شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"كورونا كل سنة مرّة"... صوت الناس العفوي يختلف كثيراً عن صوت ضيوف البرامج التلفزيونية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 3 مايو 202012:06 م

بعد سلسلة لقاءات بعنوان "ميّت وكتير الحِشرة" أجراها ونشرها على صفحته على فيسبوك وعلى حسابه الخاص، وسلاسل أخرى كثيرة حملت عناوين مختلفة، بدأ الشاعر والإعلامي اللبناني جوزيف عيساوي ببث حلقات تحمل عنوان "كورونا كلّ سنة مرّة"، في الـ27 من شباط/ فبراير الماضي.

اسم "البرنامج" مأخوذ من اسم أغنية "زوروني كلّ سنة مرّة" الشهيرة، وقد حوّره متأثراً بانتشار فيروس كورونا، كما فعل كثيرون راحوا يحوّرون بعض الجمل المعروفة في الفترة الماضية.

يجول "مقدم البرنامج" في شوارع بيروت ويختار ضيوفه عشوائياً. ليسوا نواباً أو سياسيين ولا أشخاصاً من أولئك الذين تصدّرهم القنوات التلفزيونية بوصفهم "خبراء". هم مارّة يمثلون المجتمع اللبناني، وعيّنة من فئات لطالما همّشتها البرامج التلفزيونية، وأراد عيساوي تخصيص مساحة لها.

لا إجراءات روتينية لاختيار الضيوف بعناية مسبقة، مع معرفة آرائهم قبل إعطائهم "الغرين لايت"، ولا اتفاقات مسبقة معهم على مواعيد الحلقات والمواضيع، ولا على الأسئلة التي ستُوجّه إليهم، كما يجري على التلفزيونات في بعض الأحيان، لا بل في الكثير من الأحيان.

يمشي عيساوي "عكس السير"، كما اسم أحد البرامج التي كان يقدّمها سابقاً على إحدى المحطات اللبنانية. لا الضيوف محددون ولا المواضيع، والأسئلة تُطرح بحسب السياق وبحسب سير الحوارات.



كلفة الإنتاج بسيطة، وأي مكان قد يتحوّل إلى إستوديو ولا حاجة إلى ديكور وإضاءة وعدد كبير من الكاميرات والتقنيات.

كل ما احتاجه عيساوي الذي قدّم سابقاً وأنتج أفلاماً وثائقية وبرامج سياسية واجتماعية وثقافية على محطات لبنانية وعربية عدة منذ عام 1995، ويكتب في النقد الأدبي منذ عام 1985، وأصدر سبع مجموعات شعرية، كل ما احتاجه "موبايل" وإنترنت لتحميل الحلقات على فيسبوك، بالإضافة إلى ثقافة ومعرفة ولباقة في الحوار ووقاحة جميلة سمحت بمعرفة آراء بعض اللبنانيين المختلفة عن تلك المستهلكة من قبل الأحزاب والسياسيين.

يقول عيساوي لرصيف22: "الفيديوهات المصورة بالموبايل والتي تنشر من دون توليف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تأتي طازجة وتعبّر عن انطلاقة عصر الديجيتال بأبعاده الافتراضية ومعانيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية".

ويضيف: "فيروس كورونا دفعَ باتجاه التباعد الجسدي والاجتماعي بين الناس، معزّزاً الحالة الافتراضية للبشر والأرض والتجارة، ويأتي ذلك بعد كل التقدم التكنولوجي من ثورة الذكاء الاصطناعي، والتي إذا أضفنا اليها اندفاعة التكنولوجيا العضوية (بيوتكنولوجيا) والنانو تكنولوجيا، لصرنا أمام صورة للبشر ستختلف بعد عقود عما هي الآن عليه لجهة العمل والأهداف والسلوك الاجتماعي والمشاعر وطبعاً النظم السياسية وشكل العولمة، ولا ننسى طبعاً الأبعاد الوجودية والدينية والثقافية".

فكرة عفوية

فكرة تصوير عيساوي فيديوهات حوارية قصيرة بالموبايل أتت بشكل عفوي بعد انقطاع عن التلفزيون، ضيفاً ومحاوراً، أواخر عام 2011. خلال العام الماضي، استخدم هاتفه "الذكي" خلال لقائه بمحمد يونس، الاقتصادي البنغالي الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2006، مناصفةً مع "بنك الفقراء" الذي أسسه ويقدّم قروضاً للفقراء.

يقول: "شغّلت الفيديو وسألته، استطراداً لحوار سابق عن مشروعه المذكور، ‘هل تؤمن بالله؟’. فوجئ لجرأة السؤال، ابتسم، كررت السؤال، ضحك كثيراً، وعندما أحرجته قال إنه سؤال شخصي".

يجول جوزيف عيساوي في شوارع بيروت ويختار ضيوفه عشوائياً. ليسوا نواباً أو سياسيين ولا أشخاصاً من أولئك الذين تصدّرهم القنوات التلفزيونية بوصفهم "خبراء". هم مارّة يمثلون المجتمع اللبناني، وعيّنة من فئات لطالما همّشتها البرامج التلفزيونية

لماذا طرح هذا السؤال؟ "ربما بسبب محاولة التطهّر من تغميسي بالإيمان منذ طفولتي، وهي حال أيّ منا في الشرق"، يجيب عيساوي، مضيفاً أن للدين تأثيراً على الدولة والمجتمع ويوظَّف في مشاريع السلطة والحرب وبناء الشخصية، و"هذا الموضوع لطالما كان هاجسي".

بعدها طرح عيساوي السؤال نفسه على أصدقاء مثقفين ومبدعين وعلى مواطنين التقاهم في الشارع ولا يعرفهم ونشر أجوبتهم على فيسبوك في سلسلة فيديوهات تحمل عنوان "هل تؤمن بالله؟".



الدخول في الخصوصيات

تبدأ كل حلقة من حيث لا يدري الضيف. يستأذنه الدخول في الحوار من دون السماح له بالاعتذار. يطرح المواضيع الأحب على قلبه، على سبيل المثال وجود الله، الموت والحياة بعد الموت، الجسد، الجنس قبل الزواج والـ"سايبر سيكس".

عندما كان عيساوي يطرح هذه المواضيع والأسئلة على ضيوفه في الإستديو، كانت الإجابات تأتي غالباً منمقّة ومدروسة، لكي لا تحرج الحزب أو الطائفة أو المذهب أو الجمهور، علماً أن برامج عدّة له أوقفت بسبب حلقات تناول فيها مواضيع تُعتبر "تابو" في مجتمعنا.

أما ضيف "الشارع"، فيجيب بعفوية. قد يقول إن "الأغنياء أوجدوا الله لكي يعبده الفقراء" ويتخدّروا بمقولة "لتكن مشيئتك". منهم مَن نسي كيف يصلي أو اسم النبي الذي يؤمن به، في حين أنه يقرّ بإيمانه العميق وبأن جائحة كورونا هي "رسالة من الله من أجل التوبة والعودة إلى الجذور".

يعتبر عيساوي أن كل عابر/ة سبيل "يقدم للحوار مادة خاصة سواء بالإجابة أو بلغة الجسد وردود الأفعال المختلفة على السؤال بل على مباغتته بالتصوير غالباً من دون إذنه أو تحضيره".

تبدأ كل حلقة من حيث لا يدري الضيف. يستأذنه جوزيف عيساوي الدخول في الحوار من دون السماح له بالاعتذار. يطرح المواضيع الأحب على قلبه، على سبيل المثال وجود الله، الموت والحياة بعد الموت، الجسد، الجنس قبل الزواج والـ"سايبر سيكس"

ويقول: "وفقاً لقناعاتي، كل فرد هو مكوّن خاص، مهما كان منمّطاً بالتربية والقيم العامة، وبالتالي، سأستغل أي ظرف أو لحظة لقاء بأي فرد لأغتنم منه قليلاً من خصوصية تجربته وإحساسه عبر إثارة استغرابه والبعض من الاستفزاز مع طمأنته ما أمكن، ليدلي بما قد لا يقوله لأقرب المقربين. وهنا الكاميرا قد تكون عائقاً كما قد تغدو حافزاً يدفع إلى الاسترسال، ما يمنحني سلطة المغامرة بالذهاب أبعد في النبش".

وسائل إعلام ما بعد "حداثية"

هل يفكر عيساوي في تطوير فكرة فيديوهات "كورونا كل سنة مرة" وما فيها من حوارات عفوية يصورها، والبحث عن تمويل للوصول إلى عدد أكبر من المشاهدين؟

يجيب: "في المجمل، تناول الإعلام التقليدي الفيديوهات والحوارات القصيرة باعتبارها فتحاً لا تتحمّله إلا وسيلة تواصل ما بعد حداثية كفيسبوك، إذا صح إطلاق هذه الصفة عليه. على فيسبوك كما في التلفزيون طرحت ما يشغلني بلا رقابة، ولكن باستفزاز مدروس، أحياناً. ولكن هل أتجّه إلى تطوير الفكرة مستقبلاً كما يلّح عليّ أصدقاء، لبث نتاج مرئي يخاطب العقل والمنطق بلا جفاف بل بأفكار ممتعة خلاقة؟ بكل صراحة، مسألة البحث عن التمويل والممولين بعد تقديم الاقتراحات ترهقني، ولكنني أميل الى صياغة عمل وثائقي انطلاقاً من هذه الفيديوهات الكورونية".

تغييرات فلسفية وعملانية

يعتبر عيساوي أن لكل وسيلة إعلامية "أجندتها ومشغّليها"، و"عندما لم يعد لي متسع فيها عدت أولاً إلى الشعر، فالشعر هو أيضاً سؤال، سؤال الوجود ومساءلته كما مساءلة اللغة والذات والآخر. لكن "الفيديو آرت" والصحافة تبدوان حاجة ضرورية أيضاً لمصاحبة التبدلات الكبيرة في مجتمعنا والعالم، من هنا أتت فكرة العودة إلى البرامج أو الحوارات عبر فيديوهات الهواتف الذكية".

يربط عيساوي الحاجة إلى برامج حوارية غير تقليدية عبر وسائل إعلام غير تقليدية بطرح تساؤلات ختامية تفتح باب الاحتمالات على تغيير حتمي. يتساءل: "هل كورونا نذير بتفرقة الولد عن أبيه والبنت عن أمها، والعاشق عن معشوقه والصديق عن صديقه؟ هل كورونا إله القرن الحالي المبشر بمزيد من الحياة الافتراضية والتكنولوجيا الرقمية واستبدال قيم اجتماعية وثقافية وسياسية بأخرى جديدة، بما بات يُعرف بـTranshumanism حيث يمتزج الإنسان بالآلة مع ما يعني هذا من تشييء للمشاعر والانفتاح على طبيعة ثانية في الطبيعة البشرية ومزيد من السيطرة على الطبيعة الخارجية وانتهاكها منذ مستهل الثورة الصناعية؟".

في فيديوهاته، عرّى عيساوي، بإيجابية، المجتمع اللبناني وظَهَّرَ "فسيفساء" بيروت "عالماشي". هي تجربة جديدة له تسمح لمتابعها بأن يعيش هو الآخر تجربة جديدة: أن يستمع إلى الكثير الكثير الذي يستطيع "الناس العاديون" قوله.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard