نفى العقيد المنشق عن الجيش السوري، أنور رسلان، الاثنين، 18 أيار/ مايو الجاري، كل التهم الموجهة إليه، في بيان ألقاه أمام المحكمة الإقليمية العليا في مدينة كوبلنز الألمانية، وحاول فيه التقليل من دوره بالادعاء أنه أطاع الأوامر فقط، وأن القسم 40، بقيادة حافظ مخلوف، هو مَن مارس السلطة الفعلية في سجن فرع الخطيب. هذه الدفوع شائعة في مثل هذه المحاكمات بحسب وولفغانغ كاليك، الأمين العام للمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان ECCHR.
وقد بدأت محاكمة أنور رسلان في 23 نيسان/ أبريل الماضي في ألمانيا، وتتهمه المحكمة بـ58 جريمة قتل، بالإضافة الى تعذيب أربعة آلاف شخص في قسم 251 المعروف بـ"فرع الخطيب"، وهي أول محاكمة بشأن عمليات تعذيب في العالم لعناصر من النظام السوري.
ولم يكتف أنور رسلان فقط بنفي كل التهم الموجهة إليه، من تعذيب وقتل مئات الأشخاص في فرع الخطيب، المسؤول عن أمن مدينة دمشق والمناطق المحيطة بها، وإلقاء اللوم كله على رؤسائه، بل ادعى فوق ذلك أنه كان يقوم بمساعدة المعتقلين مخاطراً بنفسه وموقعه، حتى تمت تنحيته عن مسؤولياته كرئيس لفرع التحقيق في القسم 251، قبل فراره من سوريا عام 2012.
ادعى أنور رسلان البراءة في بيان من 30 صفحة، ردّ فيه على التهم الموجهة إليه، وتلاه محامياه بالتناوب أمام المحكمة في كوبلنز، وسط دهشة وتململ الحضور، من ضحايا ومدعين وشهود ومحامين وصحافيين، إذ قام رسلان في بيانه بسرد سيرته الذاتية بشكل مفصّل، ونفى مسؤوليته عما كان يحدث في قسم 251، وقرأ المحامون البيان لمدة خمسين دقيقة بدون ذكر كلمة "تعذيب" ولو لمرة واحدة.
قام رسلان برفع كل مسؤولية عن نفسه، متحججاً برؤسائه، وبأنهم جرّّدوه من صلاحياته، مدعياً عدم ثقتهم به لأنه من منطقة الحولة، إذ يقول في بيانه: "في بداية شهر نيسان/ أبريل 2011 استدعاني العميد توفيق يونس إلى مكتبه، وأخبرني بأن أهل منطقتي الحولة تظاهروا يوم الجمعة، وبلغ عدد المتظاهرين الآلاف ووصفهم بالخونة. فهمت من هذا الكلام على أنه تهديد لي ودليل مباشر على التشكيك في ولائي"، وتابع: "منذ هذه اللحظة أصبحت مقتنعاً بأنه يتوجب عليّ الانشقاق".
إضافة إلى ذلك، ادعى أنور رسلان أنه كان حريصاً على عدم اعتقال أي شخص بشكل تعسفي، وكان يقوم بمساعدة المعتقلين في فرع 251، إذ يقول: "بناء على الاعتقالات التعسفية الكبيرة التي قامت بها قوات الحرس الجمهوري، كنت أبحث دائماً ما إذا كان الموقوفون قد اعتقلوا بناءً على مذكرة اعتقال. بما يتعلق بالأشخاص الذين لم يكن لديهم اسم على لائحة المطلوبين، كنت أبدأ بإصدار ورقة إخلاء سبيل لهم لكي يتمكنوا من الخروج من السجن".
ويؤكد أنه مُنع من مزاولة مهامه بسبب إطلاقه سراح عدد كبير من السجناء، بعد أن اشتَكَى قادة الحرس الجمهوري، المتمثلون باللواء بديع علي وضباطه، مثل العقيد محمد علي، والعمداء محمد نيوف وطلال مخلوف وعصام زهر الدين ومحمد خضور، في بدايات شهر حزيران/ يونيو 2011، أي بعد شهر ونصف من مشاركتهم في قمع التظاهرات، لرئيس الفرع العميد توفيق يونس، حول موضوع إخلائه سبيل أعداد كبيرة من الموقوفين، "ولأنني من منطقة الحولة وهذا يعد إثباتاً على التشكيك بولائي"، يضيف.
بناء عليه، يدّعي رسلان أن العميد توفيق يونس سحب منه كل الصلاحيات في بدايات شهر حزيران/ يونيو 2011 بشكل مباشر، وأَوكَلَهَا إلى أشخاص آخرين للقيام بمهامه.
وبذلك يدّعي رسلان البراءة من التهم الموجهة إليه، ويحمّل مسؤولية الجرائم الجنائية ضد الإنسانية، من تعذيب وقتل المعتقلين في قسم 251، المتهم بها أمام المحكمة الألمانية، كاملة إلى رؤسائه.
ونفى رسلان أن يكون قد عامل أي شخص بدون إنسانية، ولكنه سرعان ما ناقض نفسه، عندما ادعى أن أوامر التعذيب كانت تمر عبر ضباط أعلى رتبة منه.
ويذكر في البيان: "في الوقت الذي كنت أعمل به في مكتبي في الفرع كنت أسمع أيضاً أصواتَ صراخٍ، وعلى الفور أتصل بالسجن لأسأل ماذا يحدث، ويتم إخباري بأن المقدم عبد المنعم النعسان يقوم باستجواب عناصر مسلحة، ويستخدم القوة بذلك وبحضور ضباط من القسم 40. إن ضباط القسم، أي المقدم محمد عبد الله والمقدم خالد الخطيب والنقيب عبد المجيد نبوذة والمقدم يوسف ابراهيم (قُتِلَ لاحقاً في دوما) هم تابعين للعقيد حافظ مخلوف، وكانت لديهم كافة الصلاحيات للقيام باستجواب الموقوفين المعتقلين".
وقد حمّل المسؤولية الجنائية كاملة عن عمليات التعذيب لمدير إدارة أمن الدولة في دمشق عام 2012، محمد ديب زيتون، وكذلك للواء علي مملوك، وهو نائب الرئيس السوري للشؤون الأمنية، ولرئيس القسم الأمني "رقم 40"، حافظ مخلوف، ورئيس فرع "الخطيب"، توفيق يونس، ولنائب رئيس الفرع، عبد المنعم نعسان. وتعتبر هذه الخطوة، بحسب مراقبين، أسلوب دفاع متوقع في حالات مشابهة، كما جرى في محاكمة المسؤولين عن معسكر الاعتقال "أوشفيتز" في ألمانيا تحت حكم النازية: التنصّل من المسؤولية كاملة ورميها على الرؤساء.
مثال على ذلك، يضيف رسلان في حديثه: "وبما يتعلق بسوء الرعاية الصحية ونقص الغذاء وهي كارثية فهذه مسؤولية رئيس الفرع 251، إضافة إلى الأعداد الهائلة من المعتقلين، وقد اشتكيت له ثلاث مرات من الوضع كاملاً في السجن فطلب مني عدم فتح هذا الموضوع أبداً".
ادعى أنه كان يقوم بمساعدة المعتقلين مخاطراً بنفسه وموقعه، حتى تمت تنحيته عن رئاسة فرع التحقيق في القسم 251، قبل فراره عام 2012... جديد محاكمة العقيد المنشق عن الجيش السوري، أنور رسلان، في ألمانيا بتهمه 58 جريمة قتل، وتعذيب 4000 شخص في "فرع الخطيب"
ويزيد في بيانه: "في سياق الاستجواب لم أقم أبداً بأية إجراءات لها علاقة بالضرب أو التعذيب. وظيفتي كقانوني كانت دائماً تتعلق بواجبي أن أخدم دولة القانون السوري، وضمن هذا الإطار العملي قمت بإجراء استجوابات وبناءً عليها اتخذت قرارات مثل إخلاء السبيل. لم أتصرف أبداً بطريقة غير إنسانية لا قبل آذار/ مارس 2011 ولا بعده. لقد ورد في لائحة الاتهام أنه لم تثبت التحقيقات إقدامي شخصياً على تعذيب أحد ما".
لكن مشكلة رسلان، بحسب المحامي الذي يمثل الضحايا، أندرياس شولز، هي أنه لا يجب أن يقوم شخص ما بالتعذيب بيده لكي تتم إدانته، فوفق مبدأ الولاية القضائية العالمية على الجرائم ضد الإنسانية والذي تتم المحاكمة بموجبه، يكفي إصدار الأوامر بالتعذيب، أو أن تتم من قبل أشخاص يعملون تحت إمرته من أجل إدانة المتهم.
دعم رسلان للمعارضة السورية في الخارج
يدعي رسلان أنه لطالما تعاطف مع المعارضة في سوريا، ولم يتفق مع ممارسات النظام ولذلك قام بالانشقاق.
وقال في إفادته أمام المحكمة، إنه شارك مع المعارضة السورية في مؤتمر جنيف، وقدم مساعدة تقنية عبر المعلومات التي يمتلكها، وأضاف أنه يريد سوريا "ديموقراطية متنوعة خالية من الدكتاتورية والطائفية"، وأضاف أنه "عندما كنت في تركيا عملت لصالح الائتلاف السوري لمدة تبلغ 4 إلى 5 أشهر، يستطيع جميع الشهود أن يشهدوا كيف كنت أساعدهم وما هو موقفي الحقيقي من الثورة".
في ختام حديثه، قال رسلان: "بعد أن نفيت الاتهامات الموجهة ضدي أود أن أقول للمحكمة وللشهود المتضررين وعائلاتهم أنني متأسف للوضع في سوريا، كما هو الحال في باقي الدول العربية المجاورة، وأنني أتمنى على أن تنجح المساعي بطرق سلمية للوصول إلى الديمقراطية من دون دكتاتورية أو إرهاب متطرف، وأعبّر عن تعاطفي وأسفي مع جميع المتضررين وعائلاتهم".
يشكك المشاركون بالمحاكمة بصحة ادعائه أنه منشق عن نظام الأسد، والآن عليه إثبات أنه مؤيد فعلي للثورة حتى يحصل على أي أسباب تخفيفية... جديد محاكمة العقيد المنشق عن الجيش السوري، أنور رسلان، في ألمانيا بتهمه 58 جريمة قتل، وتعذيب 4000 شخص في "فرع الخطيب"
في حديث مع رصيف22، يؤكد المحامي خُبيب علي محمد، أن الأهم في المحاكمة حالياً هو إثبات الجرم على المتهم، فموكلوه من الضحايا يريدون أن يسمع العالم بأهوال ما قاسوه في القسم 251، وأن يعرف المرتكبون بأنهم سيدفعون الثمن ولو بعد أمد طويل. من المهم جداً أيضاً، على حد تعبير خبيب، أن يعرف العالم أن ألمانيا ليست واحة أمان لمجرمي الحرب.
أما عن طريقة إثبات الجرم على المتهم، فيقول المحامي الذي يمثل عدداً من الضحايا، بأن المحكمة ستستند إلى عدد هائل من شهادات الضحايا، بالإضافة الى تقارير مختصين من الاستخبارات.
التعويضات للضحايا
قد يكون من الصعب تصديق أن النظام السوري سيوافق على دفع التعويضات للضحايا في حال ثبوت التهم على أنور رسلان، إذ يمكن مقاضاة النظام فقط في دمشق، لكن المحامي أندرياس شولز، والذي يطالب بتعويضات مالية للضحايا، يقول لرصيف22 إن هناك سبلاً أخرى غير المحاكم المدنية في دمشق، فالتعويضات قد تدفع خارج إطار القضاء، فـ"الدول المارقة" على حد تعبيره، قد ترى في ذلك مصلحة سياسية لها، إذ تقوم بدفع تعويضات للضحايا بشكل هبات وبدون الاعتراف بأي مسؤولية قانونية، وبهذه الطريقة تظهر بمظهر الإنسانية وتحسّن صورتها الدولية.
يعطي شولز مثالاً على ذلك نظام القذافي في ليبيا، والذي دفع مليارات الدولارات من التعويضات لضحايا الهجوم على الديسكوتيك في برلين لا بيل La Belle، قضية لوكربي والهجوم على الطائرة الفرنسية (UTA 772).
فما الذي قد يدفع بالنظام السوري للقبول بصفقة كهذه؟ بكل بساطة يرى شولز أن دفع التعويضات أقل كلفة من تجاوز العقوبات المالية التي قد تفرض على النظام السوري. يعطي شولز مثلاً نظام القذافي الذي دفع 3 مليارات دولار لضحايا الهجمات الإرهابية، في حين كان تجاوز العقوبات سيكلف نظامه 20 ملياراً، بالتأكيد كان التعويض على الضحايا بشكل هبات استثماراً مربحاً للقذافي برأي شولز.
عميل للنظام أو منشق حقيقي؟
يقول المحامي شولز إن هناك عاملاً إضافياً في قضية رسلان "قد يقلب الطاولة والقضية كلها رأساً على عقب"، إذ ظهرت الأسبوع الماضي السيدة بيترا ب. كشاهدة أمام المحكمة، وهي تعمل كخبيرة في الشؤون السورية في مركز الأبحاث السياسية SWP، وأوكلت إليها مهمة الاهتمام برسلان من قبل الـSWP، وقد تكون أيضاً الاستخبارات الألمانية، لأنه شخص يحمل كنزاً من المعلومات المهمة بالنسبة لهم.
لدى سؤالها أمام المحكمة إن كانت تعتقد أن رسلان هو عميل للنظام ويتظاهر بالانشقاق من أجل اختراق صفوف المعارضة السورية، تركت بيترا السؤال مفتوحاً.
لذا، بحسب شولز، يشكك الآن المشاركون بالمحاكمة بصحة ادعاء رسلان أنه منشق عن نظام الأسد، والآن على رسلان أن يثبت أنه مؤيد فعلي للثورة حتى يحصل على أي أسباب قد تكون تخفيفية في الحكم عليه.
أي فرضية سيتم إثباتها بالأدلة؟ سوف نرى في جلسات المحاكمة اللاحقة والتي من المتوقع أن تمتد لسنوات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه