كما أن البحر الأبيض المتوسط يقع على أطراف مدينة اللاذقية، كذلك يقع حي شارع غسان حرفوش على عتبة منزل عيسى حيدر الذي يحمل نسخة عن مفاتحيه عشاق من دمشق وحلب والسلمية وإدلب واللاذقية... وأيضاً بعض الذين هاجروا إلى أوروبا.
كتب عيسى عشرات القصص. رغم ذلك، لم يستطع أصدقاؤه إقناعه بأن يطبعها. عيسى يحبّ محمود درويش وماركيز حبّاً مبالغاً فيه، ويقول إنّ ألحان بليغ حمدي بأهمية دعسة قدم أول إنسان على سطح القمر، والتي كانت لنيل أرمسترونغ.
يدخن كثيراً، ويشرب القهوة والنسكافيه، رغم أن قلبه متعب، ويتحدث عن مشاهد ساحرة في أفلام سينمائية، ومقاطع مدهشة في روايات عالمية تحفّزك على مشاهدتها وقراءتها، وحين تفعل تكتشف أن كل ما قاله ليس موجوداً!
يحرص على ألا يكون لديه الآلاف من الأصدقاء على فيسبوك، ويكتفي حالياً بـ250 صديق. يقوم بين حين وآخر بجولة على بروفايلاتهم، ويضع لهم "لايكات" وتعليقات على منشورات جديدة وقديمة، ويعتبر ذلك نوعاً من اللباقة والاهتمام الفيسبوكي بحسب قوله.
يرفض عيسى أن ينشر أي شيء على فيسبوك بدون إخضاعه لإجراءات التشكيل والترقيم. وحين سُئِل: لماذا تبالغ في ذلك؟ أجاب: لأن تلقّي المساطر على قفا اليد مؤلم في شتاءات الشام، وعقوبة نسيان شَدّة فوق حرف يعني خمس مساطر.
منذ أيام كتب على صفحته على فيسبوك:
"سايمون غرافت"
(1861 – 1917)
من أوائل من اعتمدوا مبدأ التحليل النفسيّ عبر جماعات.. وهو صاحبُ نظريّة "حجرٌ في بركةٍ ساكنة "حيث يعتمدُ في نظريتهِ على إطلاقِ حجر-كلمة في بركةِ الشخصِ اللامقصود في الجماعة بِهدَفِ طرطشةِ شخصٍ أو أكثر في المجموعة.. أو بمعنى آخر: إطلاقُ رصاصةٍ إلى جانب أُذنِ المقصود ليسَ بقصدِ قتلهِ وإنما لإيقاظِهِ وكشفِ المَخبوء من خلال ردَّةِ فِعْلِهْ.. أو أكثر تبسيطاً، هو ما نُريدهُ من المَثَل الشعبيّ: "الكلام إلِك يا جارَة، اسمعي يا كنّة "أو "الكلام إلِك يا جارَة، وأيضاً إلك يا كنّة".
يقول سايمون: إنّ نظريَة حجرٌ في بركةٍ ساكنة سلاحٌ ذو حدَّين يعتمدُ على ثلاثةِ ركائز أولاً: ثَباتُ يدِ المُطلِق للحجر أو الرّصاصة. ثانياً: مَدى حضورِ المُتلَقّي للرّصاصة حينَ تمرُّ بجانبِ أُذنِهْ. ثالثاً: تفاعُلُ وانفعالُ مَنْ "في الظّاهرِ" تمَّ إطلاقُ الرّصاصة عليه ثُمَّ يتساءَل سايمون: ماذا لو أنَّ صاحبَ الأُذنِ كان قارئاً جيّداً لِعلمِ النَّفس؟ ماذا لو أنَّهُ مارسَ الُّلعبة نفسَها في يومٍ منَ الأيامِ وأطلقَ رصاصاتٍ مُشابِهة؟ يقول سايمون: يشبهُ حدوثُ هذا إقامةَ المُتلَقّي سَلَفاً لبناءٍ من الإسمنت المُسَلَّح فوقَ بِرْكَتهِ الساكنة، أو ما يَدعوهُ: "ذهاباً حُرَّاً في حالةِ الإنكار". يقترحُ سايمون حتّى لا نقعَ في المحظورِ أنْ نتلمَّسَ ماءَ البركةِ بشكلٍ دائم قبلَ الدخولِ في المُغامَرَة..
مَنْ لا يعيشُ إنكاراً واحداً في حياتهِ، لِيَنْصُبْ لي حاجزاً على الطريق سأتقَصَّدُ نسيانَ هويّتي في البيت، حتّى يَستَمتِع.
ثم ينتقل فجأة من الحديث عن سايمون إلى موضوع آخر، في نفس "البوست" ويقول:
يَبدو أنيّ أملكُ وقتاً فائضاً هذا المساء سأصرفهُ بقراءَةِ شاعرٍ من العراق سأستغِلُّ أنَّهُ شاعر ويملكُ آلة الزَّمن سأحجزُ تَذكرَتينِ ونعود إلى مدينة الطائف، بعيداً عن بَغدَادِهِ وشَامي سأخسرُ معهُ بطاقة التأهُّلِ إلى كأس العالم في المكسيك (3ـ1). كِلانا سَيَدَّعي أنَّهُ لا يعرفُ النتيجةَ مُسْبَقاً سيتغزَّلُ بِسِحرِ تمريرات "عبد القادر كردغلي". يجبُ أنْ يقولَ لي "أنتُم فِعلاً لديكُم مَلِكْ "وسأعترف بأنَّ "أحمد راضي" أجملُ منْ قرأ الملعب. هائلٌ هذا اللاعبُ الّذي يتبرَّعُ براتبهِ دائماً لفُقراءِ العراق ثمَّ يموتُ بفيروسٍ تافهٍ يُدعى "كورونا"
يقول مظفّر النوّاب:
" أَرُوني موقفاً أكثرَ بذاءَةً مِمّا نحنُ فيه "
ملاحظة: لاوجودَ ل سايمون إلا في هواجسي
هي حالةُ إنكارٍ فقط،، وهويَّةٌ ضائعةٌ عن سابقِ قصدٍ وتصميم.
حين التقيته في أحد المقاهي، أخبرته أنّي أحب سايمون غرافت ولكن لا أتفق مع نظريته "حجر في بركة ساكنة"، وأني أميل أكثر إلى نظرية تلميذه أليكس ليون مورتي "رمي الحجر بواسطة منجنيق"، والتي عارض فيها معلمه. وتتلخص نظريته في أن الإنسان بفعل التربية الأسرية والاجتماعية تنشأ لديه أسوار تمنع دخول أي أفكار خارجة عن المنظومة التي تربى عليها، وهذا يجعله يعاني، لأنه يعيش صراعاً بين ما يرغب فيه وما تربّى عليه، وحين يخضع هذا الشخص للتحليل النفسي يجب على المحلل أن يقوم برمي الحجر-الكلمة بوساطة منجنيق إلى ما وراء الأسوار والتحصينات، حيث يحدث أثراً غير مباشر ولكن فعّالاً مع الوقت. بمعنى آخر يجب على المحلل أن يخاطب العقل الباطني للمتلقي من خلال الأحاديث والأفكار التي يناقشها معه بدون أن يقولها بشكل مباشر، كي لا تصطدم بالأسوار.
حين انتهيت من كلامي نظر عيسى إليّ بتعجب وقال: ربما لم تنتبه أنني كتبت أن سايمون غرافت من هواجسي! فاقترحتُ عليه أن يبحث جيداً في الكتب والمراجع، وإنْ لم يجد شيئاً عنه فليكتب على محرك البحث غوغل: الكلام إلِك يا جارة، وإلك يا كنّة لـ"سايمون غرافت"
وأخبرته أن ريتا غرافت، ابنة سايمون، لم تتفق مع أليكس في ما قاله، رغم أنها كانت هائمةً به في سرها. قالت: إنّ نظرية المنجنيق المعتمدة على مخاطبة العقل الباطني ستأخذ وقتاً طويلاً من المحلل النفسي ومن يخضع للتحليل، وقد يصل كل منهما إلى الملل والشعور باللاجدوى، كما أن عملية التحليل النفسي باعتمادها على المعالجة من وراء الأسوار ومع بقاء هذه الأسوار لن تكون فعالةً، فالهدف من التحليل النفسي هو إزالة هذه الأسوار بشكل كامل لأنها هي السبب الرئيسي في معاناة الشخص. لذلك أطلقت نظرية "الهدم لأجل البناء"، أي يجب هدم كل الأسوار التي بينت من قبل الآخرين، الأهل والمجتمع والدين، وبعد عملية الهدم يقوم المحلل بمساعدة الشخص على إعادة بناء أسوار جديدة بحسب قناعته، وكما يناسبه، بعيداً عن الوصايات التي تربّى عليها، بحيث يكون لهذه الأسوار الكثير من البوابات بعضها مفتوح والبعض الآخر يفتحها بملء إرادته حين يريد.
وأخبرته أن هذه النظرية أعجبت أليكس وبعد عام تقدّم بطلب الزواج من ريتا فوافقت بعد أن لوّعته، وأنجبا ثلاث فتيات وصبي قيل إنه كان يعاني من كسل في عينه اليسرى.
حين انتهيت من كلامي نظر عيسى إليّ بتعجب وقال: ربما لم تنتبه أنني كتبت ملاحظة أن سايمون غرافت من هواجسي!
اقترحت عليه أن يبحث جيداً في كتب علم النفس والمراجع التاريخية والنفسية، وإنْ لم يجد شيئاً عنه فليكتب على محرك البحث غوغل: الكلام إلِك يا جارة، وإلك يا كنّة لـ"سايمون غرافت".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...