شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
بعد اختيار وليد الزيدي... خلفيات الجدل حول تعيين كفيف وزيراً للثقافة في تونس

بعد اختيار وليد الزيدي... خلفيات الجدل حول تعيين كفيف وزيراً للثقافة في تونس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 17 سبتمبر 202003:55 م

في 25 آب/ أغسطس الماضي، سلّم رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي للرئيس التونسي قيس سعيّد تشكيلة حكومته الجديدة والتي ضمت للمرة الأولى في تاريخ البلاد كفيفاً على رأس وزارة الشؤون الثقافية، هو الوزير وليد الزيدي.

والزيدي هو أول كفيف تونسي ينال شهادة الدكتوراه في الآداب عام 2019، ودرّس الترجمة والبلاغة في كلية الآداب والفنون والإنسانيات في ولاية منوبة، كما عمل باحثاً متخصصاً في العلوم البلاغية والتداولية وفي علم نفس الإعاقة.

بعد مرور ساعات على تداول الخبر عبر مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل في تونس، فاجأ الزيدي الجميع بتدوينة نشرها عبر صفحته على فيسبوك، يعلن فيها أنه "قد يتعفّف عن الوزارة ويرفضها".

تعفّف الوزير المقترح لم يمرّ بسلام، إذ أعلن المشيشي في بيان قراره التخلي عن الزيدي وتعويضه بشخصية أخرى، ليتواصل الأخذ والرد ويستقبل سعيّد يوم 27 آب/ أغسطس الزيدي مؤكداً خلال لقائهما تمسكه به على رأس الوزارة.

جدل تعيين الزيدي لم يقف عند رئاستي الحكومة والجمهورية التونسيتين، بل انخرط فيه أشخاص من ذوي الإعاقة ومعنيون بالشأن الثقافي، انقسموا في تقييم هذه الخطوة، بين مرحّب بها وبين مشكك في غاياتها وجدواها.

خطوة إيجابية

تنشط في تونس عدة جمعيات تُعنى بشؤون ذوي الإعاقة، منها من تفاعل إيجابياً مع تولي كفيف هذه الحقيبة وعلى رأسها جمعية "فرح" لإدماج أطفال التوحد وذوي الاحتياجات الخاصة.

يعتبر رئيس الجمعية ناجي ساسي أن "تفكير الدولة في تحميل كفيف هذا المشعل خطوة إيجابية هامة، لأنه كشخص ذي إعاقة وكفاءة سيكون الوحيد القادر على الشعور بوضعهم وفهمهم".

ويستدرك ساسي، في تصريحه لرصيف22، بالقول: "لكن باعتقادي أن وزارة الثقافة لن تجد بمفردها حلولاً لمشاغل ومطالب الأشخاص ذوي الإعاقة، لأن الموضوع مشترك مع وزارات الشباب والمرأة".

بدورها، ترى الكاتبة العامة للمنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بوراوية العقربي أن "تعيين كفيف في منصب وزاري هو جزء من حق طالبت به هذه الشريحة ومنظمتها التي دعت إلى إيجاد هيكل يعنى بذوي الإعاقة على مستوى رئاسة الحكومة، يُدار تحت إشرافها وهو ما نصت عليه الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة".

وتضيف لرصيف22: "أعتبر أنها حركة قُدّمت لنا مباشرة من قبل رئاسة الجمهورية التي كانت صاحبة قرار التعيين، وفي حال تعامل المحيطون به ومستشاروه معه على أساس كفاءته وأحقيته كمواطن تونسي في ممارسة الحياة السياسية، فمن المؤكد أنه سيحقق نسبة من النجاح في مهمته".

للمرة الأولى، تولى كفيف وزارة الثقافة في تونس... انشغل طرفان بالخبر، المعنيون بذوي الإعاقة وشؤونهم والعاملون في الشأن الثقافي، ورغم ترحيب الطرفين بالخطوة، ظهرت اعتراضات عديدة حول ملاءمة الوزارة من جهة والوزير من الجهة الأخرى، فما كانت أبرز الاعتراضات؟

تشدّد العقربي في معرض كلامها على أن "من بين ذوي الإعاقة من يتمتعون بمواهب وطموحات في التواجد على مستوى المسرح والسينما والموسيقى وجمعيات المجتمع المدني التي تقوم بإنجازات في مجال الترفيه والثقافة، ما يعني أن وزارة الثقافة مهمة لهم وأنهم سيلجأون لها"، معلقة "شخصياً، أشد على يد الوزير لأنه شاب وكفء وبحاجة إلى فرصة".

"الوزارة غير مناسبة"

في مقابل نظرة التفاؤل بخصوص قرار تعيين كفيف في منصب وزير الشؤون الثقافية، برزت أصوات غير راضية عن هذه الحركة.

في هذا السياق، لا يشكك هيثم حداد في أهمية تعيين الزيدي على رأس الوزارة لما تعكسه الخطوة من تقدير للأشخاص ذوي الإعاقة بصورة عامة، غير أنه يرى أن الوزارة لن تقدم نتائج وحلولاً عملية لمشاكل هذه الشريحة من المجتمع لأنها ليست على صلة مباشرة بهم.

هيثم واحد من هذه الشريحة فهو كفيف بدوره، ويقول في حديثه لرصيف22: "كان من الأجدر تعيين وليد الزيدي على رأس وزارة الشؤون الاجتماعية التي تهتم مباشرة بملفات ذوي الإعاقة في البلاد، إذ لا يمكن للوزير الجديد التدخل مثلاً في مطلب التشغيل لأنه تم حصره في مجال معين وهو الثقافة"، معتبراً أن الاعتراف الحقيقي بالأشخاص ذوي الإعاقة في تونس يكون عبر إصدار قوانين فعلية تطبق لفائدتهم.

من جهته، يلفت رئيس الجمعية التونسية للأشخاص ذوي الإعاقة خميّس السحباني إلى أنهم كأشخاص ذوي إعاقة "ناضلوا لسنوات من أجل تعيين شخص من بينهم في منصب وزاري، ولكن لديه اعتراض بخصوص هذا التعيين".

اعتراض السحباني الأول، وفق توضيحه لرصيف22، هو على التعيين في ظل هذا المناخ السياسي المتوتر، لأنه "في حال حدوث إشكال داخل الحكومة الجديدة ستتم تنحيتها وتضيع هذه الفرصة ولن تعاد مرة ثانية، وحتى إذا قدم الزيدي إضافة داخل وزارته فلن يُذكر له ذلك بقدر ما سيُحسب من ضمن الحكومة الفاشلة".

أما اعتراض السحباني الثاني فيتعلق بوزارة الثقافة نفسها والتي وصفها بـ"وزارة الثعابين"، على اعتبار أنها "غير مجهزة بالترتيبات التيسيرية المعقولة لتهيئة الوزير لتسييرها بالشكل الطبيعي حتى لا يكون بحاجة إلى فريق خاص للعمل خاصة، كما أن الوزير نفسه يفتقر للتجربة الإدارية والسياسية". 

ويشير رئيس الجمعية إلى أن التعيين سبق الإعداد الإداري والمادي للوزارة التي أكد أنها "ليست الوزارة المناسبة لحل مشاغل ذوي الإعاقة في تونس"، معتبراً أن "المكان الملائم هو رئاسة الحكومة من خلال منصب كاتب دولة أو وزير مكلف في ملف معيّن لهذه الشريحة".

"غلطة"

لم يقتصر الاعتراض على تعيين كفيف في منصب وزير الشؤون الثقافية على الأشخاص ذوي الإعاقة فحسب، بل شمل أيضاً المعنيين بالشأن الثقافي في تونس، بالنظر إلى صلتهم المباشرة بهذه الوزارة. 

يرى رئيس "جمعية حومتنا الثقافية" حسام اللكي في تعيين الزيدي جانباً إنسانياً واعترافاً بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في تونس، لكن العمل الثقافي بنظره يتطلب تركيزاً وتمعناً ومشاهدةً للعروض الثقافية، ولذلك "كان من الأولى تعيين شخص آخر، خاصة وأن الوزارة تزخر بعدة كفاءات"، كما يعلق في حديثه لرصيف22.

ويشدّد اللكي على أن العمل الإداري في وزارة الشؤون الثقافية "يتطلب شخصاً يملأ منصبه من حيث التجربة، ويكون قد اعتلى مناصب سابقة في القطاع الثقافي وتدرج فيها ليصبح وزيراً"، منتقداً تعامل نسبة هامة من التونسيين مع هذه الوزارة على أنها "مجرد وزارة ثانوية".

"العمل الثقافي يتطلب تركيزاً ومشاهدةً للعروض الثقافية، ولذلك كان من الأولى تعيين شخص آخر"... أثار اختيار وليد الزيدي وهو كفيف وزيراً للثقافة جدلاً استحضر شؤون ذوي الإعاقة في تونس ومطالبهم ومشاكل الوسط الثقافي وحاجاته. ناشطون من الطرفين علقوا على اختيار الزيدي، فماذا قالوا؟

ويقول في هذا الصدد: "أنا شخصياً أعتبرها وزارة سيادة لأنها تستوعب الشباب وتدمجه، الشباب التونسي المفقر ثقافياً الذي نراه اليوم يهاجر عبر قوارب الموت ويسافر للقتال في مناطق النزاع ويفجر نفسه في تونس".

من جانبه، يعتبر الناشط الثقافي بلال علوي تعيين كفيف وزيراً للشؤون الثقافية "غلطة"، رغم ما يعنيه من أهمية وحق للأشخاص ذوي الإعاقة في تونس، مفسراً كلامه بالقول: "باعتقادي أن رئيس الحكومة استعجل في التعيين، خاصة وأن هذه الوزارة تزخر بكفاءات كبرى أفنت عمرها فيها وتعرف كافة دواليبها".

استقطاب وإدماج... وإنهاء الفساد

وفق آخر أرقام وزارة الشؤون الاجتماعية لسنة 2019، بلغ عدد الأشخاص ذوي الإعاقة 270 ألفاً، غير أن العقربي تشكك في صحة هذا الرقم مؤكدة أن منظمتها لا تعترف به وتعتمد فقط رقم منظمة الصحة العالمية لسنة 2013 الذي يشير إلى أنهم يمثلون 13,5 في المئة من سكان تونس.

ويعود عدم اعتراف المنظمة بأرقام الوزارة إلى حصر الأخيرة أرقامها بالأشخاص الحاملين لبطاقة إعاقة في حين يوجد الآلاف ممن لا يحملون هذه البطاقة من ذوي الإعاقة وغير مسجلين ولا يتمتعون بأية خدمات اجتماعية، وفق العقربي.

برغم الجدل الدائر حول طبيعة الوزارة التي تسلمها الزيدي، يعلّق أشخاص كثر من ذوي الإعاقة والجمعيات التي تُعنى بهذه الشريحة في تونس آمالاً كبرى على الوزير الجديد، وفي جعبتهم مطالب قديمة جديدة لم تتحقق.

في هذا السياق، يتطلع رئيس جمعية "فرح" لإدماج أطفال التوحد وذوي الاحتياجات الخاصة إلى استقطاب مهارات أطفال ذوي التوحد المبدعين وإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في الوظائف الإدارية في جميع الميادين، خاصة في ظل ارتفاع نسبة البطالة في صفوفهم رغم الكفاءات العالية التي يتمتعون بها.

كما ينتظر مساهمة وزارة الشؤون الثقافية في أيام توعوية للتعريف بهذه الفئة، وحثّ المجتمع التونسي على ضرورة قبولها وإدماجها في العمل والتظاهرات الثقافية.

وبالنسبة للعقربي، فهي تطالب بجعل مدينة الثقافة سهلة الولوج لذوي الإعاقة، لأن "النفاذ إليها صعب لأصحاب الكراسي المتحركة ولا يكون إلا عبر الباب الخلفي وهو مواجه لمصب فضلات ما يعد اهانة كبرى لذوي الإعاقة".

وتطالب، بشكل مواز، بترجمة العروض المسرحية والسينمائية الكبرى إلى لغة الإشارة وبتمويل أنشطة ذوي الإعاقة الثقافية وبتشغيلهم، والحد من البيروقراطية الإدارية في استخراج الوثائق المطلوبة لإقامة نشاط ثقافي و"التي ترهق ذوي الإعاقة".

كما تدعو الوزير الجديد إلى وضع مراسيم وقوانين تُكتب وتُطبع بطريقة برايل لفائدة ذوي الإعاقة البصرية، بما فيهم الموقع الإلكتروني لوزارة الشؤون الثقافية وحتى بقية الوزارات.

من جانبه، يطالب حداد بالتدخل لإنهاء أزمة بطاقة الإعاقة التي يؤكد أنها فقدت قيمتها منذ سنوات، ولم تعد تمكنهم من عدة امتيازات كالعلاج مجاناً والحصول على قرض من الدولة لصالح مشاريع وأنشطة صغرى.

كما يطالب بإصدار قوانين تنظم عملية انتدابهم في الوظيفة العمومية، وبالتدخل لإنهاء الفساد المستشري في الاتحاد الوطني للمكفوفين ومحاسبة المسؤولين على ذلك.

وكانت دائرة المحاسبات في تونس قد أصدرت تقريراً من 27 صفحة، شمل الفترة الممتدة من سنة 2011 إلى يوليو/ تموز 2017، كشف عن فساد إداري ومالي وسوء تصرّف في الموارد البشرية وتهرب جِبائي من قبل الاتحاد.

أما رئيس الجمعية التونسية للأشخاص ذوي الإعاقة فيلخّص مطالب جمعيته في تنزيل الفصل 48 من الدستور في شكل قانون وتفعيله على أرض الواقع، "لأنه الكفيل بحل كافة مشاكلهم".

وينص هذا الفصل على أن "تحمي الدولة الأشخاص ذوي الإعاقة من كل تمييز،  وعلى أن لكل مواطن ذي إعاقة الحق في الانتفاع، حسب طبيعة إعاقته، بكل التدابير التي تضمن له الاندماج الكامل في المجتمع، وعلى الدولة اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتحقيق ذلك".

الاستمرارية

العاملون في الشأن الثقافي، ورغم تشكيكهم في جدوى تسليم كفيف حقيبة وزارة الشؤون الثقافية، يعلقون آمالاً بدورهم على الوزير الجديد. 

يطالب رئيس "جمعية حومتنا الثقافية" بضرورة التقيد بالاستمرارية في العمل الوزاري الثقافي، قائلاً: "من غير المقبول أن يعمد كل وزير تداول على هذه الحقيبة إلى هدم مشروع الوزير الذي سبقه والبدء من جديد، فيتحوّل العمل إلى مزايدة سياسية بين الأشخاص".

كما يتطلع المتحدث إلى رؤية الثقافة في الأحياء الشعبية وترسيخ اللامركزية الثقافية في المناطق الداخلية التي تعاني الإقصاء والتهميش، إلى جانب ايلاء الأطفال أهمية قصوى في الفعل الثقافي.

أما الناشط الثقافي بلال العلوي فيقول لرصيف22: "المهم عندي أن تكون البصيرة حية، لأنني أعلم عن قرب ما ينتظر الوزير الجديد من مسؤولية كبرى من عروض ثقافية على اختلافها في السينما والمسرح والموسيقى".

ويشدد على أنه كمثقف يتطلع إلى الإنجاز على أرض الواقع، عبر دفع مستحقات الفنانين وتفعيل قانون الفنان والمهن الفنية الذي قُدّم إلى البرلمان، منذ كانون الأول/ديسمبر عام 2017.

ويهدف هذا القانون، وفق فصله الأول، إلى "وضع إطار قانوني يكفل حقوق الفنان ويحدد واجباته بما يدعم مكانته في المجتمع ويحدد صيغ ممارسة المهن الفنية، بما يضمن للمنتسبين إليها العناية بأوضاعهم المادية والاجتماعية والمهنية".

وفي النهاية، يدعو العلوي إلى ضرورة امتلاك من يتحمل منصب وزارة الشؤون الثقافية برنامجاً جاهزاً ودقيقاً ومفصلاً لحل كل الملفات المستعجلة، لأن "جميع المثقفين تعبوا من ارتجال المسؤولين في الوزارة".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard