شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
بقالب نسائي خادع... برنامج

بقالب نسائي خادع... برنامج "إنت الراجل" ومزاعم استعادة "حقوق الرجل المهدورة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 15 سبتمبر 202007:17 م

على قاعدة "خالف تُعرف"، أطلقت قناة "المحور" المصرية قبل أقل من شهرين برنامجها "إنت الراجل" الذي "يتبنى وجهة نظر الرجل، من دون ظلم المرأة"، بحسب ما قالت مقدمة البرنامج رندا فكري في الإعلان الترويجي، معلّقة في منشورٍ رافق انطلاق أولى حلقات البرنامج في أواخر تموز/ يوليو قائلة: "إنت الراجل وكلمتك لازم ما تنزلش الأرض تاني، وترجع الراجل وسيد الرجالة". وفي إشارةٍ إلى حرب الحقوق بين الرجل والمرأة خاطبت الرجل قائلةً: "الحرب مستمرة والخسران فيها هو إنت". فمن الخاسر فعلاً من الترويج لبرامج مماثلة بقالب نسائي؟ 

"إنت الراجل، وخلّيها تعنّس"

بهذه الانطلاقة الأقرب إلى المازوخية من مقدمة برنامج، ومن خلال جملة من التعابير الانهزامية، اختارت فكري السباحة عكس التيار لمناصرة صاحب الامتيازات المتوارثة، وحَمْل لواء الرجل في معركة "الحقوق المهدورة".

"تفتكروا هتجيب حق الرجالة؟"، تطرح رندا السؤال على متابعيها من خلال صفحتها على فيسبوك، معلنةً أنها "تحاول تهدئة النفوس بين الراجل والست"، على حد تعبيرها. تهدئةٌ تدغدغ تارةً مشاعر "سي السيد" بدءاً من عنوان "إنتَ الراجل" وليس انتهاءً بإطارٍ منمّق للمحورية الذكورية المألوفة، وترقص تارة أخرى على آلام ضحايا الأبوية المنتقِصة لكيان المرأة والمغتصِبة لحقوقها.

بأسلوب لا يكاد ينفصل عن الواقع الذكوري، تُؤطّر مقدمة البرنامج أدوار كل من المرأة والرجل بإطارٍ يتناسب مع تطلعات البيئة الذكورية وطموحاتها. طموحاتٌ "تزعجها" أصواتُ النضال النسوي المرتفعة في وجه السلطوية الذكورية والمطالبة بإنصاف المرأة في ظل ما تتعرّض له من غبنٍ وعنفٍ معنوي وجسدي وانتهاكٍ صارخٍ لحقوقها.

"نحن نعيش في عصر تنمرد الستات، ليس تمردهن"، تقول المقدمة في تعليقٍ على الانتقادات التي طالت برنامجها، مستهزئةً بنضالات المرأة وأهدافها "طول ما إنتِ بتتنمردي عالرجالة، إنتِ هتدفعي الثمن وهتعنّسي".

وفي حين لم تتوقف عند اختصار محور اهتمام المرأة بالزواج كي لا يصفها ذكوريو مجتمعها بـ"العانس"، دعت الرجال إلى الاستفادة من حق الاختيار، قائلة: "إنت كراجل ليك حق الانتقاء، ويا ريت لمن تشوف ست متنمردة بلاش ترتبط فيها"، ملوّحة بتهديد حملة "خلّيها تعنّس".

"يجب إعادة الأدوار لما كانت عليه"

الاستنسابية في تناول قضايا العلاقات الأسرية عرّضت البرنامج ومقدمته إلى حملة واسعة من الانتقادات، باعتباره يرسّخ العقلية الذكورية ويبرّر التسلط الذي ترزح تحته شريحة كبيرة من النساء، لا بل الأكثر من ذلك يضع المرأة في موضع الاتهام ويستهزئ بنضالاتها، لا بل يسوّق بأن الأخيرة أخذت حقها من الدفاع.

"المرأة أخذت مساحتها في عرض المشاكل التي تعاني منها بسبب الطرف الآخر وبالرغم من ذلك لم يتحسن الوضع بل ازداد سوءًا وازدادت حالة الاحتقان بين الرجل والمرأة، فكان سعينا نابعاً من الرغبة في التخفيف من حالة الاحتقان، وهذا لن يحدث إلا بتبني وجهة النظر الأخرى"، تقول فكري في حوار أجرته معها الصحافية ريهام مصطفى.

وفي معرض إجابتها عن الهدف من البرنامج، اعتبرت أنه "يحاول تصحيح المسار وتعديل الأدوار لما كانت عليه، فالرجل معروف دوره منذ قديم الأزل من تحمل المسؤولية وحماية الأنثى وتكبّد الجهد والعناء عنها في مواجهة الحياة وتوفير وسائل العيش الكريمة لها".

"نحن نعيش في عصر تنمرد الستات، ليس تمردهن"، تقول مقدمة البرنامج مستهزئةً بنضالات المرأة فـ"طول ما إنتِ بتتنمردي عالرجالة، إنتِ هتدفعي الثمن وهتعنّسي"... يعيد برنامج "إنت الراجل" تقديم تعليماته على قاعدة أن المرأة هي المسؤول الأول عن الخلل كما الإصلاح

لم تكتفِ فكري بتقديم السياق التأطيري للأدوار على أنه الحل لما وصفته بالاحتقان عبر طرحٍ لا يعدو كونه تطبيلاً للسلطوية الأبوية وتقديساً للمحورية الذكورية، بل قدمت معه نموذجاً تقليدياً لإعادة هدم ما بنته آلاف النساء بنضالٍ مسطّرٍ بالدمع والدم والأرواح. بموازاة ذلك، بدت مقاربة البرنامج لقضايا النساء أقرب إلى المراهقة منها إلى التقليدية، وذلك من خلال أسلوبه الذي لا يخلو من "المحلسة" والعزف على وتر المركزية الذكورية ووهم التفوّق الجنسي.

هذه المقاربة وإن كانت مستحدثة من حيث طرحها في إطارٍ أنثوي، إلا أنها تقليدية من حيث جوهر الفكرة وتفاصيلها، لا بل هي استنساخ كلي للأعراف الذكورية وتقديمها في قالب تلفزيوني منمق.

وصفات "إنتَ الراجل" لتذويب الاحتقان

"فطّري جوزك بدل ما يفطر مع السكرتيرة"، و"الراجل خلق علشان يتدلع، والست اللي ما تعرفش تدلع تبقى غشيمة"، و"أي خناقة بين 2 ستات ضحيتها راجل، ودايما غيرة الست ضحيتها راجل! هاتغير منِّك هاتسرق جوزك، حبيبك، خطيبك" و"كوني له روقة"...  إرشاداتٌ يقدمها البرنامج في معرض السعي لكسب الرجل، محاولاً إقناع المرأة بأنها قد تخسره عند أول تقصير ترتكبه عن قصد أو دون قصد.

هذه ليست نصائح تتبادلها جارات حيٍّ في إحدى صبحيات "الفضفضة"، بل وصفات "إنتَ الراجل" لتقريب وجهات النظر وتذويب حالة الاحتقان بين الجنسين، لكن بشكل مختلف عن مساعي النسويات لتنفيسه عبر تقديم مبدأ الأسرة على مبدأ التفوق الجنسي وتسيّد فئة على أخرى، وعبر الدفع بالاعتبارات الإنسانية العادلة لتتقدم على الاعتبارات الذكورية الفئوية الظالمة.

وفي حين تتطلّب القروح المجتمعية وصفات غير منتهية الصلاحية، وعلى مبدأ "كلام حقٍّ يُراد به باطل"، أعاد البرنامج تقديم وصفات تقليدية ممجوجة عن الصور النمطية السائدة، وتعليمات انهزامية لإقناع الأسرة بضرورة العودة إلى بيت طاعة "الذكورية"، على قاعدة أن المرأة هي المسؤول الأول عن الخلل كما الإصلاح، ورضا الرجل هو المعيار المعتمد لتحديد صلاحية الأسرة أو فسادها.

من منا لا يرغب يتناول الفطور مع شريكه يا رندا؟ ومن منا لا يعجبه الاهتمام بشريكه الذي اختار تقاسم الحلو والمرّ معه؟ وكيف اختصرتِ مفهوم الشراكة عبر تصديقكِ المتلفز لصكّ الاعتراف بمركزية الفرد المذكر لا المجموعة الأسرية؟

التكامل المقدس بين الرجل والمرأة وإعادة هيكلة الأدوار بما يؤمن استقرار الأسرة، لا رضى أحد أطرافها على حساب الآخر، هو ما يغيب عن أذهان المروّجين لمثل هكذا وصفات مراهِقة وضعت استقرار مجتمعاتنا على المحك لقرون. يسقط من اعتبار مسيئي فهم الحركات النسوية، عن جهلٍ أو عن سابق نية، أن احتلال المرأة لساحات النضال الحقوقي ليس ترفاً بل ضرورة لاسترداد الحقوق التي سُلبت بالسلطتين الوهمية والمقوننة.

"المجتمع النسائي أذى نفسه بنفسه"

اختارت فكري خوض غمار تحدي الستات لكسب رضى الرجال، فـ"المعروض كتير"، كما تقول، و"صار الرجل لا يبذل مجهوداً للتعرف على امرأة ما، لأنه طوال الوقت محاط بالمطاردات النسائية، وواقع تحت تأثير الفتنة الأنثوية. ما الداعي إذن للتعلق بواحدة فقط أو التمسك بواحدة بعينها". بهذا الشكل، تبرّر فكري الجشع الذكوري، متهمة المجتمع النسائي بأنه "هو من أذى نفسه بنفسه".

لستُ بمعرض مناقشة أو دحض ما قدمته فكري بالمطلق، سواء من ناحية ضرورة الاهتمام بالشريك أو من ناحية وجود الشواذات لدى الطرفين، لكن الطريقة التي تعرض فيها المسائل تعكس مقدار غياب الوعي في معالجة أكثر القضايا الأسرية ضراوةً وأعمقها تأثيراً في بناء المجتمع والأسرة على حد سواء.

"فطّري جوزك بدل ما يفطر مع السكرتيرة"، و"الراجل خلق علشان يتدلع و"الست اللي ما تعرفش تدلع تبقى غشيمة"... إرشاداتٌ يقدمها برنامج "إنت الراجل"، محاولاً إقناع المرأة بأنها قد تخسر عند أول تقصير ترتكبه، وذلك ضمن قالب يعكس مقدار غياب الوعي في معالجة أكثر القضايا الأسرية ضراوة 

فتقديم حالات استثنائية لا ترتقي لوضعها بموضع الظاهرة هو تجسيد ضمني لخضوع المرأة لذكورية المجتمع، كما أن تصوير المرأة على أنها المسؤولة عن فساد الرجل والمتسببة باعوجاجه، يُمثّل إدانةً مباشرة للمقدمة وللقناة على حد سواء. 

رندا فكري vs رضوى الشربيني

ما بين هاجس حفاظ الأغلب الأعم من الذكور على امتيازاتهم المتوارثة وتعزيز سلطتهم عبر إخضاع الشريكات، وحقيقة زعزعة حصن الذكورية في جولات النضال النسوي، لا يزال الاعتقاد بوهم التفوق الجنسي هو أكبر جريمة بحق الأسرة والمجتمع، تمّت شرعنتها بفعل الأعراف والقوانين الذكورية. وهمٌ قيّد عقل الرجل قبل أن يقيّد حرية المرأة، ورماه في الأعراف القاتمة ضحيةً للرجعية وفريسةً للأنا الجاهلة.

يعتقد متابعون بأن برنامج "إنتَ الرَاجل" هو رد ممنهج على برنامج "هي وبس" ومقدمته رضوى الشربيني صاحبة أحد أكثر البرامج دفاعاً عن حقوق المرأة رواجاً في مصر والعالم العربي، علماً أن الأخيرة تعرّج في كثيرٍ من حلقاتها إلى تبني موقف الرجل واعتماد النمط التقليدي في مقاربة العلاقة بين الجنسين. الأمر الذي نفته فكري على الرغم من إعادة نشرها لملصق فيسبوكي يجسّد تقدّمها على الشربيني بواحد مقابل صفر، في ما سُمي بـ"تحدي الستات". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image