مرت أخبار تزايد أعداد الوفيات والإصابات بفيروس كورونا المستجد في الأردن في اليومين الماضيين، مروراً عابراً كأي مرور لأخبار الأبراج مثلاً، ذلك لأن الأولوية في الشارع الأردني هو الهم الثقيل على القلوب من جراء ما سماها الأردنيون/ات "جريمة الزرقاء" وكان ضحيتها الفتى صالح (16 عاماً).
تعود أحداث قصة جريمة الزرقاء البشعة، التي وقعت في محافظة الزرقاء في الأردن مساء الثلاثاء، 12 تشرين الأول/ أكتوبر، إذ خطف خمسة من أصحاب السوابق والقيود الأمنية الفتى صالح أثناء توجهه لشراء الخبز لعائلته، وأخذوه إلى منطقة مهجورة، واعتدوا عليه بأدوات حادة قاموا بواسطتها ببتر يديه وفقء واحدة من عينيه، وهو ما أكده بيان لمديرية الأمن العام.
عاملان إضافيان على خبر الجريمة زادا من الغضب الشارع الأردني، أولهما: فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي قبل معرفة الأجهزة الأمنية بالحادثة، قام شخص فيه بتصوير الضحية صالح حيث وجده بالصدفة في موقع الجريمة وظهرت في الفيديو علامات الاعتداء الوحشي عليه كيديه المبتورتين وعينه التي تنزف دماً من جراء الفقء، وتم تصوير الفيديو الذي منع بقرار أمني من تداوله، قبل وصول سيارة الإسعاف.
العامل الثاني في ما تم تداوله من أخبار تحدثت عن أن المتورط الرئيسي في الجريمة لديه ما يقارب الـ 200 قيد أمني، وخرج قبل أسبوع من حدوث الجريمة من السجن بواسطة نائب سابق. وما لم يصدر حتى الآن ما ينفي صحة هذه المعلومات، إذ خرج من السجن ودبر الجريمة مع أربعة آخرين لدواعي الثأر، ذلك لأن والد الفتى صالح المسجون حالياً متورط بجريمة قتل أحد أقارب المتورط الرئيسي في جريمة الزرقاء.
على إثر الجريمة، قامت المديرية بتشكيل فريق خاص من الإدارات الجنائية المختصة، لمتابعة التحقيق في قضية الاعتداء على فتى الزرقاء، بعد مداهمة نفذتها مجموعة من الشرطة الخاصة أفضت لإلقاء القبض على المتورط الرئيسي في القضية وخمسة آخرين، أثبتت التحقيقات اشتراكهم في تنفيذ الاعتداء، كما قامت فرق مختصة بالكشف على مسرح الجريمة، وتم ضبط الأدوات الحادة المستخدمة في الاعتداء وسلاحين ناريين بحوزة المقبوض عليهم.
وبينت المديرية في بيانها أن التحقيقات مستمرة، وسيصار حال انتهائها إلى إحالة القضية والمضبوطات إلى مدعي عام محكمة أمن الدولة.
على إثر الجريمة، قامت المديرية بتشكيل فريق خاص من الإدارات الجنائية المختصة، لمتابعة التحقيق في قضية الاعتداء على فتى الزرقاء، بعد مداهمة نفذتها مجموعة من الشرطة الخاصة أفضت لإلقاء القبض على المتورط الرئيسي في القضية وخمسة آخرين
وتحدثت قانونيات لرصيف22 حول التكييف القانوني لجريمة الزرقاء، وحجم بقاء "ثقافة" الثأر في المجتمع الأردني. قالت المحامية لين الخياط: "عندما نقرأ جريمة الزرقاء ونلتفت إلى زاوية ادعاءات مرتكبي الجريمة بأنها لغايات الثأر، يجب أن نسأل هل فعلاً معطيات الجريمة هي للثأر أم لغايات إشاعة الخوف في نفوس آخرين يعيشون في المحافظة، وكانت تمارس عليهم سياسات الاستقواء وفرض الأتاوت من قبل الأشخاص الذين ارتبكوا الجريمة؟".
وأضافت: "الثأر ما زال موجوداً في الأردن، لكن لم يعد ظاهرة كما كان في السابق، لكن لا شك في بعض الحالات ما زال حاضراً، لكني أميل إلى أن جريمة الزرقاء هدفها ما يسمى بإعادة الهيبة للمجموعة التي ارتكبت الجريمة وكأن لسان حال أفرادها يقول: نحن ما زلنا قادرين على التحكم بكم"، وهنا يصبح الموضوع بحسب رأيها: "إذا كانت الغاية فرض الهيبة وإشاعة الخوف فهنا يصبح الحديث عن ممارسة الإرهاب المجتمعي، ما يعني أننا دخلنا في عناصر قانون منع الإرهاب. بالتالي سيصبح لمحكمة أمن الدولة السيطرة على القضية".
ورجحت أنه من الوارد جداً أن يمثل مرتكبو جريمة الزرقاء أمام أكثر من محكمة ليس فقط محكمة أمن الدولة كمحكمة الجنايات ومحكمة الجنايات الكبرى. وهنا انتقلت إلى زاوية أخرى ذكرتها باقي القانونيات اللواتي تحدثت معهن، وسألت هل لدى "السجون" الإمكانيات في إصلاح مثل الذين ارتكبوا جريمة الزرقاء؟ وتتابع:" فعلى هذه الخلفية أعتقد أننا بحاجة لمراقبة خطط الإصلاح والتأهيل، ومعرفة درجة تقبل الناس للإصلاح ومدى فائدة الإصلاح مع أصحاب سوابق".
وختمت: "تبقى المسألة العالقة هي أننا نحن الآن على أعتاب عام 2021 وأنا لا أستطيع دفن رأسي في الرمل، هذه ظواهر ليست منتشرة بشكل كبير في المجتمع ولكن المجتمع يعلم بها، والأجهزة الأمنية تدرك أن لدينا مسلحين يفرضون التنمر والقوة تاريخياً وهم موجودون في أماكن معروفة. الآن نحن بحاجة إلى علاج والعلاج لا يكون أمنياً فقط، لا بد أن يكون قانونياً واجتماعياً أيضاً".
وقالت المحامية تغريد الدغمي إن "قانون العقوبات الأردني جاء واضحاً وصريحاً، وأضافت: "إذا أدى الفعل الجرمي الذي ارتكبه شخص إلى استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف أو تعطيلها أو تعطيل إحدى الحواس كما حصل مع فتى الزرقاء، يعاقب الفاعل بالأشغال المؤقتة مدة لا تزيد عن عشر سنوات، وهنا نعود أيضاً إلى فكرة التكرار، يعني هل من ارتكبوا الجريمة في الزرقاء كانوا قد ارتكبوا سابقاً اعتداءات على الناس، فإذا ثبت ذلك من قبل المدعي العام يتم تغليط العقوبة إلى الإعدام".
وأشارت إلى وجود جدل قانوني حتى بين القانونيين في ما يتعلق بأن مجموعة من الأشخاص ارتكبت فعل جريمة الزرقاء، فهل ينطبق عليهم تشكيل جمعية أشرار حسب قانون العقوبات؟ تعود هذه المسألة إلى رأي المدعي العام الذي ينظر إلى القضية، وإذا ثبت ذلك قد تصل إلى الإعدام حسب نص المادة 158 من قانون العقوبات: "يحكم بالإعدام على كل من أقدم تنفيذ القتل أو أنسب بالمجني عليه التعذيب والأعمال البربرية".
الجريمة نكراء يرفضها المجتمع الأردني، تضيف تغريد، كما يرفض "ثقافة" الثأر، وتتابع: "نحن دولة قانون ويجب على الجميع أن يخضعوا لسيادة القانون، ناهيك بضرورة إعادة النظر في برامج الإصلاح والتأهيل في السجون، إذ ما زلنا ندفع ثمن الضعف الكامن فيها والدليل على ذلك مفهوم التكرار والعودة، ووجود أصحاب أسباقيات خارج السجن وما يزالون يرتكبون جرائم".
المديرة التنفيذية لمركز "العدل للمساعدة القانونية" هديل عبد العزيز، تبين لرصيف22 أن الخطورة في جريمة الزرقاء أنها عمل إجرامي منظم، ما يعني أننا بحاجة لتغليظ العقوبات على ممتهني الجرائم المنظمة حتى نحمي المجتمع.
وتضيف: "نحن بحاجة للعمل على عدة محاور، أهمها أن نتعامل مع الجرائم المنظمة كالتعامل مع جرائم الإرهاب، فما حدث في جريمة الزرقاء إرهاب اجتماعي يستلزم تغليظ العقوبات على مرتكبي هذا النوع من الجرائم، إضافة إلى ضرورة العمل على تأمين حماية أكبر لضحايا الجرائم المنظمة، أي حماية قانونية، إذ أخشى ما أخشاه أن تنتهي جريمة الزرقاء بإسقاط الحق الشخصي للضحية وتعويضها مادياً".
وعن "ثقافة" الثأر، تقول: "ما حدث في جريمة الزرقاء لا يمكن وصفه بأنه جريمة ثأر، فما حدث ليس عادة عشائرية تنتهج أسلوب الثأر، بل هو عمل إجرامي هدفه الاستقواء على الضعيف، وفرض الأتاوات".
"ما حدث في جريمة الزرقاء لا يمكن وصفه بأنه جريمة ثأر، فما حدث ليس عادة عشائرية تنتهج أسلوب الثأر، بل هو عمل إجرامي هدفه الاستقواء على الضعيف، وفرض الأتاوات"
إلى ذلك، ما يزال وسم #جريمة_الزرقاء متصدراً مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن، كما تصدرت المطالبة بتنفيذ عقوبة الإعدام على مرتكبي جريمة الزرقاء مطالب المغردين/ات، كذلك محاسبة النائب السابق الذي توسّط لإخراج المتورط الرئيسي في الجريمة.
وضمت الملكة رانيا العبد الله صوتها لصوت الأردنيين/ات بتنفيذ أقصى العقوبات بحق مرتكبي جريمة الزرقاء، وكتبت في منشور لها مخاطبة الفتى صالح: "كيف نعيد لك ما انتزعه المجرمون، وكيف نلملم أشلاء قلب أمك وذويك؟ كيف نحمي أبناءنا من عنف وقسوة من استضعف الخلق دون رادع ولا وازع؟ جريمة قبيحة بكل تفاصيلها، قلوبنا معك، فأنت ابن كل بيت أردني، وأضم صوتي إلى الأصوات التي تنادي بأشد العقوبات لمرتكبيها".
وفي بيان صدر عنها أمس الأربعاء، أعربت الأمم المتحدة عن صدمتها حيال الجريمة التي استهدفت طفلاً في الزرقاء، واعتبرت أن العنف ضد الأطفال وباء يهدد المجتمع مثله مثل وباء كورونا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...