ترددت أنباء عديدة عن حالات نزوح جماعي لأهالي أربع قرى في محافظة شمال سيناء الحدودية المصرية، نتيجة سيطرة تنظيم متطرف عليها، وذلك عقب أيام من الهجوم الذي استهدف معسكراً للجيش المصري في قرية رابعة الأسبوع الماضي.
وفي 21 من الشهر الجاري، قال الجيش المصري إنه أحبط هجوماً على أحد الارتكازات الأمنية في بئر العبد وطارد المهاجمين التكفيريين وقتل 18 منهم ودمر أربع عربات لهم، ناعياً اثنين من عناصره. وفي 24 تموز/ يوليو، أعلن تنظيم "داعش فرع ولاية سيناء" مسؤوليته عن الهجوم، زاعماً مقتل 40 وإصابة 60 من القوات المسلحة المصرية.
ولفتت مصادر طبية حينذاك إلى مقتل مدني واحد وإصابة ثلاثة آخرين في الهجوم.
وأكد موقع "مدى مصر" المستقل" أن قُرى "قاطية" و"إقطية" و"الجناين" و"المريح"، التابعة لمدينة بئر العبد، شهدت "نزوح الكثير من سكانها خلال اﻷيام الماضية، إثر تدهور الأوضاع الأمنية، وانتشار مسلحي تنظيم ‘ولاية سيناء‘ بشكل لافت داخل القرى اﻷربع، واختطافهم مواطنين وقتل ضابط صف في القوات المسلحة يقطن في إحدى هذه القرى".
الجيش يرفض النزوح
وقال لرصيف22 أحمد علي (اسم مستعار حرصاً على سلامة المصدر)، وهو من قرية إقطية، إن "‘داعش‘ ليه (منذ) ثمانية أيام مسيطر على خمس قرى بشكل كامل، و(عناصره) منتشرين فيها".
وأوضح أن عناصر التنظيم المتطرف لم يطلبوا من الأهالي مغادرة منازلهم بل على العكس "قالوا للناس محدش يطلع من بيته وإحنا هنحميكم. بس الناس خايفة منهم (من داعش) ومن الطيران (القصف المحتمل للجيش) وعشان كدا طلعوا إلى بئر العبد المدينة".
وأضاف مصدر رصيف22: "لكن الجيش كمان (أيضاً) مقالهمش (لم يقل لهم) اطلعوا. وحتى الآن لم يحدث أي هجوم على القرى مع أنها تقريباً مبقاش (لم يبق) فيها أي أهالي، ربما عشرات فقط أو أقل". ويناهز عدد سكان القرى اﻷربع، ثمانية آلاف و895 نسمة، بحسب آخر إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أُجري منتصف عام 2016.
"لم يبق هناك إلا العشرات أو أقل"... نزوح جماعي لسكان أربع قرى سيناوية في مصر بعد سيطرة داعش عليها
واستطرد: "الجيش كان بيرجع الناس اللي تحاول تطلع من سيناء ويقول لهم محدش (لا أحد) يسيب (يترك) بيته أو روحوا بئر العبد. أعتقد جهزوا مدرسة أو أكثر عشان تستقبل الأهالي".
وتتسق الشهادة التي وردت إلى رصيف22 مع ما قالته مصادر محلية لـ"مدى مصر": "المسلحون حاولوا، في البداية، استمالة السكان، وقاموا بتوزيع الحلوى على الأطفال، وأعدوا وليمة في قرية قاطية دعوا الأهالي إليها، وقالوا لهم إن معركتهم ليست معهم ولكنها مع الجيش، وطالبوهم بقضاء مصالحهم وممارسة حياتهم بشكل طبيعي".
كما قال سكان إن عناصر التنظيم عرضوا نقل الأهالي إلى داخل حدود قراهم بسياراتهم التي ترفع الرايات السود، وعلاج المرضى منهم في مستشفى ميداني أقاموه في احدى المدارس.
وسرعان ما كشف المسلحون عن أنيابهم فنصبوا الكمائن عند مداخل القرى ومخارجها وكشفوا عن هويات الأهالي خلال تحركاتهم. كما ذكر سكان لـ"مدى مصر" أنه عند أحد كمائن التنظيم في "قاطية" تم إنزال "ضابط صف" في القوات المسلحة، من سكان القرية، من سيارة أجرة وقتلُه في الحال.
ويبدو أن مخاوف الأهالي، الذين شرعوا في النزوح كانت في مكانها، إذ لم يكتف التنظيم باستهداف العسكريين، فاختطف عناصره أربعة مواطنين (اثنان من قرية المريح، وواحد من قاطية، والرابع من رابعة) قبل الإفراج عنهم لاحقاً. واستولوا أيضاً على سيارتين نصف نقل مملوكتين لمدنيين، وتركوهما بعد ذلك عقب نقل جرحاهم الذين أصيبوا خلال هجوم "رابعة" فيهما.
ولم يسلم الأهالي من العبوات الناسفة العديدة التي زرعها المسلحون على جوانب الطرق إذ انفجر عدد منها وأصاب أربعة من الأهالي.
تمركز أمني وسيطرة داعشية
في الأثناء، أشار "مدى مصر" إلى أن الجيش المصري أغلق، في 27 تموز/ يوليو، الطريق المؤدي إلى قرية قاطية، ومنع الدخول إليها والخروج منها، إلا على اﻷقدام، لافتاً في الوقت نفسه إلى إغلاق الطريق الدولي الساحلي القنطرة/ العريش، أمام مدينة بئر العبد.
وتحدث الموقع المحلي عن "قصف شديد" في محيط القرى اﻷربع "تتخللته أصوات اشتباكات".
ونقل "مدى مصر" عن مصادر محلية أن ظهور أفراد التنظيم المتطرف في القرى اﻷربع القريبة من "رابعة" بدأ مع الهجوم الأخير، مبرزة انسحاب المسلحين إلى هذه القرى، وخاصة "قاطية" و"إقطية"، واستقرارهم فيها وزراعة عبوات ناسفة في جميع مداخلها، علاوة على إنزال العلم المصري المرفوع على سارية في ميدان يتوسط القرى، رافعين بدلاً منه رايتهم السوداء.
"المسلحون حاولوا، في البداية، استمالة السكان، وقاموا بتوزيع الحلوى على الأطفال، وأعدوا وليمة دعوا الأهالي إليها، وقالوا لهم إن معركتهم ليست معهم ولكنها مع الجيش"... لكن سرعان ما كشفوا عن أنيابهم
وبيّن أحد سكان قرية قاطية للموقع المحلي أن الظهور اﻷول ﻷفراد التنظيم في قريته كان قبيل نحو ثلاث ساعات من بدء الهجوم على معسكر "رابعة"، موضحاً أنهم دخلوا القرية من الجنوب في قرابة 10 سيارات نصف نقل وعلى 15 دراجة نارية، وأن جميعهم كانوا مسلحين، ورافقهم عدد من النساء.
ولفت المصدر نفسه إلى أن أفراد التنظيم انتشروا داخل مدرسة الزراعة الثانوية في القرية وحولها ، ثم حولوهاإلى مستشفى ميداني.
نزوح جماعي ودعم حكومي
وفي حي السبيل، المتاخم للقرى، حيث تمركز عدد من المسلحين أسفل عمارات الأهالي وعلى أسطح بعضها، قال سكان تعاملوا بشكل مباشر مع المسلحين، لـ"مدى مصر"، إن هيئة المسلحين ولهجتهم تُشيران إلى أن بعضهم من قبائل المحافظة، وبينهم عدد من أهل الدلتا (شمال مصر)، ومن العاصمة القاهرة، فيما برزت اللهجة الشامية في حديث بعضهم، وقلة تحدثت "عربي مكسر"، في إشارة إلى وجود جنسيات أجنبية غير عربية بينهم.
ونسب بيان "ولاية سيناء"، بشأن تبني هجوم "رابعة"، مسؤولية الحادث إلى أبو سند الأنصاري، وكرار المقدسي، وترجح كنية الأول أنه من أبناء محافظة شمال سيناء، أما المقدسي فيعتقد بأنه فلسطيني.
وأوضح سكان أن موجات النزوح من القرى اﻷربع استمرت حتى أغلق الجيش الطرق، في 27 تموز/يوليو، بعدما بدأت عقب يومين من حادث كمين رابعة، وتزامناً مع الانتشار الكثيف للمسلحين بالقرى.
وكانت خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات مفصولة تماماً عن القرى في ذلك الوقت.
وحمل النازحون ما استطاعوا من أثاث وملابس ومستلزمات في عشرات سيارات النصف نقل، قاصدين قرى "6 أكتوبر"، و"رمانة"، و"بالوظة"، و"الأحرار" و"الخربة". ولا يزال بعضهم يفترش الطريق الدولي المار بمدينة بئر العبد، والطرق المؤدية للقرى الواقعة على الطريق، وفق الموقع المحلي.
وذكرت مصادر أن الأهالي فوجئوا بأن قوات من الجيش منعتهم من مغادرة المحافظة صوب محافظات مثل الإسماعيلية والشرقية، وطلبت منهم العودة.
من جهتها، أعلنت محافظة شمال سيناء تشكيل لجنة لحصر ممتلكات الأهالي المتضررين من هذه الأحداث، وصرف مساعدات عاجلة لهم، بالإضافة إلى توفير أماكن لإقامة المتضررين من العمليات الإرهابية.
وشكّلت فرقاً لتوزيع مساعدات على المتضررين في قرى رابعة والجناين والمريح وقاطية وإقطية، وحصرهم تمهيداً لصرف تعويضات لهم.
وأكد مصدر مسؤول في ديوان عام المحافظة، لـ"مدى مصر"، تجهيز ست مدارس ومعهد أزهري لاستقبال الأهالي النازحين بـ270 بطانية و50 مرتبة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...