تحمل الناقلة "صافر" 1.1 مليون برميل من النفط الخام، وهي ترسو قبالة مرفأ رأس عيسى النفطي اليمني المطل على البحر الأحمر منذ قرابة خمس سنوات.
اليوم، تهدد هذه الناقلة المتهالكة اليمنَ ودول الجوار كافة بـ"كارثة بيئية" قد تفوق أضرارها ما نجم عن التسرب من الناقلة إكسون فالديز قبالة ألاسكا، كبرى الولايات الأمريكية، عام 1989. عدا أنها تهدد بعواقب وخيمة على المستوى الملاحي والإنساني والاقتصادي.
في 15 تموز/ يوليو، أطلقت الأمم المتحدة تحذيراً بشأن وضع الناقلة، لافتة إلى ضرورة اتخاذ إجراء للتعامل مع "صافر"، ومبيّنة أن كمية النفط المحتمل تسربها منها تفوق بأربع مرات ما تسرب من "إكسون فالديز".
كذلك أبدى مجلس الأمن، عقب جلسة لبحث الوضع، "انزعاجه البالغ إزاء الخطر المتنامي المتمثل في احتمال تصدع ناقلة النفط صافر أو انفجارها الذي سيتسبب بكارثة بيئية واقتصادية وإنسانية لليمن وجيرانه".
وحثت السعودية مجلس الأمن الدولي على أن "يبقى يقظاً ومستعداً لإعلان تدابير قوية وحاسمة للتعامل مع الناقلة والقضاء على الخطر الذي تشكله".
"كارثة بيئية واقتصادية وإنسانية لليمن وجيرانه"... مخاوف من انفجار ناقلة نفط تحمل أكثر من مليون برميل أو تسرب النفط منها قبالة سواحل اليمن
ما قصتها؟
والناقلة صافر عالقة في المرفأ الذي تسيطر عليه جماعة الحوثي التي نفذت انقلاباً ضد الحكومة منذ العام 2014. وهناك اتهامات متبادلة بين الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية في البلاد منذ العام 2015 بزعم إعادة السلطة إلى الحكومة المعترف بها دولياً، بشأن إعاقة تفريغ حمولة الناقلة و/أو صيانتها.
في الوقت الراهن، تتفاوض الأمم المتحدة مع الطرفين بغية ترتيب بيع النفط الخام وتقسيم إيراداته بين الحوثيين والحكومة اليمنية التي تدعمها السعودية.
بحسب منسق الإغاثة بالأمم المتحدة، مارك لوكوك، فإن المخاوف بشأن تسرب النفط من الناقلة بدأت في 27 أيار/ الماضي حين لوحظ تسرب المياه إلى غرفة المحركات في الناقلة، منذراً باحتمال حدوث تلفيات ضخمة.
وبرغم أن غواصين من شركة صافر تمكنوا من السيطرة على الأمر ووقف التسرب، حذّر لوكوك، الذي يتطرق إلى أزمة الناقلة في إفاداته الشهرية عن اليمن أمام مجلس الأمن قبل أكثر من عام، قال: "من المستحيل تحديد الفترة الزمنية التي يمكن أن تصمد فيها (الناقلة)".
وأضاف أن الكارثة البيئية المحتملة ستتخطى كارثة إكسون فالديز "التي لا يزال العالم يتحدث عنها بعد مضي حوالى 30 عاماً".
وخلال كلمته أمام مجلس الأمن، شدد مندوب السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة، عبدالله يحيى المعلمي، على أن الناقلة صافر "تهدد بإلحاق ضرر بالغ بجنوب البحر الأحمر والعالم بأسره، فهي تقع بالقرب من باب المندب الذي يعد ممراً حيوياً للملاحة البحرية الدولية بين آسيا وأوروبا". ولفت إلى "إمكان إغلاق ميناء الحديدة عدة أشهر، وهذا ما يفضي إلى نقص حاد في إمدادات الوقود والحاجات الأساسية الأخرى التي يتزود بها الشعب اليمني".
وحذّر المندوب السعودي أيضاً من "تعرض صناعة صيد الأسماك في المنطقة لأضرار جسيمة قد تستغرق التعافي منها سنوات"، ومن "تأثر الحياة البحرية والبيئة والشواطئ في المملكة بشكل سلبي وخطير، إذ تسبب الغازات السامة والغيوم السوداء المنبعثة من التسرب بإتلاف الأراضي الزراعية والمزارع على امتداد مساحات شاسعة من اليمن والسعودية، وهذا ما قد يؤدي إلى تلف كلي للمزروعات من الفواكه والحبوب والخضر ويسبب نزوحاً داخلياً كبيراً للناس من جميع أنحاء المناطق المتضررة".
"الخطر الذي تمثله صافر ليس مجرد خطر بيئي، برغم أن الخطر البيئي سيكون مروعاً، لكن هناك أيضاً خطراً مباشراً وقوياً على حياة ملايين اليمنيين"
مساعٍ لحل الأزمة
قبل أيام، ذكر مصدران مطلعان في الأمم المتحدة لوكالة رويترز إن جماعة الحوثي وافقت على السماح لفريق تابع للمنظمة الأممية بـ"الصعود إلى الناقلة وإجراء تقييم فني والإصلاحات المبدئية". لكن لوكوك شكك في صدقية الوعد الحوثي، لافتاً إلى تأكيدات مماثلة في آب/ أغسطس عام 2019 أعقبها إلغاء الحوثيين مهمة الفريق قبل يوم واحد من مغادرته صوب اليمن.
وكانت حكومة اليمن وجماعة الحوثي قد طلبتا مساعدة الأمم المتحدة في أمر الناقلة في آذار/ مارس عام 2018، لكن هجوماً مدعوماً من التحالف بقيادة السعودية في المنطقة خلال معظم ذلك العام جعل التوجه إلى الموقع محفوفاً بالمخاطر، وفق لوكوك. ولفت إلى أن موافقة الحوثيين ماضياً على زيارة أممية للناقلة اقترنت بـ"شروط مسبقة" تتعلق بأمور أخرى.
"فريق الأمم المتحدة يمكنه الانتشار بالموقع في غضون ثلاثة أسابيع من تلقي كل التصاريح اللازمة"، أوضح لوكوك، مضيفاً أن الخبراء يقولون إن "استخراج النفط هو، على الأرجح، السبيل الوحيد لإزالة خطر حدوث تسرب من الناقلة التي يبلغ عمرها 44 عاماً".
وفي ختام جلسته بشأن الناقلة، دعا مجلس الأمن الحوثيين إلى تسهيل وصول الأمم المتحدة "غير المشروط" إلى الناقلة بالسرعة القصوى، فيما شدد لوكوك على أن "الخطر الذي تمثله صافر ليس مجرد خطر بيئي برغم أن الخطر البيئي سيكون مروعاً، لكنها تمثل أيضاً خطراً مباشراً وقوياً على حياة ملايين اليمنيين".
وعقب أكثر من خمس سنوات من الحرب الأهلية الدامية التي أسقطت نحو 100 ألف قتيل، يرزح ملايين اليمنيين حالياً بين نيران القصف والجوع والفقر، بعدما انهار الاقتصاد والبنى التحتية تماماً. وتتزامن المخاوف من الكارثة البيئية مع معاناة إضافية يعيشها اليمنيون إثر تفشي فيروس كورونا في البلد ذي القطاع الصحي المتهالك.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...