كانت تلك الأجواء هي الدافع لأحمد وسميرة، الشغوفين بالطعام المصري، تأسيس مبادرتين على موقع فيسبوك، مهمتهما استعراض تاريخ المطبخ المصري والدفاع عن هوية الأكلات المصرية.
يقول أحمد عرنسة، صاحب صفحة مبادرة "أسرار المطبخ المصري" (34 عاماً)، من دمياط: "ما أوحى إلي بالفكرة كان قلة المجهودات المعنية والمهتمة بتوثيق المطبخ المصري، والتي تكاد تكون معدومة. لذلك رغبت في العمل على التوثيق مستعيناً بمصادر وأدلة تاريخية، ورغم ما يقال دوماً عن مدى فقر المطبخ المصري لأنه لم يكن هناك تسويق جيد لتنوعه، مثلما تفعل دول أخرى مع مطبخها ومأكولاتها الشعبية، ومن جانب آخر، ليس هناك أي محاولات لتطوير وتحديث المطبخ المصري، حيث لا يزال محصوراً في المأكولات التقليدية، ومحتاجاً لمجهود كبير من المختصين والجهات السياحية ليدخل في طور التطوير".
صناعة الحلويات في العهد الفاطمي
وعن المأكولات المشهورة المصرية، فيقول عرنسة: "أنها كثيرة جداً ومتعددة، وأهمها المخبوزات بشكل عام والحلويات المصرية، فمصر هي أول من صنع الخبز في التاريخ البشري من 8 آلاف عام، والخبز له أهمية كبيرة بالنسبة للشعب المصري وفيه تنوع كبير، وكذلك المخبوزات والكحك والمعمول، كل هذه الأنواع موجودة في مصر من آلاف السنين، واشتهرت في التاريخ المصري القديم، واشتهرت كذلك بشكل أكبر في التاريخ الوسيط في عهد الفاطميين وحتى وقتنا الحالي، هناك أدلة وتوثيق تاريخي يشير أن مصر كانت مركزاً مشعاً للمنطقة بأسرها في صناعة الحلويات في العهد الفاطمي، وفي المطبخ بشكل عام".
لما تصحى الصبح وانت بتشرب القهوة بتاعتك افتكر ان هذا المشروب المقدس اللى تحول لادمان عند عشاقه . مر بصراعات ونزاعات...
Posted by اسرار المطبخ المصرى on Saturday, 29 August 2020
ويستعرض عرنسة أهم المراجع التاريخية عن أصل بعض الأكلات، فيقول: "بشكل عابر، يمكن الإشارة لكتاب (الاعتبار) للأمير السوري أسامة بن المنقذ، والذي كان أحد رجال صلاح الدين الأيوبي، وعاش في القرن الحادي عشر وعاصر الحملة الصليبية الأولى. ويحكي في كتابه على لسان واحد من الغرب، أنه دعا صديقه من بلاد أنطاكية وأحضر له مائدة عامرة حسنة، وكان يتباهى أمامه أنه لا يأكل إلا الأطعمة المصرية، وأن لديه طباخات مصريات لا يأكل إلا مما يعددنه".
ويرى عرنسة أنه يتم نسب المأكولات المصرية لدولة أخرى لأنه "ليس هناك اهتمام منا نحن المصريين بتسجيلها، كما تتسابق الدول في تسجيل مأكولاتها الوطنية في مبادرات حفظ التراث غير المادي التابعة لليونسكو".
وبالانتقال لسميرة عبد القادر، مدونة وناشطة نسوية، مهتمة كذلك بتاريخ المطبخ المصري، وأسست مبادرة "توثيق المطبخ المصري"، في الثلاثينيات من عمرها، تقول: "أوحى بالفكرة النشاط الإلكتروني الواسع لعدد كبير من المدونين، الذين كرسوا جهودهم لإثبات أن الأكلات المصرية المشهورة أصلها ليس مصرياً، حتى التي لا توجد سوى في مصر، مثل الكشري والفطير المشلتت، وحتى المجموعات الفيسبوكية المهتمة بالمطبخ، نجد أكثر المنشورات تفاعلاً هي التي تروج لتلك المفاهيم، حتى كادت أن تصبح ثابتة في الأذهان".لكل بلد مطبخ خاص بها و هو جزء لا يتجزأ من تراثها و هويتها.
لماذا المطبخ المصري غير موثق بمنظمة اليونيسكو!
هل يعقل أن...
Posted by توثيق المطبخ المصري on Monday, 11 May 2020
وتتابع عبد القادر: "شعرت أنه يجب أن تكون من ضمن أولوياتنا كمصريين مهتمين بالمطبخ، أن نكشف حقيقة تلك المفاهيم. والحقيقة أنني لم أتوقع أن أجد أحداً مهتماً بمعرفة تاريخ المطبخ المصري، والبحث والاطلاع على المصادر والوثائق التاريخية، لكنني فوجئت أن الصفحة تنتشر وتحصد إعجاب الآلاف في وقت يعتبر قصيراً".
ما تندهش له عبد القادر هو إصرار بعض الصحف المصرية والتابعة للدولة على أن بعض المأكولات غير مصرية، دون مجهود أو بحث وتدقيق تاريخي، وكأن الصحف المصرية تشارك في الترويج لمحو تاريخ المطبخ المصري.
ما تندهش له سميرة هو إصرار بعض مواقع الصحف المصرية على أن بعض المأكولات غير مصرية، دون مجهود أو بحث وتدقيق تاريخي، وكأن الصحف المصرية تشارك في الترويج لمحو تاريخ المطبخ المصري
تقول عبد القادر: "أول رد أحصل عليه بعد كل منشور يوثق لطبق مصري، أجد أحدهم وضع لي رابطاً من جريدة مصرية ويقول لي: إذا كانت جرائدكم هي التي قالت هذا الكلام، العجيب في الأمر أنه ليس هناك أي اهتمام رسمي بالرد على هذه الأكاذيب وتصحيحها، بالرغم أن التراث والخصوصية التاريخية لأي وطن ليس مجالاً للمجاملة، وهناك دول ترفع قضايا أمام المؤسسات الدولية لحفظ تراثها، فالطعام هنا ليس مجرد طعام بل هو تاريخ وهوية".
وتقول عبد القادر، في حديثها لرصيف22: "طبعاً هذا الإهمال لم يمر بدون نتائج، فمثلاً اليابان نجحت في توثيق الملوخية كأكلة يابانية منذ 10 سنوات فقط، وطورتها لأصناف كثيرة جداً، منها المجفف أو إدخالها في السوشي، الشوربة أو تحويلها لأعشاب علاجية، وتم توثيقها في اليونسكو، رغم أنها موجودة في مصر ويتم طبخها منذ آلاف السنين".
احتقار الذات
وتتابع سميرة آسفة، فتقول: "كل هذا يحدث رغم أن المصريين القدماء كانوا عباقرة وسابقين لزمانهم في شتى المجالات، على رأسها المطبخ، فالنبات الواحد كانوا يستغلونه في عشرات الأصناف المختلفة، فمثلاً الملوخية، كانوا يوظفونها في الحلويات والمشروبات إلى جانب الأكلات المطبوخة، واليابان سارت على هذا المنهج، كما وضحت من قبل".
"في كتاب وصف مصر المكون من 20 مجلداً، والذي ضم ملحوظات العلماء الفرنسيين الذين اصطحبهم نابليون بونابرت إبان الحملة الفرنسية على مصر، نجد هؤلاء العلماء مهتمين بالمطبخ المصري، وبكل كبيرة وصغيرة فيه، وأبسط مثال الحلويات الشرقية والتي يتخيل البعض أن نسبها يعود لتركيا أو بلاد الشام، ولكن على حسب ما ورد في الكتاب، فإن أصلها مصري".وترى عبد القادر "أن هناك عاملاً نفسياً يتدخل في الحالة التي نشهدها من نسب المأكولات المصرية لمطابخ أخرى، أعتقد انها احتقار للذات وتقليل من الحضارة المصرية. فالمصريون عندما يسافرون لبلاد أخرى، ويجدون أطباقاً مصرية منتشرة هناك وموجودة وبعضها تم تطويره، يتخيلون أن مصر هي التي أخذت تلك الأطباق من تلك الدول، ولا يتخيلون أبداً أن مصر هي المصدر".
"وكذلك من ضمن عوامل إهمال التراث المصري في مجال المطبخ والطعام، هو أنه ليس هناك أي مؤسسة أكاديمية تهتم بتدريس هذه العلوم، فأنا بشكل شخصي سألت وحاولت وبحثت بقدر الإمكان عن منفذ لدراسة تاريخ المطبخ المصري وخصائصه وأسراره ومراحل تطوره، لكن للأسف لم أجد، وأعتقد أن هذا سبب من ضمن عدة أسباب لعدم شهرة المطبخ المصري، والذي جعلنا كلما سافرنا إلى دولة عربية أو أجنبية، وصادفنا سلسلة مطاعم مصرية، على غرار سلسلة المطاعم التركية، اللبنانية أو السورية، وحتى في أوروبا نجد المهتمين هم الأجانب وليس المصريين المقيمين هناك".
"كنت أتناقش مع بعض الأشخاص حول لماذا لا نجد في البلاد العربية سلسلة مطاعم مصرية؟ فأجابوني بأن المطبخ المصري فقير وأنه "بتاع الناس الغلابة"، ليس فيه سوى الفول والفلافل والكشري"
تستطرد سميرة فتقول: "عندما بدأت بالتعمق بقراءة تاريخ المطبخ المصري، فوجئت بعدد من الأطباق العالمية ذات الأصل المصري، منها أنواع جبن، مثل جبن الفيتا المعروفة بأنها رومانية، ولكن هناك مراجع تاريخية تؤكد أن قدماء المصريين اكتشفوا نوعاً من أنواع الجبن الحمضي المذاق ورجحوا أنها جبن الفيتا، كذلك الفطائر، فقدماء المصريين هم أول من اكتشفوا التخمير، وهم أول من شكلوا وصنعوا الفطير بأشكاله المختلفة، والمصريون منذ آلاف السنين تفننوا في تشكيل العجين، وكان عندهم السميك والرقيق والتي تشكل كالسمبوسك، وكذلك التوست، فقد لجأ المصريون لتحميص الخبز للحفاظ عليه وتخزينه أطول فترة ممكنة، ولذلك فقد نلاحظ أن التوست الفرنسي يشبه كثيراً الفايش المعروف في صعيد مصر".
وتنهي عبد القادر حديثها لرصيف22 قائلة: "لذلك وبعد كل هذا، يصبح ادعاء أي أحد بأن المطبخ المصري فقير، حتى من المصريين نفسهم، هو ظاهرة غريبة جداً. وأتذكر موقفاً عندما كنت أتناقش مع بعض الأشخاص حول لماذا لا نجد في البلاد العربية سلسلة مطاعم مصرية؟ فأجابوني بأن المطبخ المصري فقير وأنه (بتاع الناس الغلابة)، ليس فيه سوى الفول والفلافل والكشري".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع