ودّعت السعودية كاتباً صحافياً أُطلق عليه "صوت المواطن" و"كاتب المهمشين"، هو صالح الشيحي الذي توفي في 19 تموز/يوليو الجاري بعد خروجه من الاعتقال بشهرين.
وبحسب "صحيفة الرياض"، فإن الشيحي تُوفي بعد معاناة امتدت لثلاثة أسابيع منذ إصابته بفيروس كورونا، مشيرة إلى أن الوسط الإعلامي والثقافي نعى عبر مواقع التواصل الاجتماعي الكاتب وعبّر كثر عن حزنهم كما استذكروا دوره المؤثر في الساحة الثقافية.
من جهته، حمّل حساب "معتقلي الرأي" السلطات السعودية المسؤولية عن وفاته، إذ تم إدخاله إلى العناية المركزة منذ الإفراج عنه في أيار/مايو الماضي، وبقي في المستشفى حتى فارق الحياة.
وأضاف الحساب المعني بالمعتقلين السعوديين في تغريدة على توتير: "بات واضحاً أن السلطات أفرجت عنه كي تتهرب من المسؤولية عن إيذائه صحياً ونفسياً خلال الاعتقال".
من هو صالح الشيحي؟
عُرف الشيحي بكتاباته الإصلاحية وآرائه النقدية التي كان ينشرها في زاوية يومية في الصفحة الأخيرة من جريدة "الوطن" السعودية، والتي كانت تعنى بهموم الشارع والمواطن.
ولد الشيحي الذي يُعتقد أنه في الخمسينات من عمره في مدينة رفحاء التابعة لمنطقة الحدود الشمالية، وهو حاصل على شهادة بكالوريوس في اللغة العربية. وكان قد بدأ مشواره الصحافي وهو في الثانوية العامة مع جريدتي "عكاظ" و"المدينة" ثم انتقل عام 1999 للعمل في صحيفة "الوطن" لمدة عام.
عمل الشيحي مديراً للتحرير في المجلة الثقافية الصادرة عن الملحقية الثقافية السعودية في بريطانيا، كما تنقل في عدد من الوظائف التعليمية داخل المملكة وخارجها، وشارك في العديد من الندوات والمؤتمرات.
انتهى مشواره الصحافي بالكتابة في القضايا المحلية في صحيفة "الوطن"، والتي ظل فيها حتى تم توقيفه والحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات عام 2018.
عام 2017، اتهم الشيحي لأول مرة في المملكة خلال لقاء تلفزيوني على الهواء مباشرة في قناة "روتانا خليجية" الديوان الملكي بالفساد وانتهاك القانون... بعد ذلك اللقاء، غاب تماماً حتى إعلان خبر اعتقاله عام 2018
وفي 8 كانون الأول/ديسمبر عام 2017، اتهم الشيحي لأول مرة في المملكة خلال لقاء تلفزيوني على الهواء مباشرة في قناة "روتانا خليجية" الديوان الملكي بالفساد وانتهاك القانون، عبر منح أراضي الدولة لأشخاص "نافذين ومراهقين" وحرمان المواطنين العاديين منها.
ولم ينشر الشيحي أي تغريدة على حسابه عبر تويتر أو أية مقالات في "جريدة الوطن" بعد ذلك اللقاء، ثم غاب تماماً عن المشهد حتى إعلان خبر اعتقاله في 3 كانون الثاني/يناير عام 2018.
ونشر مغردون سعوديون المقطع الذي اتهم فيه الشيحي مسؤولي الديوان الملكي صراحة بالفساد، وقالوا إن هذا الفيديو هو الذي تسبب في اعتقال الكاتب ووفاته لاحقاً.
عند اعتقال الشيحي، كان الصحافي الراحل جمال خاشقجي قد غرّد على حسابه مستهجناً ذلك القرار، وقائلاً: "سمعت قبل قليل باعتقال الزميل والصديق صالح الشيحي كان جوهرة الصفحة الأخيرة بالوطن زاملته فوجدته أغيرنا على وطنه، كنت أمازحه وأسميه كاتب البروليتاريا".
وخاطب خاشقجي الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، قائلاً: "من سيبقى خارج المعتقل من الكتاب اللي عليهم القيمة؟ هؤلاء هم الأصدق يا طويل العمر وغيرهم غثاء، حسبنا الله".
وأضاف في سلسلة تغريدات: "قال عليه الصلاة والسلام ‘إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب‘ ولَم يكن صالح الشيحي منهم وما كان يستطيع رغم أنه أرشق الكتاب عبارة، مثله يستحق أن تستمع له لا أن تعتقله، إن ذهب صالح فمن يبقى لك وللوطن؟".
وظهر الشيحي وخاشقجي معاً في العديد من البرامج التلفزيونية، منها لقاء شهير طالب فيه الأول من السلطات السعودية ملاحقة من نهبوا مليارات البلد وليس المواطنين البسطاء. في ذلك اللقاء، دافع خاشقجي عن الشيحي واصفاً إياه بكاتب "البروليتاريا".
وبالعودة إلى مسيرة الشيحي، كان حكم قضائي قد صدر في شباط/ فبراير عام 2018، بسجن الكاتب الراحل خمس سنوات، ومنعه من السفر مدة مماثلة بتهمة "القدح والإساءة إلى الديوان الملكي والعاملين فيه".
وفي العام الماضي، أطلقت السلطات سراح الشيحي ثلاثة أيام لـ"دواعٍ إنسانية" إثر وفاة شقيقة والدته المسنة، ليعود إلى السجن مجدداً، حتى تم الإفراج عنه في أيار/مايو الماضي، دون أن تتضح وقتها أسباب هذا القرار المفاجئ.
غياب مؤثر
لعل أبرز من ودع الشيحي من المؤيدين للنظام الحاكم كان بدر العساكر، مدير مكتب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في تغريدة اختلف متابعون على ما إذا كانت في إطار عزاء فعلي أم على غرار المثل الشعبي "يقتل القتيل ويمشي في جنازته".
وقال العساكر واصفاً الكاتب الراحل بالأخ والاستاذ: "رحم الله أخي الأستاذ صالح الشيحي… أسأل المولى أن يتغمده برحمته، ويسكنه جناته، جبر الله قلوب أهله ومحبيه، إنا لله وإنا إليه راجعون".
"بات واضحاً أن السلطات أفرجت عنه كي تتهرب من المسؤولية عن إيذائه صحياً ونفسياً خلال الاعتقال"... معارضون سعوديون يُحمّلون السلطات مسؤولية وفاة الكاتب صالح الشيحي
وكتب الأمير سطام بن خالد آل سعود في تغريدة ناعياً الشيحي: "إنا لله وإنا إليه راجعون، أسأل المولى أن يرحمه، ويسكنه فسيح جناته".
وغرّد الشاعر السعودي المثير للجدل عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ الذي يعد من أشد داعمي ولي العهد: "اللهم ارحم عبدك صالح الشيحي واغفر له و أسكنه فسيح جناتك".
في المقابل غرد العديد من المعارضين السعوديين، متهمين السلطات السعودية بالمسؤولية عن وفاته، وحذروا أن حياة "معتقلي الرأي" في السجون السعودية مهددة بالخطر.
وكتب الناشط الحقوقي السعودي عبد الله العودة: "رحم الله جمال خاشقجي... بعد قتله في القنصلية بأقل من سنتين، لحقه صالح الشيحي الذي مات بعد الإفراج عنه، حينما أدرك السجّان أن أيامه قليله، تقبلهما الله في الصالحين، واللعنة على المجرمين الظالمين المستبدين".
وغرّدت الناشطة السعودية علياء الهذلول شقيقة المعتقلة لجين الهذلول: "ما زلت مفجوعة بوفاة صالح الشيحي رحمه الله رحمة واسعة وربط على قلوب أهله، دخل السجن لممارسته الصحافة وكان بكامل صحته، وخرج من السجن من أسابيع ليموت عند أهله ويتخلص الجاني من مسؤولية قتله".
وأرفقت الهذلول تغريدتها بتدوينة سابقة لها تحذر فيها من "قيام السلطات السعودية بتجهيز شقيقتها للموت، ثم تسليمها لأهلها لتموت بين أيديهم ويتخلصون من المسؤولية".
بدوره، كتب الصحافي السعودي المعارض تركي الشلهوب: "صالح الشيحي استحق لقب صوت المواطن وبجدارة، لأنه لم يسكت وقال كلمة الحق في زمن العبيد والمطبلين، رحمك الله".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...