شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"شكراً كورونا"... تونسيون يتزوجون في الغابات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 20 يونيو 202005:32 م

في طريقك إلى مدينة عين دراهم، شمالي غربي تونس، تأسرك، داخل غابات الزان العملاقة، صورة غريبة لحفل زفاف يمكن اعتباره استثنائياً بكل المقاييس، بالنظر إلى إطاره الزماني والمكاني، إضافة إلى ميزته الخاصة، التي تقطع مع ما هو سائد وما تمليه العادات والتقاليد بالمنطقة.

ففي تلك المناطق لا يوجد إلا خياران أمام العروسين، إما أن يقام الزواج في المنزل أو في إحدى قاعات الأفراح، إلا أن ظروف الحجر الصحي التي تمر بها البلاد جراء تفشي فيروس كورونا، دفع شباب إلى ابتكار أساليب وطرق أخرى لا تشكل خطراً على صحتهم، ولعل إقامة حفلات الزواج في الفضاء الطلق ورائحة الغابات المنعشة أفضل ما وقع عليه الاختيار.

الهروب إلى حضن الطبيعة يبدو خياراً صائباً، لما تتميز به تلك المناطق من لوحات فنية فريدة، فهي ملاذ آمن للابتعاد عن صخب الحياة العصرية والعودة إلى الجذور، لما توفره هذه الأماكن من راحة نفسية، وفرصة للتخلص من القلق والإجهاد.

وتتميز مدينة عين دراهم التابعة لمحافظة جندوبة، التي تبعد 180 كلم عن العاصمة، وتقع على ارتفاع 1000 متر فوق سطح البحر، بموقع استراتيجي، بسبب قربها من الجارة الجزائر، وارتباطها بمدينة طبرقة السياحية.

"الروتين يؤذينا"

يقول منذر حامدي (30 عاماً)، صاحب فكرة مشروع إنشاء حفلات الزفاف في غابات عين دراهم: "أكثر ما يضرّ الإنسان نفسياً وبدنياً هو الروتين الذي بات يطغى على حياة الجميع اليومية، وحتى خلال المناسبات والأفراح، وهو ما يدفعنا للبحث عن حلول لرسم البسمة على محيا العائلات، وتحقيق استثمار ناجح من الجانب العملي".

"أكثر ما يضرّ الإنسان نفسياً وبدنياً هو الروتين الذي بات يطغى على حياة الجميع اليومية، وحتى خلال المناسبات والأفراح"

ويضيف حامدي، الذي يعمل كمصور فوتوغرافي، أن الفكرة تم استنباطها منذ فترة، ويتم العمل عليها وتطويرها في كل مرة، بما يتماشى وطموحات الشباب الذي بات يبحث عن الجودة والجمال بأقل تكاليف مادية ممكنة.

وساهم تفشي فيروس كورونا في تضاعف الطلب على إقامة الحفلات بين أحضان الطبيعة، لتجنب التقارب داخل قاعات الأفراح واحترام التباعد الاجتماعي الذي تطالب به وزارة الصحة، بحسب حامدي.

"سئمت العائلات من قاعات الأفراح وصخبها، فهم بحاجة للفضاءات المفتوحة التي تبعث على الانشراح والأمل"، يضيف حامدي.

ويشير، الطبيب النفسي وسيم الدربالي، لرصيف22، إلى أن "مجرد التجول في الغابة، الاستماع إلى زقزقة العصافير والاستمتاع بالهدوء والسكينة، في حد ذاته دواء ينصح به الأطباء للعلاج من الاكتئاب والإدمان على الأجهزة الرقمية، فما بالك بلمة عائلية لإقامة فرحة العمر في هذه الأماكن الساحرة".

"حلم كل زوجين"

يتميز المكان الذي يقع تحديداً في الطريق الرابط بين مدينتي عين دراهم وبني مطير، بخضرته اليانعة، وأشجاره الطويلة التي تتراقص مع الهواء النقي، والعيون التي تنبع من عمق الجبال، والتي تستقطب المئات من المواطنين.

فريد التبيني، أحد المعجبين بهذه الفكرة، والذي يعتزم بدوره القيام بحفل زفافه الموسم القادم هناك، يؤكد أن مشهد عقد القران أمام خلفيّة مكوّنة من غابات الزان العملاقة والأشجار الخضراء المزدانة بورودها، حلم لكل زوجين يبحثان عن التجديد وحب المغامرة.

ويضع صاحب المشروع حوافز مادية مغرية لزبائنه، ما يشجع الجميع على مقاطعة قاعات الأفراح التي تضاعفت أثمانها، نتيجة الطلب المتزايد عليها في فصل الصيف، إضافة إلى تدني جودة خدماتها.

تقول سارة بوخريص، تعود أصولها إلى العاصمة تونس، إنها ستعمل على عقد قرانها مع حبيبها الفرنسي في منطقة "عين دراهم"، حيث تقول إن المنظر خلاب، والأجواء تكون رائعة ومفعمة بالبهجة، فما الذي يعوض منظر الجبال والشمس والأشجار الخضراء والنسيم العليل، وتضيف لرصيف22: "الزفاف في تلك الغابات لا يحتاج للكثير من المجهود، كما هو الحال مع حفلات الزفاف التقليدية".

التمرد على العادات

رغم الإغراءات التي يتسم بها حفل زفاف في الطبيعة من خلال جودة الخدمات، ربح الوقت والجهد والمال، إلا أن هناك من يعارض هذه الفكرة، ويعتبرها لا تتناسب والتقاليد التي تربينا عليها.

وليد السعيدي (29 عاماً)، يرفض تلك المظاهر في الاحتفالات، ويعتبرها "دخيلة" على عادات التونسيين، يقول لرصيف22: "التقليد الأعمى للغرب دفع شبابنا إلى اتباع خطوات غير خطواتهم، فالمظاهر الجديدة للزواج على شاطئ البحر أو بعض فضاءات الألعاب، وآخرها في الغابات، لا يمت لواقعنا بصلة، وهو ضرب من التقليد الممل".

"مشهد عقد القران أمام خلفيّة مكوّنة من غابات الزان العملاقة والأشجار الخضراء المزدانة بورودها، حلم لكل زوجين يبحثان عن التجديد وحب المغامرة"

ويدعم جلال رأي زميله وليد، حيث يشدد على أن الزواج التقليدي له رونق خاص وأجواء استثنائية خاصة عندما يكون في المنزل، حيث "تذبح الخرفان والأبقار ونرقص شيباً وشباباً حتى مطلع الفجر".

"تغيّر في عادات الزواج"

يرى الباحث في علم الاجتماع، أحمد غربال، أن الإقبال الاستثنائي من طرف الشبان على الاحتفال بزواجهم في أماكن مفتوحة وغير تقليدية، يحيل إلى صفحة جديدة تقطع مع ما هو سائد، كما أن له إيجابيات عدة، أهمها تكلفته المادية البسيطة وأجواؤه الرائعة.

ويتوقع غربال، في حديث لرصيف22، أن هذا التغيير سيقابله رفض من طرف الرجال والنساء الذين يريدون التشبث بعاداتهم وتقاليدهم، وهو ما قد يتسبب في بعض المشاكل.

ويؤكد غربال أن نظرة الشباب للزواج تغيرت عما مضى، حيث "تبدلت فكرتهم من كونه سكناً واستقراراً إلى كونه مسؤوليات وعلاقة غير مستقرة، نتيجة زيادة النفقات، لذلك ارتفعت نسبة العزوف عن الزواج، ويمكن القول إن الزواج في الطبيعة بأقل التكاليف الممكنة يبدو حلاً من الحلول الإيجابية، التي ستساهم في حل معضلة العزوبية".

وينهي غربال حديثه قائلا: "هناك تغييراً قادماً في عادات الزواج في هذه المناطق، نتيجة نجاح الفكرة التي باتت تستقطب أعداداً كبيرة من الشباب، حيث وجدوا فيها الجودة والجمال وربح الوقت والجهد والمال، والفضل في ذلك يعود إلى فيروس كورونا الذي قدم فرصة ذهبية للقطع مع الزواج التقليدي الروتيني والمرهق".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image