بعد مرور 21 يوماً على استقالة حكومة حسان دياب، كلّف رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون سفير لبنان لدى ألمانيا مصطفى أديب بتشكيل حكومة جديدة، بتأييد 90 نائباً من أصل 128 في الاستشارات النيابية الملزمة التي جرت في القصر الرئاسي في بعبدا في 31 آب/ أغسطس الماضي.
ثمّة إجماع شبه عام في لبنان على أنّ الاستشارات النيابية كانت شكلية، إذ كان متفقاً على تسمية أديب رئيساً للحكومة المقبلة قبل إجرائها. وجميع الروايات تقول إنّ فرنسا هي التي سمّته، وإن ترشيح أديب أتى بعد اتصالات أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع المسؤولين اللبنانيين للاتفاق على اسم رئيس جديد للحكومة، قبل زيارته لبنان في الأول من أيلول/ سبتمبر.
التوافق على أديب جرى بين القوى السياسية الأبرز في البلاد، التيار الوطني الحر (مسيحي)، والثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل، إضافة الى تيار المستقبل ورؤساء الحكومات السابقين (السنّة)، والحزب التقدمي الاشتراكي (درزي)، وآخرين.
وعقب تسميته لتشكيل الحكومة، قال أديب في مؤتمر صحافي: "نسعى لتشكيل حكومة من أصحاب الكفاءة والاختصاص لإجراء إصلاحات سريعة، من شأنها أن تضع البلد على الطريق الصحيح". وأول تصريحاته كان أنّ الوقت حان للعمل ولا وقت للكلام والوعود.
وجاءت استقالة حكومة دياب على خلفية الانفجار في مرفأ بيروت، وسط غضب شعبي من الفساد والإهمال الذي تسبب بقتل نحو 200 شخص وإصابة أكثر من ستة آلاف ’خرين وتدمير الأحياء المجاورة للمرفأ، وتشريد نحو 300 ألف شخص.
وأديب (48 عاماً)، من مدينة طرابلس (شمال لبنان) حاصل على دكتوراه في القانون والعلوم السياسية، وعمل مستشاراً لرئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي منذ العام 2000 وحتى تعيينه سفيراً للبنان لدى ألمانيا في تموز/ يوليو 2013.
وتنتظر أديب مهمات صعبة في ظل تأزم الأوضاع المعيشية والاقتصادية في البلاد، فهو واقع بين شارع غاضب يطالب بحكومة مستقلة عن الطبقة السياسية من جهة، ومجتمع دولي ينتظر من لبنان إصلاح الخراب الذي خلّفته الطبقة السياسية الحاكمة.
وهنا يبرز السؤال المهم، ماذا يمكن أنّ يفعل الرئيس الجديد، وكيف يقرأ الشارع اللبناني، لا سيّما الحراك الشعبي، خيار تكليفه؟
لا ثقة
بداية، ثمّة انتقادات كثيرة وُجّهت إلى أديب فور تسميتة، فقد اعتبر البعض أنّ ما يجري أشبه بمسرحية لن تثمر على أرض الواقع اللبناني أي تغيير، وأن حكومته ستكون "نسخة" شبيهة عن حكومة الرئيس السابق حسان دياب، على اعتبار أن القوى السياسية اتّفقت على أديب من أجل إعادة تشكيل نفسها، ليس أكثر.
وإلى جانب هذه الانتقادات، برزت أسئلة كثيرة لا تزال أجوبتها معلّقة، من بينها: هل ستُذلَّل عقبات تأليف الحكومة أمام الرئيس الجديد؟ ما هو الشكل الذي ستتخذه الحكومة؟ هل ستكون حكومة إصلاح حقيقي أم سنعود إلى صيغة المحاصصة السابقة في الحقائب الوزارية؟ وما هي الإنجازات التي يمكن أن تحققها؟ وهل أديب أساساً سُمّي فقط لتمرير زيارة ماكرون؟
تتفق غالبية مجموعات الثورة على أن لا ثقة في حكومة تنتجها المنظومة الحاكمة، وأن الحكومة أياً كان شكلها لن تحدث التغيير المطلوب، وإنما سيقتصر عملها على بعض الإصلاحات التي تحسن ربما الوضع المعيشي في أحسن الأحوال وليس أكثر.
يقول الناشط في التحركات الشعبية منذ انطلاقتها في 17 تشرين الأول/ أكتوبر علي حيدر لرصيف22: "تعتقد غالبية المجموعات في الشارع أنّه لا يمكن للسلطة الحاكمة إنتاج حكومة ستحاسبها يوماً، بل على العكس هي في كل مرة تضمن تشكيل حكومة تؤمّن الغطاء لها".
ويضيف "الناس لم تخرج لطلب الإصلاحات بل لنزع السلطة من هذه المنظومة، وبالتالي ليس لدينا أيّ أمل من هذا التكليف".
وعن تدخّل ماكرون، يرى أنه "أتى ليمنع أيّ خلل في الاستقرار الأمني والسياسي أكثر من الحاصل في لبنان، خوفاً من تدفق أعداد جديدة من اللاجئين السوريين إلى أوروبا، ما يشكل ضغطاً إضافياً عليهم".
"تعتقد غالبية المجموعات في الشارع أنّه لا يمكن للسلطة الحاكمة إنتاج حكومة ستحاسبها يوماً، بل على العكس هي في كل مرة تضمن تشكيل حكومة تؤمّن الغطاء لها"
ماذا عن أديب؟ يجيب حيدر: "أديب هو استمرار لهذه المنظومة وتمّ التوافق بين القوى السياسية على تسميته من أجل حصول لبنان على قروض ومساعدات دولية ليس أكثر. مشكلتنا الأساسية ليست بالأسماء وإنما بآلية عمل الحكومة وقدرتها على تغيير شكل النظام والمنظومة الحاكمة".
لا للتدخل الخارجي
يقول المحامي والناشط في مجموعة "المرصد الشعبي لمحاربة الفساد" علي عباس لرصيف22: "بالنسبة لنا، موقفنا من تكليف أديب هو ذاته الموقف حين رفضنا تكليف حسان دياب. في الأصل نحن ضد أي تدخل خارجي وطالما أركان السلطة موجودة لن يكون لدينا أي ثقة بأي حكومة جديدة".
ويضيف: "مطلبنا لا يزال ذاته حين خرجنا في 17 تشرين لنطالب بحكومة مستقلة تنبثق من الشعب وليس لديها أي خطوط حمر وقادرة على إجراء المحاسبة واستعادة الأموال المهدورة، وتضع قانوناً انتخابياً من أجل إعادة تكوين السلطة من جديد".
ويرى عباس أنّ "ما يتمّ اعتماده اليوم في التكليف والتشكيل يقوم على مبدأ تبديل الوجوه كقناع ليس أكثر"، لذا "نثق بأنّ الحكومة الجديدة، في حال تشكيلها، لن تحقق أي مطلب من المطالب التي تنادي بها غالبية المشاركين في التحركات الشعبية".
"هناك علامات استفهام كثيرة حيال ظروف تكليف أديب نفسه، ونعتقد أنّ ما يجري هو عملية شراء للوقت من قبل القوى السياسية المهيمنة في لبنان، تحت غطاء فرنسي، ليعيدوا مَن هم في السلطة للتموضع في المشهد اللبناني، ليس أكثر"
ويضيف أن "هناك علامات استفهام كثيرة حيال ظروف تكليف أديب نفسه، ونعتقد أنّ ما يجري هو عملية شراء للوقت من قبل القوى السياسية المهيمنة في لبنان، تحت غطاء فرنسي، ليعيدوا مَن هم في السلطة للتموضع في المشهد اللبناني، ليس أكثر".
مبادرة ماكرون
"زيارة ماكرون والمبادرة الدولية أتت بعد يومين على انفجار العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت. ورغم أنّ الحدث غير عادي، تحدث ماكرون عن مساعدات إنسانية من دون التطرق إلى مسألة تحميل مسؤوليات، وإنما فتح تحقيق فقط، في حين كان الشارع واضحاً حين علّق مشانق المسؤولين عن هذه الجريمة في ساحات بيروت"، يقول الناشط في مجموعة بيروت مدينتي طارق عمار لرصيف22.
يرى عمار أنّ حديث ماكرون عن حكومة وحدة وطنية ومن ثم حكومة مستقلين ليس سوى "محاولة لإبقاء السلطة الحاكمة لأسباب تختلف بين دولة وأخرى ولكن الذريعة دائماً حاضرة لديهم وهي منع حدوث حرب أهلية"، نافياً أن تكون هذه الذريعة حقيقية.
ويضيف: "كان يجب على المجتمع الدولي اعتبار السلطة فاقدة لشرعيتها وعدم الاعتراف بها فور حدوث الانفجار، ولو فعل ذلك لكانت انهارت السلطة".
وعمّا يمكن أن تحققه الحكومة الجديدة، يقول عمار: "لا نعلم إن كان هذا المسار يشي بتشكيل حكومة أزمة، ولا بد من الانتظار كي نرى كيف ستتشكل. كنا نريد حكومة إنقاذ مع صلاحيات تشريعية، ولكن نعتقد أنّ الحكومة التي ستتشكل ليست على قدر آمال اللبنانيين المتواجدين في الشارع وإنما هي لمعالجة تداعيات الانفجار بالحد الأدنى الإنساني".
وعن الخطوات المقبلة، يقول عمار: "هناك نقاشات ستجري داخل مجموعات الحراك لتحديد شكل التحركات المقبلة، لكن دورنا اليوم سيستمر بالضغط من أجل تحقيق مطالب الثورة التي لن تتحقق مع هذه الحكومة"، ويضيف: "ندرك جيداً حجم الأزمة الإنسانية الراهنة ولا بد من عمليات إغاثة".
نريد الخلاص
"لم يعد مهمّاً بالنسبة لنا مَن هو الشخص الّذي يتولى رئاسة الحكومة"، تقول الشابة سلام طرابلسي (40 سنة) لرصيف22، وتضيف: "الأهم لدينا هو الخطوات التي سيقوم بها من أجل تحسين واقع الناس المعيشي، خصوصاً، أنّ غالبية الناس باتت فقيرة ومعدمة، ولم نعد قادرين على الاستمرار على حالنا الراهن".
وتتابع: "في البداية، أزعجتني تسمية أديب كونها أتت بصيغة الفرض، ولكن بالنهاية فرنسا هي التي ضغطت وليس حزب الله كما حاول البعض الترويج، وهو ليس تابعاً لرئيس مجلس النواب نبيه بري كما أشار البعض فلا يوجد أي دليل على ذلك، مع العلم أني كنت أتمنى عودة الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة لإيماني الخاص بأنه الوحيد القادر على إعادة إعمار لبنان".
وترى طرابلسي أن الأمور متروكة إلى حين اتضاح شكل التسوية الدولية، وفي حال حصل توافق بين فرنسا وإيران، سيُصار إلى تشكيل حكومة في وقت قريب. "لا بد أنّ ننتظر لرؤية الشكل الذي سترسو الأمور عليه".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون