شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"تعرّضت لمواقف أخجل من أن أرويها"... الغارمات الأردنيات والعنف المتعدد والمتواصل ضدهن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 28 سبتمبر 202002:17 م

ثلاث انكسارات، كل واحدة أقسى من سابقتها، توالت على السيدة الأردنية مرام (اسم مستعار)، 45 عاماً، حسب تعبيرها. أولها انكسار إيجار ودفعات أقساط القروض التي كفلت بها زوجها المريض، وثانيها انكسارها النفسي أمام استغلال حاجتها وعوزها من قبل "محامين"، وآخرها إلصاق صفة "غارمة" عليها لتنضم إلى صفوف آلاف السيدات الأردنيات الغارمات.

ويقصد بالغارمة، وفق التعريف الدارج أردنياً، أي السيدة الأردنية التي تصبح مطلوبة أمنياً، ومنهن من تم زجهن بالسجن بسبب عدم قدرتهن على تسديد أقساط قروض أخذنها من مؤسسات صغيرة للإقراض، أو بسبب كفالتهن لأزواجهن لتلك القروض، ومرام واحدة من الغارمات التي تحدثت لرصيف22، واليوم هي لا تخرج من منزلها خوفاً من إلقاء القبض عليها، كونها مطلوبة أمنياً، كما أفادت، بسبب عجزها عن تسديد مستحقات قرض كفلت به زوجها، وتبلغ المستحقات حوالي 700 دينار، أي ما يعادل 1000 دولار.

"صدقاً هناك غارمات حاولن الانتحار!".

حاولت أن أبحر مع مرام في الانكسارات التي توالت عليها، وتبين أن الانكسارات التي سبقت تحولها إلى امرأة غارمة، لا تقل خطورة عن ذلك، وتضيف: "قبل أن أصبح مطلوبة أمنياً، قامت الجهة التي اقترض منها زوجي بتقديم شكوى بحقه، ما أدى إلى سجنه ثلاثة شهور مع العلم أنه مصاب بمرض السرطان، وبعد خروجه لم يكتف صاحب مؤسسة الاقتراض بذلك، بل قدم بحقي شكوى، وأنا اليوم، وبالرغم من أنني المعيلة الوحيدة في أسرتي بسبب مرض زوجي، مهددة بأن أزج بالحبس في أية لحظة".

164 ديناراً هو دخل أسرة مرام، تحصل عليها من صندوق المعونة الوطنية التابع لوزارة التنمية الاجتماعية والذي يقدم دعماً للأسر المعوزة. سألتها هل يكفي هذا المبلغ لسد احتياجات أسرتك؟ أجابت أنه يكفي لسد إيجار المنزل، وهي الآن من الصعب أن تقدم للعمل بأية جهة كونها مطلوبة أمنياً، كما جاء خلال حديثي معها.

استغلال من محامين وشيخ

وعودة إلى ما ذكرته مرام في بداية حديثنا عن استغلال حاجتها من قبل محامين قصدتهم لحل مشكلتها، قالت: "تعرضت لمواقف أخجل أن أرويها، فمثلاً في إحدى المرات طلب مني أحد المحامين أن أزوره في مكتبه ليلاً وحدي، وقال لي بالحرف: أنا بدي إياكي، ومحام آخر أخبرني، ولأني غير قادرة على دفع أتعابه، أنه سيكون هناك ثمن (آخر)".

لم يتوقف استغلال الغارمة مرام من قبل محامين، بل وصل، كما جاء في سرد قصتها، إلى استغلال من قبل مسؤول إحدى لجان الزكاة، وهو في ذات الوقت مغسل للموتى، وتقول: "سمعت أن هذه اللجنة تقدم مساعدات للأسر الفقيرة وللغارمات، تواصلت مع الشيخ مسؤول اللجنة. في أول مرة لم يرد على الهاتف، وعاد للاتصال بي بعد منتصف الليل، وطلب مني عنوان منزلي بحجة أن يدرس حالتنا الاقتصادية، وفي اليوم الثاني كان عند الساعة السابعة صباحاً في منزلي، وعندما رأي ابني تفاجأ أنه كبير في العمر، وتغيرت نبرة صوته معي".

وأضافت: "بعد أن خرج، أرسل لي رسالة نصية طلب مني أن أزوره في مستودع مقر اللجنة وحدي، مقابل أن يعطيني مبلغاً مادياً لمساعدتي، بالطبع لم أرد على هذه الرسالة ولم أذهب، لأتفاجأ في ذات اليوم أن هاتفني شخص من رقم آخر، أخبرني أنه ابن الشيخ، وأنه قرأ الرسالة التي، بحسب قوله، سببت مشاكل مع زوجة الشيخ".

واستكملت: "بعد هذا الموقف تحريت عن ذلك الشيخ، وتبين أنه لديه تجارب عديدة في الاستغلال الجنسي لنساء غارمات، منهن من رفضن ومنهن من اضطررن للانصياع بسبب العوز والحاجة"، وتختم مرام: "ظرفي هو الذي وضعني ووضع أولئك النسوة في هذه المواقف... في بلدي، المحتاج منبوذ والفقير مظلوم والمرأة دائماً ضحية".

يقصد بالغارمة، وفق التعريف الدارج أردنياً، أي السيدة الأردنية التي تصبح مطلوبة أمنياً، ومنهن من تم زجهن بالسجن بسبب عدم قدرتهن على تسديد أقساط قروض أخذنها من مؤسسات صغيرة للإقراض، أو بسبب كفالتهن لأزواجهن لتلك القروض

"ما جبرني على المرّ إلا الأمرّ منه"

"إذا جربتي لا تعيديها، وإذا ما جربتي أستحلفك بالله لا تجربيها"، بهذه العبارة تنصح سناء (اسم مستعار)، 52 عاماً،  وهي غارمة سابقة، النساء خوفاً عليهن من أن يصل بهن الحال للذي وصلت إليه، وهو أن تصبح غارمة ومطلوبة لدى التنفيذ القضائي، بحسب ما روته لرصيف22، بسبب عجزها عن سد دفعتين لقرض أخذته من إحدى مؤسسات الإقراض بقيمة 500 دينار (ما يقارب 740 دولاراً) مقابل سد 51 ديناراً شهرياً (ما يقارب 70 دولاراً)، وبسبب عجزها عن دفع مستحقين اثنين، وصلت القيمة المطلوبة إلى 350 ديناراً (ما يقارب 500 دولار) بسبب الفوائد.

سناء كانت عاملة نظافة في إحدى المدارس، والسبب انها كانت ولم تعد بحسب ما روته، أنه في مرة داهم مجموعة من موظفي مؤسسة الإقراض المدرسة التي تعمل فيها، وهددوها بأنهم سيداهمون منزلها ويستولون على كل شيء فيه إذا لم تسد الدفعتين، ذلك الموقف أدى إلى تسريحها من العمل من قبل إدارة المدرسة. وتبرر عدم قدرتها على دفع الدفعتين: "ما كان معنا ربطة خبز وحدة في البيت، كنت بشتغل عشان أعالج زوجي"، وتختم: "ما جبرني على المر غير الأمر منه، حسبي الله على اللي وصل نساء البلد لهيك".

العنف الاقتصادي ضد المرأة

لم تعد سناء غارمة بعد أن كانت مطلوبة لدى التنفيذ القضائي، وذلك بسبب مساعدة جمعية "سنحيا كراماً" الخيرية المعنية بمساعدة الغارمين والغارمات، وفي حديث مع مسؤول مشروع الغارمات في الجمعية، ليث الحطيني، قال لرصيف22، إنه ومن خلال تجربته في التعامل مع هذا الملف منذ العام 2016، فإن المسؤولية التي توصل المرأة الأردنية لأن تصبح غارمة، ليس فقط التسهيلات والوعود الوهمية التي تقدمها بعض مؤسسات الإقراض، بل هناك عامل رئيسي وهو العنف الاقتصادي الذي يمارس بحق المرأة.

وبيّن الحطيني من وحي تجربته في معاصرة قصص غارمات تابعتها الجمعية: "هناك حالة أشبه بالموضة، بعزوف رجال عن العمل بدون أسباب صحية أو أية أسباب مقنعة، ووضع مسؤولية إعالة الأسرة على الزوجة، علاوة على مسؤوليتها في تربية الأبناء ومتابعة الأمور المنزلية، بل ويفرض عليها الزوج معاشرته حتى لو لم تكن ترغب بذلك، ورغماً عن كل التعب الواقع على كاهلها".

وأضاف: "كثير من الحالات التي تصلنا في الجمعية، هي لنساء تعرضن للضرب من قبل أزواجهن لإجبارهن على الاقتراض من مؤسسات الإقراض، ويسيرون على قاعدة: بدي مصاري بأي طريقة… روحي دبري حالك".

واحدة من القصص التي تابعتها الجمعية، كما قال ليث، هي لسيدة متزوجة من ممرض. في مرة هاتفها وقال لها أن توافيه إلى عنوان سوف يرسله برسالة لهاتفها، وعندما وصلت اكتشفت أنها مؤسسة إقراض، وعندما دخلت حتى الموظف لم يشرح لها سبب مجيئها، فكل ما قام به هو طلب منها أن توقع على ورقة، أجبرها من خلالها زوجها بأن تكفله لقرض اقترضه بقيمة 1500 دينار (ما يقارب 1950 دولار)".

ويستكمل: "بعد فترة تغير سلوك زوج تلك السيدة، وأصبح يتعاطى المخدرات ويضربها باستمرار، وفي إحدى المرات التي اعتدى عليها بالضرب تأذت جسدياً لدرجة كبيرة، ذهبت بعدها إلى إدارة حماية الأسرة التابعة لمديرية الأمن العام لتقديم شكوى بحق زوجها، لتكتشف عند التدقيق على اسمها، أنها مطلوبة لدى التنفيذ القضائي بسبب كفالتها لزوجها الذي تغيّب عن دفع مستحقات للقرض".

"بعد هذا الموقف تحريت عن ذلك الشيخ، وتبين أنه لديه تجارب عديدة في الاستغلال الجنسي لنساء غارمات، منهن من رفضن ومنهن من اضطررن للانصياع بسبب العوز والحاجة"

استغلال لزوجات غارمين مسجونين

ومن أشكال العنف الاقتصادي الذي يجعل من نساء أردنيات غارمات بحسب حديث ليث الحطيني، هو العنف الذي يمارس على المرأة من قبل والدها أو أخيها، وفي واحدة من القصص التي تابعتها الجمعية، يحكي ليث: "فتاة حصلت على معدل 90% في الثانوية العامة، ولأن أباها يرفض فكرة تدريس بناته، رفض دفع الأقساط الجامعية لابنته، لكن أمها كانت حريصة على تعليمها فاضطرت للاقتراض لتدريس ابنتها. وفي السنة الجامعية الثانية اكتشفت ابنتها أنها مطلوبة لدى التنفيذ القضائي بسبب عجز والدتها، التي لا تعمل في وظيفة، عن دفع مستحقات القرض، ورفض زوجها مساعدتها".

ويؤكد أنه ووفق رصد جمعية "سنحيا كراماً" لحالات ساعدت فيها نساء قبل دخولهن السجن، تبين أن هناك سيدة غارمة كانت سوف تسجن على 155 ديناراً (ما يقارب 219 دولار)، ويعلق على قصة مرام التي استغل محامون وشيخ عوزتها: "كثير من القصص المشابهة لقصة مرام رصدناها في الجمعية، حتى أن هناك استغلال لزوجات غارمين مسجونين من قبل محامين، حيث هناك نظرة ظالمة لهن"، ويختم: "هؤلاء ذئاب وليسوا رجالاً".

الآثار النفسية والاجتماعية 

وفق معلومات لرصيف22، أنه وخلال الفترة المقبلة ستكون هناك مشاريع من قبل جمعية "سنحيا كراماً"، لدراسة الآثار النفسية التي تلحق بالغارمات، سواء بعد خروجهن من السجن، أو خلال الفترة التي أوصلتهن لكي تصبحن غارمات، وهذا ما تقوم به الباحثة حياة الشوبكي وهي ومجموعة من النساء الباحثات، كما جاء في حديثها معي خلال إعداد هذا التقرير، حيث أشارت أن البحث الذي في طور الانتهاء، شمل الحديث مع 20 غارمة مطلوبة لدى التنفيذ القضائي، وتبين خلال إعداد البحث أن هناك آثاراً اجتماعية ونفسية وصحية تلحق بالغارمات.

من بين تلك الآثار كما بينت حياة: "هناك غارمات تعرضن لجلطات ونوبات قلبية، وللإصابة بمرض السكري، ناهيك عن الأزمات النفسية، كالاكتئاب، العزلة، كره الذات، الخوف الدائم والقلق من المستقبل، فضلاً عن المشاكل الاجتماعية، مثل تأثر علاقات الغارمات سلباً بأزواجهن"، لافتة إلى أن أغلب من تمت مقابلتهن من عينة البحث لديهن مشكلة غياب الوعي القانوني لمخاطر الاقتراض، ناهيك عن أن أغلبهن أصبحن غارمات لأنهن كفيلات وليس مقترضات.

وختمت بضرورة اتجاه الجهود نحو البحث في مخاطر الآثار النفسية والاجتماعية التي تلحق بالغارمات، وألا تنحصر الجهود بالبحث في إنقاذهن قانونياً فقط، وتقول: "صدقاً هناك غارمات حاولن الانتحار!".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image