"خرجت من ورشة الخياطة وأنا أستذكر الأشياء التي أوصتني عليها أمي، كي لا أضطر إلى الخروج مجدداً من البيت، بعد رحلة تقارب الساعتين في المواصلات العامة المزدحمة".
"كنت أعتقد أنه مجرد يوم عادي. لكن عند وصولي، تفاجأت بمديري في الورشة يجلس مع أمي وقد ارتسمت ابتسامة عريضة على محياهما".
"جاء صالح بيه ليطلب يدك، قالت أمي".
هذا ما ترويه السيدة السورية هناء لرصيف22 وتتابع: "صالح بيه أخبر أمي بعربيته المكسرة أنه كان يراقب تصرفاتي طوال فترة عملي في الورشة، وأنه أعجب بي وبأخلاقي، كما اعتذر عن جرأته في القدوم إلى المنزل دون موعد سابق".
وتضيف الشابة البالغة من العمر 39 عاماً: "لم يكن خيار رفض عرض الزواج من صالح بيه وارداً في حساباتي، فرغم أنه متزوج من تركية ولديه منها أربعة أولاد، إلا أنه أكد لي أنه سيمضي معظم وقته معي وسيتحمل مصاريفي ومصاريف علاج أمي وينقلنا إلى منزل يتمتع بشروط ممتازة، فالقبو الذي كنا نقيم فيه زاد من صحة أمي سوءاً، والأهم سيرحمني من العمل طوال النهار وراء الماكينة".
وافقت هناء مباشرة، وهي تحلم بالسترة وبالجنسية التركية التي أخبرها صالح بيه أنها ستحصل عليها بعد مضي ثلاث سنوات على زواجهما. وتقول: "فكرت في أنّي سأتخلص من أعباء اللجوء ومذلته".
وبعد قدوم إمام أحد المساجد وشهود أتراك، احتفلت هناء مع بعض الأصدقاء بزواجها.
الزوج يحدد تاريخ انتهاء صلاحية الزواج
"بالفعل، أوفى صالح بيه بكافة وعوده وأحسن معاملتي وأمي، وكان يقضي معظم وقته معي ولكن ينام كل ليلة في بيت زوجته الأولى الأمر الذي لم اشتكِ منه يوماً"، تكمل هناء سرد قصتها.
"كان كل شيء على ما يرام إلى أن أخبرت صالح أنني حامل. عندها بدأ يتغير معترضاً على حملي وطالباً مني التخلص من الجنين"، تضيف.
ولأن هناء رفضت الإجهاض، كون حملها قد يكون فرصتها الأخيرة لتصبح أماً بعدما شارفت على الأربعين من العمر، أخرجها صالح من المنزل الذي وفّره لها وطلب منها عدم التواصل معه.
تشير هناء إلى أنها عندما ذهبت إلى الورشة هددها "صالح بيه" بالحبس وباستدعاء الشرطة، ثم أعطاها ألفي ليرة تركية (نحو 350 دولاراً)، وقال لها بالحرف الواحد: "إنْ لم تختفي من حياتي، سأخفيكِ أنت وأمك وطفل الزنا الذي تحملينه في أحشائك".
بأسى، تلفت هناء إلى أنها اختفيت من حياته، وعلمت أن ورقة الزواج التي تمتلكها باطلة وليس لها أهمية والأكثر من ذلك عرفت أنها قد تعرّضها للحبس.
تعيش هناء اليوم مع أمها وطفلها الذي بقي مجهول النسب وقد سلمت أمرها للهبحسب تعبيرها، خاصة أنها لم تخبر أخويها المقيمين في غازي عنتاب بما فعله صالح بيه، خوفاً من ردة فعلهما، هما اللذان لا يستطيعان القدوم إلى إسطنبول نظراً لعدم حيازتهما على بطاقة الكيملك (الإقامة).
فارس الأحلام يصنع الكوابيس
لا تختلف قصة هناء كثيراً عن حكاية زواج آية الرومانسي. فرغم أن زوج آية الشاب الجامعي التركي كان حسب قولها متيماً بها إلا أنه لم يتردد في تركها هي وابنته ذات الأربعة أشهر.
تحكي الشابة السورية كيف تعرفت على جارها وزوجها السابق وتسرد قصة رومانسية تشبه قصص المسلسلات التركية، بحسب وصفها هي، إذ عادت آية في أحد الأيام من عملها لتجد أن زوجها السابق قد أضاء لها الشموع في الحارة حيث يقع منزلها عارضاً عليها الزواج.
وتقول لرصيف22: "لو أدركت أن حبه لي مجرد كذبة ووهم، لما أقدمت على هذا الزواج الذي دمر حياتي، لم أتخيل أنه قادر على تركي وابنته دون أية حقوق".
تروي آية أنه تقدم لخطبتها هو وأخته الكبرى ووالده، وعرض عليها مهراً كبيراً جداً، و"كانت إجراءات الزواج كلها رسمية"، تستدرك: "هكذا اعتقدت".
وعن إجراءات الزواج التي ظنت أنها رسمية، تقول: "جاء إمام وهو حسب وصف زوجي السابق كاتب العدل وبالتالي اعتقدت أن زواجنا صار مثبتاً حسب إجراءات الزواج المتبعة في سوريا، والتي أوهمني زوجي السابق أنها ذاتها مطبقة في تركيا".
الآن، تتساءل آية عن مصير ابنتها مجهولة النسب رسمياً والتي لا تحمل أية جنسية، موضحة أنها لا تستطيع اللجوء إلى والدها في سوريا ليسجل الطفلة على اسمه، لأنه كان معارضاً لزواجها من غريب ولأنه كان يريد تزويجها من ابن عمها.
عقد في الجزائر وآخر في تركيا
لآمال الشيخ قصة مختلفة. تزوجت من رجل تركي منذ 11 عاماً. كان زوجها يعمل عند والدها في الجزائر حيث تعرفت عليه، وتزوجا ورزقا بصبي وبنت، ولكن زواجها مثبت في الجزائر فقط، لأن زوجها متزوج في تركيا ولديه أولاد في تركيا.
عندما ذهبت السيدة السورية هناء إلى ورشة الخياطة لتقابل صاحبها وزوجها "صالح بيه"، هددها باستدعاء الشرطة، ثم أعطاها 350$ وقال لها بالحرف الواحد: "إنْ لم تختفي من حياتي، سأخفيكِ أنت وأمك وطفل الزنا الذي تحملينه"... مشاكل الزواج العرفي في تركيا
"جاء إمام وهو حسب وصف زوجي السابق كاتب العدل وبالتالي اعتقدت أن زواجنا صار مثبتاً حسب إجراءات الزواج المتبعة في سوريا، والتي أوهمني زوجي السابق أنها ذاتها مطبقة في تركيا"... مشاكل الزواج العرفي في تركيا
تقول لرصيف22 إنه لا حاجة من تثبيت زواجها في تركيا، لأن أولادها مسجلون بشكل رسمي في الجزائر ويتمتعون بحقوقهم في النفقة والإرث من والدهم ولكن في الجزائر فقط.
ما لم تتنبه إليه آمال، بحسب المحامي أيمن مسعود، هو أن أولادها لا يحق لهم أن يرثوا من ممتلكات والدهم في تركيا، كما أنهم لن يحصلوا على الجنسية التركية.
يبين المحامي أن الطفل الذي لا يسجل في تركيا لا يحق له أن يتعالج في المشافي وأصبح مؤخراً محروماً من الدراسة، إذ تطلب جميع المدارس من الطلاب الأجانب بطاقة الكيملك.
حلول قانونية
وعن الحلول التي تستطيع الزوجة اللجوء إليها في حال تهرب زوجها من تسجل ابنها، يقول مسعود: يمكنها أن تشتكي للمحكمة وفي حال تم إثبات نسب الطفل له يُجبر على تسجيله على اسمه ويتعرض للسجن من ستة أشهر إلى سنتين، وكذلك تكون الزوجة معرضة أيضاً للسجن لأنها تزوجت بشكل مخالف للقانون.
ويشير المحامي إلى أنه على الرغم من كثرة الزواجات العرفية بين سوريات وأتراك، فإن عدد السيدات اللواتي يلجأن إلى المحكمة للحصول على حقوقهن يكاد يكون معدوماً، نظراً إلى أن إجراءات المحكمة تستغرق الكثير من الوقت والتكاليف، كما أن القاضي قد يحكم بسجن السيدة.
ويوضح المحامي أن زواج الأتراك من قاصرات سوريات غير منتشر في تركيا، نطراً لأن المجتمع التركي لا يتقبل ذلك من جهة، ولأنه في حال ترك الزوج زوجته القاصر فإن إجراءات المحكمة المتخذة بحقه تكون سريعة وقاسية جداً.
الولد المسجل لاحقاً لا يرث
ويضيء مسعود على مسألة يصفها بالهامة، وهي أنه حتى في حال أثبت تحليل الحمض النووي نسب الطفل إلى والده التركي وتم تسجيله على اسمه فإن الطفل لا يرث، موضحاً أنه يحصل في هذه الحالة على الجنسية التركية فقط، ويتمتع بكامل حقوقه كمواطن تركي لكنه لا يرث من والده.
ويشير إلى أن القانون التركي يحاسب الإمام الذي يزوج شرعاً قبل أن يتأكد من أوراق الزواج الرسمية المسجلة في البلدية، أي أن القانون التركي المدني ينص على أن الزواج في البلدية يجب أن يسبق الزواج الشرعي، إلا أنه مع موجة النزوح السوري إلى تركيا صار بعض الرجال الأتراك يلجأون إما إلى رشوة أو استعطاف الإمام بحجة أنهم يريدون أن "يستروا على الفتاة"، لافتاً إلى أن عدداً كبيراً من الزواجات العرفية تسجل عن طريق إمام سوري يكون في غالب الأحيان غير مدرك للخطر الذي يعرض نفسه له.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 8 ساعاتوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 9 ساعاترائع
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت