يعتقد عدد كبير من سكّان هذه المنطقة الغارقة في مستنقع الدين والعادات والتقاليد، أنّ الاغتصاب ليس شائعاً في بلدانهم، كما تدّعي وسائل الإعلام الّتي تهدف إلى هدم عاداتنا الجميلة وموروثنا الرائع. في الحقيقة، إذا سألنا الناس في الشارع ماذا تعرفون عن الاغتصاب؟ سيكون جوابهم معلّباً جاهزاً، مستوحى مما تعلّموه وتأثروا به في الموروث المجتمعي والديني: الاغتصاب هو اعتداءٌ جنسيٌّ من قِبَل الرجل على المرأة، "أسبابه معروفة، فالرجل لا يستطيع أن يسيطر على شهوته أمام امرأة جميلة، تلبس فستاناً قصيراً!، الرجل لا يستطيع أن يكبح رغباته الفطريّة أمام امرأة تبتسم له وتغريه!".
يقع الحقّ على المرأة دائماً، لأن الرجل كما هو معروف في نظر هذه العقليات الذكوريّة، يمتلك رغبةً جنسيّةً جامحةً، على المرأة أن تتداركها وذلك بارتدائها ملابس محتشمة، كما عليها ألّا تبتسم للرجال، وإن استطاعت، أن تنظر إلى الأرض وهي تمشي! أمّا التعريف الحقيقي لكلمة اغتصاب، فهو الاعتداء الجنسي على شخص (ذكر أو أنثى) من دون موافقته، يمكن تنفيذ هذا الفعل بالقوّة البدنيّة، أو استخدام سلطة أو مركز معيّنين للسيطرة على الضحية، وذلك ضدّ شخص غير واعي أو عاجز عن المقاومة.
ليس بالضرورة أن يكون المعتدي رجلاً
تدّعي المجتمعات العربيّة الذي يتعلّق جزء كبير منها حتى هذه اللحظة بكتبٍ باليةٍ أكل عليها الدهر وشرب، أنهم يعرفون كلّ شيء، فكلّ التساؤلات والمشاكل يمكن أن نجد لها حلولاً في هذه الكتب الّتي تحدثت عن كل شاردة وواردة، ومع هذا، يعجزون عن إدراك أبسط الأمور فيما يتعلّق بالاعتداء الجنسي.
أوّلاً، ليس بالضرورة أن يكون المعتدي رجلاً، فقد شاهدنا حالات كثيرة، تقوم بها امرأة بالاعتداء على رجلٍ أو قاصرٍ. هذا الأمر لا يحدث فقط في أمريكا وأوروبا، كما يعتقد البعض، لكننا نسمع عن هذه الحالات عبر وسائل الإعلام الأجنبيّة، لأن الضحيّة تُبلّغ عن الاعتداء، أمّا عندنا، فيخجل الشاب من التبليغ، لأنّه يخجل من نظرة المجتمع له، فهو بنظرهم ضعيف، ومنهم من يعتقد أن على الرجل المُعتدى عليه، أن يفرح ويفتخر، فهو مرغوب جنسيّاً من قبل امرأة تكبره في السن، وهذا يُعتبر خبرة جنسيّة عليه الاستفادة منها.
ثانياً، الضحية ليست متواطئة بأيِّ شكل من الأشكال، واعتقادكم أيها الشعب الحنون والمؤمن، أنّه كان بإمكانها المقاومة لو لم تكن ترغب بأن يغتصبها، تفكير أقلّ ما يقال عنه أنه وسخ، كالتفكير المحصور بالأعضاء التناسليّة.
لا علاقة للباس المرأة بعمليّة التحرّش أو الاغتصاب
ثالثاً، لا علاقة للباس المرأة بعمليّة التحرّش أو الاغتصاب. حيث أثبتت أغلب الدراسات، ومنها دراسة أجرتها وكالة رويترز أنّ التحرّش الجنسي بالنساء العاملات في السعودية جاء في المرتبة الثالثة، بحيث وصل التحرّش بالعاملات إلى نسبة 24%، وهي نسبة أعلى بكثير من نسبة التحرّش في البلاد الغربيّة، علماً أن المرأة في السعوديّة تغطّي جسدها بالكامل، فقد بلغ التحرّش في ألمانيا 5%، وفي بريطانيا 4%، وفي إسبانيا 6%، أما السويد فقد احتلّت المرتبة الأخيرة بنسبة لا تزيد على 3%، وفي مصر بلغت نسب التحرّش بالنساء 99%، وهي من الدول التي أغلبية النساء فيها يرتدين الحجاب.
رابعاً وأخيراً، فإن أغلب عمليات الاغتصاب تحدث من أقرب الناس إلى الضحيّة، فهي ليست كالتحرّش في الشارع، بل هي تحدث في البيوت ومع أقرب الناس، كالأب والأخ والزوج والجدّ إلخ.. وبالتالي، تشعر الضحيّة بالخجل والذنب ولا تبلّغ عن المجرم.
يقع الحقّ على المرأة دائماً، لأن الرجل كما هو معروف في نظر العقليات الذكوريّة، يمتلك رغبةً جنسيّةً جامحةً، على المرأة أن تتداركها وذلك بارتدائها ملابس محتشمة، كما عليها ألّا تبتسم للرجال، وإن استطاعت، أن تنظر إلى الأرض وهي تمشي!
الضحية ليست متواطئة بأيِّ شكل من الأشكال، واعتقادكم أيها الشعب الحنون والمؤمن، أنّه كان بإمكانها المقاومة لو لم تكن ترغب بأن يغتصبها، تفكير أقلّ ما يقال عنه أنه وسخ، كالتفكير المحصور بالأعضاء التناسليّة.
في زمن مواقع التواصل والإنترنت السريع، على العقليات في هذه المنطقة أن يُدركوا أن بعض المفاهيمهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، لم تعد مناسبة في القرن الواحد والعشرين، والكتب التي يعتبرونها مرجعاً مقدّساً، يعتبرها بعض علماء النفس في الدول الغربيّة من نوع الخيال غير العلمي، كما يعتبرها البعض منهم كروايات عبير، مليئة بالأوهام والجنس الذكوري والمعلومات الخاطئة.
معاً لوضع قوانين صارمة لمحاربة الاغتصاب، معاً لتغيير الكتب التعليميّة وتطوير الفكر الديني والموروث الشعبي الذكوري الذي يضع اللوم على الضحيّة، ويبرّر للمغتصب أعماله الشنيعة، فلنركب قطار التمدّن والتطوّر، ولنقرأ في علم النفس الحديث، ولنتخلَّ عن أفكارٍ لم تعد تصلح في عصر الإنترنت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون