في أول توظيف للأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس إثر تفشي فيروس كورونا، انطلقت حملة تنادي بحل البرلمان وتعطيل العمل بالدستور وإقالة الحكومة وتشكيل مجلس وطني للإنقاذ وتولي المؤسسة العسكرية إدارة شؤون البلاد مؤقتاً إلى حين الوصول إلى "الديمقراطية المباشرة".
وأخذت الأحزاب التونسية الكبرى هذه الحملة التي انطلقت في الأسبوع الماضي على محمل الجد لتزامنها مع تدهور الأوضاع الاقتصادية جراء تعطل عجلة الإنتاج واستمرار إجراءات الحد من انتشار كورونا.
وبرزت اتهامات لدول عربية بالوقوف خلف هذه الدعوات الرامية إلى إطاحة الديمقراطية التونسية.
"ثورة جياع"
اتسمت الحملة بأنها غير حزبية، ولا تتمتع بظهير سياسي معروف، فغالبية المنادين بها هم ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي.
ودعا المطالبون بالثورة إلى الاعتصام في مدينة باردو للمطالبة بحل مجلس النواب، على غرار "اعتصام الرحيل" الذي نُظم عام 2013 أمام البرلمان احتجاجاً على اغتيال السياسي محمد براهمي، وللمطالبة بحل المجلس التأسيسي وحكومة حركة النهضة الإسلامية.
وأطلق الناشطون على مواقع التواصل على الاعتصام الذي دعوا إليه أمام البرلمان اسم "اعتصام باردو 2".
وكتب الناشط محمد اللجمي على حسابه عبر فيسبوك: "اعتصام الرحيل باردو 2 هو الحل بعد تحويل النظام إلى رئاسي معدّل. ونواصل المشوار مع الرئيس قيس سعيّد، وتكون الانتخابات المقبلة على الأفراد لا على القوائم، والحَكم رئيس الدولة، وله وزير أوّل يدير شؤون الدولة اليوميّة".
وغرّد ورفلي فتحي: "قلنا منذ البداية لا حل إلا الحل، يا شباب تونس الأحرار. هذا المشهد السياسي لا يمكن أن يستمر. برلمان فاشل بجنسيات متعددة برتبة جواسيس وعملاء، ورئيس الحكومة يحمل الجنسية الفرنسية ورئيس البرلمان يحمل الجنسية البريطانية".
وكتب منذر قفراش على فيسبوك: "اللي ناوي يخرج الإخوانجية (حركة النهضة) بالانتخابات يستنى لـ2200، واللي يحب ينقذ تونس الحل في الشارع وحل البرلمان والحكم للجيش".
وكتب الناشط أنيس اللواتي على فيسبوك: "تنسيقيات جهوية ومحلية لثورة جياع وفقر تتشكل تلقائياً بتوافق وصمت وسرية بدون استشارة ولا تعليمات. لا لنشر التفاصيل على فيسبوك، إنها ثورة الشعب التونسي الحقيقية".
في مبادرة تُذكّر ببدايات الثورة، دشّن ناشطون تونسيون حملة تطالب بالتظاهر والاعتصام للإطاحة بالنظام السياسي الحالي وحلّ البرلمان وتولي الجيش مقاليد الحكم مؤقتاً إلى حين تنظيم الحكم الذاتي المحلي عبر الديمقراطية المباشرة
وعلى الرغم من أن هذه الدعوات لا تزال تقتصر على مواقع التواصل الاجتماعي، كشفت وسائل إعلام عن أن 18 ألف شخص وقعوا على عريضة يؤيدون فيها ما تنادي به هذه الحملة.
"حملات مشبوهة"
في أول رد فعل لها، وصفت حركة النهضة التي يترأس زعيمها راشد الغنوشي البرلمان التونسي هذه الدعوات بأنها حملات مشبوهة تدعو إلى الفوضى وتستهدف مجلس نواب الشعب ورئيسه.
وقالت الحركة في بيان إن هذه الدعوات تسعى إلى إرباك المسار الديمقراطي التونسي وإضعاف مؤسسات الدولة، في ظل تحديات صحية واقتصادية استثنائية.
وشدّدت الحركة التي تحظى بأكبر عدد من مقاعد البرلمان (52 مقعداً من أصل 217) على "ضرورة تجسيد معاني الوحدة الوطنية في جميع المستويات".
وقال رئيس كتلة "ائتلاف الكرامة" في البرلمان سيف الدين مخلوف إن الدعوات إلى حل البرلمان "حملة سخيفة".
وكتب رئيس الكتلة المحسوبة على الثورة التونسية على فيسبوك: "حملة سخيفة يقودها عدد من المستعارين من اليسار الستاليني المنتهي الصلاحية ممن تحالفوا سابقاً مع بن علي علناً منذ 1991".
وأضاف: "يحرّضون اليوم عبر صفحات مجهولة على التمرد ضد المؤسسات المنتخبة ويتمترسون لأجل ذلك وراء شرعية رئيس الجمهورية".
ونادى مخلوف بمعاقبة القائمين على هذه الدعوات، قائلاً إن "الفصل 72 من المجلة الجزائية ينص على أنه يعاقب بالإعدام مرتكب الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضاً بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب في التراب التونسي".
في مقلب آخر، نفت رئيسة "الحزب الدستوري الحر" عبير موسي أية علاقة لها بالدعوات إلى إطاحة البرلمان بعدما اتهمها موالون للسلطة بالوقوف وراء هذه الحملة.
وكانت موسي قد اتّهمت حركة النهضة بالإعداد لـ"مخطط خطير يقوم على إشاعة الفوضى والعنف والفتنة في البلاد وإيهام الرأي العام بتورط حزبها في ذلك".
وأضافت في مقطع فيديو على صفحتها في فيسبوك: "الجهة التي تُحرّك دعوات الإطاحة في البرلمان هي حركة النهضة عبر بيادقها وعصاباتها في خطة تستهدف نشر الفوضى والفتنة في البلاد وتحجيم دور الحزب الدستوري الحر".
وتابعت: "نحن لا ننساق وراء دعوات مجهولة المصدر لأننا لسنا دعاة عنف أو دعاة فوضى. وعندما نقرر الخروج في تظاهرات أو الدخول في اعتصامات لا نختبئ وراء صفحات فيسبوك، بل نخرج إلى العلن بصفة قانونية".
وتُعدّ موسي من أشد المعارضين لحركة النهضة وتعتبرها قوى الثورة من المحسوبين على نظام الرئيس بن علي الذي أطاحته الثورة عام 2011.
نواب تونسيون يتهمون الإمارات بالتحريض على الثورة في البلاد من أجل الإطاحة بالنظام الديمقراطي، ويصفون الدعوات للتظاهر بـ"المؤامرة"
ورأى عدد من النواب أن هذه الحملة تحظى بدعم خارجي، مُتهمين دولة الإمارات بالسعي إلى إطاحة البرلمان التونسي.
وكتب منذر أبو حيدر، عضو ائتلاف الكرامة: "علاش (لماذا) الإمارات تكره النظام البرلماني؟".
وأضاف: "لأن من المستحيل شراء كل الكتل والمستقلين وضمان تمرير ما يشاؤون من قوانين. وفي الانتخابات، مكلفة جداً المراهنة على 4 أو 5 أحزاب و كل حزب بـ33 قائمة وفي الأخير يجيبوا 5 كراسي مع بعضهم… بينما في النظام الرئاسي يكفي يحطوا الباكو (الأموال) على البغل (شخص) تبعهم فتصبح البلاد ملكهم وانتهى الأمر".
هل تشهد تونس ثورة؟
في الإطار نفسه، لفت المحلل والباحث حسان القبي إلى أن منطقة شمال أفريقيا، ومنها تونس، قد تشهد زلزالاً سياسياً في الأيام المقبلة إثر الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلدان العالم بسبب أزمة كورونا.
وقال القبي لرصيف22: "كل التقارير الأمريكية والأوروبية تتوقع حدوث زلزال سياسي في المنطقة، لأن الأزمات الاجتماعية تتفاقم، خصوصاً في الدول النامية".
وأضاف: "الدعوات الحالية في تونس جاءت عفويةً من الطبقة المتوسطة جراء حالة الفقر التي تعرض لها الشعب في ظل حكم الإسلاميين منذ عام 2011".
ورأى القبي أن تونس تشهد حراكاً متزايداً يدعو إلى التمرد في ظل تصاعد الأزمات الاجتماعية، وقد تنطلق شرارة الزلزال الذي سيضرب المنطقة من تونس مثلما حدث عام 2011.
يُذكر أن صندوق النقد الدولي توقع أخيراً أن ينكمش الاقتصاد التونسي بنسبة 4.3%عام 2020 نتيجة أزمة فيروس كورونا، وهو أسوأ ركود تشهده البلاد منذ عام 1956.
وأعلن الصندوق الموافقة على صرف قرض مقداره 745 مليون دولار أمريكي لمساعدة تونس على مواجهة آثار الأزمة.
في سياق متصل، قال الباحث والمفكر مصطفى تواتي إن حركة النهضة تشعر بهلع كبير من الدعوات إلى التظاهر والاعتصام بغية إطاحة البرلمان.
وكتب في حسابه على فيسبوك: "الديمقراطية تفرض علينا الدفاع عنها وتحريرها من مغتصبيها، وإرجاعها إلى حقيقة معناها ودورها ونسبها إلى الشعب بأغلبيته وأقليته، وذلك بتحرير مؤسسات الدولة من تسلط الطغمة التي سطت عليها باسم ديمقراطية مدلسة ومضروبة تتغذى من الأموال القذرة من الداخل والخارج".
وأضاف: "لا سبيل أمامنا لتحقيق هذه الغاية النبيلة والمبادرة بإنقاذ وطننا واسترجاع الديمقراطية الحق إلا بتوخي الوسائل الثورية السلمية المشروعة كما فعلنا في ثورة اعتصام الرحيل باردو1".
ورأى الصحافي والكاتب كمال بن يونس أن تاريخ كل الانتفاضات والثورات الشعبیة السابقة، بما فیھا أحداث 1978 و1981 و1984 و1987 و1991 حتى ثورة 2011، يشير إلى أن الاحتجاجات لا تؤدي إلى تغيير سياسي إلا إذا دعمتھا مؤسسات داخلية وخارجية.
ورأى أن السلطات الثلاث، الرئاسة والبرلمان والحكومة، لا تدعم الاحتجاجات الشعبية في الوقت الراهن على الرغم من الحديث الدائر بشأن القائمين على الحملة الحالية واعتبار أنهم محسوبون على معسكر الرئيس قيس سعيّد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون