لطالما أظهرت روسيا رغبة قوية في استغلال جميع الفرص المتاحة في الشرق الأوسط من أجل تعزيز نفوذها. تجد موسكو نفسها في هذه الأيام حيال خلاف إسرائيلي أردني على اعتزام تل أبيب ضم أجزاء من الضفة الغربية يتيح لها كسب مزيد من القوة في ظل التراجع الأمريكي.
في تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، في 25 أيار/مايو الجاري، توقع الكاتب والمحلل تسفي بارئيل أن تقف روسيا بجانب الأردن في مواجهة اسرائيل لمنع ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى سيادتها.
وكان الملك الأردني عبد الله الثاني قد حذر من أن ضم إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية، في تموز/يوليو المقبل، سيؤدي إلى صِدام كبير مع المملكة الأردنية الهاشمية، بحسب تعبيره.
استغلال للفرص
رأى كاتب التقرير أن روسيا تتطلع إلى لعب دور في الساحة الفلسطينية، ليس لأن لدى موسكو اهتماماً كبيراً بحل الصراع الفلسطيني مع إسرائيل فحسب، بل لأن المخزون الأمريكي ينخفض في هذه المنطقة، فيما يتطلع الفلسطينيون إلى شريك جديد قوي.
في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد، غابي أشكنازي، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن بلاده مستعدة للعب دور في الحوار الإسرائيلي الفلسطيني على أساس القانون الدولي وقرارات اللجنة الرباعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
وبحسب رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري، فإن "الفلسطينيين يدرسون عقد قمة دولية في موسكو، وهذه مسألة مهمة جداً، لأن الولايات المتحدة توقفت عن كونها وسيطاً نزيهاً".
وقال المصري: "من هنا ثمة فرصة لتشغل موسكو مكانها بالوساطة النزيهة لما يربطها بالعالم من احترام للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والشعب الروسي الصديق".
روسيا تعتزم دعم الأردن ضد محاولة إسرائيل ضم أجزاء من الضفة الغربية لسيادتها ليس من أجل إيجاد حل للفلسطينيين فحسب بل لكسب نفوذ جديد في المنطقة ، خصوصاً مع حلفاء الولايات المتحدة، حسب "هآرتس"
وقال الكاتب الإسرائيلي إن روسيا امتنعت طوال سنوات عن التعامل مع القضية الفلسطينية برغم عضويتها في اللجنة الرباعية للشرق الأوسط، لأنها ساحة أمريكية لم تلعب فيها موسكو دوراً نشطاً.
لكن موسكو تعتقد الآن أن هناك فرصة للعب دور جماعي في القضية الفلسطينية على غرار إستراتيجيتها في ليبيا، حيث عملت مع مصر والإمارات لدعم الجنرال خليفة حفتر، وفي سوريا عملت مع تركيا لتهدئة الأوضاع، كذلك مع السعودية التي شرعت روسيا في بناء علاقات إستراتيجية معها على الرغم من الخلاف الأخير على أسعار النفط، وفق قول بارئيل.
اللافت أيضاً أن رئيس الجناح السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية زار موسكو في آذار/مارس الماضي، والتقى مسؤولين روساً لطلب المساعدة في تعزيز المصالحة الفلسطينية الداخلية بين حماس التي تسيطر على غزة والسلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها فتح في الضفة الغربية.
وجاءت زيارة مسؤول حماس إلى موسكو على الرغم من أن الحركة محسوبة على جماعة "الإخوان المسلمين" التي تصنفها روسيا تنظيماً إرهابياً.
في المقابل، وبحسب بارئيل، لا يمكن رؤية بصمات روسيا في القضية الفلسطينية بشكل واضح حتى الآن، باستثناء جهودها لتعزيز تبادل الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين، وهي مسألة شاركت فيها دول أخرى ولم تثمر.
وأضاف أن موسكو وجدت اختراقاً في الحكومة الاسرائيلية عبر العمل مع قناة موازية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، هو التعامل مع أشكنازي ونائب رئيس الوزراء بيني غانتس الذي يشغل أيضاً منصب وزير الدفاع.
وكان غانتس وأشكنازي قد عبّرا مراراً عن دعمهما خطة ترامب، لكنهما اليوم يعارضان خطوات أحادية الجانب قد تؤدي إلى رد فعل فلسطيني عنيف وتضر بالعلاقات بين إسرائيل والأردن ضرراً لا رجعة فيه، بالإضافة إلى العلاقات التي طورتها إسرائيل مع عدد من الدول العربية.
ولفت الكاتب إلى أن روسيا سوف تقف بجانب الأردن الذي يعد حليفاً إستراتجياً للولايات المتحدة، مضيفاً أن هذا الموقف يأتي بالتزامن مع توقيع موسكو اتفاقاً مع مصر لبيع 20 طائرة مقاتلة من طراز سوخوي -35، في خطوة ولّدت شعوراً بنفوذ روسي متزايد في مصر.
وقال بارئيل إن روسيا تجد أماكن جديدة يمكن اختراقها في الشرق الأوسط، حتى في البلدان المعروفة جيداً كشركاء لواشنطن.
في سياق متصل، قال الباحث والمحلل الفلسطيني عبد المهدي مطاوع إن الدور الروسي مهم، لكنه مرتبط بمدى استعداد حكومة نتنياهو للإعلان عن توقف خطوة ضم الضفة، وهذا شرط أساسي للفلسطينيين لكي تنجح مساعيها في إطار رعاية دولية أوسع.
من خلال ملف الضفة الغربية، تعتقد موسكو أن هناك فرصة حالياً للعب دور في القضية الفلسطينية على غرار إستراتيجيتها في ليبيا وفي سوريا، بحسب تقرير إسرائيلي
ولفت في حديثه لرصيف22 إلى أن الدور الروسي الآن أكثر أهمية لأن روسيا تتمتع بوزن كبير في المنطقة، خصوصاً لدى إسرائيل نتيجة دورها الجيوإستراتيجي في سوريا، وفي مناطق أخرى بالشرق الاوسط.
ورأى مطاوع أن هذا الدور سوف تسعى الولايات المتحدة واسرائيل إلى إفشاله أو استغلال التدخل الروسي من أجل إبطال الإجراءات التي اتخذها الرئيس محمود عباس في مواجهة خطة الضم الاسرائيلية.
وأشار إلى أن لكل دولة سواء الأردن أو مصر أو روسيا طريقة مختلفة في إيصال رسائلها والتعبير عن غضبها، ولكن ما قام به الملك الأردني كان بسبب الضرر المتوقع من إلغاء حل الدولتين بناء على خطة الضم، وتالياً إعادة الحديث مجدداً عن الوطن البديل في بلاده.
وقال المحلل والباحث السياسي الروسي أندريه أونتيكوف إن روسيا تعارض بشدة خطوة نتنياهو لضم أجزاء في الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، وترى في ذلك تقويضاً كبيراً للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وأكد الباحث الروسي لرصيف22 أن "موسكو ستعمل عبر المؤسسات الدولية على الوقوف ضد خطوة نتنياهو التي سوف تثير الفوضى والتطرف في الشرق الأوسط حيث بذلت روسيا جهوداً كبيرة لمحاربة الإرهاب".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...