شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"إحنا جيل أصبح مَدَاس بين فتح وبين حماس"... انتفاضة "جيل التسعينيات" في غزة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 18 سبتمبر 202012:24 م

تخرّج محمود جاد الله (25 عاماً)، قبل ثلاثة أعوام، من كلية العلوم الصحية. وخلال الفترة التي تبعت حصوله على الشهادة الجامعية التي كلّفت عائلته نحو 10 آلاف دولار، لم يحصل على عمل ثابت. كل ما حصّله خلال تلك المدة لا يتجاوز الألفي دولار.

يقول لرصيف22: "وضعنا كشباب جيل التسعينيات صعب جداً، ولا نتمكن كثيراً من تحصيل مصروفنا الشخصي. نُستثنى من الحصول على وظائف حكومية بدون مبرر، وذلك عدا أنه غير منطقي وغير أخلاقي فهو يساهم في تحطيم نفسياتنا، ويجعلنا نشعر بأن المجتمع لا يحتاج إلينا".

خلال الأيام الماضية، برزت على منصات التواصل الاجتماعي مئات التغريدات والمنشورات التي عبّر فيها شباب فلسطينيون من غزة، وُلدوا في فترة تسعينيات القرن الماضي، عن غضبهم من الواقع والأزمات التي تكدّست فوق كواهلهم خلال السنوات الفائتة.

عدا ظروف الحصار، حرمهم الانقسام الفلسطيني من الحصول على حقوقهم في التوظيف والتعليم والمشاركة السياسية، إذ ساهم في تفشي الحزبية والمحسوبية التي صارت اليوم، وفقاً للشباب، المعيار الأول للحصول على وظيفة عامة.

الشباب المعبّرون عن ظلمهم بشكل خاص حذّروا من ساعة الصفر التي سينفجرون فيها في وجه كل الجهات التي تسببت بتفاقم أزماتهم، وهددوا بالنزول إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم بحال لم يستجب المعنيون لمطالبهم.

وتفجرت أزمة "جيل التسعينيات" بشكل واسع بعد إعلان وزارة الداخلية التابعة لحركة حماس شروعها في استيعاب حوالي 3000 عنصر أمن جديد، فقد اشترطت ضمن شروط الاختيار أن تكون أعمار المتقدّمين أقل من 20 عاماً، وهو الأمر الذي اعتبره شباب جيل التسعينيات تعدّياً واضحاً على حقوقهم، وتجاوزاً لصبرهم الذي طال لأكثر من 13 عاماً، بدأت بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزّة، وتفردها في حكمه، وتجاهلها لهموم الشباب في كثير من المناسبات.

ووفق بيانات صادرة عن مركز الإحصاء الفلسطيني لعام 2019، يبلغ عدد الشباب والشابات الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً حوالي 1.1 مليون شخص، من أصل 5.1 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتبلغ نسبة تواجد الشباب في المؤسسات الحكومية أو المؤسسات القيادية الفلسطينية 1% فقط.

وتغيب عن الأفق حلول قريبة لأزمات الشباب أو مشاريع استراتيجية تُعنى بمشاكلهم.

مشاكل معقّدة

ريهام المولودة سنة 1997، تخرّجت قبل عام من تخصص التعليم الأساسي، ولا تمتلك أي أمل في الحصول على وظائف خلال السنوات القادمة، وتقول لرصيف22 إن أبناء جيلها الغزيين "يعيشون نفس الشعور، فقطار التوظيف الحكومي الواسع لحقه جيل الثمانينيات الذي وُظّف عشرات الآلاف من أبنائه بين عامي 2000 و2007، كما أن الأجيال السابقة تمكنت من العمل داخل إسرائيل وكانت فرصها في السفر كبيرة، وكانت الدول المتقدمة تستقبلهم بسهولة وتقدّم لهم التسهيلات، أمّا اليوم فالواقع صار معقداً والأمر اختلف كثيراً"، مبيّنة أن لديها أربعة إخوة من نفس الجيل وجميعهم يجلسون في المنزل عاطلين عن العمل.

حال رفيف إسليم يشبه حال ريهام. تخرّجت من كلية الإعلام قبل سنة، وحازت على المرتبة الأولى في دفعتها وحصلت على استحقاق التعيين كمعيدة في الجامعة، لكن وبسبب الأزمات المالية والسياسية، حُرمت من تلك الفرصة، وصارت اليوم بلا عمل.

تقول لرصيف22 إن "فرصة الحصول على وظيفة عامة في غزة باتت اليوم معقدة جداً، وتحتكم إلى أسباب ومرجعيات حزبية، دون النظر إلى الكفاءة"، موضحةً أنها "تشعر بالظلم الشديد كبقية أبناء جيلها"، وأنها تتمنى في كثير من الأوقات لو أنها وُلدت ضمن جيل آخر.

ويعاني الشباب الفلسطينيون في قطاع غزة، وأغلبيتهم من أبناء جيل التسعينيات، من ظروف معيشية صعبة جداً، وأزمات متعددة، منها البطالة التي بلغت نسبتها في أوساط الشباب 70%، مطلع العام الجاري، وعدم القدرة على التعليم الجامعي، وصعوبات التنقل والسفر الناتجة عن إغلاق المعابر المستمر والهجرة، إضافة إلى مشكلة الزواج التي أضحت حلماً لشباب بعمر الثلاثين.

"أول خطوة نلجأ إليها كشباب هي أن ندق ناقوس الخطر، ونرفع الصوت، ونلوّح بيدنا: نحن هنا، ونسأل بصوتٍ مرتفع: لماذا لا يرانا أحد؟ أعدادنا كبيرة وقدراتنا أكبر"

وبسبب صعوبة الظروف، اتّجه آلاف الشباب إلى البحث عن مستقبل خارج غزة، ساعين إلى حياة أفضل، واجتاز بعضهم البحار وعبر الغابات للوصول إلى دول أوروبا، ومات في سبيل ذلك عدد منهم.

وبيّن استطلاع للرأي حول هجرة الشباب، أجراه "مركز الدراسات وقياس الرأي" التابع لـ"جامعة الأقصى" في غزة عام 2018، أن 51.8% من أفراد العيّنة سيوافقون على الهجرة في حال عُرضت عليهم.

"انفجار أبناء جيل التسعينيات بات قريباً في وجه كل الأشخاص الذين يتجاهلون مطالبهم"، يقول إبراهيم عاصي (28 عاماً) الذي يقطن غرب مدينة غزة.

ويبيّن لرصيف22 أن "هذا الجيل نجح أكثر ممن سبقوه في تشكيل حالة وعي مميزة، وقاد حراكات مطلبية وتعرّض للاعتقال السياسي والضرب في الشوارع من قِبل أجهزة الأمن، وهو مستعد لتكرار تلك التجربة للحصول على حقوقه، ولإثبات وجوده وقدرته على إزاحة كل متعدٍّ عليه".

قرار موحّد للانتفاض

وانتفض أبناء جيل التسعينيات قبل أيام بشكل كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على مجموعة واسعة من الصفحات التي ينشط عليها شباب وشابّات من هذا الجيل. عبّروا عن همومهم وتبادلوا دعوات للتجمع والانتفاض الميداني في وجه كل الجهات التي تساهم في تعميق أزماتهم، والتي تتبع معايير حزبية في توزيع الوظائف والمنح الحكومية.

حمزة حماد، الناشط في العمل السياسي والمتخرّج قبل سنوات من جامعة الأقصى في غزة، أطلق حملة تحت اسم "شيبنا" للمطالبة بإنصاف جيل التسعينيات.

وعن سبب اختيار هذا الاسم، يقول لرصيف22: "ليعبّر عن الهمّ والوجع الذي يحمله الشباب الفلسطينيون وتحديداً جيل التسعينيات، في ظل التحديات والضغوطات التي تواجهه، لأنه الجيل الذي أهدر الانقسام حقه، ووقف في وجه أحلامه وآماله المستقبلية، وللمطالبة بحصول الشباب على حقهم في التوظيف".

ويذكر أنّ الحملة "لاقت اهتماماً وتضامناً كبيريْن من الناشطين والإعلاميين، إلا إنهم لم يجدوا حتى الآن اهتماماً من المسؤولين أو استجابة بقدر ما سمعوا تبريرات".

يحمّل حماد المسؤولية عن مشاكل توظيف شباب جيل التسعينيات "للدوائر الرسمية المختصة في منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الفلسطينية، والمسؤولين في حكومتي غزة والضفة، لأنهم أصحاب الصفة الرسمية في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ككل".

ويقول: "هناك رغبة لدى بعض الجهات في تلبية الرغبات الحزبية والشخصية على حساب جيل بأكمله، إضافة إلى أن هناك إهمالاً من المسؤولين لمطالب الشباب الذين يواجَهون بالعنف كلّما حاولوا الصراخ للمطالبة بحقهم".

"وضعنا كشباب جيل التسعينيات صعب جداً. لا نتمكن كثيراً من تحصيل مصروفنا الشخصي. نُستثنى من الحصول على وظائف حكومية بدون مبرر، وذلك يساهم في تحطيم نفسياتنا، ويجعلنا نشعر بأن المجتمع لا يحتاج إلينا"

ويوضح أنّ "مسألة النشاط الميداني غير واردة لديهم حالياً، ولكن إذا تجاهلت الجهات المسؤولة والمختصة هذا المطلب وكان هناك إجماع شبابي على هذا الأمر بالطبع سيكون هناك قرار موحد بذلك".

ويبدي اعتقاده بأن حركة حماس والجهات المختلفة يمكن أن تجد حلولاً ولو جزئية أو بشكل تدريجي بحال امتلكت الإرادة، مضيفاً: "لكن بالطبع الاعتماد على الولاءات الحزبية والمصالح الخاصة يحتّم على أطراف الانقسام الاستمرار في هذا النهج من أجل ضمان بقائهم في سدة الحكم"، ويوضح أن "كلمة السر في إنهاء معاناة هذا الجيل تكمن في تحقيق الوحدة الوطنية وإشراك الشباب في صناعة القرار الوطني".

ويشير مراقبون إلى أن حركة حماس، وخلال فترة انفرادها في حكم قطاع غزة التي بدأت عام 2007، دأبت كثيراً على توظيف محازبيها الذين يتم ترشيحهم عبر المساجد والدوائر الحركية، دون الالتفات إلى مجموع الشعب.

كما عملت السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير على تجاهل حصة قطاع غزة من التوظيفات، تحت ذريعة الانقسام، إضافة إلى أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وبسبب الأزمات التي تمرّ بها منذ سنوات، قلّصت من الأعداد التي توظفها سنوياً، وصارت غير قادرة على استيعاب سوى عشرات الشباب سنوياً، الأمر الذي عمّق الأزمة.

وشهدت حملة "جيل التسعينيات" تفاعلاً من قِبل مجموعة من الفنانين وأصحاب المواهب الفلسطينية الذين عبّروا عن تضامنهم وتفاعلهم مع الحملة بطرق مختلفة، ومنهم الفنان حسام خلف، والذي يُعتبر من رواد الفن الشعبي البارزين في غزة.

أنتج الفنان الملقب بـ"المخ" كليباً غنائياً يحمل اسم "كمين في التسعين"، تناول فيه حالة شباب التسعينيات ومشاكلهم، تكررت فيه جملة: "إحنا جيل أصبح مداس بين فتح وبين حماس".



أكثر من حملة

وُلدت الصحافية الشابة هدى العف عام 1992، وتهتم منذ أولى سنوات دراستها الجامعية بالشؤون السياسية والحقوقية، على الرغم من أنه لم يتسنَّ لها، خلال الفترة الماضية، المشاركة بأيّ عمليات ديمقراطية أو خطط تنموية مجتمعية تطلقها جهات رسمية بهدف تحسين وضع الشباب، ورفع قدراتهم ووعيهم.

تقول لرصيف22: "كوني من مواليد التسعينيات، شعرت أن هذا الجيل فقَدَ الكثير من حقوقه الأساسية في العيش الكريم الذي يتضمن التعليم والعمل العادل والانتخابات وصنع القرار، وغيرها من الأشياء"، موضحةً أنها "من الجيل الذي حُرم من أن يقول كلمته بحرية، وتفتّح وعيه على الحروب والحصار ووجد أبناؤه أنهم كبروا فجأة في زمن الانقسام".

تستهجن العف واقع أن جيلاً كاملاً في غزة، يقع عمره بين 21 و30 عاماً، لم يحصل على فرص عمل تناسب وضعه وتمكّنه من البدء ببناء مستقبله، وتتابع: "حالياً صار الناس يتفاجأون بأن الجهات الرسمية والمؤسسات لم تعد ترى جيل التسعينيات موجوداً أصلاً، ويتم استثناؤه بطريقة مخيفة من الوظائف العامة الأمر الذي يضع مئات الآلاف من الشباب في مهب الريح".

وكما حماد، عملت العف برفقة آخرين، على تدشين مجموعة على فيسبوك، تهتم بالحديث حول قضايا جيل التسعينيات ومشاكله، وتوضح أن "المجموعة جاءت للفت أنظار الجهات الرسمية لمد يدها لإنصاف أبناء هذا الجيل الذي ذاق الويلات بانتهاك الحقوق، قبل أن يجدوا أنفسهم مضطرين لاختيار الهجرة كي ينالوا فرصتهم خارج بلادهم".

وتشرح أن "كل الحملات المطلبية العادلة التي تتحدث بلسان جيل التسعينيات، تهدف إلى وضع الجميع أمام مسؤولياته، دون الانحياز لطرف على حساب الآخر"، متابعةً: "أول خطوة نلجأ إليها كشباب هي أن ندق ناقوس الخطر، ونرفع الصوت، ونلوّح بيدنا: نحن هنا، ونسأل بصوتٍ مرتفع: لماذا لا يرانا أحد؟ أعدادنا كبيرة وقدراتنا أكبر".

ردود حكومية

في تعليق على مطالب جيل التسعينيات، قال رئيس ديوان الموظفين في غزة يوسف الكيالي في 13 أيلول/ سبتمبر: "في الفترة ما بعد العام 2007 كانت هناك طفرة في نسبة التوظيف لمعالجة آثار (الانقسام) إلى أن عدنا إلى نمط التوظيف المعتاد، وفي المجمل تم توظيف ما مجموعه 37688 موظفاً في القطاعين المدني والعسكري كان نصيب جيل التسعينيات منهم 5964 موظفاً (3121 عسكري + 2843 مدني) أي ما نسبته 15.8‎%‎ من إجمالي مَن تم توظيفهم".

لم يعجب هذا التصريح الشباب. اعتبروه غير مناسب ولا يعبّر عن وعي كامل بأزمة الجيل ويقوم على التبرير فقط، وانتقدوا إشارته إلى نسب التوظيف بعد عام 2007، معتبرين أن نسبة توظيف الشباب المبيّنة لا تتلاءم مع الاحتياجات.

بدوره، أفاد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في بيان في 14 أيلول/ سبتمبر، بأن الحكومة "سعت لمراعاة الأجيال الشابة بإتاحة النسبة الأكبر لهم ضمن كافة المشاريع التي جرى العمل عليها خلال السنوات الماضية، حيث بلغت نسبتهم من إجمالي المستفيدين في برامج التشغيل المؤقت ما يفوق 70 بالمائة"، وأضاف أن هناك خصوصية تقتضيها متطلبات وضرورات بعض الوظائف أو التشغيل المؤقت، كما جرى في وظائف التشغيل المؤقت لوظيفة أفراد في وزارة الداخلية مؤخراً، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر جاء بسبب طبيعة الوظيفة المطلوبة.

وعقّب رئيس الجامعة الإسلامية الأسبق الدكتور عادل عوض الله على ذلك قائلاً عبر حسابه على فيسبوك: "استيعاب شباب صغار بسن 18-20 سنة (في وظائف وزارة الداخلية)، لم يتأهلوا بعد للتعامل مع الناس بالعلم والقانون، وترك المتعلمين، والقانونيين، والمهندسين، والإحصائيين، وخريجي التربية الرياضية، وغيرهم، إجراء تستحق أن تُقال بسببه الحكومة، واللجنة الحكومية، وقيادة الحركة، بل وكل قادة فصائل غزة".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard