شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"شيعة عثمان"... ظهروا بعد مقتل الخليفة الثالث ورفضوا بيعة علي بن أبي طالب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 27 يونيو 202010:01 ص


زَلزلَ مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان وجدان الأمة الإسلامية الناشئة، وأحدث فيها صدعاً لم تُشفَ منه إلى اليوم، كما كان بدايةً لحراك عسكري- سياسي- ديني كبير غَيّر مسار التاريخ الإسلامي.

مثّل الصراع بين الخليفة الرابع علي بن أبي طالب ومعارضيه (ثلاثي الجمل، معاوية، الخوارج) الكتلة الأكبر في هذا الحراك، وبجانبه وُجدت كيانات ذات موقف سياسي- ديني على رأسهم شيعة عثمان بن عفان الذين عُرفوا في التاريخ باسم "العثمانية".

لم تظهر "العثمانية" في حياة الخليفة الثالث، بل أتت كرد فعل على مقتله، ولم تكن حزباً واحداً مُنظماً، ولم تتشكل على موالاة بني أمية، بل تُرجمت بتجمعات متفرقة لمن ظلوا على ولائهم للخليفة المقتول، ورفضوا بيعة علي بن أبي طالب أو تأييد معاوية - في بادئ الأمر، غير أنهم كانوا الداعم الأول لحراك ثلاثي الجمل (عائشة، طلحة، الزبير).

تَركّز الطرح الفكري للعثمانية على تفنيد الفكرة المركزية للشيعة (شيعة عليّ)، المتمثلة في القول بأفضليته على أبي بكر وعمر وعثمان، وأحقيته بالحكم عقب وفاة الرسول.

فمن هم "شيعة عثمان"؟ وما الدور الذي لعبوه في حروب الفتنة؟

شيعة عثمان بن عفان

ترك مقتل الخليفة عثمان في عام 35 هـ (656 م) آثاراً كبيرةً في وجدان المسلمين، وصَدّع بنيان الأمة الواحدة، فانقسمت إلى عدة فرق، ثلاث منها كبرى (علي، ثلاثي الجمل، ومعاوية)، وفرق أخرى صغيرة منها العثمانية، ووراء كل فريق جماعة من الأمة.

بدأت العثمانية بشكل عفوي، ودون تنظيم مسبق، إذ ظهرت من خلال عدة مجموعات في الأمصار المتفرقة، عبّرت عن ولائها لعثمان، ووفائها لذكراه بأشكال مختلفة. لم يكن هذا التباين الوحيد بين شيعة عثمان؛ إذ تباينوا كذلك في الدوافع التي ربطتهم بذكرى الخليفة، بين ما هو شعور ديني عميق، وبين ما هو إحساس بالجميل أو منافع اقتصادية.

وتختلف العثمانية عن الأمويين؛ فالأولى لم تكن ذات مشروع سياسي، أو مطمع في السلطة، إذ ارتكزت قضيتها على فكرة القصاص، بحسب ما يرد في كتاب "الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر" لهشام جعيط.

اختلف الأمر مع الأمويين، وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان، إذ كان محرك قضيتهم الطمع في السلطة، ولأجل الأخيرة ركبوا موجة مقتل عثمان.

ثمة اختلاف آخر بين الطرفين تمثَّل في طبيعة القوى المنضوية تحت كل منهما؛ فالعثمانية تكونت كأفراد من مختلف القبائل سواء التي شارك أبناؤها في الثورة على عثمان ثم قتله أم لم يشاركوا، فيما تكونت كتلة الأمويين الرئيسية من الأحلاف القبلية في الشام والتي ربط بينها وبين معاوية وحدة عضوية، نتيجة طول عهده في ولاية الشام، وفق طه حسين في كتابه "الفتنة الكبرى - علي وبنوه".

ففي مصر التي خرجت منها المجموعة الأشد نقمةً على عثمان، والأكثر فعاليةً في حادثة القتل، ظهرت العثمانية كرد فعل على الحراك السياسي ثم العسكري ضد الخليفة الثالث، وتشكلت على إيقاع مضاد للدعاية الشديدة المناوئة لعثمان قبل مقتله، ثم عبّرت عن نفسها بشكل مباشر عقب قتله، وفق تحليل جعيط.

اتخذت عثمانية مصر موقفاً اعتزالياً في البداية، لم يتغير إلا بعد موقعة صفين التي تعادل فيها الفريقان، ما شجّع شيعة عثمان على العمل ضد والي الخليفة (علي بن أبي طالب). قبل ذلك اعتزلوا الشأن العام عقب المقتل مباشرةً، وانتقلوا كجماعة مقاتلة إلى منطقة خربتاء (غربي القاهرة) التي كانت أحد معسكرات العرب في مصر.

بدأ علي بن أبي طالب عهده بتغيير جميع ولاة الأمصار، فأوفد إلى مصر قيس بن سعد بن عبادة الذي حظي ببيعة أغلب العرب في مصر، إلا العثمانية الذين اعتزلوا بخربتاء واتفقوا مع سعد على ألا يُكرِهَهم على البيعة، مقابل ألا يتدخلوا في شؤون ولايته، وظلت تلك العلاقة قائمة بينهما حتى عزل سعد عن الولاية، وفق كتاب "تاريخ الطبري".

أما العثمانية ممن يدينون بالفضل لشخص عثمان بن عفان، فهم ثلة من الوجهاء الذين أكرمهم عثمان بالمناصب والأموال الكثيرة، وعلى رأسهم مروان بن الحكم، ويعلى بن منية (والي عثمان على اليمن)، وعبد الله بن عامر (والي عثمان على البصرة)، وعبد الله بن عامر الحضرمي (والي عثمان على مكة)، وغيرهم، ويمكن تسميتهم بـ "عثمانية الوجهاء".

بدأت "العثمانية" بشكل عفوي، ودون تنظيم مسبق، إذ ظهرت من خلال عدة مجموعات في الأمصار المتفرقة، عبّرت عن ولائها لعثمان، ووفائها لذكراه بأشكال مختلفة... تباين هؤلاء في الدوافع التي ربطتهم بذكرى الخليفة، بين شعور ديني، وبين الإحساس بالجميل والمنافع الاقتصادية

أمّا الكتلة الأكبر من العثمانية فهم من تشكل ولاؤهم نتيجة ما نالوه من مكاسب اقتصادية في عهد عثمان، وهم عثمانية البصرة الذين يختلفون عن الفرقة السابقة في كونهم أكثر عدداً، وكون مكاسبهم لم تأتِ من قرابةٍ مع عثمان، بل كنتيجة غير مباشرة لسياسته في توسيع الغزو.

وكانت البصرة قد نالت الحظوة لدى عثمان على الكوفة، وساهمت بالنصيب الأكبر في غزو بقايا الإمبراطورية الفارسية، وأذربيجان والمناطق الشرقية، ما عاد عليها بمنافع كبيرة تمثّلت في العطاء والغنائم. ولم يكن للبصرة حظ كبير في الغزو قبل عثمان، أو اشتراك كبير في فتح العراق مثل الكوفة، كونها أحدث عهداً منها، وفق تحليل جعيط وحسين ورواية الطبري.

يقول الطبري: "وَجّه علي بن أبي طالب عثمان بن حُنيف إلى البصرة، فلم يردّه أحدٌ عنها، إذ لم يتخذ واليها عبد الله بن عامر موقفاً، وافترق أهلها فاتبعت فرقةٌ الجماعة، وبايعت عليّاً، وفرقة أخرى لم تُبايع وقالت ′ننظر ما يصنع أهل المدينة فنصنع كما صنعوا′". وعلى الرغم من استتباب الأمر لوالي علي، إلا أنه كان استقراراً ظاهرياً؛ إذ كانت عثمانية البصرة تنتظر من يحركها، وهو ما حدث في موقعة الجمل، ثم في صفين بعد ذلك.

شهدت عثمانية البصرة تحولات فكرية عقب معركة الجمل التي راح ضحيتها الكثير من أبنائها في الحرب مع جيش الخليفة علي، ما أدى إلى تحولها من ارتباط عاطفي إلى أيديولوجية سياسية، وفق مرجع جعيط.

بجانب ذلك وُجدت عثمانية في اليمن، ارتبطت بالوالي يعلى بن منية، وظهر نشاطها السياسي في مناوئة الوالي من طرف الخليفة علي، عبيد الله بن عباس، ودعم حملة معاوية التي أرسلها إلى اليمن، بعد موقعة صفين.

يُضاف لما سبق عثمانية مكة التي تشكلت بالعصبية لعثمان وقرابته، وحول واليها الحضرمي، ابن خالة عثمان، غير أنها لم تظهر على مسرح الأحداث، لكن هذا الهوى العثماني جَنّب مكة غضب معاوية، بعكس المدينة المنورة التي نالها منه الأذى، وفق مرجع الطبري وحسين.

العثمانية وحرب الجمل

لعبت عثمانية الوجهاء دوراً جوهرياً في صراع ثلاثي الجمل مع الخليفة علي، إذ وفّر الوالي ابن الحضرمي الدعم لدعاية السيدة عائشة، ولكل من لاذ إلى مكة، ومنهم الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله، بعد أن طرد الوالي المُرسَل من الخليفة علي.

شكّل وصول يعلى بن منية من اليمن إلى مكة، بعد أن أخذ ما في بيت المال وأمواله الخاصة معه، دفعاً كبيراً لحراك الثلاثي، إذ تكفل يعلى بتمويل حملة الثلاثي إلى البصرة، وكان معه حين وصل 600 بعير مُحمّلة، وأموال تُقدر بـ600 ألف (لم يحدد الطبري ما إذا كانت دراهم أم دنانير).

لعبت "عثمانية الوجهاء" دوراً جوهرياً في صراع ثلاثي الجمل مع الخليفة علي، إذ وفّر الوالي ابن الحضرمي الدعم لدعاية السيدة عائشة، ولكل من لاذ إلى مكة، ومنهم الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله، بعد أن طرد الوالي المُرسَل من علي بن أبي طالب

وقُبيل التحرك، سعت عثمانية الوجهاء إلى تشجيع الناس على الالتحاق بالحملة، وكان المنادي يقول :"أم المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة، فمن كان يريد إعزاز الإسلام وقتال المحلّين، والطلب بثأر عثمان، ومن لم يكن عنده مركب ولم يكن له جهاز فهذا جهازه وهذه نفقة"، وفق مرجع الطبري.

وتولى والي البصرة السابق، عبد الله بن عامر، تنسيق اتصالات الحملة مع عثمانية البصرة، وكسبت الحملة قطاعاً كبيراً من مقاتلي المدينة بجانبها، ليسوا جميعاً عثمانية، إذ أن هناك قبائل قاتلت تأثراً بوجود السيدة عائشة، ودفاعاً عنها، بينما بقي قطاع آخر على بيعته للخليفة وواليه عثمان بن حُنيف، ثم وقعت معركة الجمل التي تسببت في التحول الفكري في عثمانية البصرة، كما سبق ذكره.

العثمانية في الصراع بين علي ومعاوية

عقب موقعة الجمل، بايعت البصرة الخليفة علي، غير أن العثمانية منهم ظلت صدورهم تغلي عليه، وانعكس ذلك في الدعم الفاتر الذي قدمته المدينة للخليفة الجديد. بعد موقعة صفين، وما ترتب عليها من تعادل كفة الطرفين بحكم النتائج النهائية، تشجعت عثمانية مصر وتطلعت للتعاون مع معاوية، غير أن قوة الوالي قيس بن سعد حجّمت نشاطهم.

باستبدال سعد بمحمد بن أبي بكر، وما له من دور في الثورة على عثمان، أصبح الصدام حتمياً بين الطرفين، خصوصاً في ظل اتصالات معاوية وعمرو بن العاص بشكل خاص مع عثمانية مصر، ووقوع مواجهات عسكرية بينهما، هُزم فيها جيش الوالي محمد، وفي تلك الأثناء دخل عمرو بن العاص بجنود مصر، وألقى القبض على محمد بن أبي بكر، وقتله، وفق الطبري وحسين.

شجّع نصر مصر معاوية على تكرار التجربة في الأقطار الأخرى غير العراقية، فأرسل حملة عسكرية بقيادة بسر بن أرطأة إلى الحجاز واليمن، وحين وصلت اليمن دعمتها شيعة عثمان، ومكّنتها من السيطرة عليها، غير أن الانتصار لم يدم طويلاً، إذ هرب بسر بعد أن علم بقدوم حملة من طرف الخليفة علي بقيادة قدامة بن جارية، وقام الأخير بالتنكيل بشيعة عثمان في اليمن، وفق الطبري وطه حسين.

أما الدور الخطير للعثمانية في الصراع، فتمثّل في ما عُرف بقضية ابن الحضرمي في البصرة.

تبدأ القصة، وفق رواية الطبري، بمخطط بين معاوية وعمرو بن العاص للتواصل مع عثمانية البصرة، بهدف تنظيم انقلاب على الخليفة علي، في مركزه في العراق.

كان عبد الله بن عامر الحضرمي وَفَد إلى معاوية عقب موقعة الجمل، فوقع اختيار معاوية عليه للقيام بمهمة "تثوير البصرة"، حسب تعبير جعيط.

الإنتاج الفكري لـ"شيعة عثمان" لم يكن ذائع الصيت، ولا أهمية كبيرة مُعلقة عليه، لغياب مشروع سياسي حوله، في وقت نشأت جميع الفرق الإسلامية من رحم الصراع السياسي.

وصل ابن الحضرمي إلى البصرة، فنزل على قبائل بني تميم، وانقسمت البصرة إلى عدة طوائف: طائفة عثمانية مع ابن الحضرمي، كتب الطبري عنها أن "شيعة عثمان يختلفون إلى ابن الحضرمي"، وطائفة معتزلة، وطائفة مع سلطة الوالي. وكتب زياد بن أبيه إلى علي بالحادثة، فأرسل الأخير رجلاً من بني تميم لحثهم على التخلي عن ابن الحضرمي، غير أن العثمانية قتلوه، فأرسل علي رجله القوي جارية بن قدامة مصحوباً بـ1500 مقاتل، وهو أحد وجهاء تميم، فنجح في إقناع القبيلة برفع الحماية عن ابن الحضرمي، ولم يبق مع الأخير سوى مجموعة صغيرة من العثمانية الأيديولوجية، فقاتلهم جارية، وقتل الكثير منهم، ومنهم ابن الحضرمي.

بذلك، انتهى دور العثمانية في الصراع بين علي ومعاوية، كما فقدت حدتها الأيديولوجية، لتعود مرةً أخرى إلى ولاء عاطفي، اكتسب طابع التنظير، مع نمو الثقافة العربية، كان خير ممثل له الجاحظ، ابن البصرة.

العثمانية كحركة فكرية

لم ينل الإنتاج الفكري لـ"متكلمي العثمانية" - بتعبير الجاحظ -أهميةً لدى الباحثين، وكذلك الدور السياسي لهم. ولم يُكتب بشكل مستقل عن فكر العثمانية سوى كتاب "العثمانية" للجاحظ، وهو الوحيد الذي وصل إلينا عن فكرهم، وربما توجد شذرات أخرى عنهم، لكنها تتطلب بحثاً كبيراً.

يقول الجاحظ في مقدمة كتابه: "أما علماء العثمانية ومتكلّموهم، وأهل القدم والرياسة منهم…"، لتشهد هذه العبارة على وجود حراك فكري للعثمانية، ومن خلال كتاب الجاحظ يمكن تحديد معالم هذا الفكر.

يتناول الكتاب مسألة أفضلية الخلفاء الراشدين الأربعة، ويفنّد حجج الشيعة (شيعة علي) حول سبقه بالأفضلية على من عداه من الصحابة، كما يتناول قضية الخلاف حول أسبقية علي أم أبي بكر في الإسلام.

من خلال الكتاب، يوافق الجاحظ الترتيب السائد عند السنّة حول أفضلية أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، من دون أن يهاجم علياً، أو يشنّع عليه، إذ ركّز الجاحظ حول تفنيد أفضليته، وما يتبعها من أحقيته بالحكم تبعاً لهذه الأفضلية.

يبدو أن الإنتاج الفكري للعثمانية لم يكن ذائع الصيت، ولا أهمية كبيرة مُعلّقة عليه، لغياب مشروع سياسي حوله، في وقت نشأت جميع الفرق الإسلامية من رحم الصراع السياسي، وافتقاد العثمانية لهذا البعد أدى إلى ضآلة وجودهم، ثم غيابهم من التاريخ الثقافي، بجانب أن طرحهم النظري لم يأتِ بجديد عما قاله أهل السنة.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image