التحرّش وحالات الاغتصاب التي حوّلت الأنثى تلقائياً إلى مدافعة شرسة في المواصلات والأماكن العامة. 
في هذا السياق، يقول طبيب الأمراض النفسية وعلاج الإدمان، علي قرقر، لرصيف22 إن "خوف الفتاة من ابتسامات الغريب طبيعي إن كانت في بيئة لا تشعرها بالأمان وهو ما تعتبره مؤشراً شديد الخطر"، لافتاً إلى أن الأمر متغيّر حسب المكان.
وأضاف نقطة لافتة "الفتاة نفسها التي تنزعج من شاب ابتسم لها في ميترو أنفاق القاهرة مثلاً، لن تنزعج من موظف حكومي يُسهّل لها معاملتها ابتسم لها بدوره". 
وأكد أن الحياة في المدن الكبيرة تُطبّع الابتسام والود مع المارة، مضيفاً أن "الابتسامة فعل يحتاج إلى نيّة ربما لا تتوافر لدى أشخاص مشغولين بأمورهم اليومية". 
وأشار إلى أن للابتسامة بشكل عام "تأثيراً إيجابياً لأننا كبشر نميل إلى أن نكون اجتماعيين، ونميل أكثر لتقدير الشعور بالقبول الاجتماعي، وكلاهما ممكن تحقيقه بنشر الابتسامة والتحية الودودة، وكلاهما ينعكس إيجاباً على الحالة المزاجية".


غزل وليس تحرّشاً

"كيف نُغازل بدون تحرش؟"

سؤالٌ جاوب عنه موقع الحب ثقافة بعدما أعرب العديد من الشباب عن إعجابهم بفتيات، ولكنّهم يخافون من التقرّب إليهن لئلا يُتهموا بـ"التحرّش". فأشار الموقع أولاً إلى نقطة اعتبرها بديهية هي أن "وجود المرأة نفسها في حضنك فجأة، أو وجود يدك في مكان ما على جسدها، من دون موافقة منها، يعتبر تحرشاً". 
وأضاف: "رفض المرأة عرضك بأي شكل من أشكال الرفض، سواء بالتجاهل أو الصمت، وعاودت المحاولة، فإن ذلك تحرش". 
وأشار الموقع المعلوماتي إلى أن تقديم تحية "لطيفة" وإخبار المرأة بأن شكلها جميل اليوم أو أي شيء مشابه، لا يعتبر تحرشاً، إلا إذا كان "الشيء المشابه" الإطراء على الأعضاء الجنسية أو الشفتين.
وخلص تقرير الحب ثقافة إلى أن كل المبادرات ممكنة إن كانت برضا المرأة، وأن الموافقة يجب أن تكون "موافقة واضحة"، مؤكداً أن عدم الرفض لا يعني موافقة.

جربتُ الابتسام في وجوه الغرباء لأسبوع 

"وزّعت ابتساماتي للجميع بينما كنت أمشي على الكورنيش. البعض ظنّ أنني مريضة نفسية، والبعض ردّ الابتسامة، وهناك من قال لي مرحبا أو صباح الخير، شعرت وكأنني فزت بالجائزة الكبرى". 
هذا ما قالته شابة أسترالية تدعى دانييل كولي بعد اتمامها تجربة "الابتسام لأسبوع" التي أجرتها في عام 2018. 
تقول: "عندما بدأت التجربة شعرت بأنني ذلك الشخص المزعج الذي يريد لفت الانتباه. تعوّد أن يكون كلّ منا داخل فقّاعة صغيرة خاصة بنا، تعوّدنا أن نفكر دائماً بالمهمات التي علينا القيام بها أو أن نفكر بعبارة تمنينا أن نكون قد قلناها في اليوم السابق".
وأشارت إلى أن الابتسام في وجه الجميع يتعارض مع ما ذكرَته. قد يزعج البعض المشغول في التفكير بحياته ربما، مؤكدةً أن التجربة كانت صعبة، ولكنها غيّرتها. 
تقول: "شعرت بأنني أسعد. شعرت بأن رأسي كان مرتفعاً أكثر، وأن كتفيّ كانتا مستقيمتين أكثر. كنت أستمع إلى نغمة فرحة في عقلي دائماً، وشعرت بأنني أحب الابتسام، وعليّ الابتسام، إذ أحب أن يبتسم لي أحد". 
وتنقل كولي عن طبيب علم النفس تيم شارب قوله: "الابتسامة تطلق ألعاباً نارية في الدماغ"، وإنها عدوى، أي من الطبيعي أن تبتسم لمن يبتسم لك، وإن من لا يفعل، فهو مصاب باضطراب القلق الاجتماعي. 
في النهاية "روما لم تبنَ في يوم واحد"، مثلما قال الطبيب قرقر نقلاً عن حكمة فرنسية تشير إلى أن الأمور العظيمة تحتاج إلى وقت لتتحقق. نستطيع بالطبع إجراء تجربة مشابهة، لكننا قد نحتاج إلى القليل من الوقت. 

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image