في 17 من شهر آذار/ مارس المقبل، ستشهد محكمة الاستئناف بمدينة مراكش، جلسة جديدة لمحاكمة شاب كويتي، بتهمة هتك عرض فتاة وافتضاض بكارتها مع تصويرها، ويثير هذا الملف جدلاً كبيراً في الوسط الحقوقي المغربي وتحوم حوله عدة علامات استفهام، خصوصاً بعد تمتع المتهم بإطلاق السراح المؤقت، وانتشار شائعات حول تنازل والدي الفتاة، ورحيل المتهم إلى بلده فور إطلاق سراحه، رغم الضمانات الكتابية التي قدمتها سفارة الكويت للقضاء المغربي.
وتعود تفاصيل القصة إلى شهر آذار/ مارس 2019، حيث تروي الطفلة/ الضحية جوهرة، ذات الأربعة عشر عاماً، (يذكر هنا عدم وجود أي وثيقة رسمية تثبت عمرها الحقيقي، غير أنها صرحت في محاضر الشرطة أنها من مواليد 2005)، مقابلتها للمتهم في أحد الملاهي الليلية بمدينة مراكش، عندما كانت في زيارة لأحد أقاربها، واستمرت علاقتهما إلى أن زارت منزله في شهر كانون الأول/ ديسمبر من نفس السنة، حيث تعرضت للتعنيف حين رفضت الانصياع لرغباته، ثم لاغتصاب عنيف أدى لنزيف حاد على مستوى الفرج.
بعدها، حسب ما صرحت به الطفلة في محاضر الاستماع، وخوفاً من أفراد أسرتها، رحلت إلى مدينة أكادير جنوب المغرب، ومارست الدعارة من أجل توفير قوتها اليومي.
بالمقابل، اعترف الشاب الكويتي أنه فعلاً التقى بجوهرة في ملهى ليلي وبقي على اتصال معها، واتفقا لاحقاً في شهر تموز/ يوليو على أن ترافقه إلى منزله بمقابل مادي فوافقت، وضربا موعداً في شهر ديسمبر، نافياً أن يكون قد قام باغتصابها أو ممارسة الجنس معها دون موافقتها، مدعياً أنها رفقة شقيقتها حاولتا ابتزازه بعد ذلك.
في الوقت الذي تقول فيه العائلة إنها لم تعلم بواقعة الاغتصاب إلا بعد أسابيع، لأن الطفلة جوهرة لم تعد إلى المنزل، يفيد البلاغ الذي تسلمته مصالح الأمن، أن الطفلة تغيبت عن منزل والديها لشهور قبل واقعة الاغتصاب
ووسط أقوالهما المتضاربة يظل موقف الأسرة غامضاً، ففي الوقت الذي تقول فيه العائلة إنها لم تعلم بواقعة الاغتصاب إلا بعد أسابيع، لأن الطفلة جوهرة لم تعد إلى المنزل، يفيد البلاغ الذي تسلمته مصالح الأمن، أن الطفلة تغيبت عن منزل والديها لشهور قبل واقعة الاغتصاب، ولم تظهر رفقة أمها من أجل التبليغ عن الجريمة إلا بعد خمسة أشهر من ذلك، وما يزيد الغموض المحيط بهذه القضية هو انتشار معلومات حول تنازلين مقدمين بشكل منفصل من طرف والدي الضحية، مقابل مبالغ مالية مهمة، في حين أن الأب والأم يدعيان تعرضهما للمساومة والابتزاز، ما دفع بالعديد من المحامين إلى رفض الدفاع في هذا الملف، وانسحاب المحامية التي كانت تنوب عن جوهرة نتيجة لغموض الفتاة وعائلتها.
بعد هذا التسلسل الغريب للأحداث، ورأفة بالطفلة جوهرة، وتماشياً مع مبادئها التي تقتضي الدفاع عن حقوق الإنسان، قررت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تنصيب نفسها كطرف مدني، آملة بذلك أن يقوم القضاء بدوره وينصف الضحية التي انفضّ من حولها الجميع.
لكن بعيداً عن كل التفاصيل القانونية، وما جاء في محاضر الشرطة، وخطأ إطلاق سراح المتهم المؤقت دون غلق الحدود في وجهه، وبالتالي فراره إلى الكويت، وما سوف ترتئيه المحكمة في جلسة الشهر القادم، هناك تفصيل مهم يشكل جوهر هذه القضية، هو كيف لفتاة قاصر في ربيعها الرابع عشر، أن تتجول وحيدة في مدينة لا تسكنها، وتذهب إلى الملاهي الليلية، وتتغيب عن منزل أبويها بالأيام والأسابيع والشهور؟
ليس من السهل أن نثبت أن تقصير الأبوين هو السبب الرئيس فيما حصل لجوهرة، لكن ألا يجد القاضي والنيابة العامة أن تنازلهما عن متابعة المغتصب المفترض لابنتهما غريب بعض الشيء؟ وألا يعتبر تسلمهما لمبالغ مالية مقابل هذا التنازل جريمة لا تختلف في شيء عن جريمة الاتجار بالبشر؟
ما دور الأب والأم في قصة هذه الطفلة؟
العديد من النشطاء والحقوقيين أصبحوا يوجهون أصابع الاتهام بالدرجة الأولى إلى والدي الضحية، فهما معاً، إذا لم يكونا قد شاركا في هذه الجريمة بشكل مباشر، وهذا ما ننتظر أن تكشف عنه التحقيقات، لا يمكنهما أبداً إنكار أن استهتارهما وعدم تحملهما مسؤولية رعاية طفلة في سن المراهقة، هو ما أدى بها إلى هذه النهاية المأساوية، وتسبب لها ولو بشكل غير مباشر في التعرض للاغتصاب، وممارسة الدعارة فيما بعد.
صحيح أنه ليس من السهل أن نثبت أن تقصير الأبوين هو السبب الرئيس فيما حصل لجوهرة، لكن ألا يجد القاضي والنيابة العامة أن تنازلهما عن متابعة المغتصب المفترض لابنتهما غريب بعض الشيء؟ وألا يعتبر تسلمهما لمبالغ مالية مقابل هذا التنازل جريمة لا تختلف في شيء عن جريمة الاتجار بالبشر؟ خصوصاً وأن المدافعين عن حقوق الطفل والعديد من الباحثين، دقوا جرس الإنذار من زمن، ونبهوا كثيراً إلى ظاهرة دعارة الأطفال في مدينة مراكش، بل ولقبوها أحياناً بـ "بانكوك" إفريقيا، وسبق للشبكة العالمية لحماية الطفولة أن أعدت دراسة حول السياحة الجنسية والبيدوفيليا في المغرب، وأوصت بمراقبة وضع الأطفال المستغلين جنسياً.
لذا فإن قضية جوهرة وإن لم تكن الأولى من نوعها، إلا أن انفجارها إعلامياً قد يكون فرصة من أجل تسليط الضوء على الظاهرة، ومعاقبة الجناة جميعهم، سواء من قام بالفعل المادي المباشر، أو من اغتصب طفولتها وجعلها عرضة لمثل هذه الحوادث. ولو كنا في بلد أوروبي، لكان نزع الحضانة من أبويها هو أول إجراء ستقوم به السلطات، ولكن للأسف، لا زلنا في المغرب نقدس الآباء حتى لو تسببوا، بطريقة أو بأخرى، بالضرر لأبنائهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...