شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الممثل المسرحي عبد الجبار السهيلي

لم نتعلم الدرس لم ننجُ... كيف هاجرت أزمة المثقف العربي إلى السويد؟

الممثل المسرحي عبد الجبار السهيلي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 8 يونيو 202004:03 م


مع خروج عدد كبير من سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتنوعهم الإثني واللغوي والمهني، نحو بلدان اللجوء والهجرة، هذا الخروج القسري في معظمه، أسس لحكايات مُفجعة، كشفت للمثقفين صورتهم عن ذاتهم، الاشتراك في الشقاء، إحساسك أنك مجهول، لا أحد يعلم عنك الكثير، انتماءك إلى ثقافة هامشية وثانوية، الشعور بالضيق الناتج عن الإحساس بعدم الأهمية ضمن النسق الثقافي للمجتمع المضيف الذي عجز في معظم الأحيان عن دمجهم ضمن المنظومة الثقافية، والشبكات الثقافية الاحترافية.

نحاول في رصيف 22 فهم هذه الورطة، من خلال الحديث مع عينة من المشتغلين في قطاع الثقافة العربية في السويد. نحاول فهم أحوالهم، وتقديم صورة عن واقعهم، فضاء الاشتغال الجديد، البحث والتجريب، الصعوبات والمعوقات التي تعترضهم، إدماجهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. كيف يمكن لبلدين متباعدين جغرافيا وثقافياً أن يجدا ما يمكن أن يجمعهما في إطار مشترك؟

لا يوجد سؤال واحد، شامل، كامل يعطينا إجابة واضحة حول التجربة الثقافية للمشتغلين الثقافيين في المنفى السويدي.

وسوق العمل. ماذا يحدث هنا؟ هل يجلس المثقف العربي في نفس عربة المترو التي يجلس بها المثقف السويدي المنشأ؟ في حال كانت الإجابة نعم، فما هي طبيعة انشغالاتهم؟ وفي حال النفي، ما هو السبب؟

وعندما يدور الحديث حول الأصل والعرق والهويات والثقافات التي جاؤوا منها، بماذا يجيبون؟ هل يوجد عنصرية في حقل الثقافة؟ هل يلعب الحظ والصدف ربما دورا في ظهور بعض الشخصيات التي لاتمثل بالضرورة حالة المثقف العربي! ماذا عن الشللية الثقافية وتركيبة الوسط الثقافي، هل هناك عملية إقصاء تلقائية أو متعمدة عن كل ماله علاقة بالثقافة هنا إن صح القول؟

في هذه المادة لا ننتظر إجابات غنائية مثالية، بقدر ما نحاول أن ننقل صورة عن حالهم الحقيقي اليوم.

هل يجلس المثقف العربي في نفس عربة المترو التي يجلس بها المثقف السويدي المنشأ؟ لا توجد إجابة واضحة حول التجربة الثقافية للعرب المشتغلين في قطاع الثقافة في السويد.

الداعشية الثقافية في السويد


الكاتب السوري ملكون ملكون


ملكون ملكون، كاتب سوري، يعمل منسق للنشاطات الثقافية في مؤسسة ”تعزيز التعليم” في مدينة اسكلستونا وسط السويد.

ملكون رفض الإجابة المباشرة على الاسئلة، و علل ذلك بالقرف من الوضع العام ( للمثقفين السوريين)، حيث استعار قول جميل للرحابنة ( ما بقى يساع الحكي)، لكن لاحقاً اتفقنا على نشر قطعة بعنوان DNA”داعش و المثقفون ” من كتابه الصادر في السويد تحت عنوان “ يا زمان الطائفية”.

والتي يرى أنها تمثل حالة المثقف السوري في السويد اليوم:

”في هذا الزمان السوري الكارثي لم يبقَ قناع إلا وسقط في رمال الطائفية والمذهبية والإثنية القذرة التي لن تبقي ولن تذرَ، ولن تقوم قائمة للبلد بعدها لأنها وباء استشرى في كل الجسد السوري بلا استثناء .”

وكأن أقنعة المثقفين كانت أول من سقط كاشفاً عن طائفية ومذهبية ينحني أمامها ما يسمى "داعش"، فمن يمتلك الصفات "الداعشية" ليس من الضرورة بمكان أن يحمل نفس الشكل والملامح، بل الأهم هو الفكر الذي يحمله ويتبناه وتقييمه للآخرين وفق هذا الفكر. فقد يكون "الداعشي" مثقفاً بنظارة طبية وحقيبة جلدية لا تحوي إلا الخِواء، لكنه يمارس "داعشيته" بحق كل مَن لا يتوافق مع توجهه وتحالفاته ومموليه.

ولعل هذه الــ DNA الداعشية التي يحملها المثقف هي نتاج سنوات طويلة من "الشيزوفرينيا" التي عانى منها المثقف السوري. ففي الوقت الذي كان فيه النشر متاحاً في الصفحات الثقافية والملاحق الثقافية الأسبوعية، والإصدارات الكثيرة لوزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب من مجلات وصحف، وجد معظم مَنْ طرق باب هذه الصحف والمجلات مسؤولين عن هذه الإصدارات تقلّدوا مناصبهم في غفلة من الزمن لأنهم يمتلكون صفات معينة لا يمتلكها غيرهم. ولنتجنب التعميم فإن الكثيرين كانوا بحاجة لتقديم الهدايا أو التنازل عن المكافأة الزهيدة المنشورة للمسؤول عن الصفحة أو الملحق ليتم النشر، وإذا تجرأ كاتب شاب أو غير مَرضي عنه وتقدم بمخطوط كتابه لاتحاد الكتاب العرب أو وزارة الثقافة فإن الرفض جاهز، ومقصلة لجنة القراءة جاهزة. في حين تقتات الفئران على مطبوعات لكتب لا تستحق القراءة وجدت طريقها للطباعة لاعتبارات لا علاقة لها بالقيمة الأدبية أو الإبداعية.

يحمل المثقف السوري DNA داعشية هي نتاج سنوات طويلة من "الشيزوفرينيا" التي عانى منها في مكاتب اتحاد الكتاب العرب و وزارة الثقافة

استيعاب الفجوة الثقافية

الدكتور اليمني محمد المحفلي، من مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة لوند جنوب السويد.


الباحث اليمني الدكتور محمد المحفلي


"إن ما يجمع بين بيئتين مختلفتين ثقافياً واجتماعياً وسياسياً هو البنية الأساسية للمشكلات والقضايا الاجتماعية، انطلاقاً من ثنائية الخير والشر. صحيح أن زاوية الرؤية لكل منهما تختلف ومن ثم يختلف تقييمنا لهذا الخير وذلك الشر، ولكن هنا نعود لأرضية أخرى أكثر صلابة وهي البعد الإنساني العام. يشير كتاب كليلة ودمنة في مقدمته إلى المنطلق الفسلفي الي يحكم بنية الكتاب بالقول إنه لم ينطلق من فكر ديني واحد، ولكن هناك أسس تجمع عليها كل الأديان والفسلفات وهي حب الخير وكراهية الكذب، حب العدل وكراهية الظلم، وتستمر سلسلة الفرز بين جهتين إحداهما إيجابية والأخرى سلبية. ومهما اختلفت اللغات والثقافات ستظل هذه المعاني الإنسانية هي القاسم المشترك، وعليه فإن أي عمل ثقافي أو فكري أو سياسي يخالفها فإنما يسوغ انتهاك هذا التناسق باتجاه ترسيخ الصراع بين القطبين وإن اختلفت الوسيلة والزمن والمكان".

قد لا نستطيع الحديث بلسان المثقف العربي في السويد، فلكل تجربة خصوصية لا يمكن تعميمها، ولكن يمكن الحديث عن النقاط المشتركة التي أمكن استقراءها بين مجموعة من المثقفين العرب. وربما ما يجعل الحديث عن تجربة ثقافية للعرب في السويد غير ممكن حتى الآن هو أنها ماتزال تجارب فردية وغير فاعلة ربما لعدة أسباب. أولها، أن المثقف مازال بحاجة لاستيعاب الأسس المعرفية والثقافية والنفسية والاجتماعية، فهناك هوة كبيرة لعدة عوامل منها اللغة فما زال الكثير من المثقفين يعيشون بالتركيبة الثقافية نفسها التي هاجروا بها. والعامل الآخر اقتصادي، إذ ينصرف الكثير منهم بالبحث عن مصدر دخل ما يشغلهم عن أداء أعمالهم الثقافية.

يضيف المحفلي "من خلال خبرتي القليلة في الوسط الثقافي والأكاديمي، وعلى الرغم من المعايير الديمقراطية والقانونية فقد لاحظت أهمية العلاقات الشخصية المباشرة للحصول على فرص. صحيح أن العلاقات لا يمكنها أن تكون أكثر أهمية من المؤهلات ولكنها تصنع فرقا كبيرة في بلد تزداد فيها حدة التنافس، وهنا يكون للعلاقات الدور الحاسم في تحقيق الأهداف على تعددها. وللأسف فإنه لا يسلم قطاع منها دون آخر، حتى في الحقل الثقافي والأكاديمي. وقد لا يكون الأمر ظاهر، ولكنه في الوقت نفسه غير خفي، ويمكن تطويع الأنظمة والقوانين لكي تكون أسيرة للعلاقات الشخصية".

إيجاد فسحة للعمل

عبد الواحد علاوني، كاتب وصحفي سوري، مقيم في السويد منذ 2016، عضو اتحاد الكتاب السويديين، كان يعمل مدير للانتاج ومديراً لإصدارت الأطفال في دار الفكر لمدة 12 عاماً.


الكاتب السوري عبد الواحد علواني


المثقف متورط دائماً أينما كان، وعندما يتغرب ينتقل من الخاص إلى العام

"قد تكون كلمة "ورطة" معبرة جداً، لكنها غير منصفة أيضاً، إذا ما تمت مقارنتها بظروف المثقف في بلده الأم. المثقف متورط دائماً أينما كان، وعندما يتغرب ينتقل من الخاص إلى العام، إذ أنه أمام خيارين غالباً، إما أن يهتم بواقعه السابق، بعمق يخلو من المعايشة اليومية، أو بفضاء جديد ومحدود يربطه بواقعه الجديد بمعايشة لم يتح وربما لن يتاح لها أن تتعمق.

عندما جئت السويد مهاجراً كان عليّ أن أجد فسحة لي، وهذه الفسحة لن تكون سهلة إذ يجب أن تجمع بين الاشتغال الثقافي والدخول في دورة الإنتاج (تعليم تمرين عمل). شخصيا وجدت تعاونا جيدا من بعض المؤسسات والأشخاص، لكن دون أن يصل هذا التعاون إلى مستوى المشروع، خلال سنوات ثلاث قمت بنشاطات مختلفة وكثيفة ذات طابع ثقافي وتربوي، دون أن يؤدي ذلك إلى إنجاز ملموس، وغالبا بسبب المهاجرين (للأسف من سبقك من ملتك) الذين حملوا معهم أمراضهم ونفاقهم إلى هذه البلاد، وخاصة مدعي الثقافة الذين يجدون في كل تجاور منافسة خطرة. الاهتمام بالثقافة في السويد دون مستوى بقية بلدان أوربا، لكن مع ذلك تتوفر المؤسسات والآليات الجيدة، ربما ما ينقص المثقف هو الخبرة بهذه المؤسسات وأنظمتها، وهو ما يتقنه آخرون لا علاقة لهم بالثقافة. لا شيء أمض على مثقف من أن يبدأ بداية جديدة، فهي أشبه بانتزاع الجذور من تربة جافة. في السويد كتبت الكثير من القصص الجديدة، منها قصص بالسويدية مباشرة، وحاليا أعمل مع مؤلفين سويديين على ترجمة ونشر نصوص مشتركة، أترجم للعربية، وأيضا أترجم للسويدية تاركا لهما الصياغة النهائية وهو عمل شاق فعلاً".

أهلاً وسهلاً بكَ في السويد، لكن...

وصل الممثل المسرحي عبد الجبار السهيلي إلى مدينة هلسنبوري جنوب السويد، في إقامة فنية لمدة عامين، مع توفير منسق يساند ويساعد في عملية التواصل والتشبيك بالمؤسسات والعاملين في القطاع الثقافي في السويد. "خلال هذه الفترة كل شيء كان جيدا، لكن المشاكل والتحديات كانت كثيرة ومتعددة منها اللغة، الثقافة الجديدة والنظام البيروقراطي المعقد والجديد كليا على مهاجر عربي، وعدم المعرفة الكاملة بحقوقي القانونية للعيش والعمل.

عبد الجبار السهلي في مسرحية روميو وجولييت

"وجودي في هذه البيئة الجديدة والمختلفة كليا جعلت مني أعيش حالة عدم استقرار اقتصادي لم اعشها عندما كنت في بلدي الام وأجبرتني على البدء بإنشاء شركتي الخاصة العاملة في المجال الثقافي. هنا واجهت الوجه الأخر للبلد، من خلال محاولة تعلم العمل لحسابي الشخصي والأمور القانونية والضريبية والعمل على توفير المعاش التقاعدي، يضاف إلى ذلك صعوبة متزايدة في اكتساب وضع مستقر مادياً.

ثانياً، محاولة دخول سوق ثقافي جديد كلياً، يعتقد فيه المستضيف لك، بأنه أفضل وأكثر احترافية منك، لمجرد أنك جئت من إحدى بلدان العالم النامي. وهذا ينعكس من خلال القيود المتزايدة المختلفة التي يشهدها العاملين الثقافيين المهاجرين لردعهم ربما من الحصول على تمويلات وعدم إدراجهم بشكل جدي ضمن خطط التنمية والخطط والوظائف الثقافية.

ما استفزتني كثيرا هو عملية الاستخدام المفرط لقصص المهاجرين من الفنانين أو غيرهم (وأنا أحدهم) بدلا من دمجها في عملية الإنتاج الثقافي الحر وعكس الأفكار عبر استخدام الصورة والقصة الشخصية للفنان المهاجر من أجل تغيير طريقة عمل القطاع الثقافي وتطويره بحيث يسهم في تطوير الحراك الثقافي في المجتمع المحيط. وهذا يؤدي بنا للشعور بعدم المساواة مع فناني البلد المستضيف ومؤسساته الثقافية مما يقيد مساحة الحرية الإبداعية للفنان والعامل الثقافي المهاجر، لذا يدرك العاملون الثقافيون أننا على متن قطارين مختلفين كلا منهما يقاد الى وجهة مختلفة تماما. للضغط على الفاعل الثقافي المهاجر للبحث عن الشلليات (إن توفرت) والتي تكاد تصبح ربما المعبر الوحيد للحاق بالقطار الآخر".

هناك استخدام مفرط لقصص المهاجرين من الفنانين والمثقفين بدلاً من دمجها في عملية الإنتاج الثقافي الحر وعكس الأفكار عبر استخدام الصورة والقصة الشخصية للفنان المهاجر في تطوير القطاع الثقافي

هكذا مضى الزمن الصعب على المثقفين السوريين، وجاء الزمن الأصعب وغادر البلد من غادر وبقي من بقي، لكن الحال لم يتغير، وانتقلت الشللية والمحسوبية للخارج مع "غالبية" مَنْ انتقلوا حاملين معهم مركّبات النقص المتورمة لعقود عانوا فيها من الإقصاء والتهميش. فسلك معظمهم الطريق نفسه عندما أصبح مسؤولاً عن النشر في هذا الموقع أو تلك المطبوعة، وبات الفرز عنده على أسس جديدة "المواقف.. الآراء... الطائفة"، وربما المدينة السورية التي أتى منها. لكل شيء حساباته الدقيقة، فالـــ DNA الداعشية "شغالة" ولا ترحم، وفي لحظة ما يشيح المثقف بوجهه عن الرأي والرأي الآخر، وحرية التعبير، والاختلاف لا يفسد للود قضية، والوحدة الوطنية "المؤودة".

من الدروس لم نتعلم، ومن سنوات الموت العجاف لم نتعظ، ومن رمال الإقصاء المتحركة لم ننجُ... فهل بقي في جعبة الدهشة ما يُدهشنا؟!

صورة المقال للفنان عبد الجبار السهلي مأخوذة من عرض Museum of Real History بعدسة المصور محمد الوداعي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image