شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"كنت أتمنى أكون أم كويسة"... عن تنمّر الأهالي على أطفالهم في زمن كورونا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 26 مايو 202004:26 م

"صاحب الشقة عايز يطردني عشان مدفعتش الإيجار، والولاد زهقوا من الحبس في البيت ومبيبطلوش خناق، وأنا بقيت واحدة تانية، بصرخ فيهم طول الوقت وبضربهم جامد، ومش قادرة أسيطر على نفسي.. أنا تعبت وبفكر كتير أموت نفسي وأموتهم، ده أريح لينا كلنا"، تحكي نهال لرصيف22، ويداخلها شعور بالذنب والتقصير بحق طفليها، في ظل تداعيات انتشار كوفيد- 19.

نهال، شابة في الثلاثين من عمرها، مطلقة ولديها طفلان، مع بدايات أزمة كورونا، تم الاستغناء عن خدماتها من مصنع الملابس الذي كانت تعمل به، بينما يرفض والدهما الانفاق عليهما.

"الأطفال الحلقة الأضعف"

أشارت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، يونيسيف، أن 99% من أطفال العالم يعيشون في ظل نوع من القيود المفروضة على الحركة في بلدانهم بسبب كورونا، و60% منهم يعيشون في دول فيها إما إغلاق كامل أو جزئي، محذرة من تعرضهم للاستغلال والإساءة والعنف المنزلي.

تقول نهال، المقيمة في محافظة الجيزة، لرصيف22: "كان يضربني، ويضرب أطفالي لأتفه الأسباب، في المرة الأخيرة ضربني؛ فدافعت عن نفسي، وضربته أيضاً، فشعر بالإهانة، وطلقني بعد أن استولى على كل شيء".

تعبّر نهال، عن ارتياحها للطلاق رغم صعوبة الإنفاق على طفليها "خمس وثلاث سنوات": "نزلت مصنع قريب من البيت اشتغلت عاملة، مع إن معايا بكالوريوس تربية، بس مافيش شغل بالمؤهل، ولازم أصرف على ولادي".

"أنا أهون يجيلي كورونا ولا إني أفضل قاعد مع أهلي، طول الوقت تعليقات على أكلي، وعلى شكلي، وعلى لبسي، ومقارنات مبتخلصش بقرايبي وأصحابي، خلوني أكره كل الناس وأبعد عنهم"

لزيادة دخلها، وافقت نهال، على عرض إحدى زميلاتها بالمصنع للعمل بتنظيف المنازل، ومكّنها ذلك من استئجار شقة صغيرة لها ولطفليها، بعد أن مكثت عدة أشهر في شقة شقيقها وأسرته دون ترحيب، وبدأت أحوالها تستقر، إلا أن انتشار كورونا، ضرب حلمها البسيط بالعيش الهادئ مع طفليها.

يحذّر الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي بالأكاديمية الطبية، من الأجواء والإجراءات المحيطة بانتشار فيروس كورونا، والتي تسبب عدداً من المشكلات النفسية، ومنها الشعور بالقلق والتوتر، وهو ما ينعكس على جميع أفراد الأسرة، وخصوصاً الأطفال، بوصفهم الحلقة الأضعف.

في مارس الماضي، استغنى صاحب المصنع عن نهال مع أخريات، وبعد أسبوعين كانت المنازل التي تعمل في تنظيفها قد أغلقت الأبواب في وجهها، خوفاً من أن تنقل لهم العدوى، لتبقى عاجزة، في مواجهة محتدمة "لا تستطيع السيطرة عليها" مع الطفلين.

وقد صرحت مديرة اليونيسف التنفيذية، هنرييتا فور، إنه خلال أي أزمة يعاني الأطفال والفئات الأكثر ضعفاً أكثر من غيرهم وبشكل غير متناسب، مضيفة: "يصاب الأطفال والصغار بفيروس كورونا، وعلاوة على ذلك فهم أكثر الضحايا المتضررين، إذا لم نستجب الآن لتأثير الجائحة على الأطفال، فإن أصداء كـوفيد-19 ستحدث دماراً دائماً في مستقبلنا المشترك".

"كورونا أهون من البيت"

أحمد، طالب في المرحلة الثانوية، لم يزعجه انتشار كوفيد-19 بقدر انزعاجه من قرارات وقف الدراسة، الحظر، واضطراره للبقاء بالمنزل معظم الوقت.

يعاني أحمد (16 سنة)، المقيم في محافظة بني سويف، من زيادة مفرطة في الوزن، تسبَّبت في إصابته بالتثدي، وهو ما فتح بوجهه سيلاً لا يتوقف من التنمر والإيذاء النفسي من أفراد أسرته، وفي مقدمتهم والديه، وكان الهروب للمدرسة والدروس، أو حتى التسكع في الشوارع، ملاذه الآمن الذي سرقه منه كورونا.

لا يعاني أحمد، منفرداً، حيث يشاركه 78% من الأطفال في مصر بالتعرض للعنف النفسي، وفقاً لدراسة اليونيسيف "العنف ضد الأطفال في مصر".

يقول أحمد، لرصيف22: "أنا عارف إن شكلي مش حلو، ومش عاجبني أنا كمان، لكن تعليقاتهم من وأنا في ابتدائي إن وزني زيادة كانت بتخليني أهتم بالأكل أكتر، لحد ما بقى إدمان ما بأقدرش أبطل أكل، كل ما يضايقوني آكل أكتر، وهما مبيبطلوش يضايقوني".

يعلق فرويز في تصريحات لرصيف22، إن التعليقات السلبية على مظهر الطفل وصفاته الجسمانية والسخرية منه، تؤدي لشعوره بالدونية وضعف الثقة بالنفس وانخفاض الشعور بتقدير الذات، ويزداد تأثير ذلك السلوك سلباً على الطفل عند صدوره من الوالدين، لأنهما مصدر الحماية والدعم المفترض له، بحسب فرويز.

تصاعدت عصبية وحدّة الوالدين اللذين يواجهان أزمة توفير نفقات الأسرة.

بعد تطبيق إجراءات الحظر المنزلي، أصبحت والدة أحمد الموظفة تعمل يومين فقط أسبوعياً، أما والده فيعمل 3 أيام مقابل نصف أجره، وتصاعدت عصبية وحدّة الوالدين اللذين يواجهان أزمة توفير نفقات الأسرة، والضيق من البقاء الطويل في المنزل، وهو ما انعكس على أحمد بمزيد من التعليقات الأكثر حدة، والتي وصلت لسبه وضربه أيضاً، بحسب تصريحات أحمد.

تضمّن تقرير اليونيسيف حول التنمر أشكالاً متعددة من الإيذاء، كالاعتداء البدني، الضرب، إتلاف الأغراض، الشتم، التحقير، السخرية، إطلاق ألقاب مسيئة، التهديد، التجاهل والإهمال، التربص والنظرات السيئة.

يتابع أحمد: "أنا أهون يجيلي كورونا ولا إني أفضل قاعد معاهم، طول الوقت تعليقات على أكلي وعلى شكلي وعلى لبسي ومقارنات مبتخلصش بقرايبي وأصحابي، خلوني أكره كل الناس وأبعد عنهم، أنا باتمنى يجي لي كورونا وأموت عشان أخلص".

يسبب التنمر على الأطفال مجموعة من التأثيرات السلبية، وفقا لموقع "مايو كلينيك" الطبي، ومنها: الإصابة البدنية، الاكتئاب أو القلق، الوحدة أو العزلة، الشعور بالعجز وتراجع الثقة بالنفس، اضطرابات الشهية، التفكير في الانتحار، تناول الكحوليات أو المخدرات، خفقان القلب، السلوك العدواني، ضعف الأداء المدرسي، صعوبات النوم والكوابيس والهروب من المنزل.

"أخاف أن يكرهني أطفالي"

أمل، شابة في الرابعة والثلاثين من عمرها، ولكنها تبدو أكبر من ذلك بعشر سنوات على الأقل، فالأم الصغيرة أنهكتها رعاية أسرتها التي تضم ستة أطفال، بينما لا تجد عوناً من الزوج الذي يكتفي عادة بالذهاب لعمله كسائق سيارة أجرة.

قبل كوفيد-19 لم تكن أمل، المقيمة بمحافظة الغربية، تكف عن الصراخ في صغارها الذين تتراوح أعمارهم بين 10 أعوام وعامين، أما بعده، فيشاركها زوجها الصراخ في الأطفال، وضربهم أيضاً.

بعيداً عن الأوضاع الاستثنائية والضغوط التي يفرضها انتشار كوفيد-19 وإجراءات مقاومته، فإن 75% من الأطفال في مصر يواجهون عنفاً جسدياً يحدث عادة في المنزل، وفقاً لليونيسيف.

"كان يضربني ويضرب أطفالي لأتفه الأسباب، في المرة الأخيرة ضربني فدافعت عن نفسي وضربته أيضاً، فشعر بالإهانة وطلقني بعد أن استولى على كل شيء"

الأب الغاضب من اضطراره للخضوع لساعات الحظر والمكوث في المنزل لوقت أطول كثيراً مما اعتاد أن يفعل، وتقلص دخله لأقل من النصف، واضطراره للاستدانة حيناً، وقبول مساعدات المعارف والجيران أحياناً أخرى، يبقى في حالة ثورة دائمة داخل المنزل.

وأكدت نجاة معلا مجيد، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد الأطفال، في تصريحات منشورة أن الأطفال يكونون أكثر عرضة لخطر التعرض للعنف والاستغلال خلال فترة الحجر.

وأشار فرويز، إلى أن الحظر يتسبب في إصابة كثيرين بالاكتئاب، التوتر، العصبية، واضطرابات النوم والطعام والسلوك، وهو ما قد ينعكس في ممارسات كالأرق أو النوم طويلاً، الإفراط في تناول الطعام أو فقدان الشهية، وكذلك الاضطرابات السلوكية كالاهتياج واللجوء للعنف والصراخ.

تقول أمل لرصيف22: "لا أحب الطريقة التي أعامل أطفالي لها، كنت أتمنى أن أكون أماً جيدة، ولكني لست قادرة على السيطرة على شيء، كل شيء حولي يضغط علي، أخاف أن يكرهونني يوماً".

ينصح فرويز، بضرورة الاستغلال الإيجابي لوفرة الوقت التي يسببها الحظر، وعدم التورط في ممارسات سلبية تسبب زيادة الشعور بالتوتر، تفريغ الطاقة بشكل إيجابي، دعم التقارب الأسري، تشارك الأنشطة المنزلية كالأعمال المنزلية والألعاب الجماعية.

"أخاف أن يكرهني أطفالي".

أمل منهكة من رعاية الأطفال والزوج طوال الوقت، بعد أن كانت ترتاح قليلاً مع ذهابهم للمدارس والعمل، طلباتهم تزداد بحكم المكوث الدائم بالمنزل وكذلك شجارهم، ومع أب غاضب وأم تعبة لا تحصل على المعاونة، ينفجر صراخ الأطفال بشكل شبه يومي، بعد تعرضهم للضرب من قبل أحد والديهم.

قال صبري عثمان، مدير خط نجدة الطفل، في تصريحات بثتها قنوات محلية، إن الخط يتلقى بلاغات من أطفال وبالغين، متعلقة بأي عنف أو خطر، عبر الخط الساخن 16000، مشيراً إلى أن عدد المكالمات منذ فرض الإجراءات الحكومية لمواجهة كورونا وتطبيق الحظر، يصل لـ1000 مكالمة يومياً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image