شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"أعيش في الغابات والشوارع بلا هوية"... يوميات مجهولي النسب في الجزائر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 29 سبتمبر 202004:46 م

"رغم إقرار الحكومة تعديلاً قانونياً يُتيحُ لنا الحصول على لقب من يتولون كفالتنا، فإن رحلة العذاب والألم لم تنته بالنسبة لي، لأني في نظر الوسط الذي أعيشُ فيه دون لقب"، يُعلقُ وليد، شاب جزائري في العقد الثاني من عُمره، على المرسوم التنفيذي الذي وقعهُ رئيس الحُكومة الجزائري عبد العزيز جراد، والذي يتيح منح ألقاب عائلية لفئة مجهولي النسب.

يقول وليد لرصيف22: "ستبقى هويتي الضائعة تُحاصر مستقبلي بكل قسوة، وأحلامي التي تُحاول الفرار من مظلة القدر، عندما أستيقظ من نومي كل يوم أتساءل: من هي أُمي التي حملتني في بطنها تسعة شهور، وعندما ولدتني تركتني، درءًا للفضحية، وهُروباً من الخطيئة".

ابن الورق

يتوقف وليد عن الحديث، وكأنه يُحاول أن يستجمع قواه، ويُضيف: "سأبقى في نظر كل من يعرفني ابن الورق، وابناً غير شرعي، نسبه مجهول"، ويُتابعُ: "رغم أنني كُنتُ ضمن المحظوظين، لأنني ظفرت بشخصين كريمين سهرا على تربيتي، وتعليمي، وصانا الأمانة، لم أستطع رد الجميل لأبوين أصيلين، ونسيان الماضي المؤلم، لأنني انحرفت وسلكت دربًا ملغومًا، صرتُ أتعاطى المُخدرات لأنسى الكلمات التي ترافقني ومنها ابن الزنا أو ابن المحارم أو اللقيط، هذه الكلمات تجعلُني أحسُ أنني بشر من الدرجة الثالثة، وكثيراً ما كنتُ أصطدم بها في محيطي المدرسي".

"صرتُ أتعاطى المُخدرات لأنسى الكلمات التي ترافقني ومنها ابن الزنا أو ابن المحارم أو اللقيط، هذه الكلمات تجعلُني أحسُ أنني بشر من الدرجة الثالثة، وكثيراً ما كنتُ أصطدم بها في محيطي المدرسي"

رُقية فتاة في السابعة عشرة من عمرها، قصتُها تروي مأساة تتحملُ مسؤوليتها أُم تركتها، ورحلت دون أن تلتفت وراءها بعد أن سلمتها لامرأة وأب رفض تحمل مسؤوليته، تقُول رُقية التي صادفناها في إحدى الجمعيات النسوية في منطقة باب الزوار شرق العاصمة الجزائر لرصيف22 إن "أمي التي تكفلت بتربيتي تسترت على الحكاية، وبعد بُلوغي سن الرشد اكتشفت الحقيقة من إحدى قريباتها، حينها أصبحتُ تائهة في منتصف الطريق، وصرتُ أبحث عن هويتي، وأصبح البحث عنها أصعب من البحث عن إبرة في كومة من القش، خاصة أن أمي التي ربتني رفضت منحي أي تفاصيل عن حياتي، من أكون؟ ومن هي والدتي؟ ومن أين جئت، من الشارع أو من دور الطفولة المُسعفة؟".

"تخليت عن أحلامي".

وتُضيفُ: "حياتي انقلبت رأساً على عقب، كنتُ في المدرسة من الموهوبات في رواية القصص والكتابة، غير أني فقدت براعتي وأصبحت لا أهتم بالمدرسة، حتى أني تخليت عن أحلامي، وصار همي الوحيد هو معرفة من أكون؟".

"مُنذُ أن اكتشفت الحقيقة أصبحتُ مجردُ شيء لا وجود له"، تقول في تعليقها على المرسوم التنفيذي الجديد الذي يُتيحُ منح ألقاب عائلة لفئة "مجهولي النسب " إنه لن يغير في الوضع شيئاً "لأني سأبقى في نظر المُجتمع مجهولة النسب".

"أنام في الغابات"

أمينة شابة جزائرية في العقد الثالث من عمرها، تجرعت مرارة الحرمان واليتم، ولم تختبر الطفولة على غرار صديقاتها، تقول لرصيف22: "إن الظروف التي عشتها منذ بلوغي الثامنة من عمري جعلتني أحرق مراحل طفولتي وشبابي، لقد انتشلتني عائلة من براثن التشرد، بعد أن تخلت عني أمي في المستشفى الذي ولدت فيه. في البداية كانت علاقتهما بي طيبة، لكنها توترت بعد أن رُزقا طفلة، إذ صارت أمي التي ربتني تعاملني بسوء، وقررت إعادتي إلى دور للرعاية والتكفل بالأطفال، غير أنني هربت منه ولجأت إلى الشارع رفقة صديقة لي بسبب قساوة الظروف فيه".

وتُكمل أمينة: "اصطدمت بجحيم آخر في الشارع، فاضطررت للمبيت في الغابات وفي الشوارع وتحت الجسور"، وتقول إن ما يهمها اليوم هو "الحصول على هوية، ولقب يمكّنني من وضع ملف سكن، والبحث عن وظيفة خاصة".

وتعتقد أمينة أن القرار الجديد الذي أقرته الحكومة الجزائرية لن يحل مشاكلها لأنه يخص فئة معينة من مجهولي النسب، الذين ظفروا بعائلات كفلتهم منذ الطفولة.

استغاثة

اجتماعياً، يُنادي قطاع عريض من مجهولي النسب في الجزائر بضرورة إيجاد مخارج قانونية لهم، وتزامنت استغاثة هذه الفئة مع منح الحكومة الضوء الأخضر بمرسوم قانون جديد يسمح بأن تمنح الأسر ألقابها العائلية لأطفال غير معروفي الهوية في حال التكفل بهم.

وفي رسالة بعث بها عدد من مجهولي النسب إلى وزيرة التضامن، أجمعُوا على أنهم يفتقرون لقانون خاص يُوضحُ علاقة مجهولي النسب في التشريع الجزائري، ودعوا السُلطات العُليا في البلاد إلى انتشالهم من كابوس الآفات الاجتماعية.

أبرز نُقطة ركز عليها أصحاب الرسالة هي إعادة النظر في العلاقة بين الكفيل والمكفول، وذلك بسن قانون خاص لعقد الكفالة يعالج جميع الحالات والاحتمالات الواردة في حال فقدان الكفيل أو إعادة المكفول للمصالح المعنية، وهي الحالة التي تنطبق على الشابة أمينة التي وجدت نفسها تصارع المجهول بعد أن تخلت عنها العائلة التي كفلتها في البداية.

اقترح مجهولو النسب تشديد الآليات الردعية بشأن تنازل الأم البيولوجية عن مولودها.

واقترح مجهولو النسب تشديد الآليات القانونية والردعية بخصوص تنازل الأم البيولوجية عن مولودها للحد من انتشار هذه الظاهرة، بالتنسيق مع مختلف المصالح الأمنية، إضافة إلى تقنين تقنية تحليل الحمض النووي، وذلك بأمر من المصالح القضائية عن طريق إيداع دعوى قضائية تتم في جلسة سرية دون الرجوع إلى موافقة أحد طرفي القضية.

وأخيراً أصدرت الحكومة تعديلاً قانُونياً يُتيحُ للأطفال الذين يجهلُون نسبهم، أن يحصلوا على لقب من يتولون كفالتهم في حال أرادوا ذلك.

وصدر القرار في العدد السابع والأربعين من الجريدة الرسمية الجزائرية، ليُعدل مرسوماً صادراً عام 1971 بشأن تغيير اللقب، وحدد المرسوم شروط طلب تغيير اللقب، وأوضح القرار أن الشخص الذي يرغب في تغيير اللقب لسبب ما، عليه أن يقدم طلباً لدى النائب العام سواء في مكان الإقامة أو في مكان ميلاد الطفل.

وبموجب التعديل، بوسع الشخص الذي يتولى الكفالة، منح لقبه للطفل المكفول، أو أن يقوم بتغيير لقبه، وإذا كانت والدة الطفل معروفة وعلى قيد الحياة، فإن طلب تغيير اللقب يحتاجُ إلى الحصول على موافقة رسمية منها.

"بعد أن رزقت أمي التي ربتني بطفلة، أرجعتني لدور الرعاية، هربت، واضطررت للنوم في الغابات، والشوارع، وتحت الجسور، أحلم بهوية، ولقب يمكنني من وضع ملف سكن، والبحث عن وظيفة خاصة"

ولم يمر هذا القرار مرور الكرام، إذ أثار جدلاً دينياً واسعاً، ومن بين الذين تحفظوا على هذا القرار "نقابة الأئمة"، التي يقول رئيسها جلول حجيمي لرصيف22 إن مسألة حفظ الأنساب موضوع مهم للغاية له صلة بأحكام الشريعة، وتبثه الجهات المختصة، وليس قراراً سياسياً أو إدارياً.

ويشرح حجيمي وجهة نظره، قائلاً: "إذا كان المرسوم يقصد به الكفالة من تعليم وإنفاق ومجرد منح الوثائق من أجل تسهيل الحياة على الشخص المكفول، فهذا أمر جائز ومقبول، لكن إذا كان المقصود التبني، وللمعني حقوق في الميراث فهذا تجاوز كبير له مخاطر وتبعات".

وبينما تُحصي وزارة التضامن في الجزائر حوالي 3 آلاف ولادة طفل من خارج الزواج، تُؤكدُ الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (تنظيم حقوقي بارز) أن العدد الحقيقي يتجاوز 45 آلف حالة سنوياً، مُعظمها ناتجة عن علاقات جنسية مُؤقتة ومن الزواج العُرفي.

وذكرت الرابطة، في بيان أصدرته في 2018، أنه على الرغم من التدابير القانونية، التي سنتها السلطات في الجزائر لمصلحة هذه الفئة، فإنها لا تضمن حُقوقهم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard