في زيارة هي الثانية في أقل من أسبوع لمسؤول أمريكي كبير، زار وزير الدفاع مارك إسبر العاصمة الجزائر حيث التقى بكبار القادة العسكريين وسط معلومات نشرتها وسائل إعلامية أن واشنطن تحاول حشد الدول الإفريقية ضد النفوذ الروسي والصيني في القارة.
وقضى إسبر في جولته الرسمية الأولى لإفريقيا نحو خمس ساعات في الجزائر، حيث التقى بالرئيس عبد المجيد تبون، ووضع إكليلاً من الزهور على النصب التذكاري للجزائريين الذين استشهدوا في حرب الاستقلال عن فرنسا.
وبعدما تناول الغداء في القصر الرئاسي المطل على البحر الأبيض المتوسط، قال إسبر: "كل الأمريكيين يوجد في قلوبهم مكانة خاصة لشعب يريد ويسعى ويقاتل من أجل حريته".
وكان قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال ستيفن تاونسند قد زار الجزائر، في 24 أيلول/سبتمبر الماضي، معلناً من هناك أن الأخيرة باتت قادرة على لعب دور في ضمان أمن وسلامة المنطقة.
شراكة أمريكية
ذكر تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، أن مسؤولي وزارة الدفاع (البنتاغون) يرون أن هناك فرصة لتوسيع العلاقات الدفاعية الأمريكية مع الجزائر ومواجهة روسيا.
تقول الصحيفة إن الجزائر قوة عسكرية إقليمية كبيرة، إلا أنها لا تشتري فعلياً أية معدات عسكرية أمريكية، ولا توجد قوات أمريكية في البلاد إلا في السفارة، كما لا تدعو الجزائر القوات الأمريكية للقيام بمهام تدريبية مشتركة كما تفعل الدول الإقليمية الأخرى.
يقول محللون، وفقاً للصحيفة، إن الحكومة الجزائرية التي خاضت حرباً دموية ضد المتطرفين في التسعينيات، لا ترى فائدة تُذكر في هذا النوع من التدريب على مكافحة الإرهاب الذي سارعت دول أخرى للحصول عليه من الجيش الأمريكي.
وكان آخر وزير دفاع أمريكي يزور الجزائر دونالد رامسفيلد في عام 2006 لأغراض تجارية وسياحية. وفي عام 2012، توقفت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لفترة وجيزة في الجزائر، ومن هناك اتجهت إلى المغرب حيث قضت مدة أطول، ما أثار استياء المسؤولين في الجزائر العاصمة وقتها.
التصدي لروسيا
يشير محللون إلى أن أحد دوافع تحرك واشنطن نحو الجزائر هو ربما التصدي لروسيا، الشريكة الدفاعية المفضلة للجزائر حيث تشتري منها 85% من أسلحتها.
وعليه يخشى المسؤولون الأمريكيون أن يصبح نموذج التعاون الجزائري الروسي أكثر شيوعاً في إفريقيا، حيث تصب روسيا الأسلحة والمرتزقة والأموال في الدول الواقعة على أطراف أوروبا وأماكن أخرى.
"باعتقادي أن أمريكا تريد الرد على تحركات الروس في الشرق الأوسط بإرباكهم مع حلفائههم الاستراتيجيين في إفريقيا"... مع زيارة إسبر الأخيرة، يشير متابعون إلى أن أمريكا تسعى لمعرفة إمكانية تدخل الجيش الجزائري لفض النزاعات في المنطقة بعد إقرار الدستور الجديد
يصف الباحث والمحلل السياسي الجزائري مالك بلقاسم، في حديثه لرصيف22، المشهد بالقول إن الجانب الأمريكي يريد معرفة إمكانية تدخل الجيش الجزائري لفض النزاعات في المنطقة بعد إقرار الدستور الجديد، إضافة إلى تنافس شديد بينه وبين الجانب الروسي حيث يسعى لتعزيز مبيعاته لدى الجزائر على حساب موسكو.
ويضيف بلقاسم: "باعتقادي أن أمريكا تريد الرد على تحركات الروس في الشرق الأوسط بإرباكهم مع حلفائههم الاستراتيجيين في إفريقيا".
في ليبيا، كما في سوريا، تشارك الطائرات والمرتزقة الروس في الصراع الدائر في البلدين، كذلك ظهر مقاتلون من شركة "فاغنر" المرتبطة بموسكو في جنوب الصحراء الكبرى، بما في ذلك جمهورية إفريقيا الوسطى وأوغندا، حسب ما أشارت تقارير عدة.
وظهر خلال السنوات الماضية تقارب روسيا مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في الشرق الأوسط، عبر إبرام صفقات لبيع أسلحة متطورة للسعودية ومصر ودول أخرى رغم اعتراضات واشنطن.
يقول قادة البنتاغون إنهم قد يخفضون القوات الأمريكية في إفريقيا كجزء من تعديل استراتيجيتهم للتركيز على الصين، إلا أنهم يقولون أيضاً إنهم قلقون بشأن قيام موسكو وبكين بإبراز قوتهما في القارة بعد انسحابهم.
في تصريحات أدلى بها في مقبرة عسكرية أمريكية في تونس، قبل أن يتوجه إلى الجزائر، تحدث إسبر أن المنافسين الاستراتيجيين للولايات المتحدة، وهما الصين وروسيا، يواصلان تخويف وإكراه جيرانهما مع توسيع نفوذهما الاستبدادي في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك القارة الإفريقية.
وقال الوزير الأمريكي إن "الشراكة الدائمة للولايات المتحدة مع البلدان التي لديها تفكير مماثل - بما في ذلك هنا في شمال إفريقيا - هي المفتاح لمواجهة هذه التحديات".
"هل تُسوّق الجزائر زيارة إسبر للاستهلاك المحلي؟ نعم بالتأكيد، هل ستُغيّر زيارته فعلاً العلاقة بين الجزائر وموسكو؟ لا، ليس صحيحاً"... يُشير محللون إلى أن أحد دوافع تحرك واشنطن نحو الجزائر هو التصدي لروسيا، الشريكة الدفاعية الأقرب للجزائر التي تشتري منها 85% من أسلحتها
وفقاً للعقيد كريس كارنز، وهو المتحدث باسم القيادة الأمريكية في إفريقيا، زادت روسيا بشكل كبير من الاتفاقيات التي تسمح لها بالوصول إلى إفريقيا، وهي أكبر مورد للأسلحة في المنطقة.
وعليه، يحاول المسؤولون الأمريكيون إقناع القادة الأفارقة باختيار الولايات المتحدة بدلاً عن الشراكة الروسية أو الصينية في المجال العسكري، قائلين إن الأسلحة والتدريب الأمريكي المتفوق مفيدان، حتى لو هناك شروط في واشنطن على هذا التعاون تتعلق بـ"مراقبة الاستخدام النهائي للأسلحة" و "أوضاع حقوق الإنسان".
وقال كارنس: "توفر شراكتنا العسكرية خيارات لا يمكن أن تضاهيها الصين وروسيا. إنها ميزة تنافسية".
هل تقبل الجزائر بالعرض؟
في تصريحاته يوضح بلقاسم أن موقف الجزائر سيبقى ثابتاً دون تغيير مهما تعددت الزيارات الأمريكية، مشيراً إلى أن السياسة الخارجية للدولة تدعم حل النزاعات في بلدان الجوار بشكل سياسي داخلياً، بعيداً عن كل أشكال التدخلات الخارجية، سواء كانت سياسية أو عسكرية.
ويلفت الباحث الجزائري إلى أن "الجزائر لها نشاط دبلوماسي كفيل بإحلال السلم والأمن في منطقة الساحل، ولها الإمكانية أيضاً في الحفاظ على الأمن القومي الخاص بها، بعيداً عن كل صراعات القوى العالمية وعلى رأسها أمريكا التي لا تتدخل في ملف أو بلد إلا دمرته".
يعتقد مؤسس شركة "North Africa Risk Consulting" جيف بورتر أن فرص أي توسع أمريكي كبير في العلاقات الدفاعية في الجزائر ضئيلة، موضحاً رأيه في تصريحات لـ"واشنطن بوست" بالقول إن "هذه محاولة أمريكية مهمة، لكن لن تجعل الجزائريين يعتقدون أن الولايات المتحدة هي بالفعل أفضل أصدقائهم الجدد". وأضاف: "هل تُسوّق الجزائر زيارة إسبر للاستهلاك المحلي؟ نعم بالتأكيد، هل ستُغيّر زيارته فعلاً العلاقة بين الجزائر وموسكو؟ لا، ليس صحيحاً".
من العوامل الأخرى التي تحدد ما إذا كانت الجزائر ستقبل شراكة أمريكية مكثفة هو توجهها السياسي، إذ أعرب تبون عن آماله في إجراء إصلاح اقتصادي وسياسي.
ولعل الإصلاحات التي طرحها تبون في التعديل الدستوري الجديد قد دفعت واشنطن إلى التحرك فوراً لجذب الجزائر في صفها. ففي التعديل الدستوري الجديد، سوف يتم السماح للجيش الجزائري بالقيام بمهام عسكرية خارج الحدود، إذ تضمنت المسودة التي طرحتها رئاسة الجمهورية تغييراً جوهرياً يمسّ "ثوابت العقيدة العسكرية".
ونصت المادة 31 من الدستور الجديد على أنه "يمكن للجزائر في إطار الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، وفي ظل الامتثال التام لمبادئها وأهدافها، أن تشارك في عمليات حفظ واستعادة السلام".
وكانت عقيدة الجيش الجزائري تُبنى منذ الاستقلال عام 1962 على أن مهمة الجيش هي الدفاع عن حدود البلاد، وعدم إرسال أية قوات للقتال في الخارج، إلا أنه تم الخروج عن هذه القاعدة مرتين لدعم الجيش المصري في حرب عام 1967 وحرب تحرير سيناء عام 1973.
ولم ترسل الجزائر قوات خارج الحدود منذ عام 1973، وهو ما جعل القوى الغربية تتراجع عن اهتمامها بإنشاء شركات دفاعية فيها خلال العقود الماضية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع