شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
عن مخالفة سلطة الزواج: لماذا علينا أن نكون عريسًا وعروسًا؟

عن مخالفة سلطة الزواج: لماذا علينا أن نكون عريسًا وعروسًا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 13 فبراير 201902:32 م

"همّن على حالي عراحة بالي ما أبقى لحالي أبقى لحالي أحسن ما أكذّب عحالي" بهذه الكلمات يخرج الفنان الفلسطيني زاهر صالح إلينا بأغنية جديدة تحمل اسم "كذبة" عن موضوع قديم نعرفه جميعاً ونهابه أيضاً، لا نخشاه عن جبن فينا أو اضطراب أصابنا بل لأثره البالغ على مسار حياتنا وشكلها ورؤيتنا وطموحاتنا، ليأتي كالقدر المحتّم على طبق من أصوات أحباب اعتدنا قربهم و عشرتهم.

في هذه الأغنية يكتب زاهر عن موضوع الزواج الذي هو أهم بناء اجتماعي رسمته السلطة الأبوية والدينية، حيث الأسرة أول المؤسسات السلطوية التي نتعلم فيها الخضوع لسلطة الأب القوي القادر وإطاعة أوامره المقدسة، حيث النساء أدنى من الرجال وتحت وصايتهم. يربى الأهل أطفالهم داخل هذه المؤسسة ليصبحوا مثالاً لهم يتصورون على صورتهم ويتخذوا أدوارهم النمطية والتي على رأسها الزواج، الذي أصبح فرضاً على الجميع من رجال ونساء بصورته النمطية على أساس الأدوار الجندرية المعيارية المحددة التي تتبناها مجتمعاتنا.

في مجتمعات تسيطر عليها النمطية الجندرية والجنسية لا مكان لما هو غير معياري، لا مساحة لمن يريد مخالفة القواعد والنظم

في الأربعين من عمره يحاصرونه في غرفة الجلوس بأعينهم/ن الشاخصة نحوه وألسنتهم/ن المتحركة كزعانف السمك بلا ممل يتساءلون عن سبب تأخره بالزواج وعن خططه للمستقبل، يعاتبونه متعجبين من تأخر زواجه "ألم يحن الوقت بعد؟!"، تسأل والدته بينما تضع يدها على خدها والدمعة في عينها، تتألم بحسرة الأم الثكلى بولدها على عدم زواجه "حتى الآن" على الرغم من زواج أخوته الأصغر منه فجلّ ما تريده له هو الستر والالتزام وإنجاب الأطفال، تريد له عائلة يعيش لأجلها ويتفانى في حمايتها وتلبية طلباتها، تريد منه أن يكون على صورة أبيه وعمه وخال وحتى إخوته الصغار! زوج وأب مسؤول وملتزم تجاه واجباته الأسرية والعائلية، يأتي إليها كل نهاية أسبوع بأطفاله لتراهم وتلاطفهم وتلعن والديهم في نهاية النهار! "لو قالوا شو بدك قول ما تخلّي بقلبك قول بدي قولن إنو أنا بدي حالي كون" لم يعد ينام في منزل والديه منذ مدة، لقد اعتاد السهر وحياة الليل.

ذلك الشاب الثلاثيني قد تبدلت حاله، تقول والدته " إنها جهلة ما بعد الشيب". لقد ظهر له أصحاب جدد لم يعهدهم من قبل، أشخاص بأشكال غريبة عن المنطقة والحي والطائفة والدين. بعد مدة اكتشفوا أنه قد استأجر شقة في إحدى المناطق البعيدة عن أهله يسكن فيها وحده! يجيب أحدهم "لا ليس وحده، يسكن معه صديقه الأشقر الذي زارنا منذ مدة".

أنظر في عينيه لأرى بريقهما عند كلامه عن عروس جديدة، عن خطبة قريبة، عند سماعه لكلمات أبيه عن ضرورة زواجه، أنظر في عينيه لعلني أرى وأفهم ما يريد أن يقول، لعلني أستطيع الغوص بين كلماته الكاذبة لأسمع في صداها كلامه الحقيقي، الكلام الذي يقوله عقله وقلبه ولكن لسانه مبرمج على قول ما يناسب أهله وأقاربه ومجتمعه.

في مجتمعات تسيطر عليها النمطية الجندرية والجنسية لا مكان لما هو غير معياري، لا مساحة لمن يريد مخالفة القواعد والنظم، لا خيار لك أن تعيش حياتك وفق قواعدك وأسلوبك ووفق ما يريحك ويناسبك. يرسم لنا الأهل والمجتمع طريق حياتنا على شكل خريطة الكنز التي إن لم نتبعها هلكنا وخسرنا الكنز ورضا أهلنا، هذه الخريطة التي لا تراعي أهواءنا ورغباتنا ولم تأخذ في الحسبان أننا مختلفون في الذوق والطباع والتفضيلات والاختيارات والميول، لا تترك لنا أي هامش فارغ نرسم فيه أفكارنا البسيطة بخطوط غير مفهومة أو أن نختار شركاء هذا الطريق. لما لا يخطر على بال أهلنا أننا لربما مكتفون بذواتنا؟ متصالحون ومرتاحون لأسلوب حياتنا كأفراد بلا شركاء، أو لعلنا اتخذنا شركاء لحياتنا خارج أطرهم التقليدية.

لماذا علينا أن نكون عريسًا وعروسًا؟ لما لا نكون عريسين أو عروسين أو لا نكون داخل هذه اللعبة أساسًا! غير قادرين على البوح بما داخلنا لأن "كرمالون كل شي بهون"... نعيش في أكذوبة مستمرة، نلاعبهم بكلام معسول يداري رغباتهم، نوهمهم بأننا على الطريق التي رسموها من أجلنا، نضجر من كثرة الكلام بذات الموضوع ومن نظراتهم لنا أمامهم بسنوات أعمارنا التي تتراكم وهم في مثلها كانوا آباء وأمهات، نغضب وننفعل وربما تعلو أصواتنا ولكننا نهدئ أمام نظراتهم، نخضع لسيناريوهات درامية مؤلمة سنعيشها ويعيشونها في حال أطلعناهم على خططنا وخرائط طرقنا التي أعددناها في الظلمة تحت لحاف الصوف في ليالي الشتاء الباردة بينما كانوا يحلمون بمستقبلنا ويرونا على صورتهم، رسمنا مستقبلًا آخر بطرق ووسائل أخرى، بشركاء كثر متعددين ومختلفين عما يظنون أو بلا أحد ربما، رسمنا خرائط لطرق سنسلكها وفق رغباتنا وطموحاتنا وأحلامنا.

تحكي الأغنية عن موضوع الزواج، أحد أهم بناء اجتماعي رسمته السلطة الأبوية والدينية، حيث الأسرة أول المؤسسات السلطوية التي نتعلم فيها الخضوع لسلطة الأب وإطاعة أوامره المقدّسة، وفيها النساء أدنى من الرجال وتحت وصايتهم
لما لا يخطر على بال أهلنا أننا لربما متصالحون ومرتاحون لأسلوب حياتنا كأفراد بلا شركاء، أو لعلنا اتخذنا شركاء لحياتنا خارج الأطر التقليدية. لماذا علينا أن نكون عريساً وعروساً؟ لما لا نكون عريسين أو عروسين أو لا نكون داخل هذه اللعبة أساساً
الأغنية من كلمات زاهر صالح و توزيع  Micheal Bank، يقول زاهر أنه قد كتب كلمات الأغنية في خلال خمس دقائق أثناء جلسة له مع صديقاته ناقشوا فيها سلطة المجتمع والأهل على أبنائهم وبناتهم وكيف أنهن يضطررن للتخلي عن عدة نشاطات أو أمور في سبيل رضا ومراعاة الأهل، كلمات الأغنية تعالج عدة أمور ومشاكل يواجهها الشباب العربي عادةً؛ من المثلية الجنسية إلى تحرر المرأة من قيود الذكورية والأبوية.

بعد محادثة مع والده استطاع فيها زاهر استيعاب غضب ورغبات والده انطلاقاً من فهمه لذاته وحاجاته وجنسانيته أولاً ما سهّل الأمر على الطرفين وأحدث فرقاً بين بداية المكالمة ونهايتها، في مجتمعاتنا حيث المعايير المحددة التي ينطلق منها الأهل لتقييم أبنائهم وبناتهم وذلك استكمالاً للعملية الآلية التي اتبعها المجتمع من توريث لنمط الحياة الاجتماعية والعادات والتقاليد من زواج وعمل وتفاصيل عديدة، بقي صدى وتبعات المكالمة تترد في عقله لتنتج بعد أيام كلمات "كذبة".

يضيف زاهر بأن "كذبة" لربما تكون الأغنية الأولى من بين أعماله ذات موضوع كبير ومهم وتناقش قضية اجتماعية حساسة وعلى الرغم من ضعف فرصها في الانتشار الكبير بين الناس والجماهير الناطقة بالعربية إلاّ أنه راضٍ عنها كونها تعبير عن ذاته ونابعة من أحاسيسه الصادقة، وهي ليست أغنية منفردة وحسب بل من المفروض أن تكون موسيقى لفيلم قصير من إنتاجه وتنفيذه. يحدثنا الفنان الفلسطيني زاهر صالح عن فيلمه القصير الذي أخرجه منذ عام تقريباً والذي هو خلاصة لحظات من الإلهام والحماس والرغبة في التصالح والتعبير عن الذات استطاع  بعدها الإعلان عن ميوله الجنسية لأفراد من أسرته.

ويقول بأن من أجمل الأبواب التي يفتحها الإنسان في حياته هي باب التصالح مع النفس ومحاولة الوصول إلى الراحة النفسية على الرغم من كثرة الأشباح والشياطين التي سيواجهها الفرد لأنها ليست خطوة سهلة ولكن بعد الوصول إلى مرحلة التحرر من كافة القيود والعقد المحفورة في لاوعينا يجد الفرد نفسه في مرحلة أخرى من إدراكه لذاته وهويته وجنسانيته ما يأثر إيجاباً على كافة جوانب حياته اليومية وصحته النفسية وعلاقته مع الأشخاص من حوله على رأسهم أسرته.

*** زاهر صالح هو مغني ومخرج فلسطينيّ، وُلد في صيدا/لبنان وأمضى الجزء الأكبر من حياته في مدينة نيويورك الأمريكية. شارك في الموسم الخامس من "ستار أكاديمي" ووصل إلى مرحلة النهايات وله عدد من الأغاني العربية والأجنبية التي لاقت شهرة في المنطقة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard