"من أنتِ يا إيمي؟"
"تتصرفين كالعاهرة".
"هذه ملابس عاهرة".
هذه عبارات وُجّهت إلى شخصية إيمي (11 سنة) من قبل والدتها وعمّة والدتها، في الفيلم الفرنسي Cuties (الفاتنات) الذي يُعرض حالياً على شبكة Netflix، مُثيراً ضجة عالمية لاستخدامه قاصرات كـ"مادة جنسية"، علماً أنه مُصنّف 18+.
تصف نتفليكس الفيلم بأنه "يتبع فتاة تدعى إيمي، تبدأ بالتمرّد على واقع عائلتها المحافظة منذ أن جذبتها فرقة للرقص".
تدور أحداث الفيلم (كتابة الفرنسية السينغالية ميمونة دوكوري وإخراجها) حول فتاة مسلمة من السنغال (تلعب دورها الطفلة فتحية يوسف)، تنحدر من عائلة محافظة، وتعيش في باريس. تتعرّف في مدرستها إلى مجموعة فتيات يخضن مسابقة رقص، فتُقرر خوض هذه التجربة معهنّ.
الفتيات، اللواتي أصبحن لاحقاً صديقاتها يُشاهدن أفلاماً إباحية داخل المدرسة، ويتساءلن "لماذا يضع الرجل قضيبه داخل فم المرأة؟ هل يتبوّل؟". وقبل دخول إيمي إلى مجموعتهنّ، طلبن منها تصوير قضيب زميلهن وهو في الحمّام، ولكنها فشلت في المهمة، إذ غطّت إصبعها المشهد في الفيديو التسجيلي الذي أعدّته. هذه عينة من مشاهد الفيلم التي أثارت حفيظة كثيرين.
كانت والدة إيمي تصطحبها لدروس دينية نسائية، مما كان يُقال فيها: "يجب أن تكون المرأة تقية لأن أكثر أهل النار هن من النساء... يجب أن تطيع وصايا الله... هل تعرفن أين يتجلى الشر؟ في النساء العاريات. يجب أن نحافظ على حشمتنا". إلا أن إيمي تمرّدت على عادات عائلتها وتحررت من اللباس المفروض عليها، في محاولةٍ منها للانضمام إلى مجموعتها الجديدة، حتى شكلاً.
ولإثبات أنها "امرأة" وليست "طفلة"، تصوّر بطلة الفيلم مهبلها وتنشر الصورة على مواقع التواصل من دون أن يراها المشاهد، إلا أن هذا دفع بفريق من المتابعين إلى قول إن مشاهد كهذه تنتهك حقوق الطفل التي تمنع تصوير الأطفال في مشاهد مخلة أو استغلالهم جنسياً.
وتضمّن الفيلم رقصات ذات إيحاءات جنسية، بما في ذلك حركة الـtwerking أي هزّ المؤخرة، وغيرها من الإيحاءات المخلة بالأخلاق الحسنة.
استناداً إلى هذا كله، انطلقت دعوات عديدة إلى مقاطعة نتفليكس بعدما اعتبر مواطنون كثر أنها تروّج للبيدوفيليا أي اشتهاء الأطفال جنسياً.
"فيلم إباحي لأطفال"
كتب مغردون عبر هاشتاغ "#مقاطعة_نتفليكس"، و"#CancelNetflix"، و"#CancelNetflixCuties"، و"#NetflixPedofilo" (نتفليكس بيدوفيليا) أنه من الخطير تطبيع استخدام الأطفال كمادة جنسية.
وتقدم نشطاء على موقع Change.org بعريضة لحذف الفيلم من نتفليكس، تضمنت 600 ألف توقيع واتهمت الفيلم باستغلال القُصّر.
رداً على الانتقادات، قالت الشبكة في بيان: "الفيلم حائز جوائز عالمية، ويقدّم قصة قوية محورها الضغوط التي تواجهها الفتيات الصغيرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي المجتمع عندما يكبرن، ونحن نشجع أي شخص يهتم بهذه القضايا المهمة على مشاهدة الفيلم".
مما كُتب على مواقع التواصل الاجتماعي تنديداً بالفيلم الذي حاز جائزة الإخراج في مهرجان صندانس السينمائي:
- "لماذا سمحت نتفليكس بعرض فيلم إباحي للأطفال؟"
- "أنا على وشك إنهاء علاقة استمرت عقداً مع نتفليكس. كأب لطفلة تبلغ من العمر 11 سنة، فهذا أمر غير مقبول...".
"لماذا سمحت نتفليكس بعرض فيلم إباحي للأطفال؟"... جدل بشأن فيلم Cuties الذي يُعرض على نتفليكس
"تسليط الضوء على الجنس المفرط"
في المقابل، اعتبرت الممثلة الأمريكية تيسا تومبسون أن فيلم "Cuties" جميل، وأنه أذهلها في مهرجان صندانس السينمائي الذي يُقام في ولاية أوتاه الأمريكية. أضافت: "يقدم الفيلم صوتاً جديداً. امرأة سنغالية فرنسية سوداء تروي تجربة. يسلط الفيلم الضوء على الجنس المفرط للفتيات قبل المراهقة. أتابع ردود الأفعال بخيبة أمل. ليست نتفليكس من صنعت الفيلم".
وكتبت ناشطة على تويتر: "الفيلم من إخراج سيدة فرنسية-سنغالية مسلمة سوداء. وهو عن الثقافة التقليدية وفرط النشاط الجنسي في فرقة الرقص. إنه نقد لإفراط الفتيات في ممارسة الجنس قبل بلوغهن سن المراهقة. الفيلم ليس معادياً للإسلام".
وتتلقى نتفليكس هجوماً مضاعفاً، لا لعرض الفيلم فحسب، بل لتغييرها البوستر الرسمي، من ملصق "بريء" إلى آخر "مثير". وهو ما اعتبره نقاد ترويجاً للبيدوفيليا. وتلقّت مخرجة الفيلم تهديدات بالقتل. فغيّرت نتفليكس البوستر، وتقدمت باعتذار إلى مشاهديها، معتبرة أن العمل الفني الذي اعتمدته لم يكن مناسباً.
"أنا على وشك إنهاء علاقة استمرت عقداً مع نتفليكس. كأب لطفلة تبلغ من العمر 11 سنة، فهذا أمر غير مقبول"... جدل بشأن فيلم Cuties الذي يُعرض على نتفليكس
السبب الكامن وراء تنفيذ الفيلم
تقول مخرجة الفيلم وكاتبته ميمونة دوكوري لـScreenDaily إنها استلهمت فكرة العمل لدى حضورها عرض مواهب للهواة في باريس في الحي حيث تسكن. وتضيف: "كانت غالبية الفتيات على المسرح يرتدين ثياباً مثيرة جداً، قصيرة وشفافة ويرقصن بطريقة جنسية، وكان بين الحضور عدد من الأمهات الأفريقيات. كنت مذهولةً، أشاهد بمزيج من الصدمة والإعجاب. سألت نفسي هل تفهم هؤلاء الفتيات الصغيرات ما يفعلن".
وأشارت دوكوري إلى أنها قضت نحو عام في درس الموضوع، وأنها أجرت مقابلات مع مجموعات من الفتيات اللواتي قابلتهن في الشارع أو في الحدائق لمعرفة "ما الذي يدفعهن للبس والرقص بشكل استفزازي ثم نشر لقطات مصورة لهن على مواقع التواصل الاجتماعي".
وتابعت: "فهمت أن الوجود على مواقع التواصل الاجتماعي مهم لهؤلاء الشباب الذين غالباً ما كانوا يحاولون تقليد الصور التي يرونها في الإعلانات أو على مواقع التواصل. كان الأهم في نظرهم هو تحقيق أكبر عدد ممكن من الإعجابات".
وقالت إنه وقع الخيار على الطفلة فتحية التي لعبت دور إيمي، بعد مقابلتها 700 طفلة.
وفي مقابلة أخرى، لفتت دوكوري إلى أنه تبيّن معها أن "الفتيات يشعرن بقيمة أكبر في مواقع التواصل إذا نشرن صوراً مثيرة لهنّ".
"تبيّن أن الفتيات يشعرن بقيمة أكبر في مواقع التواصل إذا نشرن صوراً مثيرة لهنّ"... مخرجة فيلم Cuties الذي تسبب بجدل بعد عرضه على نتفليكس تتحدث عن فيلمها
"لا تجوز شيطنة الفن والفنانين"
عربياً، أثار الفيلم الجدل أيضاً. وتأتي الدعوة إلى مقاطعة نتفليكس الآن بعد دعوات كثيرة مماثلة في السابق. الكاتبة الأردنية أمل الحارثي قالت: "لا أعرف أين تريد أن تصل نتفليكس... لقد تجاوزت كل الحدود الأخلاقية".
جاء الرد من الإعلامية إميلي حصروتي: "الفيلم بعكس الانطباع عنه، كاتبته سنغالية مثل بطلته، أمضت سنة تقيم الأبحاث والمقابلات في البيئة حيث تدور فيها. الفيلم للراشدين، وللإضاءة على الضغوط التي تعانيها الفتاة في المجتمعات التي يغيب فيها التعليم والتمكين فتقع ضحية الصور الإعلامية التي تسلّع الفتيات وتغرر بهن".
وتابعت أن "البيدوفيليا، أو مرض اشتهاء الأطفال، هو اضطراب نفسي. ثمة دراسات ترده إلى خلل في نشاط الدماغ ودراسات أخرى ترده إلى خلل في النمو العصبي جينياً لمن يعانيه. لا يمكن نتفليكس أو غيره 'التشجيع' على البيدوفيليا"، مضيفةً: "من ممكن أن لا يتلاءم عمل فنّي مع تفكيرنا أو عاداتنا ولكن لا يجوز شيطنة الفن والفنانين".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه