أطلقَت الناشطة المقيمة في ولاية نيويورك الأمريكية ناظمة خان اليوم العالمي للحجاب عام 2013، وذلك بعد تعرّضها للكثير من المضايقات بسبب ارتدائها له. كل عام، في الأول من شباط/ فبراير، يُحيى هذا اليوم من أجل كسر الصور النمطية حول الحجاب، إذ يَعتبر كثيرون، خاصة في الغرب، أن النساء المحجبات مضطهَدات وسجينات.
وُلدتُ في بيئة مسلمة تفرض الحجاب على الفتيات في سنّ التاسعة، وسمعت مراراً مَن يقول إنّ على الأهل فرضه على بناتهم باكراً لأنه لا يمكن ترك الأمر لهنّ حتى يكبرن، فربّما لن يقتنعن بارتدائه، وعندها سيتحمّل الأهل "إثمهنّ" يوم الحساب، ولذلك من الأفضل أن يحصل الأمر في وقت مبكر من عمر الفتاة.
وهناك الكثير من الأساليب التي تشجّع الطفلات على القيام بهذا الأمر بسعادة تامّة، منها الهدايا وحفلات التكليف. والأخيرة هي عبارة عن حفلات يمكن تشبيهها بأنها عرس صغير تُراعى فيه "الضوابط الشرعية"، ويشارك فيها أعضاء العائلة والأصدقاء، ويقدّمون للمحتفى بارتدائها الحجاب الهدايا والتبريكات، وينتهي الطقس بارتدائها الحجاب مع ما يعنيه من انتقالها من عمر المراهقة إلى سنّ الرشد.
تترسّخ عبر التربية اليومية في المنازل المحافِظة وفي عدد كبير من المدارس، خاصة تلك المرتبطة بأحزاب وجماعات إسلامية، فكرة أن الفتاة المحجبة فتاة صالحة، تتفوّق في أخلاقها على غير المحجبات.
لكن ماذا إذا قررت فتاة محجبة خلع حجابها في ما بعد، وعن قناعة تامة؟ ولماذا يعتبر الجميع أن هذا الشأن شأنه، علماً أنه قرار خاص؟
الحجاب كـ"قضية نسوية"
تروي شاهة هاشم (26 سنة)، وتدرس الطبّ في الجامعة اللبنانية، لرصيف22 أنها ارتدت الحجاب في سنّ العاشرة، وبقرار شخصي منها من دون أي ضغوطات عائلية.
كانت المحجبة الوحيدة بين شقيقاتها الأربع، وبقيت محجبة طوال 12 عاماً. كانت شديدة الإيمان في مراهقتها ورغم ذلك لم تعتبر أن الحجاب واجباً دينياً، لكنها استمرت بارتدائه، ولم تقرر خلعه خوفاً من إزعاج أمها، ومن ضغط المجتمع الذي سيطال والدتها كونها أماً أرملة مسؤولة لوحدها عن بناتها.
عن مراحل تغيّر تفكيرها في المسألة، تقول: "عام 2015 كان جذرياً بالنسبة إليّ"، وتضيف: "في يوم عادي شعرت أن داخلي لا يشبه خارجي، وأن شكلي غريب جداً، ولا يتلاءم مع التغييرات الفكرية التي حدثت معي. أردت أن أكون حقيقية أكثر مع نفسي ومع محيطي. أيقنت بين ليلة وضحاها زيف وجوده على رأسي وقررت خلعه، وخضت جدالاً صعباً مع أمي".
اتخذت قرارها وخلعت حجابها. وعن ذلك تقول: "لم أشعر بشيء مختلف، كان شعوراً جميلاً أن أكون نفسي. وما زلت حتى الآن أشعر بالفخر والفرح بعد قيامي بهذه الخطوة المفصلية، ليس لمضمونها السطحي القائم على نوع وشكل ثيابي، إنّما لجرأتي كامرأة فعَلَت شيئاً جريئاً أرادته، غير مكترثة للمجتمع الذي يظن، وإنْ أنكر، أنّه قوّام عليّ. "
شعرت شاهة أنها تحررت من الخوف ومن آراء الآخرين، منفتحين كانوا أم محافظين. كان إنجازاً أهدته لنفسها. لم تكترث كثيراً للكلام من حولها، وأحسّت بالشفقة تجاه الذين حاولوا التدخل في أمر لا يفهمونه ولم يعيشوه.
"أصبحت أشبه نفسي أكثر، وأصبحت منسجمة مع قناعاتي بعد أن شعرت لفترة طويلة أن الفتاة التي أراها في المرآة لا تشبه حقيقتها"
تقيّم شاهة الأمر من منطلق نسوي بحت. "إنْ كان في ظاهره دينياً، إلا أننا كنساء نعلم أن الدين يلعب الدور الأقل أهمية، فلا نجد أحداً من أولئك الذين يبدون رأيهم بمظهرنا مع حجاب أو بدونه، يسألوننا عن صلاتنا أو عن أي طقوس دينية أخرى"، تقول، وتضيف: "جوهر الخلاف هو في كيفية ظهورنا في المجتمع. هناك نوع مقيت جداً من تهليل الناس لمظهر يفضّلونه هم، وليس تشجيعاً لما نريد أن نكونه، أو لحريتنا في أن نكون محجبات أو سافرات، سمينات، نحيفات، ذوات شعر قصير، طويل، متبرجات، قصيرات، إلخ".
"أحببت نفسي أكثر"
تعتبر جلنار فقيه (25 سنة)، وتدرس الهندسة المعمارية، أن خلعها للحجاب كان أمراً مفصلياً في حياتها، لأن ارتداءه شكّل ضغطاً نفسياً عليها، وأوصلها إلى مراحل جعلت علاقتها سيئة بجسدها، ما تسبّب بقلة ثقتها بنفسها، كون الحجاب يضطرها إلى إخفاء نفسها كلياً، ما يمنعها من أن تكون كباقي الفتيات اللواتي يرتدين ما يرغبهن فيه.
"بعد خلع الحجاب أحببت نفسي أكثر، وأبديت اهتماماً بمظهري، واسترجعت ثقتي بنفسي ما سمح لي بالانفتاح أكثر على الآخرين، بعد أن كنت انطوائية لفترة طويلة، لأنني تعرّضت لأحكام مسبقة بسبب حجابي. انسجمت مع نفسي بعد خلعي الحجاب، وذلك لأن شكلي الخارجي لم يعد متناقضاً مع طريقة تفكيري"، تقول لرصيف22.
ارتَدَت جلنار الحجاب بعمر الـ14، بقرار منها. تروي أنها تأثّرت بأجواء المدرسة الدينية التي فرضت نفسها عليها، ولكن عندما انتقلت إلى الجامعة واختلطت بأشخاص من بيئات مختلفة، تغيّرت أفكارها، وقامت بمراجعة للدين ولمفهوم الحجاب الذي أصبح بالنسبة إليها "هيمنة ذكورية تجاه المرأة"، وأصبحت غير مؤمنة به إطلاقاً.
عن ردّة فعل محيطها، تروي أن "خلع الحجاب في محيطي كان أمراً محرجاً". كانت من القليلات اللواتي بادرن نحو هذه الخطوة، وما ساعدها أن إيمان أهلها ليس متشدداً. رغم ذلك، غضب والدها في بداية الأمر وعارض خطوتها، أمّا أمها فاحترمت قرارها وتعاملت معه بإيجابية.
إذا كانت النساء المحجبات في المجتمعات الغربية يعانين بسبب حجابهن، وتُقمع حرية كثيرات منهنّ في ارتدائه، فإن مسألة الحجاب في المجتمعات الإسلامية تتجاوز كونه خياراً فردياً، في حالات كثيرة
نجحت جلنار في احتواء أمر التعليقات السلبية. لم تفسح المجال أمام أحد للحديث في الأمر. "أنا أحترم قراراتكم الشخصية، عليكم احترام قراري الشخصي"، تقول مشيرة إلى أنها تلقّت تبريكات وتشجيعاً من "أشخاص منفتحين" أكثر مما توقعت، وأنها تحترم كثيراً الأشخاص المتدينين الذين تعاطوا مع قرارها باحترام وإيجابية.
"خطوة نحو الاندماج"
تعتبر سارة (اسم مستعار) أن خلع الحجاب كان أيضاً أمراً مفصلياً في حياتها لأنه تزامن مع سفرها إلى فرنسا، حيث فئة لا بأس بها من المجتمع لا تتقبّل المحجبات وحيث يعانين لإيجاد أعمال جيّدة، وينظر إليهنّ كثيرون بغرابة في الأماكن العامة. "خلع الحجاب سهّل حياتي كثيراً"، تقول لرصيف22.
وتضيف: "لكن الأهم، أنني أصبحت أشبه نفسي أكثر، وأصبحت منسجمة مع قناعاتي بعد أن شعرت لفترة طويلة أن الفتاة التي أراها في المرآة لا تشبه حقيقتها".
ارتدت سارة الحجاب دون قناعة دينية راسخة، خاصة أن أهلها ليسوا متدينين جداً، لا بل رفضوا قرارها بارتداء الحجاب، لكنها كانت مراهقة وتأثرت بأجواء المدرسة التي انتقلت إليها، والتي يطغى عليها الطابع الديني. أرادت أن تتمثل بصديقاتها وأن تنتمي إلى المجموعة لأن كل مَن حولها محجبات، وأدركت دافع خطوتها لاحقاً.
تغيّرت قناعات سارة بعد ذهابها إلى الجامعة وبعد انخراطها في سوق العمل وانفتاحها على أناس مختلفين. ورغم ذلك لم تكن مقتنعة تماماً بأنها تريد خلع الحجاب، وعند قدوم موعد سفرها، قالت لنفسها "عم بلّش حياة جديدة، أو ببلشها كمحجبة أو كغير محجبة".
خلعت حجابها فور وصولها إلى المطار، وقبل تعرّفها على أول شخص في بلد جديد، وتؤكد أنها ليست نادمة على قرارها.
خاض والدا سارة معركة مواجهة تعليقات المجتمع عنها، كونها فتاة أولاً، وكون أفراد المجتمع يتصرّفون على أنهم مسؤولون عن تصرفاتها. أما هي، فاستطاعت أن تحتوي تعليقات البعض وأن تبتعد عن أسلوب التبرير الذي اتّبعه أهلها.
أغلب التعليقات التي سمعتها كانت على شكل "كتير مغيرة"، "عاملة نيو لوك"، "كنتِ أحلى"...
تتعرض النساء للتمييز في الحقوق والواجبات، وتُقيَّد حرياتهنّ بذريعة الحفاظ على الشرف والسمعة، وهذا التمييز دائماً ما يضع النساء في محلّ إخضاع وتقييم دائمين، إذ يرتبط وجودهن في الفضاء العام بمعايير يجب مراعاتها، وأي قرار شخصي مخالف لذلك يتخذنه يتعرّض لمساءلة المجتمع كلّه.
وإذا كانت النساء المحجبات في المجتمعات الغربية يعانين بسبب حجابهن، وتُقمع حرية كثيرات منهنّ في ارتدائه، فإن مسألة الحجاب في المجتمعات الإسلامية تتجاوز كونه خياراً فردياً، في حالات كثيرة.
كثيراً ما تتعرّض الفتيات في بلادنا لضغوط اجتماعية من أجل ارتداء الحجاب، خاصةً في البيئات المحافظة. أما في الأنظمة الإسلامية، فإن نضال السعوديات والإيرانيات وغيرهن لكسب حقهنّ بحرية خلع الحجاب لا يزال مستمراً، وتدفع رافضات الحجاب ثمن خياراتهن عبر تعرّضهنّ للاعتقال والاعتداءات في الأماكن العامة وأساليب قمع مختلفة، وقد يُقتلن أو يُدعى إلى قتلهنّ.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع