#كلنا_إكرام و #justice_for ikram، والكثير من الهاشتاغات أطلقها نشطاء مغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي، تعبيراً عن غضبهم واستنكارهم، بعد أن قرر قاضي التحقيق إطلاق سراح متهم باغتصاب طفلة.
وتعود القصة إلى الرابع من شهر حزيران/ يونيو الجاري، حين تمكنت عناصر الدرك الملكي بإقليم مدينة طاطا المغربية، الواقعة جنوب شرق البلاد، من اعتقال رجل أربعيني متورّط باغتصاب طفلة لم تتجاوز ربيعها السادس، والتسبب لها بنزيف حاد في الجهاز التناسلي، وظل المتهم تحت تدابير الحراسة النظرية إلى أن تمت إحالة ملف قضيته إلى محكمة الاستئناف بأكادير، حيث قرر قاضي التحقيق، في خطوة غير مفهومة، الافراج عن المتهم ومحاكمته طليقاً بعد دفعه كفالة مالية، وتأجيل البت في القضية إلى شهر أيلول/ سبتمبر.
إذا لم يكن بإمكاننا تغيير عقلية المجتمع بين ليلة وضحاها، فإننا نستطيع على الأقل توفير الحماية القانونية للأطفال، ضحايا هذا المجتمع.
ورغم أن النيابة العامة قامت بالطعن في هذا القرار، إلا أن انتشار الخبر تسبب بغضب كبير من طرف الحقوقيين/ات والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، ودفع سكّان إقليم طاطا لخرق إجراءات الحجر الصحي، وتنظيم وقفة احتجاجية للمطالبة باعتقال المتهم وتحقيق العدالة لـ"إكرام"، رافعين شعار: "فيروس كورونا فتاك، لكن اغتصاب الطفولة أكثر فتكاً منه".
انطفأت فورة الغضب نوعاً ما بعد أن قبلت المحكمة طعن النيابة العامة وألغت قرار قاضي التحقيق، وتم التحفّظ على المعني بالأمر في حالة اعتقال، مع تسجيل تنصيب بعض الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان والطفولة كطرف مدني في الملف.
لكن أهم تفصيل في هذا الموضوع، هو أن قرار قاضي التحقيق المتعلق بمتابعة المتهم في حالة سراح، جاء بعد تنازل كتابي لصالحه، وقعه والد الطفلة في الخامس من حزيران/ يونيو الجاري، أي بعد يوم واحد من اعتقاله. هذه الخطوة التي لا يمكن وصفها بوصف ألطف من المستفزّة، تعيد إلى الذاكرة قصة الطفلة جوهرة التي تم اغتصابها من طرف مواطن كويتي بمدينة مراكش، وأفرج عنه هو الآخر بعد تنازل والدي الضحية، وتطرح أكثر من علامة استفهام حول التنازلات التي يوقعها الآباء للمجرمين في حق بناتهم، وتدفعنا لطرح سؤال محوري يتجاوز قضية جوهرة وإكرام وغيرهما، ويسائل القوانين والحقوق: بأي سلطة يتنازل أب عن حق طفلته ضحية الاغتصاب؟
إن السماح لأولياء الأمور بالتنازل عن حقوق أبنائهم وبناتهم يعتبر ثغرة قانونية تجعل هذا الطفل عرضة للظلم والإساءة، ولو وقع نفس الحدث في بلد آخر يقدس الطفولة، لتدخل القاضي وحرم الأب من حضانة ابنته، وحاكمه بتهمة تعريضها للخطر
فالإشكالية في مثل هذه القضايا، رغم أنها اجتماعية بالدرجة الأولى لأنها قائمة على منطق الخوف من الفضيحة والعار، إلا أنها قانونية أيضاً، فإذا لم يكن بإمكاننا تغيير عقلية المجتمع بين ليلة وضحاها، فإننا نستطيع على الأقل توفير الحماية القانونية للأطفال، ضحايا هذا المجتمع.
من المعلوم طبعاً أن القانون الجنائي المغربي يعتبر كون سنّ ضحية جريمة الاغتصاب أقل من خمسة عشر سنة ظرفَ تشديد، ويرفع عقوبة الجاني تحت هذا الظرف إلى عشرين سنة، ولا يمكن الإنكار أن إلغاء فصول القانون الجنائي التي كانت تسمح للمغتصب بالإفلات من العقاب إذا تزوج ضحيته، قد عزز حماية الأطفال القاصرين ضحايا الاعتداءات الجنسية، وحمى الفتيات من التعرض لاغتصاب ثان باسم الزواج، وأن القانون يعد جريمة الاغتصاب من الجرائم التي تمس الآداب العامة، لأنها تمس الأخلاق والمجتمع، ولهذا فإن النيابة العامة تتمسّك بمتابعة الجاني حتى لو تنازلت الضحية، لأنها تدافع عن الحق العام الذي لا يمكن إسقاطه، إلا أن كل هذه الحماية التي يوفرها القانون للقاصرين تظل ناقصة، ما دام يسمح لولي أمر الضحية القاصر بالتنازل عن حقها الخاص.
فإذا كانت قضية إكرام، ولحسن حظها، حظيت بزخم إعلامي استنفر المجتمع المدني، فإن العديد من القاصرين والقاصرات ضحايا الاعتداءات، تظل قضاياهم حبيسة أروقة المحاكم ولا يطلع عليها الرأي العام، لهذا، فإن السماح لأولياء الأمور بالتنازل عن حقوق أبنائهم وبناتهم يعتبر ثغرة قانونية تجعل هذا الطفل عرضة للظلم والإساءة، ولو وقع نفس الحدث في بلد آخر يقدس الطفولة، لتدخل القاضي وحرم الأب من حضانة ابنته، وحاكمه بتهمة تعريضها للخطر، لأنه لا يحق له التنازل عن قضية ليس هو الضحية المباشرة فيها، خصوصاً وأن هذا التنازل لا يمكن أن يصبّ بأي شكل في مصلحة الطفل، ويتم دون دراية أو وعي من هذا الأخير.
لأن الوصي على الطفل هو من استوصي به خيراً، أما من يسمح لنفسه بالتخلي عن حقوقه ويساهم بإلحاق الأذى به، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد سقطت عنه الوصاية وتبرأت منه الأبوة
لذا، ولأجل إتمام سلسلة الإصلاحات التي بدأها المغرب منذ إقرار مدونة الأسرة، ومن دون الخوض في تفاصيل تخصّ الدين الذي يعتبر مصدراً من مصادر القانون في المغرب، ومنه استقينا الوصاية، وكونه لا يعترف بالاغتصاب أصلاً ولا يتحدث عنه نهائياً، فإن وصاية الآباء في مثل هذه القضايا يجب أن تُلغى، ويتم تعويضها عن طريق تعيين إحدى الخلايا أو الجمعيات التي تعنى بالطفولة بشكل أوتوماتيكي، كوكيل للضحية، بالإضافة لمحاميها، خلال جميع أطوار المحاكمة، أو على الأقل تعزيز سلطة القاضي كي يستطيع حمايتها من أي ضغط قد يضر بمصلحتها، واستثناء الاغتصاب من الجرائم التي يمكن التنازل عنها.
لأن الوصي على الطفل هو من استوصي به خيراً، أما من يسمح لنفسه بالتخلي عن حقوقه ويساهم بإلحاق الأذى به، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد سقطت عنه الوصاية وتبرأت منه الأبوة، وإلا فإن مثل هذه الثغرات والقضايا ستظل دائماً تؤثر سلباً على الصورة الحقوقية للمغرب، رغم المجهودات المهمّة التي يقوم بها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون