على ورقة نعوتها، كتبت عائلتها: توفيت ابنتنا بمشيئة إلهية. وبدل صورة الشابة رومينا أشرفي (14 عاماً) وُضعت صورة وردة حمراء، تتقاطع بجمالها مع رومينا لكن الفرق بينهما أن الورود لا تُحصد باكراً بالمناجل، بينما قُطع رأس الفتاة بمنجل أبيها، بتهمة الحُب.
ليلة 21 أيار/ مايو، في قرية "حويق"، في محافظة جيلان، شمال إيران، لم يتمكّن والد الشابة رومينا من خنقها، بعد عودتها من مركز الشرطة. صارعته الفتاة الصغيرة محاولةً العيش للحظات، لكن يد الأب الخشنة ذبحت رقبتها بمنجل، لـ"يغسل عار" فرارها من المنزل.
ارتكبت الشابة النحيلة الصغيرة إثم العشق في مدن الشرق القاسية. رفض والدها تزويجها من شاب تحبّه وتقدّم لطلب يدها منه، بحجة الاختلافات المذهبية بين العائلتين. تعرّضت الفتاة للضرب والشتم والحبس هي وأمها في المنزل لأيام، فالأب المتعصب لجأ إلى أساليب العنف المنزلي لقمع ابنته ومعارضة رغبتها، قبل تمكنها من الفرار بعد أسبوع والاحتماء بمنزل أخت حبيبها "بهمن"، حيث بقيت لأيام.
رواية الحبيب: الشرطة خدعتني في ليلة زفافي
يروي بهمن (28 سنة): بقيت رومينا في منزل أختي، وأرسلت لعائلتها مَن يقنعهم بزواجنا بعد هروبها، وتدخّل البعض لنعقد زواجنا، وبالفعل بعد أسبوع تمكنّا من تحضير مراسم عقد الزواج في المنزل بحضور بعض أفراد عائلة رومينا، لكن في اللحظات الأخيرة خرجت الشرطة من بين الحضور وألقت القبض عليّ وعليها.
يوضح بهمن أن والد رومينا اشتكى للشرطة المحلية ثم ذهب إلى السلطات القضائية في المدينة، مدّعياً أن الشاب خطف الفتاة، وأرسل له عدة تهديدات ليعيدها، وفي النهاية أقنع الشرطة بالحضور وإلقاء القبض على العاشقين في منزل أخته أثناء مراسم زواجهما.
وبعد توقيفهما ليوم في مخفر الشرطة أعادوا الفتاة إلى أبيها، مع أنها توسلت إلى قاضي التحقيق بألا يقوم بذلك، إلا أن القضاء والقانون قدّم الضحية الخائفة المتوسلة لوالدها ليجهز عليها بعد ساعات.
رواية العم: غسلنا العار
اسفنديار أشرفي، عم الشابة رومينا، حاول أن يبرر أمام الصحافة جريمة أخيه. قال إن أكثر ما أزعج العائلة ولا زال هو صورة رومينا مع الشاب بهمن، والتي نشرها العاشقان بعد الهروب.
يقول إن ما حصل منعه وبقية العائلة من رفع رؤوسهم في القرية، ويضيف: "نذهب إلى الغابة ونبكي هذا العار، أمها لا تستطيع الخروج من المنزل، أبوها لم يستطع أن يتحمل صورة ابنته المنتشرة مع الشاب. لو كنتم مكاناً ماذا كنتم تفعلون؟".
قائمة طويلة لجرائم الشرف في إيران
هاجره (18 عاماً)، الزوجة الضحية التي شهد سكان مدينة سراوران في محافظة سيستان وبلوشستان بصمت مقتلها المرعب على يد عائلة زوجها يوم 10 أيار/ مايو الحالي، لم تُقتل وحسب بل مُثّل بجسدها أيضاً. زوجها القاتل غمشاد أجبرها على تناول الأسيد ثم أجهز عليها دون أن يوضح تهمتها، قبل أن يقطع جسدها ويحرقه، بمساعدة عائلته. أهل الضحيّة أقروا بأن ابنتهم استغاثت بهم مراراً لكن "بيت زوجها أفضل لها".
الإعلام في إيران لا يمكنه الحديث عن جرائم الشرف بحرية، لأن خطوط الرقابة الحمراء تفرض الابتعاد عن إثارة المواضيع التي تنتهي إلى انتقاد الدستور والنظام، حتى أن العمل السينمائي "بيت الأبوة" مُنع من العرض بعد تسع سنوات من إنتاجه، بحجة تشويهه صورة المجتمع الإيراني
"ز" مجهولة الاسم والهوية قُتلت على يد أخيها في قرية "آباده" التابعة لمحافظة كهكيلويه وبوير أحمد. إعجاب ابن الجيران بها أثار غضب ابن عمها وأخيها الذي ضرب رأسها بالجدار فكسره منهياً حياتها.
سارا رخشاني (15 سنة) ضحیة أخرى من ضحايا جرائم الشرف في شهر أيار/ مايو. لقيت مصرعها على يد زوجها في الـ16 منه، في مدينة زاهدان، في ظل صمت إعلامي، فالإعلام في إيران لا يمكنه الحديث عن جرائم الشرف بحرية، لأن الخطوط الحمراء التي وضعتها الرقابة تحاول الابتعاد عن إثارة المواضيع التي تنتهي إلى انتقاد الدستور والنظام في إيران، حتى أن العمل السينمائي "بيت الأبوة" مُنع من العرض بعد تسع سنوات من إنتاجه، بحجة تشويهه صورة المجتمع الإيراني.
لا تُصدر السلطات المعنية في إيران إحصاءات حول جرائم الشرف في البلاد، لكن الإعلام الذي ينقل أخبار بعض هذه الجرائم ينشر أحياناً إحصاءاته الخاصة.
وبحسب موقع "خبر آنلاين"، وقعت 94 جريمة شرف خلال سنة واحدة، عام 2015، فيما تقرّ السلطات بأن حالة قتل واحدة من أصل سبع حالات قتل في إيران تسجَّل على قائمة جرائم الشرف.
جرائم برعاية القانون
تجيز المادة 630 من قانون العقوبات الإسلامية لكل رجل قتل زوجته وأي رجل غريب ترتكب معه الزنا، فيما تنص المادة 220 من نفس القانون على أن الأب أو الجد لا يُعاقَبان على قتل أبنائهم ويُحكم عليهم بدفع الدية.
تقول الأمينة العامة لمنظمة حماية حقوق المرأة في إيران شهيندخت مولاوردي إن رومينا ليست الضحية الأولى ولا الأخيرة لجرائم الشرف ما دام القانون والقضاء والثقافة السائدة للمجتمعات المحلية والعالمية ليس لديها الردع اللازم وتشجع على ارتكابها، فيما يرى محامي النيابة العامة منصور مقاره عابد أن الحلقة المفقودة في جرائم الشرف هي اعتبار الوالدين وخاصة الأب "صنّاع قررات الأبناء".
الشابة الإيرانية رومينا وقائمة طويلة من فتيات الشرق لن يتمكنّ بمفردهنّ من تحدي منجل الأب وسكين الأخ. وحدها القوانين الصارمة ونشر الوعي بحقوق المرأة توقف حمام دم النساء في العالم
ورغم وجود مساعي عديدة من الناشطين في مجال حماية المرأة والطفل لتقديم مشروع قانون يحمي المرأة ويضمن أمنها، إلا أن البرلمان والعديد من الوجوه المتطرفة في إيران يتصدون لمثل هذه المشاريع والاقتراحات ملصقين بها تهمة الهجوم الثقافي الغربي ومخالفة الشريعة.
رومينا وقائمة طويلة من فتيات الشرق لن يتمكنّ بمفردهنّ من تحدي منجل الأب وسكين الأخ. وحدها القوانين الصارمة ونشر الوعي بحقوق المرأة توقف حمام دم النساء في العالم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...