يخلق موقع فيسبوك مساحة تفاعل بين مشتركيه، من خلال صفحاتهم/ن الشخصية أو الصفحات العامة والمجموعات، وقد استغرق الموقع وقتاً طويلاً ليصبح على هيئته الحالية، من حيث أعداد المستخدمين وكثافة القضايا والأفكار التي تبحث وتُعلن من خلاله.
في السنوات العشر الأخيرة، أصبح الفيسبوك منصة يتخذها معظم الناس للتعبير عن الرأي، وقد نجح بشكل ما في إيصال قصص وآراء وأفكار كانت ستدفن أو تمنع من النشر لولا وجوده.
ظهرت مؤخراً مجموعة جديدة تضم أعضاء يناقشون المواضيع التي تواجه قمعاً وتسكيتاً مجتمعياً وسياسياً، ويتم دفنها تحت سلطة الأنظمة الأبوية، تحمل المجموعة اسم: تعا نحكي Let’s talk، والتي وصل عدد المشتركين/ات فيها خلال أيام قليلة إلى أكثر من 1000.
الحاجة الدائمة للتعبير عن الرأي
في لقاء مع القائمين على المجموعة الفيسبوكية، والذين فضلوا عدم ذكر أسمائهم، تحدثنا بداية عن نشأة فكرة المجموعة وماهيتها وأسبابها.
في حديث لرصيف22 مع زكي (اسم مستعار)، 21 عاماً، عرّف نفسه على أنه من أصل شيعي ومقيم في كربلاء، العراق، قال: "أسسنا المجموعة أنا وصديقتي، وهي طالبة ماجستير من محافظة المفرق، الأردن، لنخلق مساحة تنفّس لنا وللآخرين، بسبب كمّ الضغوط الواقعة علينا كلادينيين، حيث نحمل توجهاً فكرياً يُخرج الدين من قائمة ما هو إلهي ومقدّس وحقيقي مطلق".
ويتابع زكي: "نعتقد أن الأديان هي عبارة عن صناعة بشرية وليست تدخلاً إلهياً كما يعتقد المتدينون، بغض النظر عن الإيمان بفكرة الإله من عدمها. نحن نرفض المرجعية الدينية للحكم على حياة الإنسان، ونؤمن بحقنا في تحديد مصائرنا بعيداً عن تلك الأفكار".
ويواصل: "نحن أقلية لا يسمح لها بالتعبير عن نفسها كما تشاء، وليس بمقدورنا مشاركة أفكارنا العامة عن الحياة والدين والجنس، ولا مناقشتها مع من نريد، لهذا السبب قمنا بإنشاء المجموعة. حاجتنا لمساحة أمان، نكتب فيها ما نريد كيفما نريد ونتفاعل من خلالها مع الجميع هي الدافع الأول، وقد نجحنا في تبادل الأسئلة والأفكار والمعرفة فيما بيننا بحرية واحترام بالدرجة الأولى".
ويختم: "يمكن اعتبار المجموعة المكان الأفضل لمناقشة موضوع تاريخ الأديان وأصولها، بعيداً عن السخرية والتهكم والكلام غير المفيد من معتنقها".
"نحن أقلية لا يسمح لها بالتعبير عن نفسها كما تشاء، وليس بمقدورنا مشاركة أفكارنا العامة عن الحياة والدين والجنس، ولا مناقشتها مع من نريد، لهذا السبب قمنا بإنشاء المجموعة في فيسبوك"
مساحات آمنة
يوجد في فيسبوك نماذج شبيهة من مجموعات اختارت مؤسِّساتها أو مؤسِّسوها أن تكون بمثابة مساحات آمنة لطرح الأفكار، أو للتوعية بخصوص قضايا حقوقية وإنسانية، كما تلك المتعلقة بالتوعية الجنسية أو المثلية الجنسية على سبيل المثال، وأخرى تختص بحوار الأديان والإلحاد.
منتدى الجنسانية مثلاً لديه صفحة تختص بالتوعية الجنسية بالعربية، من حيث الصحة الإنجابية وحرية الخيارات الجنسية للأفراد، وأحقيتهم في ممارسة خياراتهم الجنسية والعاطفية من خلال حوار منفتح مع المجتمع.
تقوم الصفحة بطرح قضايا جنسية وأخرى جندرية من مفهوم علمي، وتقدم إجابات من مختصين/ات من خلال منصة مخصصة للأسئلة.
أما مجموعة "ملحدون مفكرون الثانية"، فتعنون نشاطها بجملة: "السعي وراء الحقيقة والعلم التنويري ودحض خرافات الأديان"، يقوم الناشر في الصفحة بطرح أفكاره عن الكون والخلق والأديان، ويناقش المشتركون/ات في الصفحة أفكارهم الإلحادية.
هناك صفحات أخرى أسستها مجموعات مثلية وأخرى ملحدة، توقفت عن النشر رغم التفاعل الكبير الذي كان يظهر في منشوراتها، صفحة "مثليون متحدون ولقضيتهم ثائرون" توقفت عن النشر منذ عام 2017، ولم ينشروا أسباب توقفهم، تقابلها صفحة "الملحدين العرب" التي لم تنشر أي شيء من قرابة الأربعة أشهر، حيث كانت تختص بحوار كل شخص لاديني، متحرر، ليبرالي، علماني، ملحد، عقلاني.
أنشأت مجموعة "يلا نحكي" مؤخراً، وظهر فيها تفاعل كبير من أعضاء المجموعة في الردود على المواضيع المطروحة، وبحسب رأي أعضاء المجموعة حول القاسم المشترك بين المتفاعلين/ات في المجموعة، قال زكي: "القاسم المشترك الأساسي بين المتفاعل والمتابع في المجموعة هو الفضول، كل من يتفاعل يميل للمعرفة العلمية، ثم أن أغلب من يتابع المجموعة هم الأشخاص الذين يميلون للتشكيك وطرح الأسئلة، بإيمان تام منهم أن هناك تناقضاً في الرواية الدينية التي سمعوها ودرسوها، حيث أن التناقض هذا تجلى في الكتب السماوية، القرآن، الإنجيل والتوراة".
وتابع زكي: "المسلمون هم أكثر فئة مشككة، لكنها الفئة المعرضة للخطر أكثر من غيرها إذا سألت، ويعود ذلك للرواسب الفكرية الموجودة لديهم وللعاطفة الدينية التي تمنعهم من الحديث. الملفت بالنسبة لنا هو أعمار من يتابعون مجموعتنا أو يشاركون فيها، حيث تتراوح أعمارهم بين الـ17-50 عاماً".
التهديدات الدائمة
يقوم فيسبوك بإغلاق الصفحات الشخصية والعامة والمجموعات التي تتعرض لبلاغات من مشتركي الفيسبوك، لأسباب مثل، عدم ملائمة محتواها لذوق الأغلبية أو تسببها بإزعاجهم، حول الخوف من البلاغات التي من الممكن أن تتسبب بإغلاق المجموعة، يقول زكي: "بدأنا نستشعر الخطر، هناك تهديدات كثيرة تواجهنا من لحظة تأسيس المجموعة. أما أنا فقد تم اعتقالي منذ فترة وضُربت في العراق قبل نحو عام. وبعد أن أسسنا المجموعة بدأت تصلنا رسائل بعضها يحمل تهديدات بالقتل".
الكثير من تجمعات المثليين/ات والملحدين/ات واجهت رفضاً اجتماعياً وسياسياً، وتم تدميرها من دون أن تحقق رؤيتها ورسالتها التي تنطلق من خلالهما في فيسبوك، حول هذا الواقع وأسئلته بالنسبة للقائمين على مجموعة "يلا نحكي"، قالوا: "نطمح أن تضم المجموعة أكبر عدد ممكن ممن يريدون التعبير عن أنفسهم وآرائهم بحرية وسلاسة، من دون تعقيدات المجتمع. لا أفكار مقدسة بالنسبة لنا، ونقبل أي عضو جديد في المجموعة تحت شعار نعم للحوار الهادف البناء بعيداً عن سخرية واستهزاء أي كان، أو الإساءة لأي شخص في المجموعة أو غيرها، بوسع الجميع أن يعبروا عن أنفسهم بحرية بدون حدود".
ويتابع: "كما أننا نحاول جاهدين أن تكون مجموعتنا مكاناً آمناً للجميع، بعيداً عن إخماد المجتمع للأقليات والأصوات غير المشابهة لما يريدون. لقد لمسنا تأثيراً كبيراً من المثقفين المتواجدين في هذا التجمع؛ هذا بحد ذاته مصدر قوة يجعلنا نتخطى العوائق بشكل أفضل، فقد شكلوا داعماً معنوياً ومعلوماتياً لنا".
ويواصل: "المثلية الجنسية والمواضيع الدينية هما الأكثر جدلية في المجموعة حتى اللحظة، هذه موضوعات تثير جدلاً وخصومات في المجتمعات الشرقية مثل الأردن والعراق، الكثير من الأشخاص يجدون صعوبة في نقاش هذه القضايا، لأسباب تعتقد مجتمعاتهم أنها مساس مباشر بالعقيدة، وأنها تهين كرامة المجتمع وثوابته، حتى وإن كان لها تفسير علمي واضح، فالعاطفة الدينية تغلب على المشهد في هذه المواضيع للأسف".
"نحن نتواجد على أرض الواقع على شكل جثث أو بلباس مسلم متدين كي نحافظ على حياتنا المحطمة أو ما تبقى منها. إننا نواجه التحقير والتعنيف من المجتمع المحيط، فلا مكان لنا على أرض الواقع، لذا تجدوننا في صفحات السوشال ميديا، نحاول التعبير عن آرائنا بحرية، وحتى هذا التعبير يواجه الكثير من القيود"
كيف يمكن دعمهم/ن؟
زادت كثافة الخطابات الدينية المتطرفة بعد الربيع العربي، ما دفع الكثيرين للتعبير عن آرائهم المشككة بالدين، أو التصريح بإلحادهم باستخدام منصات التواصل الاجتماعي، كذلك طرأ تغيّر كبير في مجتمع الميم، أثناء وبعد الربيع العربي، حيث شعر الجميع بوجودهم بعد الإنكار الأعظم من المجتمعات المتديّنة لوجودهم فيها.
لا يوجد في العالم العربي جهات رسمية تدعم حقوق المثليين وتدافع عنهم، أمام موجات الإقصاء والتهميش والسخرية والتكفير التي يتعرضون لها، لكن بالتأكيد هنالك جهات غير رسمية، من مؤسسات، منظمات حقوقية، نسوية، كويرية ومثلية، تعمل جاهدة على قضايا مجتمع الميم من خلال قنوات عديدة، منها على الأرض وأخرى عبر الفضاء الإلكتروني.
موقع "قناة الملحدين بالعربي" الخاص بالملحدين العرب، قام بمجهود خاص من أفراده لخلق منصة يتحدثون من خلالها عبر الإنترنت، يهدفون لخلق مساحات للأقليات من مختلف الأعراق للتعبير عن أنفسهم.
بحسب رأي زكي، وفي إجابة عن سؤال كيفية الدعم، أشار إلى أن الدعم عليه أن يصبّ في تقليل مخاوفهم من التسكيت أو الاعتقال، ويضيف: "نحن عرب شرقيون لا دينيون، بإمكانكم إيصال أصواتنا للعالم، نفتخر بما نحن عليه ونطمح بدولة علمانية بنظام ليبرالي، يحكمها قانون مدني وليس كتاباً مقدساً".
ويتابع: "نحن نتواجد على أرض الواقع على شكل جثث أو بلباس مسلم متدين كي نحافظ على حياتنا المحطمة أو ما تبقى منها. إننا نواجه التحقير والتعنيف من المجتمع المحيط، فلا مكان لنا على أرض الواقع، لذا تجدوننا في صفحات السوشال ميديا، نحاول التعبير عن آرائنا بحرية، وحتى هذا التعبير يواجه الكثير من القيود، فهذه الحرية مشروطة، ولكي يحافظ واحدنا على نفسه من التهديد وأرق التفكير بمخاوفه على نفسه وغيره، على معلوماتنا أن تكون منقوصة أو مفتقدة للدقة حفاظاً على سلامتنا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...