یحصد فيروس كورونا المستجدّ هذه الأيام آلافاً من الأشخاص في أنحاء العالم، والتوصيات الطبية والصحية لمواجهة هذا الفيروس ومكافحته لا زالت مستمرة، بل واشتدّت هذه الأيام أكثر من قبل.
ومن أبرز التوصيات إلى جانب غسل اليدين لمدة 20 ثانية، هي استخدام الكمامات الواقية لمنعنا من الإصابة بفيروس كورونا أو نقله إلى شخص آخر في حال كنا مصابين به. وتوصي السلطات في مختلف الدول المواطنين بوضع الكمامات خارج المنزل خاصة في الأماكن المكتظة بالأشخاص.
تُستخدم الكماماتُ لمنع انتشار القطرات المحمّلة بفيروس كورونا في الهواء وبين الأشخاص عن طريق السّعال والعطس، والتكلم أيضاً، وهو أمر يحدّ من تفشي الفيروس حسب التوصيات الطبية.
تصاعدت وتيرة انتشار فيروس كورونا في العالم، وضرورةُ استخدام الكمامات أدّى إلى امتزاج الفنّ والإبداع بالطبّ من جانب أصحاب الفنّ والموضة، لجذب الانتباه إلى استخدامها، وأيضاً إلى الاستفادة من فترة الحجر الصحي وتفشي الفيروس الذي أثر كثيراً على مختلف القطاعات، منها قطاع الفن والموضة، والنشاط الاقتصادي عامة. وربما يستهدف بعض الفنانين هذه الخطوات لتجميل صورة أزمة فيروس كورونا السئية في عيوننا في هذه الأيام الصعبة.
وفي إيران، والتي تُعتبر من بؤر تفشي فيروس كورونا في العالم، ذات أكثر من 74 ألف مصاباً بالفيروس، وأكثر من 4 آلاف من المتوفين بسببه، قام المصمم "رامين تشَمني" (Ramin Chamani) من محافظة هُرمُزكان، جنوب البلاد، بتصميم كمامات جميلة مستوحاة من الفنّ التقليدي في جنوب إيران مطرزة بنقوش متعلقة بهذه المنطقة، سمّاها "بُركانو" (Borkano).
ويقول تشَمني في حوار مع وكالة "إيسنا" الإيرانية للأنباء أن كلمة "بُركانو" مشتقة من كلمة "البرقع"، وكلمة "نو" (وتعني "الجديد" في اللغة الفارسية)، وهي كمامة مستوحاة من البرقع النسائي في محافظة هُرمزكان. يغطّي هذا البرقعُ الوجهَ من الأعلى إلى الأنف ما عدا العيون، ويسمّى في اللهجة الشعبية في هرمزكان "بُركَع".
في هذه الأيام، نضطرّ إلى تحمل أغطية فاقدة اللون تحمل القلق على وجوهنا وحياتنا، وأنا أدعوكم إلى العودة إلى لغة حضاراتنا المشتركة: الفن
وذكر تشَمَني في تغريدة على صفحته في موقع تويتر إنه قام بتصميم هذه الكمامات لخلق مجموعة متنوعة من أغطية طبية، وجميلة، وملونة في نفس الوقت.
وأضاف: "في هذه الأيام، نضطرّ إلى تحمل أغطية فاقدة اللون تحمل القلق على وجوهنا وحياتنا، وأنا أدعوكم إلى العودة إلى لغة حضاراتنا المشتركة: الفن. قمتُ أنا وزملائي بجمع جزء من حضارة مناطق إيران الجنوبية مع الفنّ، وصممنا غطاءً للانتقال من فقدان اللون إلى آلاف الألوان".
ويتمّ إنتاج "بركانو" في تصميمات وألوان متنوعة، ويمكن لمستخدميها طلبها وفقاً لأذواقهم بلون وتصميم خاص، وهي قابلة للغسل وإعادة الاستخدام.
وعن هدفه من تصميم "بركانو"، يقول تشَمني: "تلطیف نفسية أفراد المجتمع وتشجيعهم على استخدام الكمامات بشكل دائم ولفترة طويلة، كانت أهمّ أهدافنا لتصميم (بُركانو). برأينا لم يتمكن بعض مستخدمي الكمامات الطبية في هذه الأيام من التعامل معها ولم يتقبلوها حتى الآن بسهولة، ولذلك لم يستخدموا هذه الكمامات كما تؤكد التوصيات الطبية. وفي النهاية يؤدي ذلك إلى تهديد صحّتهم وصحة الآخرين في المجتمع. فكرة (بركانو) وإنتاجها جاءت بهدف التخلّص من الإحساس بالملل والاستنفار تجاه لكمامات الطبية."
ويضيف المصمّم الإيراني المقيم في مدينة "بَندَر عبّاس"، مركز محافظة هُرمزكان عن "بركانو": "عادة ما، يحاول الفنانون في الأزمات تقديم أفكار للناس تكون بمثابة دواء على جروحهم وآلامهم، ونظرًا لخبرتي وتجاربي، فقد قرّرت تصميم شيء في هذه الأيام الكورونية يُفيد الأشخاص. وآمل أن يكون ما أنتجتْه له تأثير إيجابي على تشجيع المواطنين على استخدام الكمامات وخلق شعور إيجابي وممتع لديهم."
وكان "بركانو" في البداية عبارة عن غطاء يوضع فوق الكمامة الطبية الرائجة، ولكنه في المراحل اللاحقة، قام تشَمني وزملاؤه، وبعد استشارة الأطباء، بإنتاجها بغطائين؛ غطاء من القماش المطرّز وغطاء من الغشاء الطبّي الذي يمنع من دخول وانتقال الجراثيم والفيروس، حيث أصبحت في النهاية كمامةً طبية ملونة وجميلة.
بعد استشارة الأطباء، قاموا بإنتاجها بغطائين؛ غطاء من القماش المطرّز وغطاء من الغشاء الطبّي الذي يمنع من انتقال الجراثيم والفيروس
هذه الفكرة، نالت إعجاب مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي في إيران، بل ونالت إعجاب وزير الصحة الإيراني، عباس صالحي، حيث نشر تغريدة على تويتر أشاد فيها بـ"بركانو"، قائلاً: "إن التقاليد والثقافة الإيرانيةِ مصدرُ الإبداع".
وقال رضا كمالي زَركاني، رئيس منظمة الثقافة في محافظة هرمزكان، مقدّراً جهدَ مصمّمِ هذه الكمامات وفريقه: "تعتبر هذه الفكرة تحويلَ التهديد إلى فرصة. وبإمكان (بركانو) تشجيع العائلات على استخدام الكمامات وتنفيذ التوصيات الطبية. هذا المنتج مستوحى من برقع النساء الهرمزكانيات، وأصبح منتجاً مناسبًا ومشجعاً في الظروف الحالية بتغييرات في البرقع، والالتزام بالصحّة والجمال في نفس الوقت."
ويهدُف مصمم "بُركانو" إلى تسويقه في الدّول الأخرى، بعدما نجح في جذب المستهلكين من طهران وشيراز وقشم ومدن إيرانية أخرى، كما يقول.
وصمّم تشَمَني بعد إنتاج "بُركانو" للنساء في مختلف الألوان والنقوش، "بركانو" رجالية، دون نقوش، وباللون الأسود، كما تظهر صورتها على صفحته في تويتر.
يُمكن أن تُذكرنا الكماماتُ البيضاء بالمستشفيات والأطباء وحالة المرض، أو تجعلنا نشعر بأننا نعيش في حالة مزرية ومُخيفة، لكن منتجاتٍ كـ"بركانو" تحاول تغيير نظرتنا إلى المرض والأزمات الصحية، وتغيير المناخ العام في المجتمع، وتلوينه وتجميله، كما تُساعدنا على قضاء الفترة الكورونية الصعبة، بشكلٍ أسهل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...