شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
لماذا أشكّك في اتهامات السلطة المغربية لمعارضين بالتحرش الجنسي؟

لماذا أشكّك في اتهامات السلطة المغربية لمعارضين بالتحرش الجنسي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 27 أغسطس 202001:36 م

في 29 تموز/ يوليو الماضي، اعتقلت السلطات المغربية الصحفي عمر الراضي، بعد تحقيق استمر أكثر من شهر، بدعوى تعاونه مع وكالة استخبارات أجنبية. أعلنت النيابة العامة يوم اعتقاله، أن الصحفي عمر الراضي يواجه أيضاً تهمة الاغتصاب. الراضي واحد من العديد من الصحفيين المستقلين الذين وجهت لهم السلطة المغربية تهمة الاعتداء الجنسي.

قد يكون من المفاجئ أنني، بصفتي امرأة مغربية عانت من الواقع الحقيقي والمؤلم للتحرش الجنسي في المغرب، أشكك في هذه الاتهامات. وفي حين أن الاعتداء الجنسي والاغتصاب، كيفما كان نوعه، أمر بغيض ويستحق دائماً تحقيقاً جاداً، إلا أن هناك سبباً وجيهاً للاعتقاد بأن مثل هذه الادعاءات يتم استغلالها لأغراض سياسية. لماذا؟ لأنني عشت هذه التجربة بنفسي.

قد يكون من المفاجئ أنني، بصفتي امرأة مغربية عانت من الواقع الحقيقي والمؤلم للتحرش الجنسي في المغرب، أشكك في هذه الاتهامات.

انقلبت حياتي رأساً على عقب يوم 24 شباط/ فبراير 2018، عندما تلقيتُ مكالمة من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تستدعيني للاستجواب، بعد اعتقال الصحفي توفيق بوعشرين، وهو رئيس تحرير الجريدة اليومية المستقلة "أخبار اليوم". خلال أكثر من ثماني ساعات، ضغط الضباط المحققون عليّ بقوة "لأعترف" بأن بوعشرين قد اعتدى عليّ جنسياً. أقول "أعترف" لأنه، من تلك اللحظة فصاعداً، كان من الواضح أنني إذا رفضت الامتثال لرواية السلطة بأني "ضحية"، فسوف أواجه مصير "المجرمين".

كان ذلك اليوم بمثابة البداية لسلسلة من الأحداث الصادمة. بعد أيام من الاستجواب، لم أكتشف فقط أن الشرطة قد زوّرت تصريحاتي، بل رأيت أيضاً أن مقتطفات من شهادتي المزعومة قد تسربت إلى وسائل الإعلام الموالية للسلطة. رداً على هذا التعسف الجسيم الذي نالني من عند السلطة، تقدمتُ بشكوى بطعن في المحاضر بالزور، لدى محكمة النقض في الرباط.

بعد ذلك بقليل، قادتني الشرطة، دون إبراز أي مذكرة، من منزلي، بعد أن طوقت المبنى بعدد من رجال الأمن. أحضرتني الشرطة مباشرة إلى المحكمة، حيث استجوبني وكيل الملك لعدة ساعات، وأصر طوال الوقت على أنني أنا من زور الشهادة. في وقت لاحق من ذلك اليوم، عقد وكيل الملك ندوة صحفية حيث عرض فيديو صامت من استنطاقي الأول، فيديو لم أكن على علم أنه تم تسجيله، ثم تم أيضاً تضمين لقطات شاشة Screenshots لهذا الفيديو في مقالات حول قضيتي، نشرتها وسائل إعلام موالية للسلطة.

 في حين أن الاعتداء الجنسي والاغتصاب، كيفما كان نوعه، أمر بغيض ويستحق دائماً تحقيقاً جاداً، إلا أن هناك سبباً وجيهاً للاعتقاد بأن مثل هذه الادعاءات يتم استغلالها لأغراض سياسية. لماذا؟ لأنني عشت هذه التجربة بنفسي

بعد ذلك مباشرة، أعلن وكيل الملك أنه يتهمني بالتشهير والإدلاء بشهادة زور. وفي وقت قياسي، حُكم عليّ بالسجن ستة أشهر، دون أن يتمكن محاميّ من الترافع والدفاع عني، ورغم أنني تقدمت بطلب استئناف، أيدت المحكمة الحكم الابتدائي الصادر بحقّي.

خلال هذه القضية برمتها، والتي بلغت ذروتها مع إدانة بوعشرين والحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً، تحملت أشكالاً متعددة من المضايقات والتعذيب النفسي. بالإضافة إلى ساعات طويلة من الاستجواب، اقتحمت السلطات منزل صديقتي بشكل غير قانوني، وقطعت عنه الماء والكهرباء. لقد تعرضتُ باستمرار للمضايقات والتشهير من وسائل الإعلام الموالية للسلطة، والتي تحولت في نفس الوقت، من التعاطف معي كضحية مزعومة لاعتداء جنسي، إلى إهانتي الشخصية بمقالات تشهيرية، ووصفي بأنني مجرمة. وصل بهم الأمر في إحدى المقالات، إلى حد الزعم بأنني أعاني من متلازمة ستوكهولم، بينما زعم محامو ضحايا بوعشرين المزعومات، زوراً، أنني شاركت في شريط فيديو إباحي.

لم أشعر في أي وقت خلال هذه المحنة بأن هناك من يساندني، ولم أصدق ولو لحظة واحدة أن السلطة المغربية كانت تتصرف لمصلحتي. على العكس من ذلك، وجدت نفسي غارقة في مساطر قانونية مزيفة حرمتني من كرامتي وخصوصيتي. في ظل هذه الظروف، انتهى بي المطاف بأن أقرر الفرار من بلدي الأم، والبحث عن ملجأ في تونس، بعيداً عن أسرتي وأحبائي.

إن السلطة المغربية التي تزعم أنها تدافع عن ضحايا الاعتداء الجنسي، أخضعت هاجر الريسوني لفحص طبي قسري عنيف لتوجيه تهم الإجهاض إليها

بعد أكثر من عامين، لا يزال بوعشرين في السجن بتهمة الاعتداء الجنسي. قبل اعتقال عمر الراضي، اعتقلت السلطات الصحفي سليمان الريسوني، بسبب مزاعم الاعتداء الجنسي في أيار/ مايو 2020. لم يكن سليمان الريسوني زميلاً سابقاً لبوعشرين في أخبار اليوم فحسب، بل هو عم الصحفية هاجر الريسوني، التي اعتقلتها السلطات العام الماضي بدعوى الإجهاض وإقامة علاقة خارج نطاق الزواج (كلاهما يعتبر جريمة بموجب القانون المغربي). إن السلطة المغربية التي تزعم أنها تدافع عن ضحايا الاعتداء الجنسي، أخضعت هاجر الريسوني لفحص طبي قسري عنيف لتوجيه تهم الإجهاض إليها.

تماماً مثل بوعشرين، استُهدف عمر الراضي من طرف السلطات قبل فترة طويلة من اعتقاله بتهمة الاغتصاب. في كانون الثاني/ ديسمبر الماضي، تم اعتقال الراضي أول مرة، ووجهت إليه تهمة بناء على تغريدة بتويتر. وقبل اعتقاله من جديد الشهر الماضي، كشفت منظمة العفو الدولية أن الراضي كان قد استُهدف أيضاً ببرامج تجسس على الهاتف تم تطويرها من طرف شركة NSO، والتي لا يمكن اقتناؤها إلا من طرف الحكومات.

إن الاعتداء الجنسي، كما هو الحال في أي مكان آخر في العالم، لا يزال حقيقة مؤسفة في المغرب. مع ذلك، ومن خلال استهداف الصحفيين المستقلين بشكل انتقائي، ترسل السلطة رسالة مقلقة إلى الضحايا، مفادها أن المزاعم الوحيدة التي ترغب في أخذها على محمل الجد هي - بالصدفة - ضد أشد منتقدي النظام، وهذا لا يتفّه قضايا الاعتداء الجنسي فحسب، بل إنه ينذر بمستقبل مقلق لحرية الصحافة في المغرب.

نُشر المقال أيضاً باللغة الإنجليزية في صحيفة "واشنطن بوست".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard