شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"تجربة قاسية ومؤلمة ولن أكررها"... ما تعيشه ممرضات فلسطينيات مع كورونا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

العالم العربي وكورونا

الأحد 26 أبريل 202006:32 م

كل شيء في حياة مرام زيناتي (24 عاماً) قد تحول تماماً. منذ بداية تفشّي كورونا في الداخل الفلسطيني المحتل، أصبحت تعمل في قسم كورونا الممتلئ بكبار السن، والذي يطغى عليه بطبيعة الحال الخوف والقلق، بعدما كانت تعمل في قسم الولادة الضاجّ بالأطفال، والحياة، والأمل.

شبَّهت مرام، تسكن مدينة "اللد"، وتعمل في مستشفى آساف هاروفي، انتقالها من قسم الولادة لغرف الحجر الصحي المختصة بمرضى كورونا بـ"الانتقال من الولادة إلى الموت".

تتذكر مرام تفاصيل يومياتها مع المرضى قبل انتشار كورونا، حيث الاحتكاك المباشر معهم، فهم يستطيعوا رؤية تعابير وجهها، وابتسامتها عند كل ولادة جديد.

أما انتقالها فهو يمثل تغييراً جذرياً في "طبيعة عملها"، كان من الصعب عليها التعامل مع مرضى كورونا، وبسبب اللباس الواقي لا يتمكنون من رؤية تعابير وجهها التي اعتادت أن تظهرها.

تقول مرام لرصيف22: "المرضى لا يستطيعون رؤيتي، فأحاول جاهدة أن أبعث التفاؤل فيهم، وأنني لست فقط معهم لعلاجهم؛ بل لأكون معهم نفسياً ومعنوياً، خصوصاً كبار السن، لأنهم في أغلب الأوقات لوحدهم، لا يتمكنون من الخروج ولا يستطيع أحد أن يزورهم، وفكرة موت أحدهم بدون تواجد أهله إلى جانبه مرعبة جداً، فأشعر أنهم مسؤوليتي".

"أخاف على أسرتي مني"

مع انتقال الفزع من الوباء لكامل أنحاء فلسطين، كانت هناك ممرضة أخرى، على بعد عدة محافظات من مرام، تقوم بتلبية نداء الواجب، هديل قيسي (22 عاماً)، تعمل بالإغاثة الطبية، ومتطوعة في فندق السان جورج للحجر في مدينة القدس.

تقول هديل إنها تحدَّت نفسها، ومخاوفها كثيراً حتى اتخذت قرار الانضمام إلى الطاقم الطبي لمواجهة فيروس كورونا، نظراً لقلة طاقم التمريض، وخصوصاً من الممرضات اللواتي قررن خوض هذه التجربة، وتعتبره "قراراً صعباً جداً".

عندما تذهب هديل إلى المستشفى، ينادونها الأطفال بـ"كورونا"، فتتضايق لعدم توعية أهاليهم لهم، وعندما تعود يتملّكها الخوف على إخوتها الصغار، أن تنقل لهم عدوى كورونا

أثار انتشار فيروس كورونا مخاوف كثيرة في نفس هديل ولكن مخاوفها دفعتها إلى تحدي نفسها، إضافة إلى أسباب إنسانية أيضاً.

عندما تخرج هديل إلى الشارع مرتدية لباسها الواقي، يبدأ الأطفال بمناداتها "كورونا"، مما يجعلها تشعر بالضيق لجهل الأطفال وعدم توعية أهلهم لأهمية التباعد الاجتماعي، والأخذ بأهم أسباب الوقاية خوفاً من انتقال العدوى.

أما عند عودتها إلى البيت، فتتملكها مخاوف أن تنقل المرض لأهلها وأخوتها الصغار من غير قصد بسبب طبيعة عملها، فتحاول دائماً أن تظل باللباس الواقي، وارتداء الكمامة والقفازات باستمرار، تقول هديل: "عند وصولي إلى البيت أتجنب السلام على أي أحد، أخلع ملابسي وأنا على باب البيت، وأضع المعقمات عليهم، وأقوم بتنظيفهم منفصلين عن باقي الملابس، والقفازات أضعها بالقمامة فور وصولي، لأن إخوتي صغار وأخشى أن يحصلوا عليها، بطريقة ما، واللعب فيها".

"لا أنام"

ترتدي الممرضة حنين شوكت صباحاً لباسها الواقي وكمامتها، تحسباً لإقامتها في مركز الحجر الصحي في محافظة أريحا، وبداية "معركتها اليومية" التي اعتادت عليها منذ ما يقارب الخمسين يوما.

منذ الأيام الأولى لشهر مارس وإعلان حالة الطوارئ في فلسطين، قررت الممرضة حنين شوكت (27 عاماً) من قرية مجدل بني فاضل القريبة من نابلس، أن تتوجه لمركز الحجر في أريحا، وتتطوع دون أي مقابل مادي، في صفوف الممرضات اللواتي قررن أن يخضن تجربة محاربة 19-COVID في فلسطين.

تقول حنين لرصيف22: "أنا بالكاد أجد وقتاً للراحة والنوم، إرهاق وتعب شديدان، وعمل متواصل طوال الوقت".

في وقت متأخر من يوم 15 إبريل، تمكنتُ من الحديث مع حنين عبر الوتس آب، أثناء أداء مهامها في مركز الحجر ذلك اليوم، أخبرتني أنها لم تجد أي وقت فراغ خلال النهار لتتمكن من محادثتي فيه، "أنا الممرضة الوحيدة المقيمة في الحجر منذ بداية الأزمة، ولا يوجد أي ممرض أو ممرضة بدوام ثابت داخل الحجر".

تقول حنين لرصيف22: "أداوم في الحجر 24 ساعة متواصلة، والسبب في عدم رجوعي إلى بيتي، أولاً خوفي على صحة أهلي وعائلتي، والثاني بسبب منع التجول وصعوبة إيجاد المواصلات والتنقل بين المدن، فكان قراري هو الإقامة في الحجر الصحي".

"عشت أكثر تجاربي الإنسانية في الحجر الصحي".

بصفتها مقدمة رعاية صحية، تعتبر عملها ذا بعد إنساني، لذا بدأت العمل من يومها الأول في مراكز الحجر، وقضت "وقتاً صعباً"، تقول حنين: "عشت في الحجر الصحي أكثر التجارب الإنسانية التي وضعتني في مواقف أشعر فيها بإحساس وخوف المرضى من هذا الفيروس، فأضع نفسي مكان كل مريض بشكل دائم".

اتخذت الحالة الراهنة في البلاد عند حنين منحى آخر، فعندما قررت أن تتطوع لأداء ما تراه "واجبها الإنساني"، وهي ممرضة غير مثبتة في وزارة الصحة، تقوم بكافة أعمالها دون حصولها على أي مبلغ مادي، ودون أن تكون في وظيفة رسمية، وتصف تجربتها "بالكفاح الذاتي"، متمنية أن يتم إعادة النظر بشأن الممرضات المتطوعات في فلسطين من قبل الحكومة.

"تجربة أتمنّى عدم تكرارها"

لم تكن تقدر الممرضة حنين أبو هنية (33 عاماً)، حجم التعب والمعاناة في تجربتها بالحجر الصحي في مدينة الخليل، بعد أن كانت متحمّسة في البداية.

تحكي حنين عن تجربتها: "عملي في الحجر الصحي وتحت هذه الظروف هو شيء جديد علي، وتجربة فريدة، أتمنى عدم تكرارها، ولم أكن أتوقع أن تكون بهذه الصعوبة والمعاناة النفسية السيئة، فالتعامل مع الفيروس والمصابين يكون بمنتهى الحذر، واتخاذ أساليب وقائية غير معهودة، وصعبة، ومقلقة جداً، خاصة أن الحالات التي أتعامل معها ليست كباقي الحالات، والمرض الذي أتعامل معه يختلف عن باقي الأمراض التي تعاملت معها سابقاً في عملي المعتاد".

تتذكر حنين أكثر المواقف التي أثرت فيها أثناء هذه التجربة الصعبة، تقول لرصيف22: "تعاملتُ مع أم مصابة بفيروس كورونا، كانت حالتها النفسية سيئة جداً، وتشعر بالندم لما حصل لها ولعائلتها، تبكي ليل ونهار، تشعر بالحزن من مصيرها غير المعروف، كنت أشعر بها، وأخاف أكون مكانها، وأسبب الضرر لأهلي، أحيانًا كنت أنهار من هذا الحال وأبكي معها".

"أنهار باكية مع مصابة".

تشاركها حالتها النفسية تلك، مرام، حيث اعتادت أن تشعر بإحساس سيء عند تدهور صحة أي مريض، حتى أنها في بعض المرات كانت تبكي، تقول: "هذه التجربة جعلتني أتقرب من الله، وأضع نفسي في مكان كل مريض، وأدعي له أن يكون الله معه، ويعطيه القوة للتغلب على مرضه، وعودته لحياته الطبيعية".

عن طبيعة وقوة تحمل الفتيات الممرضات في الظروف الطارئة، يعلق الإخصائي والممرض صهيب أبو جحيشة، أن الخوف يزداد لدى الممرضات في حال ازدياد أعداد المرضى المصابين بالفيروس، واحتياجهم لأجهزة التنفس الصناعي، ومن هنا يظهر دور الممرضين الذكور، يبرر ذلك لرصيف22، عاكساً نظرة رجال في حقل التمريض للنساء: "الإناث بطبعهن مشاعرهن مرهفة أكثر من الذكور، في حال ازدياد الأعداد المصابة بالفيروس وكثرت حالات الوفاة وتفاقمت الأمور، ستصل الممرضة إلى مرحلة لا تستطيع التحمل وممكن أن تنهار نفسياً".

"الممرض والممرضة يعانون من الضغوط النفسية نفسها، سواء بالوضع الطبيعي أو بظروف كورونا، ولكن المرأة تعبر عن خوفها، وتنفس عن انفعالاتها ومشاعرها أكثر، وهذا يجعلها أقل عرضة لنتائج التراكمات النفسية السلبية، على عكس الرجال الذين يكبتون دموعهم بحكم تنشئتهم الاجتماعية"

وتنتقد الأخصائية راوية النتشة نظرة أبو جحيشة للممرضات، تقول لرصيف22: "الممرض والممرضة يعانون من الضغوط النفسية، سواء بالوضع الطبيعي أو بظروف كورونا، ولكن المرأة تعبر عن خوفها، وتنفس عن انفعالاتها ومشاعرها أكثر، ويكون البكاء أحد أساليب التنفيس عن هذا الضغط، وهذا يجعلها أقل عرضة لنتائج التراكمات النفسية السلبية، على عكس الرجال الذين بحكم تنشئتهم الاجتماعية التي فرضت عليهم عدم البكاء، وفرضت عليهم أن يكونوا أقوياء طول الوقت، وهذا بدوره يضغط الرجل أكثر، ويجعل تراكماته النفسية أعلى وأكبر من التراكمات التي تعيشها المرأة".

وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أن 2020 هو عام الممرضة والقابلة، ونصح الدكتور هانز كلوج، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أوروبا، في مؤتمر صحفي حول الصحة العقلية وفيروس كورونا، الممرضات والعاملين في القطاع الصحي، عندما يكونون تحت الضغط، أن يستخدموا تقنيات الاسترخاء البسيطة، مثل تمارين التنفس، استرخاء العضلات، التأمل الذهني، الاعتراف بالأفكار المزعجة عندما تحدث ومناقشتها مع الأشخاص من حولهم، لإيجاد حلول أفضل بشكل جماعي، وأن يبقوا إيجابين دائماً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard