"المطلوب منك حاجة واحدة: تخرس خالص وتسمع كلامي لحدّ ما أشوف شغلي".
بهذه الكلمات يبدأ رامز جلال محاورة "ضحايا" برنامجه "رامز مجنون رسمي"، حيث يُطبّع "التعذيب والتحرش والعنف والسادية"، بحسب وصف الحقوقية والباحثة الاجتماعية رشا جرهوم.
تتجدد المطالب بوقف "مقالبه" كل عام، منذ أن انطلقت في رمضان 2011 بـ"رامز قلب الأسد"، مروراً بـ"رامز ثعلب الصحراء" (2012)، و"رامز عنخ آمون" (2013)، و"رامز قرش البحر" (2014)، و"رامز واكل الجو" (2015)، و"رامز بيلعب بالنار" (2016)، و"رامز تحت الأرض" (2017)، و"رامز تحت الصفر" (2018)، و"رامز في الشلال" (2019)، وصولاً إلى "رامز مجنون رسمي". علماً أن جميعها فشلت.
لكن المطالبات بوقف البرنامج جاءت هذه المرة أكثر حدّة وجديّة. فإن كانت المقالب السابقة مقبولة برغم قسوتها أحياناً، فإن تقييد شخص على كرسي، ومنعه كلياً من الحركة، وتعريضه للكهرباء واستفزازه والتحكم بحركة مقعده، أمور ليست مقبولة إطلاقاً.
عدا الإساءة الجسدية، يشمل المقلب إساءة نفسية إذ يشهد الضيف، وهو مقيد على الكرسي، "المزح على معاناته، وإجباره على الغناء والتذلل لرامز في مقابل حريته"، كما يشمل تعليقات يتخللها تحرّش لفظي، وإهانات من قبيل: "يا أمينة... حَ نزودها شوية ونعمل أشياء مهينة"، كما قال رامز في حلقة الممثلة أمينة خليل التي عُرضت في 27 نيسان/ أبريل، علماً أن هناك تعليقات لا يسمعها الضيوف خلال تسجيل الحلقة، بل يفاجأون بها لدى عرضها.
من تعليقات رامز التي أغضبت فريقاً كبيراً من الجمهور، "تقديمه" للفنانة غادة عادل في الحلقة الأولى بقوله (دون علمها بهذه الكلمات): "الضيفة شرفتنا قبل كدة بس المرة الأولى كانت مدام لكن دلوقت المعطيات اختلفت، والمدام بقت مطلقة متحررة بعد ما كانت ترضع وتكرع بقت على أغاني المهرجانات ترقص وتبرطع، بعد ما كانت ست الحبايب بقت سكر ودايب، والموضوع بقا سايب في سايب واللي زاد وغطى إنها حلوت وبقت بطة... معانا ومعاكم أحدث عضوة في نادي المطلقات غادة عادل".
ويستدرج رامز جلال ضحاياه هذا العام في برنامج من تقديم الإعلامية أروى.
"الحياة في النهاية منافسة"
في هذا السياق، يقول طبيب الأمراض النفسية وعلاج الإدمان، علي قرقر، لرصيف22 إن "الصورة التي يظهر فيها رامز جلال في برنامجه 'تحاكي' اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع أو ما يعرف لدى غير المختصين بالسيكوباتية". وأوضح أنه استخدم مصطلح "يحاكي" لأن "البرنامج من المفترض أن يكون ترفيهياً، فربما أغلب ما فيه من أمور مُرتبة بين المنتجين والضيوف".
وأشار إلى أن هناك أخطاراً تخص متابعة البرنامج، وخصوصاً على بعض الأعمار، قال: "لا أقول إن مشاهدة العنف على التلفاز تعلّي معدلات الجريمة لكن تطبيع المزاح القاسي ليس سيناريو جيّداً. قد تكون مشاهدة حلقات رامز وردود أفعال الضيوف قاسية لبعض المصابين باضطرابات القلق أو بنوبات الهلع تحديداً، ومحفزة لتفاقم حالتهم...".
ولفت إلى أن هذا النوع من البرامج ليس جديداً، وأن مشاهدة الآخرين في مآزق حرجة ظاهرة قديمة منذ أيام برنامج America's Funniest Home Videos الذي عُرضت الحلقة الأولى منه عام 1989 واستمر 29 موسماً، وقد أطلق الألمان مُسمى schadenfreude عليه وترجمته الحرفية: متعة الأذية.
وذكّر قرقر بأنه من المنطلق الدارويني (نسبةً إلى عالم الأحياء تشارلز داروين)، فإن مشاهدة أفراد عرضة للأذى، تمنح المتلقي "إحساساً بتجاوز الآخرين أو التقدم في الحياة".
وتابع: "مثلما تمنح مواقع التواصل إحساساً بتفوقك على الآخرين بإظهارك الجوانب الجيدة من حياتك، كذلك تشيع مشاهدة التعذيب الإحساس نفسه لدى لجم حدة المنافسة مع الآخرين، لأن الحياة من المنطلق الدارويني منافسة بين الأفراد على كسب الفرص والموارد".
"الصورة التي يظهر فيها رامز جلال في برنامجه تحاكي اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع"... طبيب أمراض نفسية يتحدّث عن #رامز_مجنون_رسمي ويحكي عن سبب رضى مشاهدين كثر على البرنامج
"يسيء إلى المرض النفسي والمريض النفسي"
وارتفعت الأصوات المطالبة جدياً بوقف البرنامج، من بينها مستشفى العباسية للصحة النفسية الذي أصدر في 28 أبريل/نيسان بياناً عاجلاً من خلال وزارة الصحة والسكان، ومما جاء فيه: "وجدنا أن البرنامج يحمل كثيراً من العنف والتعذيب والسخرية والاستهانة بالضيوف، والتلذذ بالآلام التي يسببها للأخرين، وممارسة التنمر عليهم وسط ضحكات مقدم البرنامج... وهذا ما نراه يمثل خطراً وشيكاً وتهديداً على الصحة النفسية للمواطن المصري، ومشاهدي البرنامج، كباراً وصغاراً".
وركّز البيان على أن "اسم البرنامج 'رامز مجنون رسمي' يسيء إلى المرض النفسي والمريض النفسي معاً".
وناشد مستشفى العباسية مستشار النائب العام، والمجلس الأعلى للإعلام، التدخل الفوري بغية وقف عرض هذا البرنامج لخطورته على الصحة النفسية.
"يحث على العنف والاستخفاف بالمشاعر"
وطالبت النائبة نادية هنري بوقف برنامج رامز جلال وكل فيلم أو مسلسل يحث على العنف أو الاستهزاء بمشاعر الناس. واعتبرت أن برنامج رامز "يُدمّر الأجيال المقبلة ويحثها على العنف والاستخفاف بمشاعر الآخرين لأجل التسلية".
وقام عضو مجلس النواب المصري المستشار مرتضى منصور بإرسال إنذار إلى وزير الداخلية للقبض على رامز جلال، كما ناشد وزيرة الصحة ومدير مستشفى الأمراض النفسية والعقلية حجز رامز جلال في المستشفى كونه "يرتكب عن عمد أفعالاً تعتبر جرائم يعاقب عليها القانون".
كذلك وجّه بلاغاً للنائب العام يطالب فيه بالتحقيق مع مقدم البرنامج وفريق عمله، وقدّم شكوى إلى رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، شدد فيها على ضرورة وقف البرنامج، موضحاً أن "رامز جلال غير مقيد في نقابة الإعلاميين ليقدم برنامجه، عدا أنه يقدم محتوى يجافي القانون. أضف أنه اعترف بأنه مجنون رسمي".
وجاء في منشور منصور على فيسبوك أن "شكواه معززة بمستندات كاملة واسطوانة مدمجة تثبت صحة كلامه".
"هذا العام بات الهدف في منتهى الوضوح، وهو هو الإيذاء من أجل الإيذاء على المستويين الجسدي والنفسي. وهذا في ذاته جريمة"... قراءة في برنامج رامز جلال هذا العام ولماذا يجب وقفه
"الهدف هو الإيذاء"
وكانت قد انطلقت في 27 نيسان/ أبريل عريضة عبر موقع Change.org تُطالب بوقف البرنامج، وقعها نحو 37 ألف شخص حتى اليوم. جاءت العريضة تحت اسم منى التي شرحت أسباب إطلاقها بالقول: "في الأعوام الماضية، رسم 'المقلب' حدوداً معينة للمشاهد، إذ يحدث الألم كعاقبة تلقائية للدعابة، ولم يكن الإيذاء هو الهدف، بل المقلب. ولكن هذا العام بات الهدف في منتهى الوضوح وهو الإيذاء من أجل الإيذاء على المستويين الجسدي والنفسي. وهذا في ذاته جريمة".
وأضافت: "الضحية الحقيقية التي لا بد أن ندافع عنها هنا ليست من المشاهير. فسواء تم الأمر بعلم الضيوف أم لا، فقد وافقوا على إذاعته من دون اعتراض. ولكن الخطر الحقيقي هو على المشاهدين الكبار والمراهقين والأطفال (علماً أن البرنامج ليس للكبار فقط) الذين يشاهدون البرنامج وتصلهم منه رسالة واضحة مفادها أن تعذيب الآخرين وممارسة العنف النفسي والجسدي طبيعيان بل مضحكان وممتعان".
"المصريين مش بحبوا العنف"
من الذين علقوا على البرنامج رسام الكاريكاتور والكوميدي محمد أنديل الذي قال إن برنامج رامز جلال "أصدق حاجة بتتعرض على التلفزيون المصري اليومين دول وأليق حاجة على مزاج وطباع ومشاعر المصريين... ونجاحه الساحق ده دليل على أنه عمل قادر يتواصل مع عواطف الجمهور بدقة".
وتابع في منشور له على فيسبوك، أنه كتب عام 2014 فيلم رعب كوميدياً عائلياً "فيه عيلتين مصريتين جُمال بيدبحوا في بعض في ظرف استثنائي شوية، وكان تعليق أحد صناع السينما المرموقين في مصر وقتها لما قرأ السكريبت أنه الجمهور المصري مش هايستسيغه عشان المصريين مش بيحبوا العنف". وعلّق: "ضحكت ضحك!".
وكان للإعلامية منتهى الرمحي التي تعمل في قناة العربية، التي هي إحدى القنوات التابعة لمجموعة "إم بي سي"، تعليق صادم بعض الشيء إذ غرّدت: "لا تشتموني أرجوكم. بس أنا بحب برنامج رامز مجنون رسمي... بيشبه الجنون اللي عايشين فيه. بصراحة بيضحكني".
وللفنانة شمس الكويتية تعليق من نوع آخر كتبته عقب عرض حلقة الفنانة ياسمين صبري، وهو: "اعطيني فلوس وركبني ترند وأنا مستعدة اتكهرب واتشقلب وأقول مقلب"، في إشارة إلى أن الضيوف على علم مسبق بالمقلب، ولكنها سرعان ما حذفت تغريدتها.
في سياق متصل، كشفت الإعلامية الكويتية مي العيدان عن أن ياسمين صبري تلقت مليونين دولار أمريكي "مقابل تتهزء مع رامز"، بحسب قولها، من دون أن تذكر مصدر معلومتها هذه، مضيفة: "شكله أبو هشيمة مو مكفيها"، في إشارة إلى ثراء زوجها الملياردير ورجل الأعمال أحمد أبو هشيمة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 4 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ 4 أيامحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...
HA NA -
منذ أسبوعمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ اسبوعينأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.