يبدو أن الأداء العسكري للجيش المصري ومواكبته تحديات القرن الحادي والعشرين يزدادان تدهوراً تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي مقارنةً بما كان عليه الأمر في عهد وزير الدفاع السابق المشير محمد حسين طنطاوي. وهو ما أرجعه تحليل حديث إلى "حماية قادة القوات العسكرية للوضع الراهن ومقاومتهم الإصلاح".
أجرى التحليل "Egypt Defense Review" وهو اسم مستعار لمحلل أمني عسكري مصري يقدم وجهات نظر نقدية متخصصة حول قضايا الأمن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويتابعه نحو 18 ألف شخص عبر تويتر.
ونشره مركزُ السياسة العالمية (CGP) وهو منظمة غير ربحية وأول مؤسسة فكرية أمريكية مستقلة وغير حزبية تعالج حصراً القضايا المتقاطعة بين السياسة الخارجية الأمريكية والجغرافيا السياسية الإسلامية. يقول المركز إنه يهدف إلى تعزيز أمن الولايات المتحدة والاستقرار العالمي عبر مد صناع القرار في السياسة الخارجية الأمريكية بتوصيات عملية تستند إلى تحليلات مستنيرة ودقيقة.
حديث السيسي vs الواقع
يشير التحليل، المنشور في 29 أيلول/ سبتمبر، إلى أن صعود السيسي إلى منصب وزير الدفاع، في عام 2012، بدأ ينذر بتحديث الجيش المصري، لا سيما مع تحسره، خلال حديثه إلى الضباط في مؤتمرات القيادة الروتينية في مناسبات عديدة، على الطريقة التي سمح بها أسلافه للجيش بالركود وتشديده على الحاجة إلى تصحيح المسار و"تحديث" القوات المسلحة.
تحت قيادة السيسي أصبح الجيش المصري "ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم"... لكنه في حقيقة الأمر ما يزال "نسخة مطابقة هيكلياً وتنظيمياً" لجيش طنطاوي الذي كثيراً ما تحسر الرئيس المصري نفسه على "ركوده وعدم تحديثه"
وباتت مشتريات الأسلحة الحديثة المتنوعة والقوية سمة من سمات صعود السيسي إلى السلطة واستمرت في عامه السادس رئيساً للبلاد. الآن، الجيش المصري هو ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم برغم الأزمات الاقتصادية في البلاد ومستويات الفقر المتزايدة.
وبينما تركزت جهود التحديث على إعادة التسلح، فإن "جيش السيسي" لا يزال نسخة "مطابقة هيكلياً وتنظيمياً" لهذه النسخة التي فشل تحديثها في عهد طنطاوي، سلفه في وزارة الدفاع.
رجّح التحليل أن تكون "حماية القيادات العسكرية العتيدة للوضع الراهن ومقاومتها الإصلاح في صفوفها قد قوّضتا باستمرار الأداء العسكري وأعاقتا قدرة الجيش (المصري) على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين بكفاءة".
وأشار إلى أن ما شهدته القوات المسلحة طوال عقود من "التسييس والركود المهني" جعل جيوشاً خليجية تحل محل الجيش المصري باعتباره "القوة العسكرية البارزة في الشرق الأوسط"، منبهاً إلى "تزامن ذلك بشكل غير مفاجئ مع تراجع أهمية مصر الإقليمية".
وكثيراً ما وُجّهت الانتقادات بشأن انهماك وحدات الجيش في "أعمال لا تمت للعسكرية بصلة" مثل المشاريع الاقتصادية، أو التأمين لأحداث ينبغي للشرطة التعامل معها.
ودلل "Egypt Defense Review" على التدهور في أداء الجيش المصري حديثاً وعجزه عن مواجهة تنظيم "ولاية سيناء" أحد فروع تنظيم داعش.
وأقر: "في حين يمكن القول إن مصر اليوم أفضل تسليحاً مما كانت عليه في أي وقت مضى، والفضل في ذلك جزئياً يعود إلى أكثر من 40 عاماً من المساعدات العسكرية الأمريكية، إلا أن التدهور الهيكلي والتنظيمي غير المعالج -المتمثل في النقص الحاد وعدم التحديث في مستويات مهمة من القيادة- ترك الجيش يواجه تحدياته الأمنية الحالية، بما في ذلك تمرد عنيف في شبه جزيرة سيناء قاده أحد فروع تنظيم داعش".
وأضاف: "بدون تصحيح كبير، قد يصبح الجيش المصري شريكاً عاجزاً وغير موثوق به، بشكل متزايد، يكافح من أجل الحفاظ على استقرار طويل الأمد في أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان"، وذلك بغض النظر عن الاستثمار الدفاعي النقدي والمادي الكبير الذي تقدمه له الولايات المتحدة وحلفاء أجانب آخرون.
قدم التحليل أيضاً النصح لـ"شركاء الجيش المصري" بضرورة "النظر إلى ما هو أبعد من الارتباطات والمقايضة السطحية مع القيادة العليا وإعطاء الأولوية لمبيعات الأسلحة، واعتماد نهج عملي أكثر شمولاً يؤكد على ضرورة الإصلاح والاحترافية عبر رتبة الضباط والجيش بشكل عام" لمعالجة ما وصفه بـ"المشكلة المتزايدة".
إشكالية معايير اختيار الجنود وتأهيلهم
في بلد تشهد أجور القطاع العام ركوداً حاداً فيما الوظائف في القطاع الخاص قليلة وبعيدة، أصبح الانضمام إلى صفوف ضباط الجيش في عداد السبل المضمونة النادرة للارتقاء بالمكانة الاجتماعية في مصر حيث يوفر الانتساب إلى الجيش أمناً نسبياً، علاوةً على المزايا الإضافية التي تجعل هذه الوظيفة فرصة جذابة.
ويتنافس عشرات الآلاف من الشباب المصريين كل عام على عدة مئات من الأماكن المتاحة للانضمام إلى الأكاديميات والكليات العسكرية المختلفة مع تطلعاتهم للالتحاق بهذه الفئة المميزة مجتمعياً والقيام بدورهم كمعيلين في مجتمع يعتمد بشكل كبير على الشباب في توفير الدعم المالي للأسر.
"بدون تصحيح كبير، سيصبح الجيش عاجزاً وغير موثوق به"... خبير عسكري مصري يحذر من تدهور الأداء العسكري للقوات المسلحة المصرية بسبب حرص القيادات الحالية على بقاء الوضع كما هو عليه ومقاومتها الإصلاح والتحديث، ويذكّر بعجز الجيش عن مواجهة داعش في سيناء
إلى ذلك، فإن الأكاديميات العسكرية (واحدة لكل فرع رئيسي من فروع الجيش وحفنة منها تركز على أدوار متخصصة) ليست انتقائية من حيث المعايير الأكاديمية والجسدية فحسب، بل هي أيضاً تبحث عن نوع معين من المجندين.
يجب أن يكون المرشحون من الذكور، أو من حديثي التخرج من المدارس الثانوية أو الجامعات، وغير متزوجين، وغير حاملين جنسية أخرى، وليس لديهم تاريخ من النشاط السياسي، ومن عائلة "حسنة السمعة"، ويعد هذا الشرط الأخير: التحقق من الخلفية أكبر عقبة أمام فقراء البلاد وأفراد الأقليات الدينية والعرقية في الانضمام إلى المؤسسة العسكرية.
ويلفت التحليل إلى أن الجيش المصري "يختار عمداً المجندين الشباب من الأشخاص العديمي الخبرة الكبيرة في الحياة".
هذه الشروط، تؤدي إلى اختيار متقدمين مطيعين للحياة العسكرية بشكل عام، يتقبلون بشكل خاص روح المحارب الفريدة التي يسمعون عنها في الروايات الدينية القومية المتطرفة والأصولية التي تمجد الصفات الاستثنائية للجندي المصري. ويوضح: "تقنع هذه الروايات فعلياً الضباط المستقبليين للبلاد بمكانهم الصحيح كطبقة حاكمة، وتبني ولاءهم للمؤسسة العسكرية، وتثني المجندين عن أي قيم أو أفكار ديمقراطية".
وبينما يخضع معظم المتقدمين لشروط تنافسية غير معقولة، تبقى للبقية قدرة على النفاذ إلى المؤسسة العسكرية عبر شبكات المحسوبية أو التأثير على صناع القرار. وينكر الجيش المصري حدوث هذه الممارسة، لكن وجود أجيال من أفراد عائلات بعينها، بما في ذلك عائلة الرئيس السيسي، في المؤسسة العسكرية يبرهن على ذلك.
قصور آخر في عملية اختيار الضباط المحتملين هو أنه حالما يُقبل المجند تغدو الحياة الأكاديمية التي يندمج فيها أشبه بالدراسة الجامعية العادية منها إلى عملية إعداد صارمة لضابط مستقبلي، وبشكل خاص بسبب المناهج المدنية البعيدة عن مواد التخصص.
في الأثناء، تُدرّس الموضوعات العسكرية في إطار أكاديمي حتى يشمل التدريب في السنة الثالثة ممارسة عملية بأدوار محددة "لا تفي بمتطلبات التدريب التكتيكي الشامل واللازم لإعداد الضباط الصغار بشكل مناسب للعمليات الميدانية".
أما موضوع تطوير القيادة فيكاد يكون غائباً عن المناهج الدراسية التي تعتمد على "الرجولية والأبوية" بدلاً من المعايير المهنية الاحترافية. مع التجنيد الإلزامي لغالبية القوات القتالية في مصر، تقوى حاجة الضباط إلى التركيز على تطوير الجندي وتعزيز بيئات العمل المهنية.
في نهاية المطاف، يعتمد ضباط الجيش المصري كله تقريباً على تدرج الرتب والسلطة المؤسسية لقيادة القوات بدلاً من تأكيد جدارتهم على أساس الإدارة الفعالة والخبرة الفنية، وهو عيب خطير في النظام له تداعيات شديدة على تسلسل القيادة، وروح العمل الجماعي، والحاجات التشغيلية.
عليه، يمكن توقع أن تستند التعيينات والترقيات في الغالب إلى الأقدمية وضمن التسلسل الهرمي للمناصب القائمة على المحسوبية بدلاً من الجدارة، وهو عيب ينتج منه غالباً ضباط من الدرجة الثانية يقودون فرقاً في مناطق خاصة مع القليل من الخبرة أو المؤهلات ذات الصلة، وهذا ما يضر في النهاية بأداء الوحدة الفعلي.
القيادة حصراً للكبار
حين يصبح صغار الضباط ذوو الخبرة العملية البسيطة فجأة مسؤولين عن عشرات المجندين وضباط الصف، لا يثق المشرفون بهم على الأغلب لافتقارهم إلى المهارات اللازمة للقيادة الفعالة. أدى هذا إلى "تعميق مشكلات الإدارة داخل الوحدات العسكرية المصرية، وخنق المحاولات الرامية إلى تعزيز الشعور بقيادة العمليات". وتركت "هيمنة الضباط" النظراء من ضباط الصف "أكثر هشاشة ونقصاً تقنياً وانعدام خبرة"، لاستخدامهم مرافقين لقوات المجندين بدلاً من تشكيل العمود الفقري للجيش وتقديم الإرشاد.
"يختار المجندون عمداً من الشباب العديمي الخبرة الكبيرة في الحياة ليكونوا طوعاً للمؤسسة العسكرية"... أوجه قصور عديدة تشوب عملية اختيار ضباط الجيش في مصر، من أخطرها أن الترقيات تعتمد على الأقدمية وضمن تسلسل هرمي قائم على المحسوبية بدلاً من الجدارة
وكانت النتيجة أن نواة مهمة من القيادة العسكرية المصرية فشلت في التكيف بسرعة أو التعامل مع المواقف الطارئة. وتحتفظ القيادات العليا بالسلطة بقبضة قوية حتى أن لدى غالبية الضباط المصريين نفوذاً ضئيلاً على الوظائف التشغيلية داخل التشكيلات الخاصة بهم.
وبرغم أوجه القصور هذه، تتمتع طبقة الضباط بمزايا لا تتناسب مع باقي السكان المصريين، الذين عانوا من ارتفاع معدلات الفقر ومطالبات "شد الحزام" في إطار إصلاحات التقشف الأخيرة. وتشمل امتيازات فئة ضباط الجيش: الأجور السخية، والتغطية الطبية الخاصة، وحِزم الدعم الفاخرة للشقق أو السيارات، ومعاشات التقاعد، والميزة الهائلة المتمثلة في "حماية الدولة".
في الختام، وبرغم اعترافه بأن "الأمل في إحداث تغيير كبير في الهيمنة السياسية على الجيش المصري ضئيل"، اعتبر "Egypt Defense Review" انخراط الحلفاء الدوليين بشكل متزايد ومشاركتهم مع الكوادر المهنية داخل المؤسسات التعليمية العسكرية المصرية وفي سلك الضباط قد يثمران بعد إثبات الحاجة إلى المساءلة الداخلية والتدقيق في حالات الفشل وسوء السلوك، بالإضافة إلى الإصلاحات التنظيمية العامة.
واقترح أيضاً، بمعاونة هؤلاء الشركاء الدوليين، "توسعة برامج تبادل الضباط المحتملين أثناء الدراسة، وإنشاء مراكز تدريب تكتيكي مشتركة داخل البلاد، وزيادة وتيرة التدريبات المهمة، وتعزيز التعليم العسكري المهني الموثوق به لتأهيل القيادة العليا، وتدريب المزيد من المجندين في مدارس القتال ذات الصلة، وتوفير فرص تدريب للفئات غير الممثلة في القوات، بما في ذلك النساء".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...