"القدس مدينتنا، لا سيّما أنه من الممكن اليوم العثور على آثار المقاومة العثمانية التي اضطرت إلى الخروج منها بعيون دامعة خلال الحرب العالمية الأولى".
هكذا صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في افتتاح الدورة التشريعية الـ27 للبرلمان التركي مطلع الشهر الجاري.
لم يكن أردوغان يقصد بكلامه شعار "القدس لنا" الذي طالما تغنى به مسلمون وعرب في مواجهة المزاعم الإسرائيلية بأن المدينة المقدسة، التي تعد "قبلة المسلمين الثانية"، هي عاصمة دولتهم. كان يقصد حرفياً أن القدس "ملك لتركيا".
مضى أردوغان، صاحب الطموح التوسعي الجامح، ربما من قبيل التباهي أو التدليل على زعمه، قائلاً: "المدينة القديمة، التي هي قلب القدس، بمظهرها وأسواقها وأسوارها ومبانيها شيدها (عاشر السلاطين العثمانيين) سليمان القانوني. لقد أولاها أجدادنا اهتماماً خاصاً وأظهروا احتراماً كبيراً تجاهها لمئات السنين".
ليست هذه المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي يلوح فيها الرئيس التركي، الذي أقحم بلاده في نزاعات على عدة جبهات من ليبيا إلى سوريا، ومن قطر إلى أذربيجان، بالقدس التي طالما استدعاها "علماً أحمر" في وجه السعودية والأردن والإمارات. اللافت هذه المرة أنها كانت سابقة ألا يشير إلى القدس في إطار الروابط الدينية بين بلاده وفلسطين، وفق ما كتبه المحلل الإسرائيلي في شؤون الشرق الأوسط بصحيفة "هآرتس" تسفي بارئيل.
"تركيا تفرض نفسها منافساً شرعياً للأردن على المقدسات"... محللون إسرائيليون يحذرون من "النشاط الإشكالي" لتركيا في القدس بعد التصريح المثير لأردوغان: "القدس مدينتنا". أحدهم قال إن الرئيس التركي "ربما يظن أن ما فعله بآيا صوفيا يمكن تكراره مع كنيسة القيامة"
النشاط التركي في القدس
ينشط أتراك ينتمون لحزب أردوغان الحاكم -حزب العدالة والتنمية- وللمنظمات التابعة له في الحرم القدسي منذ سنوات بالتنسيق مع الحركة الإسلامية والوقف الإسلامي، الوصي على مجمع البلدة القديمة الذي يسيطر عليه الأردن.
ليس كافياً أن يخشى الأردن من أن تحرمه السعودية من مكانته كبلد مسؤول عن الأماكن المقدسة في القدس، حيث تفرض تركيا نفسها منافساً شرعياً على تملك هذه المقدسات والسيطرة عليها.
منتصف الشهر الماضي، بيّنت ورقة بحثية لمعهد القدس للإستراتيجية والأمن الإسرائيلي أنه برغم التصريحات العدائية، لم تقطع تركيا علاقاتها الدبلوماسية تماماً مع إسرائيل، بل تحافظ على علاقات تجارية مكثفة معها، إلى جانب حركة جوية متبادلة "مهمة" للسياحة التركية بما في ذلك تأمين وصول الزوار المسلمين إلى القدس، وخاصة الحرم القدسي.
شددت الورقة على أن "النشاط التركي في القدس يمثل إشكالية لإسرائيل"، مفصلةً أنه "يشمل تشجيع ودعم زيارات الحجاج الأتراك الذين يساهم وجودهم (اقتصادياً ومعنوياً) في دعم المؤسسات الإسلامية التابعة لحماس و‘القسم الشمالي‘ للحركة الإسلامية الإسرائيلية (وهي أيضاً ذراع لجماعة الإخوان المسلمين). علاوة على ذلك، تدعم وكالة المعونة الخارجية التركية (TIKA) المؤسسات التعليمية والاجتماعية في الأجزاء الإسلامية من المدينة، في حين أن تركيا تعمل على تقويض مكانة الأردن وعرقلة النشاط الإسرائيلي في الحرم القدسي والحوض المقدس".
وخلصت الورقة إلى أنه "باختصار، تركيا تهدد استقرار المنطقة كما تهدد المصالح الإستراتيجية لإسرائيل في المنطقة. ومع ذلك، من الممكن تصميم استجابة إستراتيجية غربية فعالة لتركيا" مع عدد من التوصيات التي ترسم التعامل الأمثل لدولة الاحتلال مع دولة أردوغان.
بالعودة إلى مقال بارئيل، فقد اعتبر أن رؤية الخلافة الإسلامية تحت قيادة أردوغان قد تكون حلم الرئيس التركي الجديد الوليد، مع تخيل بأن ما فعله بـ"آيا صوفيا"، الكنيسة التاريخية والمتحف الذي حوله إلى مسجد تقام فيه الشعائر الإسلامية، يمكن تكراره مع كنيسة القيامة أيضاً.
"القدس ليست القضية التي تهم الشعب التركي اليوم"... هل أراد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صرف الانتباه عن الأزمات التي أوقع بلاده فيها داخلياً وخارجياً بحديثه عن القدس في افتتاح أحدث دورات البرلمان التركي؟
صرف الانتباه عن أزماته
وهو يلفت في الوقت ذاته إلى أن استخدام خطاب عن القدس وعن الصلة التاريخية بين تركيا والفلسطينيين في الأوقات العادية كوسيلة لتحويل الانتباه عن الاضطرابات التي تشهدها بلاده، مبرزاً أن "القدس ليست القضية الرئيسية التي تهم شعب تركيا اليوم".
وينشغل الأتراك بشكل رئيسي هذه الفترة بالحرب الدائرة بين أرمينيا وأذربيجان حول مستقبل منطقة ناغورنو كاراباخ، الجيب الذي تقطنه أغلبية أرمينية عالقة في قلب أذربيجان. تشهد المنطقة الآن اشتباكات عنيفة تهدد بتزويد تركيا ذريعة للتدخل العسكري. وهناك أيضاً عدة مشكلات حيوية تعجز حكومة أردوغان عن وقف تدهورها مثل: الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر صرف الليرة التركية، وانتشار فيروس كورونا الذي أودى حتى الآن بحياة أكثر من 8300 شخص في البلاد، وفق المعلن عنه رسمياً والذي تعلن المعارضة أنه رقم أقل بكثير من الرقم الحقيقي.
وتواجه حكومة أردوغان انتقادات دولية ومحلية بشأن التعامل مع الحريات وحقوق الإنسان لا سيما للمعارضين. في غضون ذلك، ومن أجل استكمال بسط هيمنتها، بدأت الحكومة التركية الأسبوع الماضي تطبيق قانون جديد لوسائل التواصل الاجتماعي يتطلب من كل منصة تضم أكثر من مليون مستخدم (مثل فيسبوك وتويتر وانستغرام) الاستجابة في غضون ساعات قليلة لكل طلب إزالة المحتوى من هيئة تقنية المعلومات والاتصالات الرسمية.
كما يفرض على مزودي خدمة الإنترنت تخزين محفوظات تصفح مستخدميها والاحتفاظ بها ووضعها تحت تصرف السلطات. وتحتل تركيا المركز 154 (من 180 دولة) على مؤشر حرية الصحافة العالمي، وهي تبرر اللوائح الجديدة على أنها ضرورية لحماية أمن البلاد والكرامة الإنسانية والحق في الخصوصية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...