"اللى راح بمشرط يرجع بمشرط، هتفت الشابة الثلاثينية وهي ترقص بغرفة العمليات، بعدما أجرى طبيبها العملية، أجلسها على طاولة العمليات، خدرها نصفياً، باعد بين ساقيها، وأعاد لها بظرها من جديد، لسنا نعلم تحديداً كيف كانت تشعر قبل إجرائها"، هكذا وصف في حديث لرصيف22 دكتور عمرو سيف الدين، رئيس وحدة الجراحات التناسلية النسائية، بمستشفى الجلاء بالقاهرة سابقاً، إحدى نتائج عمليات ترقيع الختان (إصلاح البظر).
يحاول الدكتور عمرو أن يعيد الأمل طوال 22 عاماً لضحايا الختان، عبر عملية ترقيع الختان، ويفضل المصادر الطبية التي تحدثت معها رصيف22 إطلاق اسم "ترميم البظر" على تلك العمليات.
سألنا الدكتور عمرو: هل بالإمكان التواصل مع هذه المريضة؟ يجيب مشيراً إلى تغيرات طرأت على وعي المصريات فيما يتعلق بالختان: "البنات دلوقتي مبقوش زي زمان، دلوقتي بقوا يخافوا، ويتكسفوا يقولوا إنهم مختنات، زمان كانت جوازات تبوظ لو البنت مش مختنة".
حوادث نفسية وتشوهات خلقية
اطلعتُ شخصياً على صورة بمعرفة الطبيب، لعملية أجراها لإحدى المريضات، كان لديها تجمع يشبه الكيس الدهني أو الورم أسفل البظر، الذي تمّ خياطته فيما يعرف بـ"الختان الفرعوني"، تمت خياطة البظر بالكامل، وتركت مسافة صغيرة بحجم حبة الزيتون لنزول البول، ودماء الحيض.
يروي لنا الطبيب كيف سبَّب الختان لهذه المريضة آلاماً شديدة، اكتشفها حينما جاءت إليه تريد استعادة بظرها كما كان قبل إجراء عملية ختان قاسية لها، لم يكن يدرك مدى فداحة الأمر إلا حينما لاحظ الخيط القديم، وفكَّكه، واكتشف ما وراءه.
"لماذا يفعل الأهالي ذلك لبناتهم وماذا أفعل لأصلح هذا الأمر؟".
"كنت نايب صغير سنة 1985 في مستشفى الجلاء"، يتذكر دكتور عمرو أول حالة قام بعلاجها من آثار الختان، قائلاً: "مالقيتش مكان أولدها منه، كان بظرها مسدود، وكان في فتحة بحجم العملة المعدنية يظهر منها شعر الطفل، وتصورت أنها عيب خلقي، لأني لم أدرس هذه الحالة في الطب، أمسكت بالمقص بعد تخدير المريضة موضعياً، وحينما شققت طولياً وفي غضون دقائق ولدت المرأة طبيعياً، وخرجت رأس الطفل، المشيمة والخلاص، الغريب أنني جلست أفكر في هذا الأمر، لماذا يفعل الأهالي ذلك لبناتهم وماذا أفعل لأصلح هذا الأمر؟".
وكانت الإجابة بعد عدة سنوات، حينما تخصّص عمرو في إجراء عمليات ترقيع الختان للمتضررات من الختان، وعمليات تجميلية أخرى مثل "التصليح المهبلي" أو "تقويم الشفرات" لمن تشوهت أعضائهن التناسلية لأسباب مختلفة، وفي عام 2002 بدأ في إنشاء وحدته الجراحية الخاصة.
تاريخ العملية
يعتبر دكتور عمرو سيف الدين، نفسه أول طبيب مصري وعربي يجري عمليات ترقيع الختان في الشرق الأوسط، ومن خلال بحثنا، وجدنا أن تلك التقنية كان يقوم بها طبيب فرنسي في نفس الوقت تقريباً حينما بدأ سيف الدين، هو بيير فولديز، والذي نشرها في أوروبا عبر تلاميذه، لمعالجة ضحايا الختان من مصر وأفريقيا والشرق الأوسط، ففتحوا عيادات في ستوكهولم، برشلونة، بوركينافاسو، برلين وسويسرا، وأغلبهم كتبوا إعلاناتهم باللغة العربية عبر الإنترنت، وفيما كان لدكتور بيير نتائج بحثية تشير إلى نسبة نجاح تقارب الـ90%، كان لدكتور عمرو نسبة قريبة منها أيضاً.
"بالطبع لا شيء يعود كما كان، فالجزء الذي يقطع لا يعود، البظر يحتوي على أكثر من 8 آلاف نهاية عصبية، ويتعامل مع أكثر من 15 ألف نهاية عصبية أخرى، وهو من أهم الأجزاء في جسم المرأة"
يعود دكتور عمرو بالذاكرة، ليقول: "قابلت بيير، وتناقشنا حول تقنية كل منا، تقنيته تعتمد على ترقيع غشاء البظر بجزء من المهبل، أما تقنيتي فتعتمد على فترة تعافي المريضة، حيث يترك البظر بعد إطالته إلى الخارج لمدة تعافي تصل إلى 8 أسابيع، ليكون طبقة غشائية مثل المبطنة للفم".
يضيف رئيس وحدة الجراحات النسائية بالجلاء سابقاً: "لازم يتشال النسيج المتليف من البظر، ويوضع البظر في مكان قريب من اللمس، بعض الفتيات نضطر لحقن بظرهم بالبلازما لتعزيز الإحساس، وفي بنات زعلانين عشان الشفرات غير موجودة، ابتكرنا طريقة لوجود شفرات جديدة".
"بالطبع لا شيء يعود كما كان، فالجزء الذي يقطع لا يعود"، هكذا يؤكد دكتور عمرو مضيفاً: "البظر يحتوي على أكثر من 8 آلاف نهاية عصبية ويتعامل مع أكثر من 15 ألف نهاية عصبية أخرى، وهو من أهم الأجزاء في جسم المرأة، لكن ممكن نطوله ونرجعله الإحساس من جديد".
"مبهورة بإحساسي"
"أنا اتغفلت كنت فاكرة إنه صح، وموافقة يتعملي ختان، وقت العملية كان الألم رهيب، ولما كبرت، وعرفت إنه مش صح، اتصدمت واكتأبت وفقدت الثقة في أهلي، حسيت إنه اتضحك عليا"، تقول إحدى "المريضات" أثناء سرد حكايتها الخاصة لحملة "براح آمن" التي أطلقت منذ شهر لدعم ضحايا الختان، وأخذنا تصريح بنشر قصتها، ولكن دون الكشف عن هويتها.
"لما عرفت بالعملية حسيت إنه في أمل، كنت شاكة في البداية، وخايفة لكن نتيجتها رجعتلي ثقتي في نفسي تاني، والإحساس في المنطقة دي اتحسن، وكنت مبهورة"، تقول "المريضة" معبرة عن إحساسها بعد نجاح العملية.
ويشير عمرو إلى إنه أجرى خلال الـ22 عاماً الماضية (منذ عام 1998)، قرابة 120 عملية في السنة، ويعتبر "المردود الذي يتلقاه من المريضات بعد تحسن حالتهن النفسية هو أعظم مكسب يحصل عليه".
"لا أريد أن يموت هذا العلم الذي تعبت فيه لمدة 22 عاماً معي"، يقول الطبيب عمرو.
لذلك، ورغم ارتفاع تكلفة عملية ترقيع الختان في مصر يسعى عمرو بصحبة فريقه المعاون إلى دعم من الهيئات المهتمة بشؤون المرأة، من أجل إنشاء أول مركز متخصص لعلاج آثار الختان في إفريقيا والشرق الأوسط، يكون مقره مصر، وتكون وحدة متعددة التخصصات بها فريق مكون من طبيب تخدير، طبيب تجميل، طبيب عمليات نسائية، طبيبة أو أخصائية علم نفس، باحثة اجتماعية، ومحامي.
الحياة تعود من جديد
"عيونها كانت بتدمع وهي بتقولي أنا عمري ما عرفت اتكلم مع حد في الموضوع ده، لكن الفكرة دي كانت دايماً في راسي إني مش كاملة مش سليمة مش واثقة من نفسي"، هكذا تصف دكتورة ريهام عواد في حديث لرصيف22، طبيبة التجميل النسائية وتعد رسالة ماجستير في كلية طب قصر العيني بالقاهرة عن تجميل البظر المتضرر من آثار الختان، حكاية إحدى مريضاتها.
تقول ريهام: "أكثر حالة تأثرت بها كانت من مستوى اجتماعي راقٍ، أصول عائلتها تعود لجنوب مصر، خُتنت مرتين، أول مرة بتقولي كنت صاحية وفايقة ومتخدرة ببنج نصفي، كان عمرها 10 سنوات وكان الطبيب بيستغفر طول وقت العملية".
ولسوء حظها، سبب لها الطبيب نزيفاً حاداً، تقول لريهام: "في اليوم التالي كان النزيف شديد، روحتله وخيط الشفرتين الكاملتين للبظر بعد قطع الشفرات الداخلية تماماً، بتقولي أنا كنت مكسورة وحياتي كانت سيئة".
لكن ماذا بعد عملية ترقيع الختان؟ تقول عواد واصفة فرحة مريضتها: "تغيرت حياتها بالكامل وده اللي خلاني أتأثر بيها جدا، مش هي بس كل اللي عملتلهم العملية، 20 ست، مريضتي لم تصل من قبل للنشوة وبعد العملية وصلتلها وقالتلي أنا حاليا واثقة أوي من نفسي وأنا بمشى وأنا بتكلم، تأثرت بها جداً".
نسبة نجاح 85%
تقول عواد إنها فوجئت أن 87% من النساء في مصر تعرضن للختان (اليونيسيف 2016)، وبالتالي بدأت بحثها عن حالات لتجري لها العملية وعبر صفحة فيسبوكية نشرت منشور لها، في خلال ساعتين اتصل بها حوالي 40 مريضة، وبدأت في فحصهن.
اختارت عواد المتزوجات ممن تقدمهن إليها لإجراء العملية، وكانت تخضعهن لعدة اختبارات، تقول: "كنت أسألهن قبل العملية هل يصلن إلى النشوة، بعض الفتيات معمولهم ختان لكن بسيط، فكانوا مش بيحتاجوا عمليات، ويستطعن الوصول للأورجازم لكن كنت أسمع أنهن يشعرن بنقص".
"كما خضعت المشاركات في الرسالة لاستبيان FSFI (Female Sexual Function Index)، ومقياس لمستوى إحساس البظر، وكذلك المدة التي يستغرقنها للإحساس، وعضوياً نكشف هل البظر موجود أم لا، ووضع الشفرتين، ونسألهن على الاستمتاع وقت الجماع أو العادة السرية، الطبيعي من 5 إلى 10 دقائق بمداعبة البظر، أو من وقت الدخول أثناء ممارسة الجنس، فإذا كانت المدة أطول فهي تحتاج إلى العملية".
"كنت أسألهن قبل العملية هل يصلن إلى النشوة، بعض الفتيات معمول لهم ختان لكن بسيط، فكانوا مش بيحتاجوا عمليات، ويستطعن الوصول للأورجازم، لكن كنت أسمع أنهنّ يشعرن بنقص"
وعن نتائج رسالتها، قالت إن نسبة النجاح وصلت إلى 85% وتحسن الإحساس لدى 19 من 20 حالة، أما الحالة الأخيرة لم يحدث لها تحسن، لكن لم يحدث لها مضاعفات، النجاح كان نفسياً لها، أن عاد الشكل كما كان، وذلك عزز من ثقتها بنفسها، وتنفي ريهام وجود أي مضاعفات حدثت لمريضاتها، باستثناء واحدة تعرضت لالتهاب مهبلي خارج البظر تماماً.
بالطبع، لا يزال الاختلاف قائما بين عاملين في مجال الطب، ومنظمات حقوقيات، فالختان جريمة، وآثارها النفسية قد تظل ملازمة للفتاة، ويقع الأطباء في مأزق أخلاقي وهو التخفيف من حدة الجريمة التي ترتكب بحق المختتنات.
بعض المنظمات الحقوقية لم تؤيد لكنها لم ترفض بشكل قاطع هذه العمليات، ورأت أنه من الأصلح توجيه الدعم إلى وقف ممارسة ختان الإناث من الأساس، ومحاربة هذه العادة بدلا من دعم عمليات إصلاحها لأن ذلك يمكن أن يشجع أكثر على استمرار هذه العادة طالما هناك طرق لإصلاحها.
"الأمر يعود للأطباء وليس للشرع".
ويذكر أن دار الإفتاء المصرية حرمت الختان عام 2016، كما حرمه الأزهر، لكنه لا يزال يمارس في مصر، وعن عمليات ترقيع الختان، قال دكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: "هذا الأمر يعود أيضاً للأطباء للبت فيه وليس للشرع"، موضحاً أن الحكم على عمليات جراحية من عدمها بعد هذه العمليات البدائية، فمرده إلى الأطباء وليس للفقهاء".
وفي النهاية، تستحق جهود الأطباء التقدير في محاولة استعادة المرأة ما فقدته، أو التخفيف من حدته، ولكن ذلك لا يعني أن "ما تم قطعه يمكن أن يعود"، على حد تعبير الدكتور عمرو.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...