"كانت فتاة جميلة مكتنزة، ذات شعر أسود طويل متدل على أكتافها، ترتدي بلوزة بيضاء، استقبلتني على باب الغرفة بعد أن انتهيت من إجراءات الدخول، بابتسامة عريضة وبكلمات ترحيب رقيقة: مرحباً بسيدي".
"دخلت إلى الغرفة"، يقول (ع. ص) في عقده الثالث، موظف بمحل مبيعات بالدار البيضاء، لرصيف22: "كانت شبه مظلمة، تنبعث منها موسيقى هادئة، تتوسطها شموع وأضواء خافتة، تعمها رائحة الزعتر والخزامى، طلبت مني الفتاة خلع ملابسي لتعمل بعدها على تمديدي على سرير ناعم، وبدأت تدهن أطراف جسمي ببعض الزيوت قبل أن تشرع في تدليك دائري، مرة بأطراف أصابعها ومرة بكفيها".
"فجأة وجدتها تقترب من عضوي الذكري محاولة تدليكه وهي تنظر إليّ بنظرات كأنها تريد موافقتي، استسلمت للحظة وبادرتها بابتسامة الموافقة، كانت لحظات ممتعة بالنسبة لي، بالرغم من أنها كانت المرة الأولى التي أخوض فيها تجربة الدخول إلى صالون تدليك".
"لم يكن الأمر مفاجئاً"، يضيف (ع.ص)، "على الرغم من أنها أول زيارة لي لصالون تدليك، إلا أن الكثير من أصدقائي الذكور يتداولون قصصاً مثيرة عن صالونات التدليك، وعما يحصل داخل غرفها المظلمة، وهذا ما جذبني للتجربة".
"دعارة مقنَّعة"
تشير الساعة إلى الثانية بعد منتصف النهار، هو الوقت الذي تبدأ فيه نعيمة، اسم مستعار، من الدار البيضاء عملها في الصالون، في هذه الأثناء تستعد المدلكة نعيمة (29 عاماً) لدوامها المسائي الذي يبدأ من الثانية إلى العاشرة ليلاً، وهي ترتدي بلوزة بالأخضر الفاتح تكشف نصف ثدييها، متجهة إلى الداخل حيث توجد غرف التدليك، تقول لرصيف22: "نكتفي بالمقابل المادي أو البقشيش الذي يمنحه لنا الزبون، ونتقاسمه مع صاحبة المحل".
"تدخل المدلِّكة في صراع مع الوقت من أجل استقطاب أكبر عدد ممكن من الزبائن في اليوم، حتى تحصل على مدخول كاف".
"هنا تدخل المدلكة في صراع مع الوقت من أجل استقطاب أكبر عدد ممكن من الزبائن في اليوم، حتى تحصل على مدخول يومي كاف، وكلما كان الزبائن، سواء رجال أو نساء، ينحدرون من الطبقة الراقية كلما حققت المدلكة مدخولاً جيداً في اليوم".
تتحدث نعيمة عن ظروف عملها، قائلة: "صراحة، عملنا لا يوفر لنا حياة كريمة، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية وحتى النفسية، ولا تربطنا بالمشغلين أي علاقة قانونية، سواء من ناحية التعويضات أو من ناحية التغطية الصحية، نعيش فقط على سخاء الزبائن، حتى أننا في بعض الأحياء لا نتقاضى شيئاً من أصحاب العمل، بل نضطر لتقديم عمولة لهم من البقشيش الذي نحصل عليه".
لا تخلو منطقة من المناطق الراقية المعروفة في مدينة الدار البيضاء المغربية مثل: "المعاريف"، و"عين الدياب"، و"سقراط"، و"كاليفورنيا"، من صالونات التدليك أو كما يطلق عليها "السبا".
"نعيش كعاملات في التدليك فقط على سخاء الزبائن، حتى أننا في بعض الأحياء لا نتقاضى شيئاً من أصحاب العمل، بل نضطر لتقديم عمولة لهم من البقشيش الذي نحصل عليه"
يرتاد البعض في المغرب هذه الصالونات الحصول على الاسترخاء والانتعاش بعد أيام من العمل والإرهاق، بدون أي غرض آخر لا علاقة له بالخدمات "الشرعية" التي يقدمها المكان.
"في آخر مرة ارتدت فيها صالون التدليك، دخلت عليّ فتاة مثيرة بلباسها"، يقول إحسان مترجي، (39سنة) سائق تاكسي الأجرة الصغير من الدار البيضاء، يتردد كل 15 يوماً على صالونات التدليك، لطلب الراحة والاستجمام لا أكثر.
يحكي لرصيف22: "طلبت مني أن أزيل ملابسي، وأن أتمدد على سرير اسفنجي، لتشرع في المساج باستخدام بعض الكريمات والزيوت، لتنتقل بي إلى مرحلة "الرولاكس"، هنا خيرتني أي نوع من التدليك أريد، التدليك بالنهدين أو باللسان ولكل منهما ثمن، اتسعت عيناي من الاستغراب والدهشة، حينها أحسست أن هناك شيئاً غير طبيعي، اعتذرت عن قبول عرضها، وطلبت منها أن تجري الأمور بشكل طبيعي وعادي".
يضيف مترجي: "كثيراً ما يدور بين الزبون والمدلكة حوار بالأعين، فالمدلكة عندما تشعر بأن لك رغبة بما هو أكثر من التدليك، مباشرة تقوم بإغرائك عن طريق لمس مناطق حساسة في جسدك، ليجد الزبون نفسه دخل مع مدلكته في مساومة حول ثمن ممارسة الجنس معها، وإذا قرأت المدلكة في أعين الزبون أنه جاء من أجل التدليك فقط وليس من أجل شيء آخر، تمارس المدلكة عملها بطريقة عادية مقابل بقشيش على خدمتها".
"لو التزمنا بالقانون لأغلقنا محلاتنا"
يصف الكثير من الرجال المدلكات بأوصاف تتعلق بالأنوثة والإغراء، وفي مجتمع مغلق يدين ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، والذي بات صعب المنال للشباب، بسبب البطالة والظروف الاقتصادية، يلجؤون إلى أماكن مثل "السبا"، وفي نفس الوقت يدينونها أخلاقياً، متجاهلين الظروف المأساوية التي تعيشها المدلكة، والتي تضطرها إلى تلك الممارسات.
(ر .ت)، ثلاثون سنة، حائزة على دبلوم في التدليك الطبيعي، امتهنت التدليك لمدة ثلاث سنوات بأحد صالونات "السبا" المتواجدة في حي المعاريف في الدار البيضاء، تروي بأسف عما يدور داخل تلك الصالونات لرصيف22: "خلف غطاء تقديم خدمات التدليك والاستجمام، هناك نوع من الدعارة المُقنَّعة والقوادة المستترة، وبأن غالبية تصرفات المدلكات مع الزبائن تكون بطلب من صاحبة أو صاحب المحل، حيث يطلب من المدلكة استقطاب أكبر عدد ممكن من الزبائن بكل الطرق الممكنة إلى المحل، وجعلهم زبائن دائمين".
"بعد حصولي على الشهادة، وخروجي إلى سوق العمل رأيت الوضع مختلف تماماً".
صدمت (ر.ت) بعد حصولها على الشهادة التي تؤهلها لممارسة مهنة التدليل، حول واقع عملها المنتظر، وظروف العاملات، تقول: "الشهادة التي حصلت عليها من معهد التدليك لا تختلف عن مهنتي التمريض والتطبيب، ولكن عندما خرجت إلى سوق الشغل وجدت الوضع مختلفاً تماماً، حيث هناك بعض الممارسات التي تنعكس سلباً على مهنة التدليك وسمعة المدلكات، فبات يُنظر للمدلكة على أنَّها عاهرة، يمكن أن تلبّي رغبة الزبون الجنسية كيفما كانت، حتى أننا في الكثير من المواقف نشعر بأن الزبون لا يأتي إلى الصالون من أجل التدليك بحد ذاته، وإنما بنية إيجاد فتاة بمؤهلات معينة في انتظاره، ستلبي جميع رغباته الجنسية مقابل بقشيش بسيط، لصاحبة المحل نسبة معينة منه".
عن مؤهل المدلكات وقيمة اتقانهن لعملهن في سوق العمل، تقول سناء (اسم مستعار) في عقدها الرابع، مسؤولة عن أحد صالونات التدليك بمدينة مراكش، لرصيف22: "غالبية الفتيات اللواتي يشتغلن في المركز لم يحصلن على دبلوم في التدليك باستثناء اثنتين منهن، ثم أن الدبلوم أو الشهادة لم تعد تؤخذ بعين الاعتبار، فما يمكن أن يأخذه صاحب المحل بعين الاعتبار هو مؤهلات العاملة أو المدلكة الجمالية، هذا بالإضافة إلى قدرتها على الإثارة والإغراء، كوسيلة لجلب أكبر عدد ممكن من الزبائن والاستجابة لطلباتهم، خصوصاً الزبائن من الطبقة الراقية، وبالتالي فالشهادة هنا لا يمكن لمثل هذه المراكز أن تستفيد منها في ظل غياب كل هذه المؤهلات التي ذكرناها، ثم إن هذه المراكز لو التزمت بالقوانين لكان أغلبها قد أغلق".
"عندما تشعر المدلكة بأن لك رغبة بما هو أكثر من التدليك، مباشرة تقوم بإغرائك عن طريق لمس مناطق حساسة في جسدك، ليجد الزبون نفسه دخل مع مدلكته في مساومة حول ثمن ممارسة الجنس معها"
بين الحين والحين، تشنّ الشرطة في مدن مغربية حملات في محاولة لتفكيك "شبكات الدعارة الراقية" التي تتخذ من مراكز التدليك "مقراً لنشاط غير قانوني"، وكشفت إحدى تلك الحملات، بحسب موقع إخباري محلي، أن "الفتيات العاملات في مراكز التدليك يشتغلن بدون رخص، ولا يتم التصريح بهن لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي يعنى بضمان حقوق العاملات الصحية، ويتم حرمانهن من أبسط حقوقهن مثل الأجر الشهري، بالإضافة إلى طول ساعات العمل التي تتراوح ما بين 10 و12 ساعة، حيث يقمن بتأمين مدخولهن اليومي من خلال أنشطة غير قانونية".
"يستغلّون ظروف غير عادلة"
بحسب مدلكات تحدثن إلى رصيف22، تختلف أسعار الجلسات حسب موقع المحل ونوعية زبائنه وخدماته، وتتراوح بين 400 و600 درهم، أي 40 إلى 50 دولاراً، بالإضافة إلى بقشيش قد يصل أحيانا إلى 200 أو 300 درهم، ما يعادل 23 دولاراً.
يتفهَّم مترجي حاجة العاملات بالتدليك المادية، لتلبية مسؤوليات الحياة، في ظروف عمل غير عادلة، ويكتفي بخدمات التدليل فقط، ولكن من ناحية أخرى يرى أن "بعض مرتادي صالونات التدليك من الرجال يستغل حاجة المدلكات في إشباع رغبته بالاستمتاع بالعروض الجنسية المقدمة لهم، وبإمكانية تغييرهنّ دون تحمل أي مسؤولية حيال تلك العلاقة".
وعلى الرغم من أن القوانين في المغرب تجرم جميع الممارسات التي من شأنها تشجيع الدعارة والمتاجرة في البشر، إلا أن الكثير من صالونات التدليك و"السبا"، بحسب تصريحات مدلكات لرصيف22، تنعدم فيها الكثير من الشروط، مثل التأمين ضد المخاطر، أو فصل أجنحة النساء عن الرجال، وعدم إغلاق الأبواب عند حصة التدليك، أو من ناحية الاستعانة بمدلكين ومدلكات مهنيين، وأصحاب دبلومات، وشهادات تخوّلهم الولوج إلى عالم التدليك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...