شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"أفلام السكس في الطابق العاشر"... وتجربتي الأولى في السينما

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 5 سبتمبر 202005:56 م

"أتتصورون ما يعنيه أن أترعرع في بيت مع إخوة ذكور وحسب؟ لم ألعب بالدمى قط، ولكنني كنت في المقابل بطلة في لعبة الكرات والعصي. كنت أمضي حافية طيلة النهار، أدخّن خفية، وأضع قبعات ذات واقية، بل إني تعلمت التبول واقفة. وكنت أفعل ذلك في أي مكان من سهل البامبا مثلما يفعل إخوتي، بل إنني في المنافسات على من يوصل بوله أبعد، كنت أكسب عليهم بإيصاله أبعد منهم جميعاً حتى وأنا أقف بعكس اتجاه الريح.

 عندما أكملت السابعة من عمري دخلت المدرسة، وفضلاً عن معاناة التضحية بالاضطرار إلى لبس تنورة، تكلفت مشقة في الاعتياد على التبول مثلما يجب أن تفعل الآنسات، لقد كلفني ذلك مشقة أكبر من مشقة تعلم القراءة".

هذا ما جاء على لسان ماريا مارجريتا، بطلة رواية "راوية الأفلام" للكاتب إيرنان ريبيرا لتيلير، حيث كان والدها، وبسبب الفقر، لا يستطيع أن يأخذ عائلته كلها لحضور الأفلام السينمائية، هذا ما جعله يرسل في كل عرض أحد أبنائه ليحضر الفيلم ويقوم بسرده أمام العائلة، وبالطبع ماريا تفوقت على أخواتها، وتم اختيارها لتكون راوية الأفلام.

الفن السابع مصطلح أطلقه الناقد ريتشيوتو كانودو، على السينما، وقد استطاع هذا الفن منذ بداياته إغواء وجذب الكثير من المشاهدين، بمن فيهم جمهور المسرح، موجهاً بدون قصد ضربة مؤلمة للخشبة، وهناك عدد من الأعمال الفنية والأدبية وحتى السينمائية تناولت شغف واهتمام الناس بهذا الفن.

أول مرة استطعت أن أذهب فيها إلى المدينة، بالطبع بدون علم والدي، كنت في السادسة عشر من عمري، وكان الهدف هو دخول السينما، كنت أشعر بالخوف الشديد من أن يراني أحد ما من أبناء القرية، فالسينما بنظر الكثير منهم هي مكان لعرض "العيب"، والعيب، كما علمونا، هو الأعضاء التناسلية. رغم ذلك كانت رغبتي بدخول السينما أكثر قوة وحضوراً من خوفي... وكل ما كنت أعرفه عن السينما كان من خلال شاب في القرية يدرس في الجامعة.

 في إحدى الأيام، وبينما كنا مجتمعين لنلعب كرة القدم، أخبرنا أنه يحضر السينما، وهددنا بالضرب إن أفشينا هذا السر لأحد، يومها عقد اتفاقية معنا تنصّ على أن يروي لنا الأفلام التي شاهدها مقابل أن نساعده في عمله بالزراعة.

 وبعد أن أخذ موافقتنا بالإجماع راح يحدثنا عن صالة السينما وماذا يوجد فيها وما هي أقسامها، ومع كل معلومة كانت الدهشة والاستغراب يبدوان على وجوهنا... وبحسب روايته يكون هناك فتحة صغيرة على جانب صالة السينما يشتري الناس بطاقات الدخول منها ثم يقفون قريباً من الباب الرئيسي المغلق، بعضهم يدخن وآخرون يأكلون الفول المسلوق مع شرائح الحامض وغزل البنات والفشار. 

أول مرة استطعت أن أذهب فيها إلى المدينة، بالطبع بدون علم والدي، كنت في السادسة عشر من عمري، وكان الهدف هو دخول السينما، كنت أشعر بالخوف الشديد من أن يراني أحد ما من أبناء القرية، فالسينما بنظر الكثير منهم هي مكان لعرض "العيب"، والعيب، كما علمونا، هو الأعضاء التناسلية

وقبل بداية الفيلم بعشر دقائق يُفتح الباب ليدخل الجمهور بشكل منتظم. يصمت قليلاً ويراقب الدهشة على وجوهنا ثم يكمل بلهجة العارف: السينما من الداخل فيها مائة وثلاثة كراس من النوع الفاخر، في المقدمة توجد الكراسي الثلاثة، وهي محجوزة  لرئيس اتحاد الفلاحين ومدير الكهرباء ورئيس المخفر، وإن لم يحضروا يُمنع الجلوس عليها، ثم تتوزع باقي الكراسي على عشرة أرتال بشكل متناسق، وشاشة السينما عبارة عن تلفزيون كبير، عرضه خمسة أمتار وخمسة عشر سنتيمتر، وارتفاعه ثلاثة أمتار ونصف، موصول بكبل كهربائي ضخم قادم من العاصمة دمشق، لأن الكهرباء التي في اللاذقية مخصصة فقط لتشغيل التلفزيونات الصغيرة والراديو، ومدة الفيلم تتراوح بين الربع ساعة والسبعة عشر دقيقة، وبحسب روايته فإن صالة السينما مقسمة إلى عشرة طوابق، الأول منها مخصص لأفلام الكاراتيه والأكشن: بروسلي، فاندام، جاكي شان ... الطابق الثاني للأفلام العربية، والثالث لأفلام الكاوبوي وهكذا... وحين وصل إلى الطابق العاشر والأخير صمت قليلاً، ثم قال: هذا الطابق مخصص لأفلام السكس. ثم نظر إليَّ دون الجميع، وقال: أنت لا يُسمح لك بدخوله. ما قاله كان أكثر شيء محبط سمعته خلال طفولتي كلها، ولم أعلم وقتها لماذا اختارني من بين الجميع ليقول لي هذا الكلام القاسي المؤلم.

بعدها بعدة أيام روى لنا، ولمدة ربع ساعة، أحداث فيلم بعنوان "أبو الحبل"، هكذا كان يسميه، والذي تدور أحداثه عن رجل يركب حصاناً وبيده حبل على شكل حلقة يلوّح به ويرميه ليدخل في عنق الأشخاص، ثم يشدهم ويرميهم أرضاً. فيما بعد اكتشفت أن فيلم " أبو الحبل" لم يكن سوى مشهد يتكرر كثيراً في أفلام الويسترن، وأن ما يرويه لنا كان من نسج خياله.

 كنت أتلفت في كل الاتجاهات قبل دخولي للسينما مراقباً وجوه المارة، فربما كان هناك شخص ما أعرفه فيفضحني بالقرية، وبعد التأكد من أن كل من حولي غرباء، خطوت بضع خطوات سريعة متجاوزاً الباب الرئيسي، نظرت بدهشة ماسحاً المكان بنظرة سريعة فأحسست بالرهبة، شيء يشبه الانتقال بآلة الزمن بين العوالم الغريبة، بضع خطوات نقلتني من الواقع إلى الأحلام.

 عشرات الصور الكبيرة معلقة على الجدران، أشخاص يخرجون ويدخلون ويتحدثون عن أسماء الممثلين والمخرجين، باب واسع وبقربه درج. خفق قلبي بشدة من الخوف والفرح، إنه السلّم الذي سيقودني إلى الطابق العاشر. 

اتجهت إلى قاطع التذاكر وأنا أفكر: ماذا لو كان كلام ذلك الشاب صحيحاً ورفض قاطع التذاكر أن يسمح لي بدخول الطابق العاشر؟! رغم ذلك تابعت السير نحوه وبصوت منخفض قلت: بدي بطاقة ع الطابق الأخير". وبالفعل قطع لي التذكرة بكل بساطة. لحظتها شعرت أنني انتقلت من عالم الأحلام المدهش إلى عالم تحقيق الأحلام الأكثر دهشة، سأشاهد نساء عاريات لأول مرة في حياتي، أحسست بالإثارة الجنسية والخوف والشعور بالذنب وتأنيب الضمير، فأنا، وبحسب تربيتي، أعرف أن مشاهدة أفلام السكس من المحرمات الدينية والأخلاقية والاجتماعية، ولكن الغريزة الجنسية ورغبة الاستكشاف تفوقت على التربية القائمة على التخويف والعقاب، وبعد صعود عدة درجات وصلت الطابق الثاني، ورحت أبحث عن سلّم آخر يوصلني إلى الطابق العاشر!  

في أواخر سبعينيات القرن الماضي كان في اللاذقية اثنتا عشرة صالة عرض، للأسف لم يبق منها الآن إلا صالة الكندي التابعة لوزارة الثقافة والمتوقفة عن العرض منذ سنوات بحجة الصيانة، وحين عادت منذ عام، نسيت وزارة الثقافة أنه كان عليها صيانة الكادر المسؤول عن إدارتها

لم يمضِ وقت طويل حتى اكتشفت أنه لا يوجد سوى طابقين يعرض فيهما نفس الفيلم، وأن كل ما قاله ذلك الشاب كان من نسج خياله باستثناء المدخنين والذين يأكلون الفول المسلوق وغزل البنات والفشار... 

شعرت بقليل من الإحباط ولكن خلال دقائق تجاوزت الأمر فأنا في السينما وسأشاهد أول فيلم في حياتي، جلست على كرسي في الصف الأول، الفيلم "رسائل شفهية " للمخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد.

كانت هذه تجربتي الأولى مع السينما والتي أعتبرها من أهم وأجمل المغامرات التي خضتها وتركت أثراً عميقاً وإيجابياً في نفسي.

في أواخر سبعينيات القرن الماضي كان في اللاذقية اثنتا عشرة صالة عرض، للأسف لم يبق منها الآن إلا صالة الكندي التابعة لوزارة الثقافة والمتوقفة عن العرض منذ سنوات بحجة الصيانة، وحين عادت منذ عام، نسيت وزارة الثقافة أنه كان عليها صيانة الكادر المسؤول عن إدارتها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image