شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
“تزوجت فرنسياً يهودياً

“تزوجت فرنسياً يهودياً"... زواج التونسيات بأجانب بين رفض المجتمع وإنصاف القانون

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 15 يونيو 202002:36 م

تعدّدت طرق التواصل الاجتماعي واختلفت وسائلُه في زمننا، ممّا سهّل عملية التواصل بين أبناء البلد الواحد، وبين أبناء جميع الدول على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وثقافاتهم ولغاتهم، وأصبح العالم فعلاً عبارة عن قرية كونية.

الأمر الذي جعل الكثيرين يتزوّجون من خارج دولهم، على غرار العديد من الشباب التونسيين الذين اختاروا أن يكون شركاء حياتهم من دول أخرى.


إلا أن تونس قامت بخطوة سباقة وجريئة، مقارنة ببقية الدول العربية المسلمة؛ فألغت مادة في القانون تعود إلى عام 1973، والذي يمنع زواج التونسية المسلمة من رجل من غير ديانتها، في ديسمبر 2017، وأصبحت التونسيات يتمتعن بحرية اختيار أزواجهنّ من الدّيانات الأخرى سواءً من تونس أو من خارجها.

"مللت الانتظار"

لا توجد إحصائيات رسمية لعدد التونسيات اللاتي تزوجن من رجال أجانب، ولكن يسود شعور في تونس أن العدد يأخذ في ارتفاع سنة تلو الأخرى، خاصة مع تعدّد مواقع التواصل الإجتماعي، وسهولة الاتصال.

تقول أمل (25عاماً) لرصيف22: "تعرفت على (بوراك)، صديقي التركي على فيسبوك، وكنا مجرد صديقين، إلى أن سافرتُ إلى تركيا، والتقينا، وقرر فجأة أن يتقدّم لخطوبتي. تردّدت قليلاً في البداية، لكنني فاتحتُ عائلتي في الموضوع، وأقنعتهم، وقبلوا أخيراً، خاصة بعد أن عرفوا أنه مسلم".

"عانينا كثيراً من أقوال الجيران، وتنمّرهم عند زواج ابنتي بزميلها الفرنسي اليهودي، لقد نسوا تماماً قول الله تعالى"لا إكراه في الدّين"، فكلُّ شخص حرّ في معتقده، والحمد لله هي سعيدة في زواجها ولديها طفلان"

يُرجع البعضُ ظاهرة إقبال التونسيات على الزواج من أجانب إلى توقهنّ للعيش في ظروف اقتصادية أفضل من تلك التي يعشنها في تونس، خاصة مع ارتفاع نسبة البطالة، وتأخّر سنّ الزواج على حدّ سواء. وهما سبب ونتيجة.

يقول أحمد (30 عاماً) خرّيج هندسة فلاحية بحسرة لرصيف22: "خطيبتي تركتني، وتزوجت رجلاً إيطالياً، وأنا لا ألومها؛ فأنا عاطل عن العمل، ولن أستطيع الزواج منها".

ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب يمكن أن يكون سبباً أيضاً؛ فعزوفهم عن الزواج بات جلياً، خاصة بعد ارتفاع مواد البناء، وتكلفة الزواج، وأسعار الإيجار، حيث يختار كثيرون البقاءَ دون زواج لقلّة ذات اليد، كما صرّح مراد (29 عاماً) لرصيف22: "قرّرت ألّا أتزوج، فذلك أفضل من أن أعيش في فقر مع زوجة وأطفال، وأدخل في مشاكل أنا في غنى عنها. ولستُ ضدّ الفتاة التي تريد زوجاً ميسوراً، فهذا من حقّها".

إيناس (32 عاماً) انتظرت صديقها طويلاً، وبعد مللها من الانتظار، قرّرت أن تتزوج من رجلٍ باكستانيّ، رغم نصيحة عمّتِها بأنها إن ظلّت بلا زواج في بلدها، أفضل من أن تتزوج وتذهب إلى "بلاد الغربة القاتلة".

مؤخراً، انتشرت قصص المتزوجات التونسيات من أجانب، وبرزت صورهن على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أُنشئت غروبات، وصفحات خاصة بهن، مثل غروب "متزوجات تونسيات بأجانب"، والذي تجاوز عدد أعضائه الأربعين ألفاً؛ فألهمت تلك القصص الكثيرات، وشجعتهنّ على خطو تلك الخطوة التي كانت من بين المحظورات.

"كفروني لزواجي بيهودي"

"أصبحت كافرة بعد أن تزوّجت بيهوديّ"؛ تردّدت هذه العبارة كثيراً على مسامع عائلة هيام (28 عاماً)، اسم مستعار وتسكن في محافظة سوسة، وتعمل في شركة اتصالات، بعد أن عقدت قرانها مع صديقها الفرنسيّ اليهوديّ، وسافرت معه ليعيشا في باريس.

تقول والدة هيام (55 عاماً) لرصيف22 بعد أن تزوجت ابنتُها من فرنسيّ يهودي: "عانينا كثيراً من أقوال الجيران وتنمّرهم عند زواج ابنتي بزميلها في العمل في باريس. لقد نسوا تماماً قول الله تعالى"لا إكراه في الدّين"، فكلُّ شخص حرّ في معتقده، والحمد لله هي سعيدة في زواجها ولديها طفلان".

أثار تنقيح القانون جدلاً واسعاً في صفوف التونسيين، واعتبره كثيرون تجاوزاً على النصّ القرآنيّ، وتعدّياً على دين أغلبية الشعب. يقول عياض (40 عاماً): "كيف لهؤلاء السّاسة أن يتعدّوا على ديانة 99 بالمائة من الشّعب؟ إنه تحريف للقرآن الكريم ولا تفسير آخر له".

تحدّت الكثير من الفتيات عائلاتهن والمجتمع معتمدات على القانون الذي أصبح في صالحهن، وشجّعهن أكثر من ذي قبل على خطو خطوة تعتبر جريئة في مجتمع ذي أغلبية مسلمة.

تقول نهال (28 عاماً)، طالبة في كلية حقوق من تونس العاصمة، لرصيف22 بأسف كبير: "تزوّجت من صديقي الألماني المسيحيّ بعد تنقيح القانون، لكنني وجدتُ رفضاً بل عداءً كبيراً من قبل المحيطين بي من أقارب وجيران، حتى إن البعض منهم قاطع عائلتي بسبب زواجي. إنه فعلاً أمر محزن".

"الحمد لله عائلتي متفتحة، ولم يمانعوا في الزواج من فرنسي مسيحيّ، خاصة بعد أن تعرّفوا عليه، ووجدوا أنه ذو أخلاق عالية، وهو مستعدّ لدخول الإسلام، إلا أنني لن أجبره على ذلك، فكلٌّ منّا حرّ في معتقده"

أما خولة سمعالي، شابة تونسية تعمل في نزل، مرتبطة برجلٍ فرنسيّ تعرّفت عليه في بلاده، فكثيراً ما تسمع كلمات مثل: "حرام ما تفعلينه… ثمّ إنه سيجلب لك الكثير من الأمراض… كيف تتزوّجينه وهو غير مختون؟".

تقول سمعالي لرصيف22: "المحيطون بي رفضوا قطعاً تقبّل الأمر، لكن الحمد لله عائلتي متفتحة، ولم يمانعوا في الزواج من فرنسي مسيحيّ، خاصة بعد أن تعرّفوا عليه، ووجدوا أنه ذو أخلاق عالية، وهو مستعدّ لدخول الإسلام، إلا أنني لن أجبره على ذلك، فكلٌّ منّا حرّ في معتقده".

على خطى المشاهير

لم يقتصر زواج التونسيات من أجانب على "عامة الناس" فقط، بل إن من المشاهير التونسيات كثيرات تزوّجن من خارج تونس؛ مثل ريم السعيدي، عارضة الأزياء التونسية المسلمة التي تزوّجت من الإعلامي اللبناني المسيحي وسام بريدي، وقد أثار زواجهما ضجة إعلامية كبيرة.

كما تزوّجت التونسية ياسمين الترجمان، حفيدة الرئيس الحبيب بورقيبة من الوزير الفرنسي السابق أربك بيرسون، وتزوجت الكوميدية التونسية ذات الشعبية الواسعة في فرنسا سامية أوروزمان أجنبياً فرنسياً من أصول إفريقية، وتهكّمت في أشهر عروضها على ردة فعل والدتها من زواجها برجل "أسود البشرة".

رغم قبول البعض بقانون السّماح للمسلمةِ الزواجَ بغير المسلم، إلا أن الرافضين له كثرٌ من داخل تونس وخارجها، خاصة على غرار علماء أزهريين ندّدوا بالقرار واعتبروه مخالفاً للشريعة الإسلامية، بينما مازالت الخطوات حثيثة في تونس لتجديد الخطاب الدينيّ والاجتهاد في الفكر الذي لم يشهد تطويراً يُذكر منذ أكثر من خمسة قرون.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image