باستخدام عود الأسنان، ضع ست علامات على شمعة حمراء لتقسيمها إلى سبعة أجزاء متساوية، وعلى الوجه الأخر اكتب باستخدام العود كلمة "حب"، اجلس على طاولة نظيفة، ضع الشمعة بينك وبين مرآة، قم بإشعال الشمعة وردد تعويذة الحب ثلاث مرات: "أنا وأنت، أنا هنا، أين أنت؟ تعال عندي، أنا وأنت هنا"، ثم تخيل من تحب قادماً باتجاهك بينما يحترق القسم الأول من الشمعة.
كرر الأمر لست ليال أخرى، حتى تنتهي الشمعة.
هذه وصفة واحدة من وصفات "السحر الأبيض" المستخدمة لإيقاع الحب في قلب من لا يلتفت لنا، كما جاءت في موقع لـ"السحر والاستبصار"، وهذه الاعتقادات الشائعة حول "جلب الحبيب" و"سهام الحب" وغيرها، ليست مجرد خرافات أنجزتها مخيلة امرأة عاشقة أو رجل مخيّب، فلا هي هوليودية المنبع ولا بوليودية الهوى، وإنما جزء من اعتقادات راسخة وعميقة في النفس البشرية، يمارسها الكثيرون عبر اعتقادات وإيمانات راسخة، أبسطها، على أقل تقدير، هو الإيمان بـ"قوة الحب"، سواء أخذ هذا الإيمان طابعاً دينياً أو مسحة حياتية بحتة.
نحن نؤمن بـ"الحب" كدين غامض قادر على "تغيير" المصائر والمآلات، وننتظر منه أن ينتشلنا من يأسنا، حروبنا، جوعنا ورغبتنا بالتدمير والاستحواذ.
تعويذة جنسية مصرية
يتحدث روبرت ريتنر، أستاذ علم المصريات في جامعة شيكاغو، وفوي سكالف، رئيس أرشيف البحوث في المعهد الشرقي بالجامعة، في هذا الفيديو عن ورقة بردى يشتبه أنه عثر عليها في منطقة الفيوم في مصر، على بعد حوالي 100 كيلومتر جنوب غرب القاهرة، عما يمكن أن يكون "تعويذة جنسية" تصوّر أمرأة تدعى "تارومواي Taromeway " تحاول جذب رجل بعيد عن متناولها يدعى "كيفالاس Kephalas"، وتصور التعويذة الإله أنوبيس، برأس ابن آوى، وهو يطلق سهماً على "قضيب وخصيتي" كيفالاس العاري.
آمن المصريون القدماء بدين الحب القادر على تغيير المصائر، فكتب الكهان تعاويذ الحب والشهوة الجنسية مدفوعين من نساء ورجال يائسين للحصول على الحب
يقول الباحثان إن التعويذة مكتوبة بالخط الديموطيقي، وهي كتابة متطورة ومشتقة من الهيراطيقية التي كانت مستخدمة في دلتا النيل، وتكتب مثلها من اليمين إلى اليسار. وحصلت هذه التعويذة وغيرها من التعاويذ الجنسية الأخرى، المكتشفة في مصر أو في مناطق مختلفة من الشرق الأدنى والصين، على اهتمام شعبي نادر تجاه البحث العلمي التاريخي الرصين، حيث أصبح موضع اهتمام الثقافة الشعبية، نتيجة ملامسته موضوع الجنس. قلّما تلجأ الثقافة الشعبية أو القراءة العامة لمواضيع بحثية أكاديمية مع أنها من أهم مصادر المعرفة وأدقها.
وتطلب التعويذة على وجه التحديد "شبح الروح النبيلة لرجل المقبرة" أن "يُقلق كيفالاس في منتصف النهار، في المساء وفي جميع الأوقات"، حتى يبحث عن تارومواي برغبة شهوانية عارمة، وأعضاؤه الجنسية الذكرية تلاحق أعضاءها الأنثوية، وتدعو كيفالاس إلى "اجتياز الكواكب الشمالية أو Ursa Major باحثاً عن تارومواي، بينما لا توجد امرأة أخرى يرغب بها وهو يلاحق تارومواي بجنون".
إذ كان لدى المصريين القدماء معرفة كافية بعلم الفلك ويعرفون أن تلك المجموعة من الكواكب لا تنخفض أبداً عن خط الأفق.
يقول ريتنر الفريد إن في هذه التعويذة هو أنها تلقى من قبل امرأة على رجل، على عكس التعاويذ القديمة الأخرى التي يطارد فيها الذكورُ النساء لإخضاعهن. كما أنه من غير المعروف لماذا أرادت تارومواي كيفالاس لهذا الحدّ وما إذا حصلت عليه بالفعل أم أن التعويذة فشلت، ولأن هذا النوع من نوبات "الحب الجنوني" كان يستخدم عادة من قبل الرجال الباحثين عن النساء وليس العكس، يخمن الباحثون أن يكون الاثنان من عرقين مختلفين، فمن الواضح أن تارومواي مصرية بينما كيفالاس ووالدته يمتلكان أسماء يونانية، وكانت مصر في تلك الآونة تحت سيطرة الرومانيين، ويمكن للفارق العرقي أن يصنع حدوداً في وجه هذا الحب.
ويعتقد الباحثان أن تارومواي قد دفعت كاهناً لكتابة التعويذة نيابة عنها، وبمجرد الانتهاء من كتابتها، تم دفنها في قبر لاستدعاء "الروح النبيلة" للقيام بما هو مرجوّ منها. لكن ما علاقة كل ذلك بأنوبيس، إله التحنيط؟
يقول ريتنر إن أنوبيس لا يعمل فقط كمعلم للتحنيط ولكن أيضاً كحارس لبوابة العالم السفلي، فهو الشخص المطلوب لإجبار روح ميت على الانصياع.
تعويذة الحب
يأتي هذا البحث الجديد بعد ثلاث سنوات من قيام الدكتور فرانكو مالتوميني، من جامعة أوديني بإيطاليا، من فك رموز برديين مصريين، يعودان إلى نفس الفترة، 1700 ق م، وقال الدكتور مالتوميني، لمجلة "livescience" أن إحدى التعويذات تستدعي الآلهة "لحرق قلب" امرأة حتى تحب، والتعويذة الأخرى تستخدم سلسلة من الكلمات السحرية "لإخضاع" الرجل وإجباره على فعل ما تريد المرسلة. يقول مالتوميني إن التعويذتين لم تستهدفا شخصاً معيناً إنما تمت كتابتها بحيث لا يحتاج المستخدم سوى لإدخال اسم الشخص المستهدف، ما يدل على شيوع هذا النوع من التعاويذ في تلك الآونة.
وتستدعي تعويذة الحب هذه العديد من الآلهة الغنوصية، وهي ديانة قديمة تشمل عناصر مسيحية، وتستدعي التعويذة حرق سلسلة من القرابين داخل الحمام مع كتابة كلمات التعويذة على جدرانه وهي على الشكل التالي، كما ترجمها مالتوميني:
"أنا أحيطك، أرضاً ومياهاً، من قبل الشيطان الذي يسكنك، وأستحضر قداسة هذا المكان، حتى تحترق وتشتعل وتلتهب، احرق (اسم المرأة المستهدفة) التي ولدتها (اسم والدة المرأة المستهدفة) حتى تأتي إلي".
أما البردي الآخر الذي ترجمه مالتوميني فيهدف إلى إجبار الرجل على فعل ما يريد منه الشخص الذي يلقي التعويذة، وهو جملة تكتب على لوحة نحاسية صغيرة بما فيها من كلمات سحرية وعبارة: "تخضع لي (اسم الرجل) الذي حملت به (اسم والدته)"، ومن ثم خياطة اللوحة على شيء يرتديه الرجل.
من تعاويذ الحب على ورق البردي: "أحيطك، أرضاً ومياهاً، من قبل الشيطان الذي يسكنك، وأستحضر قداسة هذا المكان، حتى تحترق وتشتعل وتلتهب، إلى أن تأتي إلي"
التعاويذ الجديدة
أصيب النبي محمد بالسحر ولم تعصمه الآيات القرآنية، حيث تقول عائشة: "كان يخيل إليه أنه فعل بعض الشيء في البيت مع أهله وهو لم يفعله" حتى استخرج السحر من بئر لأحد الأنصار وأتلف.
في تحقيق قديم أوردته مجلة سيدتي أنه تم ضبط أربع فتيات في إمارة رأس الخيمة، يمارسن السحر للإيقاع بالرجال والحصول على رواتبهن، وقد تم ضبط مجموعة من الأعشاب ومشروبات كحولية وكذلك محارم ورقية تحوي سائلاً منوياً لأحد الرجال لاستخدامه في إعداد التعاويذ السحرية، وفي التحقيق، تروي عدة سيدات الكثير من التغيرات التي لاحظنها على أزواجهن، ويعزين الأمر "لخضوعهم" لسحر تلك السيدات، وبعضهن حاول رد السحر "الأنثوي الأسود" ذاك باستخدام "سحر إسلامي أبيض"، لكن يبدو أن الشياطين السيئة هي من تفوز دائماً
إذ أصيب النبي نفسه بالسحر ولم تعصمه الآيات التي تقول إن الله يعصمك من الناس، فتقول عائشة: "كان يخيل إليه أنه فعل بعض الشيء في البيت مع أهله وهو لم يفعله فجاءه الوحي من ربه عز وجل بواسطة جبرائيل عليه السلام فأخبره بما وقع فبعث من استخرج ذلك الشيء من بئر لأحد الأنصار فأتلفه".
وتستخدم التعاويذ بكثرة في العالم الإسلامي، فلا يخلو بيت تقريباً من "الخرزة الزرقاء" والكف المعروف باسم "خمسة وخميسة" أو كف زينب، العين، الثعبان، الهلال والنجمة، كذلك نسخة القرآن الورقية التي تعمل كحامي للمكان الذي يحتويها.
وبالعودة إلى التعويذة الجنسية المصرية، يوضح ريتنر أن مصر تلك الآونة، كانت دولة ملكية مجتمعية، وعلى عكس المجتمعات القديمة التي كانت فيها الملكية للذكور، كانت النساء يملكن ثلث الملكيات المشتركة، وكان لديهن القدرة على عقد موافقات قبل الزواج والطلاق أيضاً، وكان لهن الحق في إدارة أعمالهن الخاصة والإيجار والبيع وإبرام العقود دون موافقة الذكور، باختصار ،كان لديهن من الحقوق أكثر بكثير مما لديهن حالياً في المجتمعات المعاصرة.
لهذا عندما نسمع أخباراً يومية تملأ مواقع التواصل الاجتماعي والجرائد، عن جرائم تحدث بحق فتيات ظهرت خصلة من شعورهن صدفة، أو عبّرن عن رغبة ما، عشقن أو تلقين قبلة هوائية، في البلاد المصرية أو في المنطقة ككل، ونقارن بين وضع النساء قبل 4000 سنة، حين كانت تسيطر الوثنية أو ما يعرف بعصور الجاهلية السابقة على "البعث"، ووضعهن الآن، ندرك حجم "المجزرة التوحيدية" التي حصلت بحقهن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...