"في عدن إنْ كنتَ تعاني من ضيق في التنفس لن يوافق أي مستشفى على استقبالك، وعليك أن تجلب ‘دَبة’ الأكسجين وتتعالج في منزلك، وعلى الأغلب ما هي سوى ساعات ثم تموت".
هذا ما يقوله فهد شريح، ابن المدينة الواقعة في جنوب اليمن، والذي رافق أخاه (53 عاماً) منذ إصابته بمرض الكوليرا بداية شهر أيار/ مايو 2020.
الأخ تماثل للشفاء بعد العلاج، لكنه بعد فترة أصيب بضيق في التنفس والسعال والحمّى، فنُقل إلى قسم الطوارئ في مستشفى الجمهورية الحكومي.
يروي شريح لرصيف22: "بعد معاينة طبيب الطوارئ لأخي تبيّن أنه مصاب بالتهاب فيروسي، ولكنه لم يستطع تحديد الفيروس، لذلك طلب منّا نقله إلى مستشفى تتوفّر فيه وحدة عناية مركزة لأن هذا القسم في مستشفى الجمهورية مغلق لعدم وجود أطباء".
حاول شريح البحث عن سرير في العديد من المستشفيات داخل المدينة لكن دون جدوى، فبعضها كان مغلقاً وبعضها الآخر رفض استقبال أخيه لعدم توفر أسرّة أو لعدم وجود كوادر طبية. لم يكن أمامه سوى العودة إلى العزل الصحي في مستشفى الجمهورية بعد أن تمت الموافقة على إدخاله إليه، ومكث فيه 13 يوماً.
يقول شريح: "يتواجد في العزل الصحي طبيب واحد فقط، وعدد من الممرضين. ولعدم توفّر العلاج داخل المستشفى، حاولت تأمينه رغم ثمنه الباهظ. بقِيَت حالة أخي غير مستقرة، وبعد مناشدات عبر صفحتي على فيسبوك، وصلت إلى فرق الترصد الوبائي (تابعة لوزارة الصحة)، وأُخذت عيّنة منه، وأخبرونا أنه خلال 24 ساعة سنبلغكم بالنتيجة، لكن أخي توفي، ولا نعرف ماذا أصابه".
يشهد اليمن كارثة إنسانية في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد، والخلاف السياسي القائم بين المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة وبين الشرعية من جهة أخرى، عدا عن خلاف الجهتين مع حركة أنصار الله (الحوثيين) التي تسيطر على شمال اليمن.
الحرب الدائرة منذ أكثر من خمس سنوات أدّت إلى تهالك البنية التحتية وتدهور النظام الصحي، وانتشار البعوض المسبب للأمراض كحمى الضنك وحمى الشيكونغونيا (المكرفس) خاصة بعد الأمطار والسيول التي شهدتها عدن في نيسان/ أبريل الماضي، ما خلّف الكثير من الوفيات وأضرار في المرافق العامة والمساكن، وجعل الحياة تزداد صعوبة في ظل الظروف القاسية التي تعيشها البلاد.
العديد من اليمنيين يُصابون بأعراض شبيهة بأعراض الكورونا، لكن لا يعلمون إنْ كانوا مصابين به أو بفيروس آخر. هذا ما حدث مع وديان عادل (28 عاماً)، من مدينة عدن. شعرت بوهن في جسدها وفقدان حاسة الشم والتذوق لمدة ثلاثة أسابيع، ثم تفاقمت الأعراض لديها إلى صداع شديد وحمّى والتهاب في الرئتين، فتواصلت مع اللجنة الوطنية العليا للطوارئ الصحية، لإدراكها أن هذه الأعراض شبيهة بأعراض كوفيد-19. لكنها لم تجد التجاوب المتوقع رغم رغبتها في إجراء فحص. أخبروها بعدم توفّر التحاليل، وبأن عليها الالتزام بالإجراءات الوقائية وعزل نفسها في البيت.
تقول وديان لرصيف22: "لم أكن متأكدة من إصابتي بالكورونا، ولربما أصبت بالفيروس خلال تنقلي بين مدينتي عدن وأبين، ورغم مرضي واظبت على الذهاب إلى العمل، وذلك لرفض المؤسسة التي أعمل فيها إعطائي إجازة".
وتضيف: "لاحظت أن زميلاتي في العمل يعانين من نفس الأعراض التي ظهرت لديّ. وبعد إعلان حظر التجوّل في عدن عزلت نفسي في غرفتي واهتممت بغذائي، وخلال أسبوعين شعرت بتحسن وخرجت من العزل لكنّي كنت أتمنى لو يتوفر فحص لكوفيد-19 للتأكد من أنني تعافيت ولم أعد ناقلة للمرض".
لا تهتم إدارة مكان العمل بحالة العاملين الصحية. "أصدروا قراراً يقضي بأنه في حال عدم ذهابنا للعمل بعد إجازة العيد لن يتم صرف رواتبنا"، تروي.
قفزة كبيرة في عدد الوفيات
في شهر أيار/ مايو 2020، أعلنت اللجنة العليا لمواجهة وباء الكورونا في اليمن أن مدينة عدن، العاصمة المؤقتة، مدينة موبوءة، إذ ارتفعت حصيلة الوفيات إلى 950 وفاة في النصف الأول من هذا الشهر (من 1 إلى 17)، بزيادة تفوق ثلاثة أضعاف ما تسجّل في نفس الشهر في السنوات الثلاث الماضية، وفي شهر نيسان/ أبريل. يتزامن ذلك مع انتشار جائحة كوفيد-19.
وفي دراسة للوفيات المسجّلة بين 6 و17 أيار/ مايو، تبيّن أن 15% من إجمالي الوفيات حصلت في المستشفيات، بينما باقي الوفيات في المنازل. ومن بين 89 حالة وفاة في المستشفيات خلال هذه الفترة، تبيّن أن 48 منها، أي 54%، سببها كوفيد-19.
يشكك العديد من اليمنيين بحقيقة الأرقام الرسمية المتعلقة بالكورونا، والتي تعلن وجود أكثر بقليل من 250 إصابة فقط. وتشير المتحدثة الرسمية باسم اللجنة الوطنية العليا للطوارئ في اليمن لمواجهة وباء كورونا، الدكتورة إشراق السباعي، إلى أن "ما تسجّله اللجنة الوطنية عن عدد حالات الكورونا المستجد هو الحالات المؤكدة ومستوفية البيانات والتي فُحصت في المختبر فقط، لكن هناك حالات تجري بعض الفحوصات لكن بياناتها ناقصة لذلك لا نستطيع تسجيلها".
كارثة إنسانية
في 21 أيار/ مايو 2020، أصدرت منظمة أطباء بلا حدود بياناً صحافياً كشفت فيه عن وجود كارثة واسعة في مدينة عدن. فقد أظهرت إحصاءات الدفن الحكومية أن الكثير من الناس يموتون في منازلهم، وبيّنت أن 80 شخصاً توفوا كل يوم في المدينة خلال أسبوع، بعدما كان المعدل المعتاد في فترة ما قبل انتشار المرض 10 حالات يومياً.
وقالت كارولين سيغين، مديرة عمليات أطباء بلا حدود في اليمن: "المستوى المرتفع للوفيات التي نراها بين مرضانا يعادل مستويات وحدات العناية المركزة في أوروبا، غير أن الأشخاص الذين يموتون هم أصغر سناً بكثير ممَّن يموتون في فرنسا أو إيطاليا: إن معظمهم رجال تتراوح أعمارهم بين 40 و60 عاماً".
وطالبت سيغين الأمم المتحدة والدول المانحة ببذل المزيد من الجهود وبشكل فوري، ليس فقط من أجل عدن بل من أجل اليمن بأسره، وتأمين الأموال لدفع أجور العاملين في مجال الرعاية الصحية، وتزويدهم بمعدات الوقاية الشخصية اللازمة للحفاظ على سلامتهم، وتأمين المزيد من مكثفات الأوكسجين لمساعدة المرضى على التنفس.
وأعربت المتحدثة الرسمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن، يارا خواجة، عن قلقها حيال الوضع الإنساني في اليمن لما مرّ من نزاعات وحروب على هذه البلاد، مشيرة، في حديث إلى رصيف22، إلى أن 80% من اليمنيين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، 70% منهم غير قادرين على الوصول للمياه النظيفة، وأكثر من 50% من القطاع الطبي في اليمن لا يعمل.
ضعف الخدمات الطبية
يظهر نوع من لامبالاة بفيروس كورونا بين اليمنيين، بل أن كثيرين منهم كانت لديهم قناعة بعدم وجوده في البلاد، خاصةً أنه أعلن عن حالات مصابة به في وقت ليس ببعيد. فالإصابة بأعراض الحمى والصداع بالنسبة إليهم إما ستكون ملاريا أو المكرفس أو حمى الضنك.
"في عدن إنْ كنتَ تعاني من ضيق في التنفس لن يوافق أي مستشفى على استقبالك، وعليك أن تجلب ‘دَبة’ الأكسجين وتتعالج في منزلك، وعلى الأغلب ما هي سوى ساعات ثم تموت"
يُبيّن استشاري طب الأطفال والأسرة، المقيم في نيودلهي، الدكتور وليد بكيلي لرصيف22 أن الحميّات الموجود منذ عام 2011 في اليمن مثل حمى الضنك والشيكونغونيا والملاريا وغيرها، نادراً ما تؤدي إلى الوفاة فالمكرفس (الشيكونغونيا) أُصيب به قرابة 1735 شخصاً في محافظة الحديدة، ولم يقتل أحداً، وعدد الوفيات الناتجة عن الملاريا ما بين 10 إلى 11 حالة وفاة في اليوم، لكن خلال شهر أيار/ مايو 2020، لوحظ ارتفاع كبير جداً في عدد الوفيات مع إعلان وجود جائحة كوفيد-19 في اليمن، وتعليل ذلك هو وجود ما نسبته 80% من الوفيات بسبب الكورونا إلى أن يثبت العكس من خلال الفحص.
يحدث ذلك في ظل ضعف القطاع الصحي والنقص في الأدوية والكوادر الطبية في المستشفيات والمراكز الصحية، وفي ظل ارتفاع نسبة الوفيات بين الكوادر الطبية، وتوقف بعضهم عن العمل في المستشفيات بسبب عدم توفّر إجراءات السلامة اللازمة.
توضح إشراق السباعي لرصيف22: "تعمل في اليمن ما نسبته 45% من المستشفيات وذلك لتأثير الحرب على القطاع الصحي، والنقص في الكوادر الطبية نتيجة هجرة كثيرين منهم، وعدم تلقي الأطباء حوافز تشجيعية للصمود في مواجهة هذه الأوبئة، عدا عن رواتبهم المتدنية".
وتشير إلى أنه "للتصدي لجائحة كوفيد-19 جُهّز معزل في مستشفى الأمل ومستشفى الجمهورية الحكومي بالأسرّة، ولكن لم نتمكن من الحصول على ملابس السلامة المهنية للأطباء والممرضين، عدا عن نقص المسحات والتحاليل المخبرية لفحص PCR".
وتضيف: "استلمنا 60 جهاز تنفس اصطناعي من منظمة الصحة العالمية ووزعت على المحافظات التسع التي ما زالت تحت سيطرة الحكومة (المعترف بها دولياً)، فكان نصيب محافظة عدن سبعة أجهزة في مستشفى الأمل، وخمسة أجهزة في مستشفى الجمهورية".
إضافة إلى المشكلة العامة تظهر مشكلة النازحين الخاصة. تشير السباعي إلى أن النازحين في المخيمات الموجودة في عدن يعانون كثيراً نتيجة تكدسهم، وانتشار البعوض، واختلاط الوبائيات مع فيروس كورونا، ما أدى إلى حدوث حالات كثيرة من الوفيات بينهم.
يعيش نحو 144 من النازحين القادمين من مختلف المحافظات كتعز والضالع والحديدة في مخيم الشعب في مديرية البريقة في محافظة عدن، ويتعرضون لخليط من الوبائيات المختلفة في ظل أوضاع صحية وحياتية متهالكة.
تُوضح المسؤولة عن المخيم ومديرة مركز تنمية المرأة النازحة نسيبة عبد الباقي، حجم المعاناة التي يتعرّض لها النازحون داخل المخيم نتيجة عدم توفر المياه النظيفة، والنقص في المواد الغذائية التي يصعب الوصول إليها بشكل دائم نتيجة عمل النازحين بنظام المياومة، وعدم وجود مركز صحي لعلاج المصابين داخل المخيم.
تبدي عبد الباقي تخوفها من انتشار كوفيد-19 داخل المخيم بعد وفاة نازحة تدعى فطوم علي (22 عاماً) في 17 أيار/ مايو، إثر تعرضها لحمّى شديدة وهبوط في ضغط الدم وضيق في التنفس ووهن في جسدها وسعال حاد، ما أسفر عن إجهاضها في الشهر السابع من حملها ثم وفاتها.
تقول عبد الباقي لرصيف22: "الأعراض التي أصيبت بها فطوم هي أعراض كورونا، لذلك نقلناها إلى مستشفى وبعد التشخيص أشاروا إلى وجود التهابات حادة ونقص في الدم ولم يدخلوها، واكتفوا بإعطائها مغذيات للحمّى، وغادرت دون إجراء فحص كورونا لها".
وتتابع: "بعد وصولها إلى المخيم تراجع وضعها الصحي وتوفت. أبلغتُ الوحدة التنفيذية لشؤون النازحين والمفوضية السامية لشؤون اللاجيئن ومكتب وزارة الصحة عن حالتها، وعوضاً عن القدوم إلى المخيم وإجراء الفحوصات لمَن خالطوها، وعزلهم، أشاروا عليّ بمراقبة حالة النازحين، دون تدخل أو أي إجراء إداري من قبلهم".
في اليمن، ونظراً لعدم توفر أجهزة فحص الكورونا، تشخَّص جميع الحالات على أنها واحدة من أمراض حمى الضنك أو المكرفس أو الملاريا وجميعها يُصرف للمصابين بها علاج الملاريا من باب "إنْ لم ينفعك لن يضرّك"
وجَدَت عبد الباقي نفسها أمام مسؤولية كبيرة. لم يكن أمامها سوى توعية النازحين في والطلب منهم إبلاغها بحال حدوث أي أعراض من حمّى أو ضيق تنفس وضعف عام في الجسد، لنقلهم إلى المستشفى.
و"المعاناة الأكبر"، تتابع، هي ثمن علاج الحميّات المكلف والذي يُجمع مبلغه من خلال تبرعات من النازحين أنفسهم، مَن استطاع منهم، دون تكفل أي جهة أو منظمة بتأمين العلاج لهم.
تشخيص الحالات المرضية
جميع الحالات التي قد تستقبلها بعض المستشفيات الحكومية أو الخاصة يتم تشخيصها على أساس حمى الضنك أو المكرفس أو الملاريا ويصرف علاج الملاريا لجميع الأوبئة، وهو ما حدث مع ريم (30 عاماً) من مديرية خور مكسر في محافظة عدن.
شعرت ريم بألم في الحنجرة وصداع وضعف عام في جسمها وسعال وحمى وألم مفاصل. ولاستمرار الأعراض عليها، تعاملت مع نفسها كمصابة بالكورونا. عزلت نفسها وتواصلت مع طبيب فأخبرها بضرورة إجراء فحوصات للدم وصور للقلب، ليتبيّن بعدها أنها تعاني من انخفاض في الصفائح الدموية والتهاب فيروسي في الدم، لكن تحديد ماهية الالتهاب لم تُعرف.
تروي ريم لرصيف22: "حينما ذهبت لإجراء الفحوصات في المستشفى انتابني رعب شديد من نقل العدوى لأشخاص آخرين، وخوف من أن أُصاب بمرض آخر ممَّن أقابلهم في طريقي، لذلك التزمت بإجراءات السلامة إلى أن أنهيت الفحوصات، وصُرف العلاج لي، من مسكنات وفيتامينات، وعدت للبيت".
بعد فترة قصيرة، أُصيبت ريم بالغثيان والإسهال وبدأ وضعها الصحي يتفاقم وحاولت المقاومة لكن دون جدوى، فنُقلت إلى مستشفى خاص لم يخلُ من حالات مشابهة لحالتها، ولعدم وجود ضيق في التنفس لديها صُرف لها علاج لألم المعدة وفحوصات متعلقة بحمى الضنك والمكرفس والملاريا وظهرت نتيجتهم سلبية.
تقول ريم: "قبل ذهابي إلى المستشفى، تواصلنا مع الجهات المختصة للحجر الصحي (اللجنة العليا لمواجهة وباء الكورونا)، وحينما علموا أنني لا أعاني من ضيق تنفس، نصحوني بأن أقوي مناعتي عبر الاهتمام بالنظام الغذائي والجلوس في البيت، لكنّي أصرّيت عليهم لإجراء فحص كورونا للتأكد من حالتي، فقالوا لي سنرسل لك شخصاً لأخذ العيّنة ولم يأتوا".
وتضيف: "ذهبت إلى المستشفى، وكان مزدحماً، فأخبرني الطبيب أنني مصابة بالملاريا على الأغلب لأن التشخيص السريري أظهر أن الأعراض التي أعاني منها هي أعراض ملاريا، ولعدم توفر أجهزة فحص الكورونا تشخَّص جميع الحالات على أنها واحدة من هذه الأوبئة وجميعها يُصرف للمصابين بها علاج الملاريا من باب إنْ لم ينفعك لن يضرّك".
بعد ثلاثة أيام تحسن وضع ريم الصحي، وأجرت الفحوصات مجدداً، وكانت النتائج جيدة، إلى أن أصيبت بضيق تنفس، وهنا تأكدت أن حالتها هي إصابة بفيروس كورونا فذهبت إلى مستشفى الجمهورية.
تروي ريم لرصيف22: "لم تكن هناك أسرّة متوفّرة وقال لي الأطباء لا نستطيع أن نقوم بشيء سوى نصحكم بشراء أسطوانة أكسجين ومضادات حيوية والذهاب إلى البيت أو الذهاب إلى مستشفى الأمل. ذهبت إلى أقرب مستوصف وأخذت الأكسجين وقال الطبيب إن وضعي ليس مخيفاً، وما هو سوى التهاب بسيط. رغم ذلك استمريت في عزل نفسي وأخذ الأدوية اللازمة الخاصة بعلاج الملاريا إلى أن تحسنت حالتي".
مستشفيات غير مجهزة
في مدينة عدن التي يبلغ عدد سكانها مليوناً و200 ألف نسمة، تتوقف أغلب المستشفيات عن استقبال الحالات المرضية خوفاً من انتشار فيروس كورونا لعدم جاهزيتها ولافتقارها إلى إجراءات الوقاية التي يحتاجها الأطباء والممرضون ولعدم توفر فحوصات PCR فيها.
تقول إشراق السباعي لرصيف22: "المستشفيات كانت مغلقة أمام المرضى، لكنها عاودت العمل واستقبال المرضى المصابين بالحميّات، ولا وجود لمستشفى مخصص للحميّات من الأساس، وقمنا بفتح مراكز للرعاية الصحية الأولية للوبائيات في كل مديرية، لكن بكادر طبي محدود ونقص في أسطوانات الأكسجين والأجهزة اللازمة للمختبرات، لذا هذه المراكز تستقبل المصابين بحميّات وتحولهم إلى مستشفى الأمل ومستشفى الجمهورية".
تُبيّن الدكتورة زهى السعدي العاملة في قسم العزل الوبائي في مستشفى الأمل أن "أكبر التحديات التي يواجهها الأطباء للتصدي لجائحة كوفيد-19، هو عدم جاهزية المستشفيات لمواجهة هذا الوضع الصحي، إضافة إلى الخلافات السياسية، وقلة وعي الشارع الذي يشكل عائقاً أمام المحاولات التي تبذلها الكوادر الطبية.
وتقول لرصيف22: "مستشفى الأمل يستقبل فقط الحالات الحرجة المصابة بضيق حاد في التنفس، ويحاول رغم قلة سعته والنقص في موارده استقبال أكبر عدد ممكن من المصابين بكوفيد-19، ففي العناية المركزة فيه توجد تسعة أسرّة وسبعة أجهزة تنفس اصطناعي، بالإضافة إلى قاعة الفرز والتمديد العام التي يتواجد فيها قرابة 80 سريراً. ولا توجد أجهزة فحص PCR داخل المستشفى، لذا نرسل العيّنات إلى المختبر المركزي في مستشفى الجمهورية".
فقدّ اليمنيون ثقتهم بنظامهم الصحي المتردي، وهو ما يشير إليه مروان مفرق (38 عاماً) من محافظة عدن، والذي أصيب بفيروس كورونا، وعزل نفسه منذ الأيام الأولى لظهور أعراض كالسعال والصداع الشديد وخمول في الجسم عليه. تواصل مع طبيب مقيم في ألمانيا أخبره بأنه مصاب بالكورونا على الأرجح.
يوضح مفرق لرصيف22: "حجرت نفسي قبل علمي بمرضي، واهتممت بنوعية الغذاء وتناول السوائل الحارة والفيتامينات، وبعد التأكد من إصابتي به، لم أخرج سوى بعد مرور 14 يوماً من الحجر، والآن أشعر بأن حالتي الصحية تحسنت".
يعتقد مفرق أن العدوى انتقلت إليه من خلال أشخاص مصابين أو لمسه لأسطح ملوثة داخل مستشفى توجّه إليه للتبرع بالدم لطفل، ولكنه غير متأكد لأنه في تلك الفترة كانت الحكومة تنفي وجود الكورونا في البلاد.
"أنا طبيب أنا أستطيع"
في 19 أيار/ مايو، أُعلن عن مبادرة "أنا طبيب أنا أستطيع" التي تضم 150 من الأطباء اليمنيين في الداخل والخارج بهدف تقديم المساعدة والعلاج للمواطنين اليمنيين وهم في بيوتهم، وذلك عبر التواصل معهم عن بعد.
يوضح الدكتور وليد بكيلي، وهو أحد مؤسسي المبادرة، لرصيف22 "أن المبادرة هي جهود شخصية تطوعية ومجانية من قبل الأطباء، هدفها إنقاذ أرواح أهلنا في اليمن لما يعانونه جراء الأوبئة المنتشرة، وفي ظل غياب الدور الحقيقي للدولة في إنقاذ أرواحهم".
ويضيف: "نحن في انتظار الموافقة على بناء المستشفى الميداني من قِبل الحكومة، فالفريق الطبي شبه جاهز وسيكون على الأرض وسنتواصل معهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسنعمل على البروتوكول المتبع في الهند في مواجهة جائحة كوفيد-19، والمستشفى يجب أن يتسع لألفي سرير كخطوة أولى، ويضم حوالي 200 إلى 250 طبيباً وكادراً طبياً من تمريض وغيره".
ويتابع: "حالياً، طلبنا من الناس شراء أسطوانة أكسجين وجهاز Oximeter لفحص نسبة الأكسجين في الدم. ونتابع ما نسبته 90% من المرضى داخل محافظة عدن، ونطلب منهم التقارير ونتواصل مع المختبر، وهناك إشراف يومي عليهم، وقمنا بالتنسيق مع مستشفى الأمل والجمهورية بحيث نُحيل الحالات الحرجة إليهما، بينما المستشفى الميداني سيعمل على فرز وعلاج الحالات المتوسطة والشديدة التي لا تتعرض لفشل تنفسي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...