"ثغر اليمن الباسم" هكذا كانت تُلقّب مدينة عدن اليمنية. عدن اليوم ليست كعدن التي وصفها الشاعر عبد الله نعمان بأنها تلك المدينة التي فيها الهوى ملونٌ، وليست كعدن التي وصفها الشاعر ناصر سمن بأنها مدينة يعشقها كل عابر زارها.
في الساعات الأولى لصباح الاثنين 11 أيار/ مايو، أعلنت اللجنة العليا لمواجهة وباء كورونا في اليمن المدينة موبوءة بعد ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس إلى 31، وحدوث أربع وفيات.
المدينة التي تتخذها الحكومة المعترف بها دولياً مقراً موبوءة اليوم بـ"كوكتيل" من الأمراض، قالت اللجنة إنها انتشرت في الأيام الماضية بفعل الأمطار والسيول التي شهدتها المدينة، والتي جعلها النزاع السياسي وتبعاته على النظام الصحي فيها أشد وطأة.
يتحدث يمنيون عن خليط من الأوبئة في عدن، كالكوليرا، والملاريا، والطاعون الرئوي، والضنك، بالإضافة إلى كورونا. هذا الخليط يجعل الوفيات التي تُسجّل غير مؤكدة، في وقت يشكك الناس في الأرقام الرسمية ذات الصلة بكورونا.
وكانت الحكومة المدعومة سعودياً قد أعلنت إصابة 34 شخصاً حتى الآن بفيروس كورونا في اليمن ووفاة ثمانية، ووصل عدد الإصابات في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون إلى حالتين ووفاة حالة واحدة.
تحدث عدة ناشطين يمنيين لرصيف22 عن حالة من الغموض تلف متابعة الوضع الصحي في البلاد، مذكرين بالنزاع الأمني والسياسي، وبترهل الوضع الصحي، وبأن "اليمن منسي في عقول الشعوب العربية".
"الوضع لم يعد يحتمل"، تشكو الناشطة الحقوقية ياسمين الناظري، مشيرة إلى عجزها عن وصف الحالة التي تشعر بها ويشاركها فيها يمنيون كثر إزاء أرقام الوفيات اليومية جراء خليط الأوبئة، والتي تعزو أسبابها إلى الصراع السياسي الذي "دمّر البلد".
"بموازاة تفاقم الصراع السياسي هطلت أمطار في عدن قبل حوالى الشهرين، فاختلطت بمياه الصرف الصحي، وهذا ما تسبب بمستنقعات لحقتها تبعات صحية مثل ظهور أنواع جديدة من الأمراض المعدية بالتزامن مع انتشار فيروس كورونا"
تضيف الناظري: "غياب مؤسسات الدولة أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني الذي بات لا يحتمل من جراء صراع الميليشيات والحكومة الانتقالية".
"بتنا نسأل هل توفي ذلك الشخص بسبب كورونا أو بسبب وباء آخر؟ وقلما نجد الجواب"، تتابع الناظري خاتمة حديثها: "لا يعرف الشخص سبب مرضه. هذا الحق بات منتزعاً منه. إنه اليمن السعيد أيها العالم".
الوصول إلى إعلان عدن مدينة موبوءة ليس التطور الوحيد في سياق اختلال النظام الصحي في اليمن، خصوصاً مع ظهور أزمة فيروس كورونا، إذ أعلنت منظمة الصحة العالمية تعليق نشاط موظفيها في مراكزها التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.
برّرت المنظمة قرارها بحجة "الضغط على تلك الجماعات ودفعها إلى التمتع بقدر أكبر من الشفافية إزاء الحالات التي يشتبه في إصابتها بفيروس كورونا!".
"تنصّل" منظمة الصحة العالمية من واجبها الإنساني بحجة "الشفافية" لم يستغربه الناشط اليمني سامح بني عفيف الذي يعود لدى تعليقه على هذه الخطوة إلى الذاكرة القصيرة، عندما تم إنشاء محجر صحي في عدن قبل شهرين.
كان هذا المحجر قد ولّد طمعاً لدى أطراف النزاع السياسي بغية استعراض "البطولات" من خلال التسابق على السيطرة عليه. وعندما أدى هذا التسابق إلى ترهل المحجر تراجعت تلك الأطراف عن ذلك الطعم الذي اعتقدت أنه قد يوصلها إلى سدة القيادة، بحسب رأي بني عفيف.
يقول بني عفيف: "بموازاة تفاقم الصراع السياسي هطلت أمطار في عدن قبل حوالى الشهرين، فاختلطت بمياه الصرف الصحي، وهذا ما تسبب بمستنقعات لحقتها تبعات صحية مثل ظهور أنواع جديدة من الأمراض المعدية بالتزامن مع انتشار فيروس كورونا".
ويضيف: "أطراف الصراع حيّدت نفسها لدى مواجهة هذه المخاطر الصحية، حتى القطاع الخاص المتمثل بالمستشفيات الخاصة أغلق أبوابه أمام المرضى المصابين بالأوبئة، أما الطواقم الطبية في المستشفيات الحكومية فهربت خوفاً على سلامتها".
الوصول إلى إعلان عدن مدينة موبوءة ليس التطور الوحيد في سياق اختلال النظام الصحي في اليمن، إذ أعلنت منظمة الصحة العالمية تعليق نشاط موظفيها في مراكزها التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن... وتحذير من الأسوأ
ويتابع بني عفيف: "الوضع اليوم بات أكثر رعباً… في اليوم الواحد يموت نحو 12 شخصاً بفعل خليط الأوبئة. ثمة أشخاص يموتون من دون أن يُعرف سبب موتهم. كل ذلك يحصل في ظل قوات سياسية تريد فرض نفسها على حساب حياة المواطنين وجراحهم".
علماً أن الحكومة اليمنية والسلطة الحوثية تتبادلان الاتهامات بشأن تفشي الوباء في اليمن. فالحكومة تتهم الحوثيين بالتستّر على حقيقة الوضع في صنعاء، وينفي الحوثيون الاتهام.
ووسط الانقسام السياسي ووصول الشعب إلى حدود المجاعة في ظل الخلل الكبير الذي مس القطاع الصحي ودفَعَ بالمستشفيات لرفع الصوت مطالبة بتزويدها أجهزة الوقاية والتنفس، تقول "الصحة العالمية" إنها تخشى من تأثير كورونا الشديد على اليمن لأن "لدى سكانه مستويات مقاومة للمرض أقل مما هي عليه في الدول الأخرى"، مشددة على ضرورة تحديد الإصابات بدقة وعزلها وعلاجها.
وبحسب ما أفادت وكالة "رويترز"، يعتمد حوالى 80 في المئة من اليمنيين، أي حوالى 24 مليوناً، على المساعدات الإنسانية في حين أن هناك عشرة ملايين عرضة لخطر الموت جوعاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...