شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"أنت من الكفار الجدد"... قصص لاجئين ولاجئات في السويد اختاروا الإلحاد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 6 يوليو 202003:25 م

مؤخراً، يشكّل الإلحاد موضوعاً مهماً، بل خياراً للاجئين من الشرق الأوسط في السويد، لكن أحداً لا يريد الحديث عن الموضوع للأسف، في هذا التقرير نحاول الوصول إلى القصص المدفونة تحت خيمة العيب والحرام، قصص من الداخل.

احتجت وقتاً طويلاً لبناء ثقة مع بعض الأشخاص وإقناعهم بالحديث عن تجاربهم مع الإلحاد. نجحت بالنهاية في تجميع قصص خمسة أشخاص، على أن أنشر شهاداتهم بأسماء مستعارة، حماية لهم ووفقاً لطلبهم بالتأكيد.

إن رغبتي في سرد قصص الناس، هي من أجل تسليط ضوء على واقع حقيقي ألمسه من حولي، وذلك من خلال قصص فردية لأشخاص حملهم اللجوء القسري إلى بلاد جديدة، وتجارب قيّمة فيها الكثير من الأسئلة والخوف والبحث عن الأمان والحياة الحرّة.

"أعيش حياة موازية"

تحتفي سميرة (اسم مستعار)، 24 عاماً من سوريا، بألوانها ولوحاتها الإيروتيكية في حساب وهمي عبر تطبيق إنستغرام. تواصلت معها، خائفة ومرتبكة. تكتب: "لا أستطيع الحديث معك الآن، أعيش مع أهلي، لكن في حال الضرورة، أستطيع ركوب القطار إلى مدينة صغيرة مجاورة حيث لا يعرفني أحد هناك، وقتها أستطيع الحديث بحرية تامة".

بعد ذلك اتفقنا أن نجري الدردشة عبر قنوات مختلفة، في محاولة تحقيق أمان عالٍ، لذلك استخدمنا تطبيق الإنستغرام، الإيميل وتطبيق سيغنال المشفر للمكالمات.

تقول سميرة لرصيف22: "نعم، أعيش حياة موازية ومُستعارة: أمام أهلي أنا البنت المُحجبة، المُلتزمة، الواعية والمُدركة لكل ما يحيط بي، أعتني بكل التفاصيل حتى لا أبدو مختلفة، في انتظار العريس اللقطة، ابن بلدي، الرجّال. لكن بيني وبين نفسي أعيش حياة ثانية، متعددة، حياتي أنا، لي أنا، حياتي اللانهائية".

وتضيف: "أنا مثلية الجنس، أميل إلى النساء، أتعامل بحميمية مع صديقتي، أحب جسدي ولا أخفيه عنها، أنشر صوراً شبه عارية لي عبر حساب وهمي على فيسبوك".

وتختم: "لكن اليوم أعيش قلق وهاجس الانكشاف ثم ورطة التعليل، أصدقائي الذي يدرون بقصتي، يقولون لي: أنتِ من 'الكُفار الجدد'، على وزن القادمين الجدد، التي تطلق على اللاجئين الواصلين حديثاً إلى السويد".

إن رغبتي في سرد قصص الناس، هي من أجل تسليط ضوء على واقع حقيقي ألمسه من حولي، وذلك من خلال قصص فردية لأشخاص حملهم اللجوء القسري إلى بلاد جديدة، وتجارب قيّمة فيها الكثير من الأسئلة والخوف والبحث عن الأمان والحياة الحرّة

"قرار الإلحاد كان بالفطرة"

تكشف علياء (اسم مستعار)، 26 عاماً، التي تنتمي إلى عائلة محافظة من سوريا، حسب تعبيرها، وصلت مع عائلتها إلى السويد عام 2015، عن قصة إلحادها: "كنت أبحث في الدرجة الأولى عن حقيقتي، كانت رحلة منذ اللحظة الأولى، تجديفاً ضد التيار، نحو ذاتي التي يحاول أهلي إلغاءها، هم يسعون إلى الثبات وأنا متحركة بشكل دائم، أنمو من الداخل وهم لا يدركون هذا".

وتضيف في حديثها لرصيف22: "انتقلت بوعي كامل من الإيمان إلى الإلحاد، لا مشكلة لدي في ذلك، أسعى إلى التنوير، أريد الخلاص، أريد الخروج على القيود العامة والخاصة. أخاف المواجهة لذلك أُمارس التقية، الحضور الكثيف للدين في المنزل لا يُشكل بالنسبة لي أي مصدر قلق أو إزعاج".

تستذكر علياء الماضي: "كنت أمارس الفروض وأحفظ القرآن الكريم، ألبس الثياب المحتشمة بناء على طلب الرجال في العائلة، وفي حال أردت لبس ما أريد (كنزة نص كم مثلاً)، كنت أسمع تهديدات بحلق شعر الرأس والحبس والضرب من أهلي. كنت طفلة لا تحب الذهاب إلى الجامع لحضور درس الدين، كنت أسمع كلاماً من أمي عن أنني مثل الشيطان، لكن لم تسألني ولا مرة لماذا لا أحب الذهاب إلى الجامع".

وتضيف: "المسجد لم يكن المكان المناسب لي، عقلي لم يستوعب القصص التي تروى هناك، الدعاء والبكاء، كنت ومازلت أعتبره جنوناً. في سن الثانية عشر تعرضت إلى التمييز من معلمة مادة التربية الدينية، بحجة أنني لا أرتدي الحجاب، وأن الله ليس براض عني، حتى وصل الأمر إلى مقاطعة جماعية من بنات الصف، واعتبروني على درجة أقل منهن".

تُكمل علياء: "هذا الشعور لازمني حتى عمر الخامسة عشر، كان ذلك في عام 2012، وكنت مع أهلي في بلد عربي، كان تصلنا أخبار عن اختفاء أقاربنا في سوريا، حتى وصل خبر وفاة أربعة من أولاد عمي، من كثر حزني قلت، لو أن الله موجود ما كان صار كل هذا الشيء، أين المعجزات التي نسمع عنها طوال الوقت؟ هذه الأسئلة كانت سرّي حتى وصلت إلى السويد".

وتتابع: "يعني فيك تقول، أن قرار ترك الدين أو الإلحاد كان بالفطرة، لكنه سر، لأنني أخاف على أهلي جداً، لا أريد العيش وحيدة في مجتمع لا يرحم الأنثى".

"أصدقائي الذي يدرون بقصة إلحادي، يقولون لي: أنتِ من 'الكُفار الجدد'، على وزن القادمين الجدد، التي تطلق على اللاجئين الواصلين حديثاً إلى السويد".

لماذا أصبحت لا دينياً؟

يشغل سهيل (اسم مستعار)، 42 عاماً من العراق، منصباً مرموقاً في شركة سويدية، يعيش حياة مستقرة مع زوجته المحافظة، حسب تعبيره، أمام زوجته وأطفاله، يبالغ باستخدام العبارات ذات الدلالات الدينية. ويضيف: "أحاول حجب اللادينية التي أعيش فيها، كذلك أفعل أمام الأصدقاء الجدد، أكون حذراً جداً، لكن لماذا أصبحت لادينياً؟".

يسأل، ويجيب: "أريد نظاماً وسط هذه الفوضى والعزلة، إننا نعيش في بلد مكتئب، والأمراض النفسية تسري كالنار في هشيم مجتمع ملتاع ومأزوم".

ويضيف: "عندما أرى ما يصنعه ويفعله المسلمون ببعضهم البعض من قتل وذبح وتنكيل، أرغب بالهرب، بالانسلاخ، بالعزلة، أريد قتل الأنا القديمة، أريد التخلص من تأثيرها أولاً".

ويتابع: "ثانياً، في الفترة الأولى لي في السويد، كانت المعاناة كبيرة في الحصول على مقابلة عمل، تخيّل! موضوع الاسم الأول والكنية، البلد الأصلي، اللون واللكنة، يعني العنصرية المنظمة ضدنا، الشعور بالدونية والنقص، كلها عوامل كادت تدفعني للجنون".

ويضيف: "لكن بالمقابل، القانون هنا أعطاني صلاحية تغيير اسمي في السجلات المدنية، كذلك غياب خانة الدين في بطاقة الهوية الشخصية، سهّلا الأمر علي. سهّلا عملية الانسحاب والتراجع عن الدين القديم".

يستدرك سهيل: "ربما هي محاولة لتغيير نظرة زملائي في العمل عني، في النهاية أنا أعيش في مجتمع يحمل الكثير من الصور النمطية والأحكام المسبقة عن المسلمين، ولا أريد أن أكون جزءاً منهم، ربما هي نوع من الأنانية، لكنني مبسوط في حالة اللادينية التي أعيشها، أفعل ما يحلو لي بدون قيد أو شرط. لا أريد الانتساب إلى أي جماعة، ربما يجب عليّ الدخول إلى مصحة عقلية، لا أدري".

"لا أريد تعريض نفسي للخطر"

"لا تتخيل بأن الأمر سهل، تعبت جداً من الموضوع، أي دين لا يستحق التقديس"، تقول زينة (اسم مستعار)، 19 عاماً من الصومال.

وتتابع: "أن تظهر عكس ما تخفي، أن تتظاهر بالتقوى وتخفي الكُفر أو الإلحاد، أمر صعب، لكن الآن خياراتي محدودة ولا أريد تعريض نفسي للخطر، حتى هنا في السويد الحرية محدودة، لا يمكنني المجازفة، لكن أعتقد في يوم قريب سأتمكن المواجهة. سأقول كلمتي".

وتواصل حديثها: "تعبت من الاستغلال العاطفي من قبل الأهل، تعبت من ربط كل خطأ أو مشكلة بي أنا، أنا مصدر العار، أنا مصدر القلق، أنا مصدر السمعة السيئة، لكن لا أحد يفكر بي أنا، أعتقد بأن أمي لديها إحساس داخلي بأنني مُلحدة، لكنها هي أيضاً تخاف من المواجهة".

"أن تظهر عكس ما تخفي، أن تتظاهر بالتقوى وتخفي الكُفر أو الإلحاد، أمر صعب، لكن الآن خياراتي محدودة ولا أريد تعريض نفسي للخطر، حتى هنا في السويد الحرية محدودة، لا يمكنني المجازفة، لكن أعتقد في يوم قريب سأتمكن المواجهة. سأقول كلمتي"

"أنا تجاوزت مرحلة الإلحاد"

وصل وائل (اسم مستعار)، 30 عاماً، إلى السويد بعد موجة اللجوء عام 2015، ولذلك حصل على إقامة مؤقتة، وائل الذي ينتمي بالنسب إلى الطائفة العلوية، من عائلة نصف شيوعية ونصف قومية سورية،  حسب تعريفه عن نفسه، يشرح لنا: "في مرحلة المراهقة طرحت سؤالاً حول الإيمان فكان جواب والدي: أنت حر، الأفضل لك ألا تؤمن بلا نهائي واحد، لكن اخفِ سرك لتبقى بأمان".

ويضيف: "في السويد، في سكن الهجرة الواقع في إقليم تسيطر عليه الكنائس الحرة، بدأت مجموعة نشطة من كنيسة البليموث بالتواصل معنا، عُرض على عمل في شركة تديرها عائلة عضو في هذه الكنيسة، عملت في البداية مدة ست أشهر كمتدرب. أخفيت إلحادي، لأن هذه الكنائس هدفها التبشير، ربما كانوا يظنون بأنني مسيحي، لأن طريقة كتابة اسمي (اسمه الحقيقي)، ونطقه باللغة السويدية توحي بذلك. لم أستطع الحصول على عقد عمل لأنهم لا يوظفون أشخاص من خارج الطائفة، وجهوا لي دعوة للانضمام إليهم، لكني رفضت".

ويتابع: "بعد فترة التقيت بعجوز كان يشغل منصب مدير مبيعات في شركة كبيرة، طلبت منه توفير فرصة عمل لي بعقد دائم، لأن هذا شرط أساسي لتحويل الإقامة المؤقتة (13 شهر)، إلى دائمة. وافق على ذلك، وطلب مني الحضور إلى كنيسة الإيكيومانيا للقاء المدير التنفيذي للشركة، العضو في الكنيسة، كذلك لم أصرح بإلحادي".

ويضيف: "بدأت العمل مباشرة، وحصلت على عقد عمل دائم، بعد ذلك بدأ يطلب مني القدوم إلى الكنيسة للصلاة، وأصر عليّ بالمجيء، لم أذهب، اتصل بي عدة مرات، رفضت الذهاب وأخبرته بأنني مُلحد".

ويواصل حديثه: "هنا بدأت المشاكل، قبل صدور قرار الإقامة الدائمة، وصل قرار من الهجرة، يخبرونني بأنه سيتم طردي من السويد، لأنني قدمت وثائق مزورة، وبأنني لستُ سورياً".

بعدها قام صاحب العمل بنقله من مدير مستودع، إلى عامل على مَبرد حديد، هذه المهمة الجديدة أدت إلى أصابته بخلل في المعصم ونقص تروية، والآن هو في مرحلة العلاج.

 "إن قرار ترك الدين أو الإلحاد كان بالفطرة، لكنه سر، لأنني أخاف على أهلي جداً، لا أريد العيش وحيدة في مجتمع لا يرحم الأنثى".

بعد ذلك، بدأت تنتشر إشاعات غير جيدة عنه، حسب تعبيره، ويتابع: "وحصلت مقاطعة اجتماعية شبه تامة من قبل السوريين بحكم الطائفة والمذهب، وحوربت من قبل الكنيسة التي تعتقد بأنني قمت بخداعهم، لكن خارج هذين النطاقين، أعيش حياة طبيعية، أستطيع مناقشة أي فكرة، لدي الحرية المطلقة، وعندي الأدوات اللازمة للدفاع عما أعتقد أنه صحيح".

يختم وائل حديثه: "ما أريد قوله، ليس من السهل العيش بحرية هنا، في حال اعتبرنا السويد مجتمعاً حراً لا تحكمه الكنيسة".

"الخوف من المجتمع الجديد"

التربوية وفاء سليمان، وفي حديث معها لرصيف22، ترى بأن أنماط المهاجرين من سوريا والبلاد العربية تختلف فيما بينها بشكل كبير، ولكن يمكننا أن نجد قاسماً مشتركاً بينهم، وهو الخوف من المجتمع الجديد والقلق من الاندماج فيه. بسبب اللغة والمفاهيم الاجتماعية المختلفة تماماً عما كان في بلادهم، مثلاً حرية المعتقد في السويد محمية، كذلك حرية التفكير، لكن هي مفروضة اجتماعياً ومتعارف عليها أكثر من أنها معتمدة انطلاقاً من الوعي الذاتي والحرية الشخصية للفرد.

وتضيف: "من هنا تبدأ المشكلة بين الأهل والأبناء، وتدريجياً يبدأ الأبناء بالتكيّف مع المجتمع الجديد والانسحاب من مجتمع الأهل، وبناء مجتمعهم الخاص، من تأثير الأقران عليهم وإقامة مجموعات، وخصوصاً في مرحلة المراهقة، مرحلة تشكيل الهوية وتعزيز المفاهيم الروحية والأخلاقية والقيم، التي تكون في كثير من الأحيان مخالفة لآراء الأهل".

وتختتم بأن "أول الوسائل الدفاعية التي يلجأ إليها الأهل هي الضغط على الأبناء لتعلم الدين بصورة تلقينية، من غير أن يستوعب المفاهيم الأخلاقية والقيم الروحية التي يتضمنها الدين أو رسالة الدين، الأمر الذي يؤدي على عكس المطلوب. ليصل إلى مرحلة غياب تام للهوية، فهو لا يشعر بالانتماء إلى المجتمع العربي ولا يشعر بنفسه أنه ينتمي تماماً للمجتمع السويدي".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image