شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"انهارت حياتنا... أرغموني على الزواج بأرملة أخي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 26 مايو 202003:56 م

في مصالح تغلفها العقلية العشائرية تدور أحداث مسلسل من الظلم الاجتماعي، ثلاث ضحايا يدفعون دون ذنب ثمن عرف يسود مؤخراً في غزة، مفاده إرغام الأخ على الزواج من أرملة أخيه، بهدف "الحفاظ على أسرة المتوفى من الضياع"، خاصة بعد ارتفاع أعداد الأرامل من نساء الشهداء، بعد الحروب الأربعة التي شهدها قطاع غزة في السنوات العشر الأخيرة.

وقد حصدت الحرب الإسرائيلية على غزة في الفترة ما بين عامي 2006 و2014 آلاف الشهداء، وبالتالي خلّفت آلاف الأرامل والأيتام، ما شكل كابوساً اجتماعياً ذا آثار سلبية تودي بأمن المجتمع نحو الهاوية.

"كنتُ متزوجاً وسعيداً"

كغيره من مئات الأزواج، اضطر محمود قسيم (44 عاماً)، للزواج من أرملة أخيه، بعد أن توفي في إحدى الحروب على قطاع غزة عام 2012، ولكن هذا الزواج باء بالفشل، بعدما قام قسيم قبل فترة وجيزة بتطليق أرملة أخيه، بعد زواج دام أربع سنوات، والذي أسفر عن طفل واحد، اضطر هو الآخر أن يدفع ثمناً باهظاً لهذا العرف غير العادل.

يقول قسيم لرصيف22: "بعد وفاة أخي بعام، اقترح والدي فكرة الزواج من أرملته من أجل الأولاد، في البداية رفضت الفكرة كلياً، حيث أنني متزوج وأعيش حياة سعيدة مع زوجتي، ولكن مع إصرار العائلة وافقت على مضض نزولاً عند رغبتهم".

"تزوجت بأرملة أخي، وفي ليلة الزفاف ذكرت اسم أخي بالخطأ بينما كنا في وضع حميم، وهذا الأمر كان يضايقني بشدة، وانتهى الزواج بالطلاق بعد فترة وجيزة"

"امتعضت زوجتي الأولى جداً جراء هذا القرار، وذهبت إلى بيت أهلها، ومنذ ذلك اليوم انقلبت حياتي رأساً على عقب، فأنا أعمل إماماً في أحد المساجد، بينما أرملة أخي التي تزوجتها إنسانة متحررة، وهنا دب الخلاف بيننا، خاصة بعدما رُزقنا بطفل"، يضيف قسيم.

"تم الطلاق مؤخراً لاستحالة الحياة بيننا، وها أنا عدت إلى زوجتي الأولى وإلى حياتي، فكم من الصعب على الزوج أن يكون مسؤولاً عن بيتين وزوجتين"، يقول قسيم.

حالات أخرى التقت بها رصيف22 كان نهايتها مثل مصير قسيم، وأغلبها انتهت بالطلاق، والأسباب كثيرة، منها وعلى لسان أحد هؤلاء، وهو مدرس، 44 عاماً، يقول: "تزوجت بأرملة أخي، وفي ليلة الزفاف ذكرت اسم أخي بالخطأ بينما كنا في وضع حميم، ورغم أنني نهرتها كثيراً، إلا أنها كانت تذكر اسمه دائماً، وهذا الأمر كان يضايقني بشدة وانتهى الزواج بالطلاق بعد فترة وجيزة، إذ لم أحتمل ذكر اسم رجل آخر على لسان زوجتي حتى وإن كان أخي".

بينما يقول آخر، يعمل في شرطة حماس، 36 عاماً: "لم أستطع القيام بمسؤوليات بيتين، خاصة وأنني محدود الدخل، وحين طلبت من أرملة أخي أن تساعدني في مصروف البيت، خاصة وأنها موظفة تتقاضى راتباً محترماً، رفضت، وحين رفضت، قررت الطلاق وهو ما تم بالفعل".

"هددوني بالحرمان من أطفالي"

ولا تتوقف فصول المأساة عند ما يعانيه الزوج المرغم، بل تمتد هذه المأساة إلى الأرملة التي ينالها هي الأخرى نصيب، تقول سمر (32 عاماً)، ربة منزل لرصيف22: "توفى زوجي بحادث سير، وبعد انتهاء العدة قررت الذهاب إلى بيت أهلي، ومعي ثلاثة أطفال، إلا أن أهل زوجي اعترضوا على ذهابي بحجة أن الأطفال سيكونون غرباء هناك، وحينما احتدم الخلاف، قرروا بأن الحل يكون بالزواج من سلفي، وإلا سيحرمونني من أطفالي، وهنا وافقت مرغمة، وقد ذقت الويل بعد هذا الزواج، حيث امتعاض زوجته الأولى التي كانت تكيل لي نظرات الحقد والغيرة كلما رأتني، وكأنني قتلت والدها".

وتضيف سمر: "اضطررت للقبول بهذا العرف الاجتماعي خوفاً على أطفالي، لكن حياتي أصبحت جحيماً لا يطاق، فسلفي ونتيجة تحريض زوجته لم يكن يعاملني أنا وأطفالي باحترام، فلم يكن زوجاً بمعنى الكلمة، بل بالاسم فقط، إذ لم يكن ينفق علينا أنا وأطفالي، ناهيك عن تقييده لحريتي رغم أنه يصغرني بثماني سنوات".

"أعيش مع نصف رجل"

وضحايا هذا العرف ليسوا فقط الأزواج، في أحايين كثيرة هناك ضحية ثالثة جراء هذا الزواج وهي الزوجة الأولى، أو ما يسمى بـ"القديمة"، التي تنقلب حياتها رأساً على عقب بين ليلة وضحاها، فتبدأ بمعاناة أن زوجها أضحى "مقسوماً بينها وبين زوجة أخرى"، ناهيك عن مشاعر الغيرة والحقد التي تنتابها حين تشاركها أخرى بزوجها.

تقول إحدى هذه الزوجات، علا غريب، اسم مستعار (39 عاماً)، ربة منزل لرصيف22: "حين تزوج زوجي بأرملة أخيه شعرت بالدنيا سوداء ملبدة بمشاعر الأسى والحسرة، وما زاد ألمي هو أن العائلة كانت تهدف من وراء هذا الزواج إلى الاحتفاظ براتب المتوفى خوفاً من ضياعه، دون مراعاة لمشاعري، أما أنا فأصبحت أعيش مع نصف رجل بنصف مشاعر ونصف حياة".

وتؤكد رفضها لهذا النوع من "الظلم الاجتماعي" الذي لا يهتم بمشاعر الزوجة الأولى، ويهدم استقرار بيتها، بل ينظر بعين العقلية العشائرية للمصلحة المادية من وراء هذا الظلم الاجتماعي.

وفيما يتعلق بالتساؤل المثار: "من أين أتى هذا العرف الاجتماعي الذي لا يخلق سوى مزيد من الضحايا، خاصة إذا كان الأخ أعزباً، فيضطر إلى حياة لا تشبه الحياة مع زوجة وأطفال يراهم حملاً ثقيلاً عليه؟

"سلفي ونتيجة تحريض زوجته لم يكن يعاملني أنا وأطفالي باحترام، كان زوجاً بالاسم فقط، إذ لم يكن ينفق علينا أنا وأطفالي، ناهيك عن تقييده لحريتي رغم أنه يصغرني بثماني سنوات"

يجيب محمد حلس، الأخصائي الاجتماعي، حول هذا العرف قائلاً لرصيف22: "ينبع هذا العرف الاجتماعي من ثقافة المجتمع الغزي، بهدف المحافظة على ترابط الأسرة ومحاولة الحفاظ على موروث الابن من أبناء هم كل ما تبقى من ذكراه".

ويضيف حلس حول إمكانية نجاح هذا الزواج: "يكون الزواج حلاً في بعض الأحيان، وذلك عندما لا يكون هنالك فارق عمري وفكري كبير بين الزوجة وسلفها الذي سيتزوجها، وفي أحيان كثيرة أخرى يكون باباً للمشاكل بسبب فارق التفكير والعمر والخلاف على الأموال من راتب الزوج المتوفي، وخلافات مع الأبناء الذين قد يرفضون سلطة العم عليهم، بسبب الوضع النفسي بعد فقدان والدهم، فتبدأ المشاكل".

وحول نظرة الشرع لهذا الزواج، يؤكد الدكتور ماهر السوسي، أستاذ الفقه بالجامعة الإسلامية، لرصيف22 أنه "لا مانع شرعياً من زواج الأرملة من أخ المتوفى إذا توافرت شروط الزواج الشرعية، والتي أهمها الرضى والقبول من الطرفين".

وتتجاهل مثل هذه النظرة "الشرعية"، وهي شائعة في مجتمع يميل معظمه إلى المحافظة والتدين، النظر إلى الجانب الإنساني وضرورة توافر حرية الاختيار، خاصة لطرفي الزواج، حيث يغلب عليه العرف أكثر من الاختيار الحر.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image