بعد نحو شهر من الكشف عن "جريمة الفيرمونت" التي تعرضت فيها فتاة لاغتصاب جماعي في فندق الفيرمونت في القاهرة، أعلنت النيابة العامة المصرية "ضبط المتهمين في واقعة التعدي على فتاة بفندق فيرمونت عام 2014 ووضعهم على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول، لاستجوابهم في ما هو منسوب إليهم"، بحسب بيان النيابة العامة.
جاء هذا الإعلان بعدما ضجّت مواقع التواصل خلال الشهر الماضي بالقضية التي باتت تُعرف إعلامياً بـ"جريمة الفيرمونت"، والتي انطلقت شُعلتها من حساب "AssaultPolice" (شرطة الاعتداءات) الذي ساهم بشكل كبير في إيقاف المُعتدي المصري أحمد بسّام زكي، وشجّع الضحايا على مشاركة قصصهنّ.
يعود الحساب إلى طالبة في الجامعة الأمريكية في القاهرة، تُدعى نادين أشرف، كشفت عن هويتها أخيراً، ولا تزال تساعد ضحايا الاعتداءات الجنسية على أمل أن ينال كل مجرم عقابه. وشاركت في فضح المعتدين نخبة من الشخصيات العامة والناشطات والناشطين في مجال حقوق الإنسان في مصر، منها صباح خضير وفضيلة خالد وشرين عرفة ورضوى الشربيني.
وأعلنت أشرف أخيراً بدء حملة جديدة دعت فيها ضحايا التحرش الجنسي في المدارس إلى الإفصاح عن تجاربهنّ وفضح المتهمين.
وكان الحساب قد كشف عن تفاصيل "جريمة الفيرمونت" في تموز/يوليو كالآتي: "تكملةً للجرائم التي نسمع عنها في هذه الفترة من الطبقة الغنية في مصر، السلطوية الذكورية… جريمة الفيرمونت. هي واقعة حصلت عام 2014. مجموعة من سبعة شباب ذوي نفوذ كبير، وضعوا مخدّراً لفتاة بمشروبها خلال حفلة، ثم اصطحبوها إلى إحدى غرف الفندق، واغتصبوها بالتناوب، كما صوّروا الاعتداء وهم يتفاخرون به، ثم وقّعوا أسماءهم على مؤخرتها".
في الرابع من آب/أغسطس، خاطب المجلس القومي للمرأة النيابة العامة، وأرسل إليها شكوى رسمية من الفتاة المتعدى عليها، مرفقاً بها بضع شهادات. وفي اليوم التالي، أمر النائب العام المستشار حماده الصاوي بالفحص وبدء التحقيق قضائياً. وبعد نحو 20 يوماً (24 آب/أغسطس)، أمر النائب العام بالقبض على المتهمين ووضعهم على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول.
ولكن...
برغم هذه الخطوة الإيجابية، هناك من اعترض على صيغة خبر إعلان النيابة العامة على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبار أن ما شهدته فتاة الفيرمونت هو "اغتصاب جماعي" وليس مجرد "اعتداء". علقت نهى الأستاذ، وهي أول سيدة في مصر تحصل على حكم قضائي يدين رجلاً في قضية تحرش جنسي: "خطوة متأخرة جداً على الطريق الصحيح بس هو مسموش تعدي، اسمه اغتصاب جماعي. يتهيأ لي أنتوا بتعرفوا أهمية دقة التعريف أكتر من أي حد".
واعترضت سيدة أخرى على التأخر في الإجراءات، لافتةً إلى أن المتهمين لا بد أنهم هربوا، إذ علّقت على منشور النيابة العامة على انستغرام: "يعني هو شكراً إنكوا واقفين معانا بس معلش أنتوا لسا فاكرين تطلعوا قرار زي ده دلوقتي؟ ما كله هرب واللي هرب أكيد مش هنستناه يرجع. أنتوا بتسكتونا وخلاص؟".
"ما كلّه هرب واللي هرب أكيد مش هنستناه يرجع. أنتوا بتسكتونا وخلاص؟"... الغضب لم ينتهِ مما يتصل بالاغتصاب الجماعي في فندق فيرمونت
"لا أتبنى عنوان التحقيق المضلل"
ثورة النساء ضد العنف الجنسي لا تزال مستمرة في مصر. أسماء عديدة تكشفت منذ فضح الشاب المصري أحمد بسّام زكي، الذي نشر حساب "AssaultPolice" أكثر من 90 شهادة (اغتصاب وتحرّش وابتزاز إلكتروني) خاصة به، أدت إلى توقيفه في نهاية المطاف.
آخر الأسماء التي ضجّت بها مواقع التواصل، ولم تزل، هو اسم الصحافي هشام علام المتهم بالتحرش والاغتصاب والاختطاف والعنف الجسدي و"استغلال صلاحياته كصحافي ومدرب ومحاضر في عدد من الجامعات والمؤسسات المصرية والإقليمية والدولية، ومدرب في نقابة الصحافيين المصرية".
في 17 آب/ أغسطس، اتهمت فتاة (لم تكشف عن هويتها)، عبر موقع "دفتر حكايات - المدونة"، شخصاً أوردت الحرف الأول من اسمه وكنيته "هـ.ع." ووصفته بأنه "صحافي استقصائي معروف يقدم تدريبات في مؤسسة صحافية مصرية مستقلة شهيرة"، استدرجها إلى مكان مجهول وحاول اغتصابها قبل تسع سنوات، ثم توالت الشهادات.
دفاعاً عن النفس، كتب علام أن الاتهامات الموجهة إليه ليست إلا "حملة ممنهجة". وأطلق فيديو عبر قناته على يوتيوب عنوانه "كيف تغتال صحافياً" يضرب فيه صدقية الشهادات التي نُشرت على "دفتر حكايات - المدونة" وكيف تتم فبركة أي شهادة تُرسل إلى الموقع.
وشاركت في فيديو علام صحافية سورية، تدعى راما ديب، تلقت سيلاً من الانتقادات، منها تعليق للصحافية لونا صفوان، مما قالته فيه: "ليه نحنا كنساء بدنا نساهم بتلميع صورة رجل متهم بالتحرش؟ ليه ما هوي بنفسه بيشتغل هالشغل؟ ليه استخدم صوتك وإلقائك؟ ليه استخدمك انتي وصحفية تانية كنساء؟ هوي عارف منيح إنو إنتو حتنحطوا بالواجهة وإنو نحنا كصحفيات نساء حننجرح منكن أكتر من أيا حدا وإنو حيصير في هجوم كمان عليكن من الجميع. مجرد استخدامو واستغلاله إلكن بيعكس عدم احترامه للمرأة لأنو سمح لنفسه يزجّ فيكن بقلب القصة".
وأوضحت ديب في منشور مطوّل:
"نقاط للتوضيح بعد نشر التحقيق الخاص بمدونة 'دفتر حكايات':
أولاً، لا أتبنى عنوان التحقيق المضلل، والذي لا يمكن التحقيق إثباته، كما لا أتبنى السياق التحريري للتحقيق، ولم يكن لي دور في كتابته أو صياغته أو تحريره، إنما اقتصر دوري على مراسلة المدونة بناء على طلب من صحافيين مصريين أبلغوني أنهم يعملون على تحقيق يخص المدونة، ولم أطلع على محتوى الفيديو وطريقة تحريره إلا بعد نشره.
ثانياً، مضمون التحقيق وغايته فقط التحقق من مدى مصداقية ومهنية المدونة التي نشرت الشهادات، والطعن في مصداقية المنصة لا يعني الطعن بصحة الشهادات الأخرى التي قد تكون صحيحة.
ثالثاً، التحقق من صحة الاتهامات الموجهة للصحافي هشام أو نفيها يحتاج نوعاً مختلفاً من التحقيقات.
وأؤكد تضامني مع كل ضحايا التحرش والعنف، بما فيهن صاحبات الشهادات في حال كانت شهاداتهن صحيحة، ولا يمكن منطقياً أو مهنياً استغلال تحقيقنا لنفي صحتها.
أكرر أن التحقيق لا يبرىء الصحافي هشام كما أنه لا يثبت ما نُسب إليه، وأي توجيه بهذا الاتجاه هو تضليل للحقيقة، ليس لي دور فيه، وتوجيه غير مهني للجزء الذي قمت به، وأعتذر من زميلاتي وزملائي لأنني شاركت في تحقيق تم إنتاجه بطريقة مضللة".
بعد أقل من أسبوع على تقدمه ببلاغ إلى إدارة مكافحة الحاسبات ضد مدونة دفتر حكايات "للتحقق من وجود شهادات ضد علام من عدمه"... محامي هشام علّام ينسحب من هيئة الدفاع عنه لـ"أسباب خاصة"
لماذا تتستّر الضحية على هويتها؟
تعليقاً على ردّ علّام المكتوب أو الفيديو، كتبت الصحافية اللبنانية مايا العمّار في "خطيرة" أنها وجدت فيهما "صورة مصغّرة عن أنظمتنا التي تكذّبنا بأي ثمن، والنموذج المعتاد للمتّهم الذي يقرّر أن يغدو هو الضحيّة ويُحوّل تهمة الإساءة إلى مجرّد 'واقعة مزعومة'".
وأضافت: "دعاوى النساء لا تجهز أبداً، أما دعاوى التشهير فدائمة الجهوزيّة"، لافتةً إلى أنه "يكفي أن نتأمّل ولو للحظة هذه المعادلة لنفهم أسباب عدم إقدام الكثير من النساء في عالمنا العربي على كشف هوياتهنّ والتزاحم أمام قصور العدل".
وخلصت إلى ضرورة "تصديق الشهادات حتّى إثبات عكسها، لا إلى تكذيب الشهادات حتّى إثبات صدقها".
انسحاب محاميه "لأسباب خاصة"
اللافت أن ياسر سيد أحمد، محامي علام، كتب بياناً مقتضباً على صفحته على فيسبوك قال فيه: "أنسحب من هيئة الدفاع عن الصحافي هشام علام لأسباب خاصة".
يأتي بيانه هذا بعد أقل من أسبوع على تقدمه ببلاغ إلى إدارة مكافحة الحاسبات ضد مدونة دفتر حكايات "للتحقق من وجود شهادات ضد علام من عدمه، والإفصاح عن هوية أصحابها لملاحقتهم قضائياً أمام جهات التحقيق".
وفيما علّقت عدة مؤسسات صحافية تعاونها مع علام، دعا المجلس القومي للمرأة الفتيات إلى تقديم بلاغات للنيابة العامة، معرباً عن استعداد مكتب شكاوى المرأة لتقديم الدعم القانوني والنفسي اللازم لهن، مع الحرص على سرية جميع البيانات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...