تستمر محاكمة أنور رسلان وإياد الغريب أمام المحكمة الإقليمية العليا في مدينة كوبلنز الألمانية، بمعدل ثلاثة أيام في الأسبوع، وقد أصبحت الترجمة الفورية لوقائع المحكمة متوفرة باللغة العربية لممثلي وسائل الإعلام المعتمدين لدى المحكمة، والذين لهم صلة بالصراع السوري، كما يؤكد التحديث عن وقائع المحكمة الذي ينشره المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان ECCHR.
وثائق تُعرض كدليل أمام المحكمة
في اليوم الثامن والعشرين من محاكمة كوبلنز، المعروفة أيضاً بفرع الخطيب أو الفرع 251، قامت المحكمة باستجواب شاهدين من الشرطة الجنائية الاتحادية الألمانية في ميكنهايم، أحدهما هو رئيس التحقيق في قضية الخطيب.
طلبت القاضية من الشاهديْن في 4 أيلول/ سبتمبر أن يشرحا مصدر الوثائق والمعلومات التي قاما بمراجعتها لصالح الشرطة الجنائية الاتحادية، واستخدامها كإثباتات في الدعوى ضد كل من رسلان والغريب.
تم ذكر تفاصيل وصول تقارير الأمم المتحدة عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا في العامين 2011 و2012، بالإضافة لتقارير منظمات هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، ولفت الشاهد الى أهمية العمل الذي تساهم به لجنة العدل والمساءلة الدولية CIJA، التي أخذت على عاتقها تجميع وتوثيق معلومات تخص المتهميْن بالقضية وببنية فرع الخطيب، وإتاحتها للقضاء الجنائي الدولي والشرطة الجنائية الاتحادية في ألمانيا.
في هذه الجلسات ظهر عدة شهود أمام المحكمة، منهم رياض سيف في 26 و27 آب/ أغسطس، وحسين غرير، المدعي المشترك الذي يدعمه المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان ECCHR.
كما مثل في 24 آب/ أغسطس الموسيقي السوري وسيم مقداد، كمدعي مشترك ويدعمه المركز نفسه، وهو الشاهد الوحيد الذي أدلى بشهادته باللغة الألمانية حتى اليوم بحسب تقرير ECCHR.
"لا أستطيع استعادة حق شخص توفي، من توفي لا يرجع حقه، لكن العدالة بهذا المعنى هي مسار قانوني لمحاسبة المجرمين وردع للمستقبل"
وسيم مقداد يشهد أمام المحكمة
يقول وسيم مقداد، المولود في مدينة لايبزيغ الألمانية لوالدين سوريين لرصيف22: "نفسياً تبقى لايبزيغ مسقط رأسي ومرت بثورة سلمية في العام 1989 من جمهورية ألمانيا الديمقراطية وعبرت الى الحرية والديمقراطية. هذه الثورة في مسقط رأسي تعطيني أملاً أنه أيضاً في بلدي سوريا التي كبرت فيها، أن تنجح الثورة السلمية بالانتقال ببلدي من مرحلة الظلام والدكتاتورية لمرحلة من الحرية، وإمكانية تعبير الناس عن أنفسهم بدون الخوف من آلة القمع".
بعد إدلائه بشهادته أمام المحكمة، صرّح وسيم مقداد لرصيف22 أنه ترك سوريا في العام 2014، وأنه تعرض في سوريا لأربعة اعتقالات، ثلاثة لدى النظام وواحد لدى تنظيم القاعدة، جبهة النصرة. والاعتقال موضوع المحاكمة في كوبلنز هو الاعتقال الثاني لدى النظام السوري في 30 أيلول/ سبتمبر 2011، من مدينة دوما.
يروي مقداد أنه كان هناك حظر تجول غير معلن، وكان هناك جيش. كانوا قد قطعوا خدمات الإنترنت والاتصالات من أجل منع التظاهرات، لأن يوم الثلاثين من الشهر كان جمعة: "مع ذلك حاولنا أنا وبعض الشباب أصدقائي أن ننزل ونبحث إذا كان هناك مظاهرة فاكتشفنا واعتقلنا".
يضيف مقداد بأنهم ألقوا القبض عليهم فقط لأنهم كانوا موجودين في الشارع، وتم نقلهم الى فرع الخطيب بدمشق، وفي الطريق تعرضوا للتعنيف والتعذيب، وبالفرع أثناء التحقيق كان هناك تعذيب بالإضافة إلى ظروف الاعتقال السيئة من غرف ضيقة، أكل قليل وظروف مزرية.
لا يستطيع وسيم مقداد أن يجزم فيما لو كان الضابط الذي قام بالتحقيق معه هو أنور رسلان أم لا، وذلك لأنه كان معصوب العينين خارج الزنزانة: "وعيي للمحيط كان وعياً سمعياً فقط وفي المرات الثلاث التي تم فيها التحقيق معي كان المحقق هو نفسه". وأضاف مقداد أنه عرف لاحقاً أن أنور رسلان نفسه صرّح بأنه هو من كان يحقق معه.
بالنسبة لمقداد هذه المحاكمة هي خطوة أولى على طريق طويل لتحقيق العدالة ومحاولة لرد الكرامة لضحايا التعذيب بسوريا، الذين توفوا والذين ما زالوا قابعين في المعتقلات ويعذبون الآن والناجين: "هذه المحاكمة برأيي هي اعتراف بمعاناتهم وعدالة قضيتهم. هي خطوة أولى على طريق طويل أتمنى ألا ينتهي إلا ببشار الأسد خلف القضبان".
للمشككين من السوريين بجدوى هذه المحاكمة في تحقيق العدالة للضحايا، يرى مقداد أن لا عدالة بالمعنى المطلق للكلمة: "لا أستطيع استعادة حق شخص توفي، من توفي لا يرجع حقه، لكن العدالة بهذا المعنى هي مسار قانوني لمحاسبة المجرمين وردع للمستقبل. هذا مفهومي أنا للعدالة، من ارتكب جريمة يُحاسب عليها والحساب يجب أن يكون رادعاً للآخرين حتى لا يرتكبوا جرائم التعذيب وجرائم الحرب وضد الإنسانية".
برأيه هذه المحكمة هي خطوة أولى مهمة وليست خطوة نهائية، فمحكمة لاهاي معطلة بسبب الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن، وبالتالي أي محكمة تابعة للأمم المتحدة غير قادرة على العمل الحقوقي بالقضية السورية، والمحاكم السورية تابعة بالكامل لنظام الأسد، وبالتالي نحن بحاجة لمحكمة خارج سوريا وخارج نظام الأمم المتحدة، حتى تبادر بالتحقيق بجرائم التعذيب والحرب والجرائم ضد الانسانية التي ترتكب هناك.
السجون السورية واللبنانية تشهد على صدق الضحايا
أما بالنسبة لبعض الأصوات التي ظهرت مؤخراً، وهي تشكك بصدقية المدعين والضحايا في هذه المحكمة، ممن اعتقلوا وعذبوا في سجن الخطيب، فيقول مقداد لرصيف22، إن الموضوع حساس وهو لا يستغرب أن يكون هناك ناس يعملون لمصلحة النظام، إن كان بشكل مباشر أو غير مباشر، واع أو غير واع.
النظام خبيث ولديه شبكات علاقات عامة، ومنذ العام 2012 قام النظام بتوظيف شركة علاقات عامة بريطانية، حسب تعبير وسيم مقداد، وبالتالي لا يستغرب وجود هكذا جهد، إن كان بشكل منسق ومباشر لمصلحة النظام أو غير مباشر. ويضيف: "هذا برأيي لا يغير شيئاً من الجريمة التي حصلت. حتى لو خرج بشار الأسد وقال نحن لا نعذب في السجون، السجون السورية واللبنانية تشهد أن النظام السوري قائم منذ أكثر من خمسين عاماً على مبدأ التعذيب بالسجون، وعلى مبدأ إرهاب المواطنين من الحديث في السياسة ومن التفكير بشكل مستقل عن إرادة الحزب الحاكم والرئيس القائد".
أما الشاعر السوري فادي جومر المقيم في برلين، فله وجهة نظر أخرى بالنسبة لمحاكمة كوبلنز ومبدأ المحاكمة كاملة عن الجرائم ضد الإنسانية. يقول جومر في حديث لرصيف22: "إن المحكمات قد تكون الحل الوحيد المتاح لهذه المشكلة طالما أن البشرية لم تستطع أن تسترد كامل الحقوق، ويجب أن تحاكم هؤلاء الناس وتعاقبهم، والحياة تتجه نحو نمط حضاري أكثر، وبالتالي لا يمكنك أن تعاملهم بهمجية تناسب جرائمهم". وقد أشار إلى أنه يعترض على فكرة هذه المحكمة واعتبارها إنجازاً باتجاه العدالة.
"إن المحكمات قد تكون الحل الوحيد المتاح لهذه المشكلة طالما أن البشرية لم تستطع أن تسترد كامل الحقوق، ويجب أن تحاكم هؤلاء الناس وتعاقبهم، والحياة تتجه نحو نمط حضاري أكثر، وبالتالي لا يمكنك أن تعاملهم بهمجية تناسب جرائمهم"
يوضح فادي جومر لرصيف22 رأيه بمحاكمة كوبلنز ومحاكمات مرتكبي جرائم التعذيب والجرائم الإنسانية بشكل عام، فهو ضد ادعاء أن ما يحدث هو تحقيق العدالةللضحايا السوريين أو لأي ضحايا في العالم. بالإضافة إلى ذلك لا يرى جومر أن هذه المحاكمة قد تردع المرتكبين عن اقتراف أعمال التعذيب مستقبلاً.
يشرح جومر لرصيف22 فكرته بأن المحاكمات للمجرمين بالعموم والعقاب بالسجن أو بالغرامات المادية هي الطريقة الوحيدة المتاحة الى هذه اللحظة، ليس فقط لمعاقبة المجرم بل للحفاظ على كرامة وإنسانية الضحايا أنفسهم والمجتمع نفسه. هذا الطريق الوحيد المتاح، بحسب جومر، يفتقد لفكرة العدالة الحقيقية.
أما النقطة الثانية التي أراد فادي جومر إيضاحها فهي "أنه عندما يكون هناك ضحية تم سلبها حقها بالكرامة والحياة والحقوق الإنسانية كلها، عندما يُسلب منها هذا الحق، وتقوم جهة ما بإرجاع جزء من هذا الحق وليس كله، وتقول لها: هذه عدالة! هذا يُعد ممارسة ظلم بحق هذه الضحية".
وفادي جومر كان قد اعتقل من قبل النظام السوري في أواخر العام 2013 لمدة ثلاثة أشهر: "تم تغييبي قسراً والإفراج عني أيضاً بدون أي تهمة أو محاكمة أو شهادة براءة"، وظروف اعتقاله يجدها جومر كظروف اعتقال كل السوريين الذين اعتقلوا لدى أجهزة الأمن في سوريا، مفضلاً عدم الخوض بالتفاصيل.
ويوضح فادي جومر موقفه من محكمة كوبلنز أكثر قائلاً: "أنا هنا أتكلم عن المحاكمات المتعلقة بالجرائم الشديدة البشاعة، كالتعذيب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. إذا حدا سرق مني ألف ورجعها للألف، بيكون وصل لي حقي، بيكون في عدالة. لكن الجرائم ضد الإنسانية، أو حتى قمع مظاهرة، لا عقوبة عادلة لها".
وتستمر المحاكمة الأربعاء في 16 أيلول/ سبتمبر الجاري، حيث سيمثل السيد مازن درويش، رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، كشاهد أمام المحكمة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...